الثلاثاء 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

السفن الحربية الإمبريالية في طريقها لإنقاذ الاستعمار الاستيطاني

الثلاثاء 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 par د. جوزيف مسعد

في اليوم الثاني من الحرب بين المقاومة الفلسطينية والمستعمرين الإسرائيليين، أمر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن حاملة الطائرات الأميركية يو. إس. إس. جيرالد ر. فورد، الأكثر تطوراً في الترسانة الأميركية، بالإبحار إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لدعم نظام الفصل العنصري والاستعمار-الاستيطاني الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

تضمّ حاملة الطائرات فورد صواريخ موجّهة وأربع مدمرات محملة بصواريخ موجّهة. وسترسل الولايات المتحدة أيضاً سفينة يو. إس. إس. نورماندي، وهي طرّاد صاروخي موجّه مسلّح بمدافع بحريّة، ومدمّرات يو. إس. إس. توماس هودنر، ويو. إس. إس. راماج، ويو. إس. إس. كارني، ويو. إس. إس. روزفلت. وأضاف أوستن أن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز تجهيزات الطائرات المقاتلة من طراز ف-35 الأكثر تطوراً في العالم، إلى جانب أسراب الطائرات المقاتلة من طراز ف-15، وف-16، وأ 10 المتواجدة في المنطقة. ومن المرجّح أن أوستن هنا إنما يشير إلى أسراب المقاتلات المتمركزة في القواعد العسكرية الأميركية في الدول العربية المجاورة، بما في ذلك الأردن والبحرين وقطر والمملكة العربية السعودية. ورغم أن هذا قد لا يكون أكثر من استعراض للقوة، إلا أنه إذا اختارت الولايات المتحدة استخدام قاذفاتها ضد الفلسطينيين، فمن غير المرجّح أن تعترض الأنظمة العربية أو تستطيع أن تعترض على ذلك، حتى لو أرادت. وأضاف أوستن أن إدارة بايدن «ستزوّد جيش الدفاع الإسرائيلي بسرعة بمعدّات وموارد إضافية، بما في ذلك الذخائر. وستبدأ المساعدات الأمنية الأولى بالتحرّك اليوم وستصل خلال الأيام المقبلة».

هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إرسال سفن حرب أميركية أو أوروبية لحماية المستعمرين في فلسطين. فعندما قامت مجموعة من المتعصّبين البروتستانت الأميركيين البيض، المعروفين باسم «ديكسون»، بتأسيس «مستعمرة الإرسالية الأميركية» في يافا عام 1854 وقاومهم السكّان الفلسطينيون الأصليون الذين هاجموا مستعمرتهم عام 1858 وقتلوا عدداً منهم، أرسلت الولايات المتحدة الفرقاطة البخارية «واباش» التي كانت ترفع العلم الأميركي إلى شواطئ فلسطين للضغط على العثمانيين لمحاكمة القتلة.
وقد اتخذ الألمان إجراءً مماثلاً بعد عقدين من الزمن دفاعاً عن المستعمرين البروتستانت الألمان المتعصّبين. فخلال الحرب العثمانية الروسية 1877-1878، جاءت السفن الحربية الألمانية إلى شواطئ فلسطين للدفاع عن المستوطنين الأصوليين الألمان المعروفين باسم «الهيكليين» أو «التمبلرز» في حالة تعرّضهم لهجوم، وفي هذه العملية أجبر القنصل الألماني العثمانيين على الاعتراف بمستعمرات «التمبلرز»، وهو ما كانوا قد رفضوا القيام به حتى ذلك الحين. في الواقع، كان «التمبلرز» يأملون في تحويل فلسطين إلى دولة بروتستانتية، وكانوا يتوقّعون منحها لألمانيا في نهاية تلك الحرب، فكانت خيبتهم كبيرة عندما لم يتحقّق لهم هذا. وبعد ذلك بثلاثة عقود، خلال انتفاضة حركة «تركيا الفتاة» في القسطنطينية عام 1908، عندما هاجم الفلاحون الفلسطينيون المستعمرات الألمانية، أرسل الألمان سفينة حربية مرة أخرى إلى حيفا للدفاع عن المستوطنين.
ad

قبل بضعة أسابيع، وتحسباً للذكرى الخمسين لحرب 1973، عندما شنّت مصر وسوريا حرباً مفاجئة لتحرير شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان اللتين كانت إسرائيل تحتلّهما، أفرجت إسرائيل عن العديد من الوثائق السرّية المتبقّية المتعلّقة بتلك الحرب. وبالفعل، حتى هنري كيسنجر، الذي كان في ذلك الوقت وزيراً للخارجية الأميركية ومستشاراً للأمن القومي، كشف في مقابلة أجريت معه أخيراً عن التفكير الأميركي الذي أدّى إلى أكبر عملية نقل للأسلحة في التاريخ حتى ذلك الحين: «لقد عقدنا العزم منذ البداية لمنع النصر العربي». وأضاف: «كنّا على قناعة تامّة، منذ اللحظة الأولى، بأننا سنعيد الوضع إلى ما كان عليه».
وقد أكّد كيسنجر أنّنا «بنينا مناقشاتنا المبكرة حول الحرب على حقيقة أن التفوق العسكري كان لصالح إسرائيل». وعندما لم يتحقّق ذلك، أصبح من الضروري الاستجابة للطلبات الإسرائيلية المحمومة لإعادة الإمداد العسكري. لكن، وكما أفصح كيسنجر، «كانت هناك مشكلتان منفصلتان، المعركة المباشرة، والمعركة الطويلة المدى. ففي المعركة المباشرة، كان لزاماً على إسرائيل أن توقف تقدّم العدو وتشنّ هجوماً قبل أن يصبح من الممكن أن يحدث تدخّل دبلوماسي أميركي ذو معنى، ولقد حثثتهم على البدء بهجوم على بعض الجبهات - وقلت إننا لن نتحرّك دبلوماسياً إلا بعد نجاح ذلك».

أرسلت الولايات المتحدة على الفور حاملة الطائرات فرانكلين ديلانو روزفلت إلى شرق البحر الأبيض المتوسط للانضمام إلى حاملة الطائرات الأميركية إندبندنس، التي كانت متمركزة هناك مسبقاً. كما صدرت أوامر إلى حاملة الطائرات الأميركية جون إف. كينيدي للانضمام إليهما. وقد تم تعزيز هذه الجهود من خلال الجسر الجوي الأميركي الضخم للمعدّات العسكرية إضافة إلى نصائح كيسنجر للإسرائيليين حول كيفية مواصلة المعارك وضمان الدعم الدبلوماسي الأميركي. وقد تمّ دعم هذه الجهود من قبل وسائل الإعلام الأميركية العنصرية والمناهضة للعرب والمؤيّدة لإسرائيل، والتي قامت بالمَهمّة على أكمل وجه. وقد كانت الدعاية آنذاك كما هو الحال اليوم تزعم بأن مصر وسوريا قد اجتاحتا إسرائيل نفسها، في حين أنهما في الواقع كانتا قد اجتاحتا الأراضي المصرية والسورية التي احتلتها إسرائيل عام 1967. ونظراً إلى هذه السابقة الناجحة بدعم إسرائيل، يأمل الأميركيون أن يتمكّنوا من تكرار عملهم هذه المرّة أيضاً.

وفي الواقع، فإنّ وسائل الإعلام الأميركية التي تناصر الدعم الأميركي القوي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي كانت واضحة وبلا خجل منذ اللحظة التي قامت فيها المقاومة الفلسطينية بالرد على جرائم إسرائيل—عبر النفاق المعتاد والتعاطف العنصري مع ضحايا الحرب اليهود الإسرائيليين والصمت على الضحايا الفلسطينيين. وشأنه شأن كيسنجر، تعهّد وزير الخارجية الأميركي الحالي أنتوني بلينكن في اليوم الأوّل من الحرب «بتعزيز أمن إسرائيل». وشدّد على «دعم الولايات المتحدة الثابت لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها».

إنّ هذه الحملة الغربيّة المناهضة للفلسطينيين، والتي تنضمّ إليها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، لدعم المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية، تسير على قدم وساق الآن كما سارت منذ عام 1948، ملتزمة بالقدر نفسه ومن دون تردّد بهزيمة الشعب الفلسطيني صاحب الأرض المقاوم للاستعمار. فقد أعلن الألمان لقادة إسرائيل العنصريين اليهود أن برلين تقف «إلى جانبكم». وردّدت فرنسا المشاعر نفسها مؤكّدة «أننا نقف إلى جانب إسرائيل والإسرائيليين»، في حين أعلن البريطانيون أن المملكة المتحدة «تدعم إسرائيل».
وليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه البلدان إمّا مستعمرات استيطانية بحد ذاتها، كما الولايات المتحدة، أو دولاً استعمارية كانت قد أنشأت مستعمرات استيطانية عنصرية للبيض -امتدت من ناميبيا، وتنجانيقا، وروديسيا، وجنوب أفريقيا، إلى الجزائر، وتونس، وكينيا، على سبيل المثال لا الحصر- والتي دافعت عن المستوطنين البيض وأنظمتهم العنصرية باستخدام أكبر قدر من العنف من تسعينيات القرن التاسع عشر وحتى ثمانينيات القرن العشرين عندما دحرتهم مقاومة السكّان الأصليين في النهاية. وحتى لا ينخدع أحد بطبيعة إسرائيل الموغلة بالفوقيّة العنصرية، فقد وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الفلسطينيين في اليوم الثالث من الحرب بأنهم «حيوانات بشريّة». وبما أنّ إسرائيل هي آخر مستعمرة استيطانية في آسيا وأفريقيا لا تزال تحكمها قوانين ومؤسّسات عنصرية، فإنّ الغرب ينظر إلى بقائها على أنه موطئ القدم الأخير لأوروبا والولايات المتحدة لدعم العنصرية والاستعمار الاستيطاني خارج حدودهما ولأجل استهداف جحافل البرابرة من غير الأوروبيين الذين يصرّون على مقاومة الحكم الاستعماري والإطاحة به. وفي حين أنّ التهديد بالتدخّل العسكري الغربي لدعم إسرائيل قد يكون لأغراض دعائية، إلا أنّ المشاعر العنصريّة التي تقف خلفه هي مشاعر حقيقية تماماً وتعبّر عمّا يختلج في قلوب الغرب الأبيض.

وهذا الاصطفاف الغربي إنما يهدف إلى الحيلولة دون تحقيق الشعب الفلسطيني لحرّيته مهما كان الثمن. ولكنّ الحقيقة التي تجلّت في الأيام القليلة الماضية هي أن سعي الفلسطينيين إلى الحرّية ومقاومة القمع الاستعماري لا يمكن إيقافه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2184411

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184411 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40