الأحد 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023

الأبعاد الدولية لمعركة طوفان الأقصى

الأحد 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023

كانت القضية الفلسطينية، منذ نشوئها في نهاية القرن التاسع عشر، ذات أبعاد دولية بسبب ارتباطها بالجهود الاستعمارية لتصفية إرث “الرجل المريض” العثماني، وانطلاق الهجمة الاستعمارية في اتجاه الأراضي التي كانت جزءاً من تلك الإمبراطورية. كان وعد بلفور المشؤوم نقطة انطلاق الجهد الدولي لإنشاء “وطن قومي” لليهود على حساب فلسطين وشعبها.

تَمَثّل هذا الجهد الدولي بلجنة كنغ – كرين الأميركية (1919)، ولجنة بيل (1938)، التي اقترحت تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقاليم، والكتاب الأبيض (1939)، الذي اقترح إنشاء وطن قومي لليهود خلال عشرة أعوام، وصولاً إلى قرار الأمم المتحدة 181، عام 1947، والذي أقر تقسيم فلسطين وإقامة “دولة اسرائيل”.

تحوّل الجهد السياسي ـ الدبلوماسي الدولي إلى جهد عسكري يدعم الكيان الجديد في حروبه أعوام 1948، 1967، 1973، في الوقت الذي وقفت قوى التحرر العالمي إلى جانب الشعب الفلسطيني، وقدمت كلّ الدعم الممكن إلى ثورته، التي مثلتها منظمة التحرير الفلسطينية.

استطاع العالم التقدمي تحقيق إنجازات سياسية مهمة لمصلحة القضية الفلسطينية، مثل قطع علاقات الدول الأفريقية بالكيان الصهيوني، وأخذ الجمعية العامة قراراً يَعُدّ الحركة الصهيونية حركة عنصرية. وبقيت القضية الفلسطينية نقطة استقطاب دولي حتى نهاية الثمانينيات عندما بدأ أفول نجم القوى التحررية التقدمية بانهيار الاتحاد السوفياتي، وسطوع نجم القطب العالمي الواحد، ممثَّلا بالغرب الرأسمالي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

كانت اتفاقيات كامب ديفيد نقطة انطلاق محاولات تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية محلية بين دول متجاورة، يمكن عقد اتفاقيات سلام بينها. جاءت اتفاقيات 25 أيار/مايو في لبنان، وأوسلو ووادي عربة، لترسخ هذا التوجه المحلي، لكنّ ضربات المقاومة أسقطت الحل المحلي، سواء عبر إسقاط اتفاق 25 أيار/مايو في لبنان، أو من خلال الانتفاضة الثانية ومعركة جنين في فلسطين، وصولا إلى حرب عام 2006، التي بلورت وجود محور إقليمي مقاوم، تقع قضية فلسطين في قلب اهتماماته وقضاياه.

بعد “الربيع العربي” المشؤوم عادت القوى الاستعمارية إلى محاولاتها تصفية القضية الفلسطينية، لكن هذه المرة في الإطار الإقليمي، وعبر ما سُمِّي “السلام الإبراهيمي”. كان جوهر تلك الاتفاقيات صناعة سلام اقتصادي، يمنح الكيان مجالاً لاختراق أسواق الدول العربية، ويكسر الجليد الذي صنعته حركات مكافحة التطبيع، وعزل الفعل المقاوم بصفته معادياً للتقدم والتطور الاقتصاديَّين. مرة أخرى، تدخلت قوى المقاومة داخل فلسطين، مدعومةً بمحور المقاومة، من أجل إفشال أوهام المؤامرة الجديدة. تصاعدت العمليات الفدائية داخل الضفة الغربية، وامتدّت المقاومة إلى الداخل الفلسطيني في أثناء عملية سيف القدس، حتى أصبح مشهد العلم الفلسطيني مرفوعاً على أحد الأعمدة في مدينة اللد المحتلة إعلاناً يُفيد بأن مصير الحل الاقليمي مشابه لمصير الحل المحلي: الفشل.

في لحظة مثلت عبقرية المقاومة، جاءت معركة طوفان الأقصى لتعيد القضية الفلسطينية إلى موقعها في صدارة القضايا الدولية القادرة على صناعة الحدث. هرعت القوى الاستعمارية، مع بداية المعركة، إلى دعم الكيان معلنة حقيقته، وهي أنه ليس سوى مستعمرة غربية غير قادرة على الصمود من دون دعم استعماري مباشر وعلى الأرض، عسكرياً وسياسياً.

احتشدت الأساطيل والغواصات والخبراء العسكريون، وأطنان من الذخائر والقذائف والأسلحة المحرَّمة دولياً، في مواجهة منظمة مقاومة لا يمكن أن تقارَن بأيٍّ من القوى المحتشدة في مواجهتها. الحرب قائمة، وهي مرشحة للتوسع، لتتحول إلى حرب إقليمية، وربما أكبر وأكثر تعقيداً من ذلك.

سياسياً، بعد استيعاب الصدمة الأولى، تحرّكت القوى الشعبية في جميع الدول العربية، وفي الدول الأجنبية، من أجل دعم الشعب الفلسطيني، وأصبح شعار “حرِّروا فلسطين” (Free, Free Palestine) علامة مسجلة في الساحات العالمية، ولم يعد الحديث عن الضفة أو القطاع، بل عن فلسطين، الأمر الذي مثّل استعادة للرواية الفلسطينية الأصلية، التي تعيد القضية إلى أصلها، الذي بدأ قبل 75 عاماً.

على الصعيد الاقتصادي، يبدي البنك الدولي قلقاً واضحاً من آثار ما يسميه “الصراع” في الشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي. يرى تقرير للبنك الدولي، نُشر في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، أن تأثير “الصراع” في الاقتصاد العالمي ما زال محدوداً حتى الآن، واقتصر بصورة رئيسة على ارتفاع سعر الذهب بنسبة 8%، لكنه يبدي قلقه من استمرار الحرب، وخصوصاً من توسعها، الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع الأساسية، الأمر الذي ينعكس سلباً على التوقعات الإيجابية للاقتصاد العالمي، الذي يتعافى من آثار الحرب في أوكرانيا.

في هذا المجال، يقول إندرميت جيل، رئيس الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية: “يأتي هذا الصراع الأخير في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب أكبر صدمة شهدتها أسواق السلع الأولية منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي حرب روسيا على أوكرانيا. ولهذه الصدمة آثار مدمرة في الاقتصاد العالمي، لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. لذا، سيتعين على واضعي السياسات توخي اليقظة والحذر. وإذا حدث تصعيد في هذا الصراع، فسيواجه الاقتصاد العالمي صدمةً مزدوجةً في مجال الطاقة، للمرة الأولى منذ عقود، ليس فقط من الحرب في أوكرانيا، لكن أيضاً من الشرق الأوسط”.

ما زالت معركة طوفان الأقصى تحقق إنجازات في جميع الجبهات. هذه الدماء والتضحيات، التي قدمها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، والمقاومة الإسلامية اللبنانية، لم تذهب هدراً. النصر الذي تحقق يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر يتعاظم ويتدحرج ليصنع لحظة النصر الأكبر والنهائي.

- عماد الحطبة
كاتب سياسي أردني



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2184265

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2184265 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40