الاثنين 12 كانون الأول (ديسمبر) 2011

حرب ليفي التي «أحَبَّها» : «لورنس العرب» فرنسي!

الاثنين 12 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par بيسان طي

«الحرب دون أن نحبها» مذكرات لمرحلة تمتد من 23 شباط إلى 15 أيلول 2011، حوّله ليفي إلى كتاب صدر أخيراً عن «غراسيه»، واحتل واجهات مكتبات كبرى في باريس. احتفظ ليفي ببعض الصفحات كما كانت لحظة تدوينها، وأعاد تحرير صفحات أخرى لتكون شاهدة على رحلة ما بين باريس وطرابلس، مروراً ببنغازي ومصراتة وجبل نفوس ونيويورك والقدس المحتلة والقاهرة و...

في مطار القاهرة، تساقطت عبر شاشات التلفزة الصور الآتية من ليبيا، يقدمها ليفي في كتابه في إطار وصف هوليوودي، ويلفت إلى أن فكرة واحدة سيطرت عليه مفادها أن التفرج، أو بالأصح عدم التدخل لدعم الشعب الليبي، يعني إنقاذ القذافي.

لماذا نتفرج على ما يحدث في ليبيا؟ الإجابة سيأتي بها ليفي انطلاقاً من عشاء جمعه في القاهرة بأحد زعماء حزب «الوفد»، حيث قال الأخير كلمته ضد التدخل الغربي في الشؤون العربية، مذكّراً بأن للعرب عدواً واحداً هو «إسرائيل»، فيصفه ليفي بـ «الغبي»، ويعقد العزم على إثبات أهمية الدور الدولي المنقذ لليبيا.

قبل ليبيا، ثمة محطة في القاهرة، ينظر إليها ليفي من خلال قناعاته السياسية، يتوقف طويلاً عند مشهد حرق العلم «الإسرائيلي» في العاصمة المصرية، يُفسر الأمر بأن الجيل الشاب ورث عن آبائه، وسواس «فاشية معادية للسامية».

الرحلة الأولى إلى طبرق، ستكون مليئة بالتفاصيل المشوقة، بما بشيه المخاطر، وستكون هذه السمة مصاحبة لكل رحلات ليفي إلى ليبيا، لن تمر رحلة واحدة «مرور الكرام»، مصاعب وأهوال، يجتازها بعناد مع رفاقه. كما أن الحوادث ستتكرر دائماً في بلد مشتعل بالثورة، لكنها ستُذلل مع مرور الوقت وازدياد شعبية ليفي في ليبيا، حتى صار في النهاية أشبه بنجم سينمائي، يتراكض الناس للمسه أو تصويره من بعيد بهواتفهم، وربما نشر الصور عبر الصفحات الإلكترونية.

منذ الأيام الأولى، يبدأ ليفي زياراته إلى الثوار، لا يشرح كيف عرف الطريق إليهم، لكن علاقته بهم ستتسم دائماً بالمودة والثقة.

بنغازي المحطة الأبرز في الرحلة الأولى، لكن الطريق إليها تمر عبر ذكريات وتاريخ شخصي، لا نقرأ قصص المواجهات، بل حكاية جد ليفي لأمه، اليهودي المغربي الذي عشق الصحراء ومات فيها. لن يجد ليفي صعوبة في الوصول إلى هدفه : فالمبنى الذي كان المراكز الرئيسة لحكم القذافي صار مقراً للمجلس الوطني الانتقالي.

يعترف ليفي بأن أسمه لم يكن معروفاً بالنسبة إلى أعضاء المجلس الانتقالي الليبي، رغم ذلك تمكن من التقدم بينهم حتى طلب مقابلة الرئيس مصطفى عبد الجليل، ووُعد بها. بعد أربعة أيام على بدء الرحلة إلى ليبيا، سيتلقى ليفي وعداً بأن يكون من أوائل العارفين بالولادة الرسمية للمجلس الانتقالي. ولن يتأخر اللقاء الأولى بعبد الجليل، لقد تم في 5 آذار في منزل على الطراز الكولونيالي. سيلقي ليفي خطبته الأولى «بنغازي ليست فقط عاصمة ليبيا الحرة، إنها عاصمة كل النساء والرجال الأحرار في العالم... معركتكم هي معركتنا»، وبعفوية كبيرة، وبمبادرة شخصية منه يقدم ليفي اقتراحاً بنقل رسالة من عبد الجليل إلى ساركوزي. هذه المبادرة ستكون وفق ما يصوره الكاتب، الحجر الأساس للتدخل الفرنسي والغربي لدعم ثوار ليبيا. ولم يخيب ساركوزي أمل ليفي، كما فعل رؤساء فرنسيون قبله، حين تعلق الأمر بـ «إنقاذ» البوسنة أو الزعيم الأفغاني مسعود شاه أو...

زيارة الوفد الليبي الأول إلى الإليزيه تمت بعدما وجه ساركوزي تحية تقدير بمناسبة ولادة المجلس الوطني الانتقالي، وقال له زائروه يومها إن الأهالي في بنغازي ودرنة وغيرهما يطالبون بتدخل عسكري فرنسي لدعم الثوار ضد القذافي.

وفق ما يروي ليفي، كان ساركوزي يمتلك قناعة بضرورة هذا التدخل لكنه كان يخاف «تكرار الخطأ الذي ارتكبه بوش في العراق». على أي حال، ستشكّل قضية الحرب على العراق هاجساً كبيراً بالنسبة لصاحب «الحرب دون أن نحبها»، يغيب عنها ثم يعود إليها في فصول متباعدة من الكتاب، يأتي على ذكرها في إطار نقاش مع ساركوزي، أو مع الذات، أو في إطار ردود على مقالات كُتبت ضد التدخل في ليبيا، ويخلص إلى أن الحرب الأخيرة مختلفة لأنها «حرب عادلة».

سنكتشف كيف أراد ساركوزي أن يبني توافقاً وتعاوناً أوروبياً لإنجاح تدخله ضد القذافي، ولنقل مشروع الحرب إلى الأمم المتحدة. هذا التوافق لن يتم التوصل إليه بسهولة. سيكون رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون أول المنضمين للتحالف، ثم سيسبق سفير فرنسا في المنظمة الدولية زميله الأميركي، ليقدم مشروع بلاده حول عملية التدخل في ليبيا، وفق ما أسر ساركوزي لليفي.

ينقل ليفي عن لسان ساركزوي مراراً تخوفه من الموقف الأميركي، يقول في اتصال به في حزيران إن أوباما بدأ يغيّر رأيه بالنسبة للحرب. يشرح ليفي كيف تمكن من جمع أحمد جبريل بهيلاري كلينتون في باريس، وكيف خرج جبريل غاضباً لأن وزيرة الخارجية الأميركية لم تنبس بكلمة، ثم نكتشف لاحقاً أنها تأثرت كثيراً بما سمعته. يذهب ليفي في إطار مهمته - أو مغامرته - إلى نيويورك، فنكتشف أن الرأي العام غير محبذ لتدخل في ليبيا بسبب حربي الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان. سنقرأ أن سفير الولايات المتحدة في ليبيا حدّث ليفي عن إمكانية تقسيم ليبيا إلى بلدين، إذا كان هذا الأمر سيساهم في تأمين المصالح الغربية.

سيحضر ليفي كل الاجتماعات بين ساركوزي وموفدين من المجلس الانتقالي، بعض الرحلات إلى فرنسا سيشارك فيها رجال أعمال، بل ان رئيس شركة «بنهارد» لتصنيع الأسلحة التقى أعضاء من الوفود الليبية، واتفق معهم على بعض الصفقات.

يلفت الكاتب الفرنسي إلى انه هو من كتب خطابات للمجلس - ولرئيسه مصطفى عبد الجليل - ليتم توجيهها إلى المجتمع الدولي. بعض هذه الخطب لم يُعلن عنها، كما كتب ليفي «منيفستو» رؤساء القبائل من أجل ليبيا الموحدة، وراحت التواقيع عليه تتزايد، حتى اعتنقه أقارب للقذافي. بل ينسب ليفي لنفسه دوراً أبعد من التحريض على دعم الثورة، يقول انه صاحب فكرة تسليح أبناء جبل نفوس (العرب والبربر) ليتقدموا نحو طرابلس، فيؤازروا ثوار مصراتة. كما أنه أرسل توجيهات «إلى الدوحة وبنغازي لتأكيد فرضية تورط القذافي في مقتل القائد العسكري عبد الفتاح يونس».

التقى ليفي مرسلين من سيف القذافي، في محاولة ليكون عراباً للقاءات بين طرفي النزاع الليبي، لكنه لا يبدي أية مرونة في مطلب تخلي القذافي عن السلطة. أبعد من ذلك أيضاً، يقول ليفي إنه هو من تمكن من إحداث شرخ في الكتلة الأفريقية المساندة للقذافي، من خلال التواصل مع الرئيس السنغالي وإقناعه بالانضمام إلى الموقف الفرنسي.

ميدانياً، ستتكاثر طلبات الإمداد بأسلحة، كما تكثر الشكاوى من بطء تجاوب الناتو مع طلبات الثوار أو معلوماتهم حول عمليات يشنها القذافي.

من بنغازي إلى مصراتة، فدرنة وجبل نفوس سيزور ليفي وأصدقاؤه مراكز عسكرية ومواقع قتال وتدريب، وسيطلبون الاطّلاع على أسرار عسكرية وغيرها.

يكشف ليفي أن أحد أعضاء المجلس الانتقالي - دون أن يسميه - طلب منه نقل رسالة إلى «الإسرائيليين» مفادها أن العلاقة معها ستتحسن، واليد إليها ستكون ممدودة. ينقل الكاتب الفرنسي الرسالة إلى نتنياهو وباراك وليفني، لكن ردة فعل الشارع الليبي الغاضبة تدفع صاحب الرسالة إلى طلب تكذيبها. في هذا الإطار، سيتحدث عن رحلات إلى «إسرائيل» للمشاركة في حوارات حول الربيع العربي (فقط!)، ويطرح نقاشاته مع «الإسرائيليين» الذين يعيشون الخوف من هذا التغيير، ويؤكدون له «لن ندعمها حتى لا نثير مخاوف صديقنا ملك الأردن وملك السعودية الذي تربطنا به علاقات سرية».

سنقرأ، من خلال محادثة بين ساركوزي وليفي، أن قوات التحالف الدولي تجنبت، حتى شهر تموز، توجيه ضربات لقاعدة جوية خاصة بالقذافي لتسمح له بالهروب، ثم رسالة من جبريل إلى الرئيس الفرنسي في 12 آب بأن ساعة الحسم والدخول الى طرابلس اقتربت، وفي 17 منه يقول ساركوزي للكاتب الفرنسي إن أسلحة وصلت لدعم الثورة من مصراتة إلى طرابلس، وأن سيف القذافي اتصل بالإليزيه في 18 آب، لكن ساركوزي رفض التحدث إليه.

إنها ليبيا كما يريدها ليفي، حيث الإسلاميون يؤمنون بإسلام معتدل، وإن كانوا في أفغانستان فليعملوا كمدرسين، إنهم متصالحون مع الغرب، ويوافقون بن لادن في حربه ضد السوفيات، وضده في كل الخيارات الأخرى.

إنها ليبيا التي لن تكون جاحدة ولا ناكرة للجميل الفرنسي، كما كان حال إيران بعد الثورة «ففي ليبيا بعد الثورة لا مكان لخميني مجنون وخطر».

الكتاب يبدو موجهاً بصفة رئيسة للقارئ الفرنسي، يبدو وكأنه صدر على عجل، لم يقم كاتبه بأي جهد بحثي أو تدقيقي، تراه يراكم الصور النمطية، لابس الجلابية سلفي مثلاً، أو يطلق عبارات تظهره بمظهر صاحب الحق في هذه الحرب، فالمناطق التي تسيطر عليها قوى القذافي تُسمى بالمستوطنات، لكن للكتاب هدفاً واحداً هو الابتعاد عن الأسئلة المهمة، أهمية الكتاب في الفراغات الكبيرة التي لا يملأها، هذه الفراغات ذاتها مثيرة للقلق، والأرجح أنها ملك مراكز القرار والاستخبارات. كيف تم تدخل الناتو؟ لماذا تدخلت فرنسا؟ هنا تلفتنا جملة ينقلها ليفي عن معارضيه، يقولون «كيف لنا نحن المستعمرين القدامى أن نمتلك الحق مجدداً في التدخل في شؤون دول أخرى؟».

من الأجوبة القليلة والمقنعة الواردة في الكتاب حول هذا التدخل، نقرأ ليفي يكتب أن من يريد التأثير في المجتمع الليبي - والعربي - بعد الثورة، عليه أن يكون موجوداً وفاعلاً منذ انطلاقتها، ثمة إجابة أخرى مقنعة، هذا الدور تتويج لكل المحاولات (الفاشلة) التي لعبها ليفي للتدخل في حروب أخرى.

ثم هناك جملة ستمر بخفر بين سطور الكتاب الضخم، الليبي علي زيدان في مؤتمر في باريس، ورداً على سؤال صحافين يقول إن «الاستقامة تحتم أن تُعطى الأولوية لفرنسا وللحلفاء حصة من النفط، اعترافاً بدورها في دعم الثورة».

الأخطر في كل ما نكتشفه في الكتاب، هو ربما هو ذلك الانقياد غير المشروط وراء رجل مجهول. حين سأل ليفي عبد الجليل «لماذا وثقت بي؟»، رد الأخير «رأيت في عينيك بريق الصدق»، جملة تنتمي لأدبيات زعماء عرب في الحرب العالمية، حين غرر بهم الحلفاء، ثم غدروا بهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2183044

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2183044 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40