الاثنين 5 حزيران (يونيو) 2023

مناورات “اللكمة القاضية”وخيارات نتنياهو الصعبة

وسام ابو شمالة
الاثنين 5 حزيران (يونيو) 2023

بدأ جيش العدو “الإسرائيلي”، يوم الإثنين الماضي، مناورات عسكرية، تحت اسم “اللكمة القاضية”، ستستمر نحو أسبوعين، وستحاكي قتالًا متعدد الجبهات في الجو والبحر والبر، وعبر السايبر.

وأعلن المتحدث باسم “جيش” العدو أن المناورة ستختبر قدرة الجيش على الاستعداد لمعركة طويلة في عدة جبهات في الوقت نفسه، وتشارك فيها قوات الجيش النظامية والاحتياطية من جميع القيادات والأسلحة والألوية.

على رغم أن المناورة تأتي ضمن خطة معدة مسبّقاً في جدول مناورات جيش العدو، للعام الحالي، 2023، فإن سياق المناورة والمشهد العام المحيط بها يُضفيان عليها أهمية خاصة، كونها أتت في ضوء عدد من الأحداث والمتغيرات، في مختلف الجبهات، أبرزها:

- تنظيم مناورتين متتاليتين لحزب الله اللبناني، في غضون عشرة أيام. الأولى بعنوان “سنعبر”، والثانية تحت اسم “الفتح المبين”، حاكتا تحرير فلسطين، وحضرتهما وسائل إعلام محلية ودولية. وسبقت المناورتين زيادة مؤشرات التصعيد في الجبهة الشمالية، وتُرجمت عبر إطلاق نحو 34 صاروخاً في اتجاه مستوطنات شمالي فلسطين المحتلة، في منتصف شهر رمضان المنصرم، واتهام العدو لحزب الله بالمسؤولية عن عملية مجدو في شهر آذار/مارس الماضي، وأعقبتها تهديدات متبادلة بين الحزب والعدو، بوتيرة حادة وغير مسبوقة بين الطرفين، منذ عام 2006.

- جاءت المناورة العسكرية للعدو، بعد فشل عمليته العسكرية ضد المقاومة في الضفة الغربية، تحت اسم “كاسر الأمواج”، وفي ظل استمرار تنفيذ خلايا المقاومة عمليات عسكرية ناجحة، كان آخرها عمليتين قرب طولكرم ونابلس، أوقعتا قتيلاً وجريحاً من المستوطنين، على الرغم من عمليات اغتيال العدو المتكررة للمقاومين. كما أتت مناورة العدو بعد معركة “ثأر الأحرار” بين المقاومة الفلسطينية في غزة والعدو، والتي فشل فيها الأخير في تحقيق أحد أبرز أهدافه في المعركة، وهو ترميم صورة الردع. كما فشل رئيس وزراء العدو، بيبي نتنياهو، في تحسين شعبيته لمصلحة بيني غانتس، وزير الأمن السابق وأحد رموز المعارضة، وتراجع عدد مقاعد الائتلاف الحاكم لمصلحة المعارضة.

- جاءت المناورة بعد استئناف المعارضة للاحتجاجات الداخلية واستمرار الخلافات بشأن التعديلات القضائية، وعدم وجود أفق لنجاح المفاوضات بين الحكومة والمعارضة في منزل رئيس العدو إسحاق هرتسوغ. كما تستعدّ أحزاب اليمين المتطرف لتنظيم مظاهرات موازية تؤيد التعديلات القضائية.

- قبل أيام من المناورة، رفع قادة العدو في المستويين السياسي والعسكري، سقف التهديدات لكل الجبهات لدى قوى محور المقاومة، حتى ظن الجمهور أن الحرب باتت قاب قوسين أو أدنى.

- كما تأتي المناورة في ضوء التطورات في الملف الإيراني، وإعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية إغلاق التحقيق في المنشأة النووية “المشتبه فيها” في إيران، والتي تحدث عنها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، في خطاب ألقاه في أيلول/سبتمبر 2019. وذكرت الوكالة أنّ إيران قدّمت تفسيرات محتملة لجزيئات اليورانيوم التي تمّ العثور عليها في موقع ماريفان، غير المعلن عنه، في جنوبي طهران. كما تأتي مناورة العدو بعد تجدد الحديث عن استئناف الحوار بين الغرب وإيران بشأن الملف النووي، واحتمال التوصل إلى اتفاق نووي جديد قد يمنح إيران حق الاحتفاظ بقدراتها النووية. وفي المقابل، ترفع الولايات المتحدة جزءاً من العقوبات الاقتصادية عليها.

تعكس مناورة العدو، “اللكمة القاضية”، والتهديدات “الصاخبة” التي سبقتها، وصاحبتها، حالة الشك وانعدام اليقين للعدو، تجاه مختلف الجبهات، كما تعكس التطورات في الجبهات الرئيسة الثلاث، الفلسطينية والشمالية وإيران، ترابطاً أكبر بين الجبهات، على نحو انعكس على الطبيعة والمسار للتدريبات في مناورة العدو التي حاكت سيناريو الحرب متعددة الجبهات.

يدرك العدو أن منظومة الردع لديه تتأكّل، بصورة متسارعة، على نحو يفرض عليه تبني خطوات ترمم الردع، وفقاً لعقيدته العسكرية، على أن تكون خطوات مبادِرة ومباغِتة، على غرار الضربة الافتتاحية في معركة “ثأر الأحرار”، إلّا أن خلاصة نتائج المعركة، أنها لم تؤدِّ إلى ترميم الردع، على رغم أن المواجهة كانت محدودة، الأمر الذي دفعه إلى زيادة صخب المناورات والتهديدات على أمل أن تؤدي إلى تحسين صورة الردع.

كما أن العدو، من جهة، يخشى أن تتحول مبادرته الواسعة إلى العدوان على إحدى الجبهات، إلى مواجهة إقليمية متعددة الجبهات، قد يعلم كيف يبدأها، ويجهل ويخشى كيف ستتطور، وماذا سيترتب عليها. ومن جهة أخرى، يخشى سيناريو شن هجوم مفاجئ على قواته، في إحدى الجبهات، على غرار حادثة مجدو، وإطلاق الصواريخ في شهر رمضان، أو هجوم أوسع، كما حدث في معركة “سيف القدس”، وبالتالي، هناك إمكان أكبر لتحقق سيناريوهين يعمل على منعهما، وهما، مباغتته عبر عملية ناجحة ونوعية، واندلاع حرب واسعة. ويسعى من خلال المناورات والتهديدات لإيصال رسائل ردع وتحذير من مهاجمته عبر إحدى الجبهات، ولا سيما الجبهة الشمالية في أعقاب مناورتي، “سنعبر” و“الفتح المبين”، لحزب الله.

في الجبهة الإيرانية، ما زال نتنياهو تراوده أحلام الماضي بشن هجوم عسكري جوي على منشآت إيران النووية، وتحقيق ما يعتقد أنه “مهمته المقدسة”، إلّا أن حسابات الحقل غير حسابات البيدر، فلا قدراته العسكرية قادرة على توجيه هجوم أحادي، ولا جبهته الداخلية تتقبل تحمل تبعات الهجوم، ومشكوك في أن تتحقق أماني العدو بشأن تنفيذ عملية مشتركة مع الولايات المتحدة ضد إيران، في ضوء تطورات الصراع الدولي في أوكرانيا، والصراع على الهيمنة مع الصين والانعكاسات الاقتصادية، الأمر الذي يفسر مشاركة أميركية في مناورة العدو، بهدف مراقبة سلوك حليفتها حتى لا تفاجئها بهجوم أحادي، الأمر الذي يضع مناورة العدو ورفع مستوى وحدة التهديدات في إطار مساعيه لعرقلة التوصل إلى اتفاق مع طهران، والضغط على الولايات المتحدة لتشديد شروطها أمام إيران.

يعتقد العدو أن تداعيات الإقدام على الخيار العسكري الواسع ضد مختلف الجبهات، معقدة وخطيرة، إلّا أن نتنياهو يرى أن لقبه المفضل، “سيد الأمن”، يتبخر أمام عينيه، وهو من افتخر في أنه تحدى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، من على منصة الكونغرس بهدف عرقلة الاتفاق النووي مع إيران، الذي أُبرم عام 2015، وكان له الدور الأبرز في إقناع دونالد ترامب في الانسحاب من الاتفاق عام 2018، بينما قد يشهد العام الحالي اتفاقاً أفضل لإيران وأخطر على “إسرائيل” في ظل ولايته. كما يراقب نتنياهو ارتفاع مستوى التهديدات في الجبهتين الفلسطينية والشمالية، وما يعتقد أنه زيادة في جرأتها على مواجهة قواته، في ضوء حالة الانقسام الداخلي، والخلافات العميقة داخل مجتمع العدو، والتي وصلت إلى حد تحذير وزير أمن العدو، يوآف غالانت ومختلف قادة العدو، من تفكك جيش الكيان، والتي لا توجد مؤشرات على قرب انتهائها. فهل تساهم التوجهات التاريخية والأيديولوجية والشخصية لنتنياهو، إلى جانب خشية العدو من تفاقم الأزمة الداخلية، ولا سيما انعكاساتها على الجيش وعَدِّ ذلك تهديداً وجودياً، بالإضافة إلى عوامل ترميم الردع، وخطف صورة نصر؛ هل تساهم تلك العوامل في لجوء العدو إلى تنفيذ عدوان واسع على إحدى الجبهات؟ والاستعداد لسيناريو الحرب الواسعة؟

ما زالت أغلبية تقديرات أوساط العدو تستبعد هذا السيناريو، وترجّح أن الهدف من المناورات والتهديدات تحقيق الردع في الجبهتين الشمالية والفلسطينية، والضغط من أجل منع اتفاق مرحلي “سيئ” بين إيران والغرب، إلّا أنه يبقى خياراً قائماً وغير مستبعد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2183604

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

41 من الزوار الآن

2183604 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 39


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40