تظهر حماس قدرتها على قراءة الوقائع وإعادة تقدير الموقف وهو ما يعني مراكمة الخبرات لدى قياداتها وتحولها إلى مؤسسة حقيقية، كما تظهر فتح قدرتها على المناورة في كل الظروف والأجواء وهو ما تميزت به تاريخيا، إذ هي تعيد الآن إثبات قدرتها على التحرك مع مختلف الأطراف على خطوط حركه مليئة بالمتناقضات، ونحمد الله أن التقى الطرفان أخيرا على ضرورة إنهاء التقسيم بين الضفة وغزة – وفق آليات الحوار والذهاب من بعد إلى آلية الانتخابات - بعد مرحلة مؤقتة تمارس الحكم فيها حكومة التكنوقراط التي ترضى عنها الحركتان وتحظى بدعمهما بما يمثل تجسيدا لفكرة وحالة القواسم المشتركة ولو مرحليا.
وبعيدا عن منغص وزارة الأسرى الذي جسد تبعات وبقايا ما جرى من صراعات سابقة، سار خلالها كلا الطرفين في طريقه وتحالفاته المتناقضة مع الطرف الآخر، فقد التأم شمل جناحي الحركة الوطنية الفلسطينية بعد افتراق وصراع كان في صفحاته إسالة الدماء والانقسام الحكومي والمؤسسي والسيطرة على الأرض بالقوة والذهاب بالتحالفات ضد الطرف الآخر، إلى خارج الإطار الفلسطيني عربيا وإقليميا ودوليا وهو ما استمر لفترة طال زمنها. الآن، ليس لأحد أن يقول إن هذا الطرف تنازل عن ثوابته أو أن أحدهما انتصر على الآخر، إذ الحكومة لا تجسد غلبة لأحدهما على الآخر، والأجواء التي سادت خلال الحوارات وانتهت إلى توقيع الاتفاق على تشكيل الحكومة، بدت إيجابية وواعية بشكل عام بالظروف الجارية والمحيطة ونتائجها على الصعيدين القريب والمتوسط على الأقل.
وفي تفسير أسباب الالتقاء فلعلها الحالة التي تمر بها الأمة من انقسام وتشتت على صعيد الجهد العام في مواجهة الآخر – أي آخر - ووقائع الانقسام والاقتتال الطائفي والسياسي التي تعيشها كثير من الدول العربية، والوضع الدولي بالغ التعقيد بمتغيراته، إذ تتغير عوامل قوة الأطراف الدولية دون أن تنتج تغييرا حاسما واضحا يمكن القياس عليه في رسم سياسات طويلة المدى.
عودة فتح وحماس إلى الالتقاء، لم تجر وفق قراءة لتغييرات جزئية أو طارئة أو مؤقتة، فالقراءة تشير إلى أن الخطوة بنيت هذه المرة على تغييرات ستحكم المشهد لمدى بعيد. لم يكن بالإمكان استمرار شرذمة الجهد الفلسطيني فيما الجهد العربي المشترك المساند للقضية الفلسطينية، صار في موضع الباحث عمن يسانده هو، كما لا أفق قريبا لتغيير حقيقي أو اختراق لتلك الحالة المأساوية الناتجة عن الاضطرابات والحروب والفتن الداخلية أو للصراعات بين الدول العربية التي صارت ضعيفة إلى درجة اتخاذ مواقف ضد بعضها على أساس علاقاتها مع أطراف إقليمية تقف ضد المصالح العربية، بما يسلب القرار العربي لمصالح تلك الدول الخارجية.ولا شك أن القراءة تأثرت بأحداث مصر وسوريا والعراق وليبيا وغيرها، وكان لها تأثيرها على كلا الطرفين، إذ لا أفق ظاهرا أمام الطرفين الفلسطينيين بأن تخرج تلك الدول من أزماتها ليكون لها جهد ودور – مع هذا الطرف أو ذاك - في وقت قريب.
ولا شك أن فتح وحماس قرأ كلاهما الوضع الدولي، وكيف عاد العالم إلى تحيزات وتحالفات متضادة وأن هناك من القضايا المتفجرة في العالم – التي سيطول وقت حسمها - صارت في أولوية اهتمام الأطراف الدولية من تلك القضايا المزمنة مثل فلسطين والعراق خاصة.
وربما رأى الطرفان – من جانب آخر - عمق التحولات في المواقف الدولية من إسرائيل، وكيف أن ألاعيب «إسرائيل» لم تعد تجد ذات الصدى لها في أمريكا وأوروبا لا شعبيا ولا رسميا، كما كان الحال سابقا.
إلا أن الأمور تستلزم الحذر، إذ قد يكون خلف تغيير مواقف السلطة رؤية غربية تتصور أن الفرصة حانت لتغيير مواقف حماس عبر جرها إلى لعبة سبق تجربتها – لعبة الحكم - وإن فتح صارت أقرب استراتيجيا للمواقف الغربية بما يجعلها أداة ضغط قوية، وربما يكون هناك رؤية غربية تقول إن الفرصة الحالية عربيا وإقليميا – الضعف العربي وتغيير نمط العلاقات مع إيران بعد الاتفاق النووي - تسمح بمحاولة تمرير اتفاقات سبق أن رفضتها حماس “في زمن قوتها” خلال تصاعد العمل المقاوم. وربما هم يستهدفون “خلع” حماس من السيطرة على غزة منفردة.
الاتفاق والحكومة أمر هام، واليقظة مطلوبة في زمن الفتنة العربية الكبرى الراهنة.
الجمعة 6 حزيران (يونيو) 2014
مخاطر حكومة الوفاق الفلسطيني!
بقلم:طلعت رميح
الجمعة 6 حزيران (يونيو) 2014
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
5 /
2182293
ar في هذا العدد وجهات العدد ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
23 من الزوار الآن
2182293 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 16