المقاومة الفلسطينية في مواجهة عنصرية المستعمِر

 خريستو المر

نكتب هذه السطور على وقع روح مقاومة فلسطينيّة، تمرّغ عتاد وسلاح ومخابرات وتكنولوجيا وصلف وعنصريّة وخبث المستعمِر الإسرائيليّ ووراءه الأوروبيّ والشمال أميركي في التراب، وتفتّتها في ضحكات الأطفال الجالسين فوق مصفّحة عسكريّة غنمها المقاومون. ستبقى صور الجندي الذي كان يضرب ويهدّد ويقتل ويقتحم المنازل في أنصاف الليالي ويقنص الفلسطينيّين العزّل ضاحكاً، ستبقى صورته وهو مكبّل ورأسه تحت إبط المقاوم الذي يشدّ به إلى الأسر، ستبقى طويلاً في الذاكرة، سيحفظ أولادنا تلك الصورة مع صور المقاومين في الهواء والبرّ والبحر، ويكنزون الشجاعة والأمل ليراكموا القدرة على التحرير الكامل.

سيخرج العنصريّون في أصقاع الأرض، أولئك الذين سيتكلّمون عن المدنيّين وهم لا يأبهون للحمنا حين يدوسه الاحتلال الإسرائيليّ، قد يتكلّمون عن اختباء المدنيّين وهم لا يذكرون اغتيال الاحتلال للطفل محمّد الدّرة أو إحراق المستعمرين الصهاينة للرضيع علي دوابشة، أو عن مقتل مدنيّين وهم لا يذكرون قتل الاحتلال العَمْد للصحافيّة شيرين أبو عاقلة وزملائها من الصحافيّين من عزيز يوسف التنح (2000) إلى ياسر مرتجى (2018)، وسيتحدّثون عن خوف المدنيّين ولا يأبهون لقمع وخوف الفلسطينيّين اليوميّ، ويتحدّثون عن خطف ولا يأبهون لخطف الفلسطينيّين من بيوتهم ومن طرقاتهم وزجّهم في معتقلات الاحتلال دون محاكمة ونحن لا نعترف بمحاكم الاحتلال أصلاً.

سيفضح العنصريّون أنفسهم بأنفسهم حين يبكون الذي يحتلّ ويدينون المقاوم، فقط لأنّ الذي يحتلّ مستعمرٌ يشبههم ويخدم مصالحهم، ولأنّهم لا يرون في سلّم قيم الحياة الإنسانيّة الذي تستبطنه عنصريّتهم قيمة لحياتنا، فحياتنا غير مربحة لهم ومماتنا أربح. سيفضح العنصريّون عنصريّتهم، كما ننتظر، ونحن غير آبهين لأنّنا نستشرف في شجاعةِ وتخطيطِ المقاومين المستقبلَ الذي يعود فيها «الوحش الصاعد من الهاوية» إلى الهاوية.
يخشى البعض أنّ المقاومة دينيّة تستلهم الإسلام، والمحاصرون والمستضعَفون يستخرجون من مناجم تاريخهم كلّ مصادر القوّة، لأنّ أوجاع المسحوقين لا تحتمل انتظار الكمال، ومصدر القوّة غير العنصريّ وغير المتعالي كسبٌ للجميع ولو كان دينيّاً. في فلسطين الآتية الحرّة من الاحتلال يمكن للحاكم أن يتغيّر، ولطرق الحكم أن تتغيّر، أمّا الاحتلال وحكمه فلا يتغيّران، فالوجه العنصريّ الذي لا يتبدّل هو هويتهما الجامعة. كلّ آتٍ أفضل من الاحتلال، ونحن نتمنّاه محترِماً للإنسان وحرّيته ومساواة البشر بعضهم ببعض. ليست القدسات الأساس في الكنائس والجوامع وإنّما في البشر الذين يتوقون من بطون أمّهاتهم إلى الخروج إلى هواء الحرّية والحياة والفرح، والاحتلال يقتل هذا كلّه. لذلك «تقوم فلسطين ليس فقط بمقادسها ولكن بمجاهديها الميامين» (المطران جورج خضر)، ويجاهد كلٌّ في ميدان ويمكن للمهتمّين بشكل الحكم في فلسطين الحرّة أن يجاهدوا معاً بالتفكير بطريقة الحكم فيها منذ اليوم لأنّ الحرّية ستأتي، كما كنّا مؤمنين دائماً، واليوم هي أقرب.

أمام دكّ أهلنا في فلسطين بالصواريخ الفتّاكة، أمام الموت، يكاد الإنسان يتمنّى أن تأتي الحرّية دون قتال، دون موت أو وجع. ولكنّا نسمعهم يقولون بأفواههم وعيونهم وتصرّفاتهم، إنّهم توّاقون إلى الحرّية، إلى كامل الكرامة البشريّة، وإنّ الإجرام الصهيونيّ لا يتوقّف أكانوا سعوا إلى الحرّية أم لم يسعوا إليها، ولهذا هم ساعون، ويحتملون وحدهم أوجاع طريق الحرّية وكلفتها الباهظة.

أنتم يا أهلَنا الأبرياء المسحوقين، أنتم يا أهلَنا المقاومين، لكم منّا كلّ الإجلال، يا مَن تشهدون لأعجوبة انتفاضة الإنسان المستمرّة للتحرّر، يا من تشهدون لاحتجاج الحرّية البشريّة الدائم ضدّ ما يعتقلها، يا من تشهدون للاستعداد بالتضحية من أجل الكرامة البشريّة كمعنى للحياة، في عصر الوحشيّة في منطقتنا.