الثلاثاء 2 أيار (مايو) 2023

خضر عدنان.. الحرية أو الحرية

عدنان شهيدًا شهيداً شهيدا ....
الثلاثاء 2 أيار (مايو) 2023

- وليد القططي

في رواية “الحرية أو الموت”، يقول الأديب اليوناني الكبير نيكوس كازانتزاكيس على لسان أحد أبطالها: “إنني أصبح حراً حتى في رقّ العبودية حين أستمتع بحرية المستقبل... حرية الأجيال القادمة. وعندما أقاتل في سبيل الحرية طوال حياتي، فسأموت إذاً رجلاً حراً. إنَّ الرجولة كامنة في الروح، وليس الجسد، والحرية بذرة لا تنمو في الماء، إنما بالدماء وحدها تنمو وتترعرع”.

ويرى كازانتزاكيس في مواضع كثيرة من الرواية أنَّ الحرية لا يمكن أن تُمنح، وأن من يُمنح حريته سيكون عبداً لتلك القوة الجديدة.

لقد جسّد الشهيد خضر عدنان (رحمه الله) هذه المعاني والقيم الواردة في الرواية ابتداءً من عنوانها “الحرية أو الموت”، فالحرية تعني الخروج من السجن لمواصلة النضال خارجه، وهو شكل من أشكال الحرية، فأنت حرٌ ما دمت تملك إرادتك في مواصلة الكدح لنيل الحرية.

الموت الذي يعنيه كاتب الرواية هو الشهادة عندنا، والشهادة تعني في أحد معانيها التخلّص من أسر الطين، والتحرر من جاذبية الأرض المحفوفة بالشهوات، والسمو بالروح بعيداً من أدران الحياة الدنيا، فهو تجسيد لمعادلة الحرية أو الحرية إذاً، وليس الحرية أو الموت.

ومن المعاني والقيم التي جسّدها الشهيد خضر عدنان من خلال إضرابه عن الطعام وانتصاره على جلاديه هو معنى الحرية وإرادة النصر وفلسفة الصمود، عندما أضرب عن الطعام مطالباً بحريته حتى الموت، بل حتى الشهادة.

إنَّ الإضراب عن الطعام هنا هو نوع من الكفاح والجهاد يقوم به أولو العزم من الأحرار الذين يمتلكون إرادة النصر، ويدركون أن النصر صبر ساعة، ويفهمون فلسفة الصمود وأسراره التي تجعل الجسد الصغير والجسم النحيف عظيماً مع الروح الكبيرة والهمة العالية والإرادة القوية والعزيمة الصلبة. ومن يستحوذ على هذه الصفات يصبح حراً، ولو غيّبه السجن أو القبر، فإن عاش، فسيعيش رجلاً حراً، وإن مات، فسيموت رجلاً حراً.
اقرأ أيضاً: بعد 86 يوماً من الإضراب عن الطعام.. الأسير خضر عدنان شهيداً داخل سجون الاحتلال

لقد نزع الشيخ الشهيد خضر عدنان حريته انتزاعاً من قبضة عدوه، ولم يستجدِها استجداء في مرات سابقة، كي لا يصبح أسيراً لعدوه، مكبّلاً بقيوده، ولسان حاله يقول إنَّ النصر ليس هبة مجانية، والهزيمة ليست قدراً لازماً، فللنصر أسبابه وسننه التي تبدأ بالإيمان بالله، وعدالة القضية، والثقة بنصره، وامتلاك إرادة النصر وأخلاق المنتصرين وعزيمة الأحرار.

كما أنَّ للهزيمة أسبابها وسننها التي تبدأ بالهزيمة النفسية إذا فُقد الإيمان بنصر الله وعدالة القضية وإرادة النصر، وغاب التّحلّي بأخلاق المنتصرين وعزيمة الأحرار، وتغلغل الوهن، وفسدت الروح.

جسّد الشهيد خضر عدنان بإصراره على مواصلة الإضراب عن الطعام حتى الحرية أو الشهادة إرادة النصر وفلسفة الصمود، عندما صنع من جوعه حريته، ومن ألمه عزته، ومن معاناته كرامته.

إنَّ حريته وعزته وكرامته من حرية شعبه وعزته وكرامته؛ هذا الشعب الذي يتوق إلى نموذج القائد البطل الذي لم يذق طعم النضال المكيّف من فئة 5 نجوم، والذي يحترم نموذج القائد البطل الذي لم يمارس فنون الردح المتبادل عبر الفضائيات.

هذا الشعب يستحق قائداً بطلاً كخضر عدنان وغيره الكثيرين من أبطال شعبنا الذين قضوا نحبهم موتاً أو شهادة، أو الأبطال الذين ما زالوا وراء القضبان أو في الميدان، وما بدّلوا تبديلاً.

هذا الشعب يستحقّ قادة أبطالاً يمكن أن يصنعوا القدرة على الفرح، ويمكن أن يمنحوا الناس الأمل بغدٍ أفضل، ويمكن أن يلهموهم البصيرة التي تحافظ على اتجاه البوصلة.

إنّه يستحقّ قادةً أبطالاً يضربون للناس المثل في الإصرار على مواصلة الكفاح والجهاد حتى النصر، حتى لو كان النصر شهادةً تحرر الروح من قيدَي الجسد والسجن، كما فعل الشيخ الشهيد خضر عدنان.

- زهير أندراوس

في الخامس من شهر شباط (فبراير) من العام الجاري، وبعد اعتقاله من قبل الاحتلال الإسرائيليّ إداريًا، أعلن الأسير خضر عدنان، (45 عامًا) من بلدة عرّابة قضاء جنين، الإضراب المفتوح عن الطعام، اليوم الثلاثاء، الثاني من شهر أيّار (مايو) ارتقى شهيدًا في “مستشفى” سجن الرملة، داخل ما يُسّمى بالخّط الأخضر، وفي الساعة السابِعة من صباح اليوم الثلاثاء، بحسب توقيت فلسطين المحليّ، أعلن جيش الاحتلال عن إطلاق ثلاثة صواريخ من قطاع غزّة إلى جنوب الدولة العبريّة، على ما يبدو ردًا أوليًّا على استشهاد عدنان.
وفي تفاصيل استشهاد عدنان، زعم الموقع الالكترونيّ لصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة (YNET)، أنّه تمّ العثور على الأسير خضر عدنان فاقدًا للوعي في زنزانته وبعد نقله لمستشفى (آساف هاروفيه)، بالقرب من مدينة الرملة، أعلن الأطباء عن وفاته.

87 يومًا من الإضراب المُستمِّر ورفض المُدعمّات، كان أطول إضرابٍ يخوضه القائد في حركة (الجهاد الإسلاميّ)، الذي لم ينفّك الاحتلال عن ملاحقته، ومحاولة تلفيق التهّم له، صمد الشيخ عدنان صمود الأبطال، عانى الأمرّيْن من ممارسات الاحتلال الغاشِم، وأطلق مقولته المأثورة: “لن أسامح أحدًا كان بإمكانه مُساعدتي لرفع الظلم عنّي”، وصباح اليوم ارتقى شهيدًا، وباستشهاد الأسير خضر عدنان، ارتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 237 شهيدًا.
وحتى بعد ارتقائه، دأب الاحتلال الإسرائيليّ على التقليل من شأن الشيخ عدنان، إذْ أنّ البيان الذي صدر عن مصلحة السجون في دولة الاحتلال، تجاهل عن سبق الإصرار والترصّد ذكر اسم الشهيد، الأمر الذي يؤكِّد كمية اللؤم والخبث والكراهية والحقد، واكتفى البيان بالإشارة إلى تاريخ بدء إضرابه عن الطعام، وكذلك إلى التهم المزعومة، الموجّهة بحقّ الشهيد.
وفي بيانٍ صدر عقب استشهاده قال نادي الأسير الفلسطينيّ، إنّ “إدارة سجون الاحتلال تبلغ الأسرى رسميًا باستشهاد الأسير الشيخ خضر عدنان، بعد معركة إضراب خاضها عن الطعام، واستمرت لمدة 87 يومًا، رفضًا لاعتقاله”، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ “الاحتلال الإسرائيليّ، اغتال الأسير الشيخ خضر عدنان”، القياديّ في حركة (الجهاد الإسلاميّ)، عن سبق إصرار”.

وأفاد (مكتب إعلام الأسرى) أنّ “الأسير الشهيد خضر عدنان، قد خاض إضرابات عن الطعام، أوّلها في عام 2004 لمدة 25 يومًا، والثاني في عام 2012 لمدة 67 يومًا، والثالث عام 2014 لمدة 54 يومًا، والرابع عام 2021 لمدة 25 يومًا، بالإضافة إلى إضرابه الذي استشهد وهو مستمرّ فيه”، كما أكّد مكتب إعلام الأسرى.

وكان نادي الأسير الفلسطينيّ، قد حذّر في بيانٍ أصدره في الـ 16 من شهر نيسان (أبريل) الفائت من استشهاد الأسير خضر عدنان، وأوضح أنّ الأسير عدنان وصل إلى مرحلة في غاية الخطورة، وهو مُعرّض للاستشهاد في أية لحظة، خاصّةً أنّ سلطات الاحتلال وحتى اليوم ترفض التعاطي مع مطلبه.

وأكّد النادي أنّ الأسير عدنان يرفض أخذ المدعمات، أوْ أيّ نوعٍ من العلاج، وكذلك إجراء الفحوص الطبية. ووفقًا لآخر زيارة جرت للأسير عدنان، فإنّ إدارة سجون الاحتلال تواصل احتجازه فيما تُسمّى بعيادة (سجن الرملة) في زنزانة مزودة بالكاميرات، ويتعمد السجانون اقتحام زنزانته بشكلٍ متكررٍ، علمًا أن الأسير عدنان ومنذ اعتقاله وشروعه بالإضراب تعرّض وما يزال لضغوط كبيرة جدًا، إلى جانب جملة من عمليات التنكيل الممنهجة، التي واجهها خلال احتجازه في زنازين معتقل “الجلمة” على مدار نحو شهر.

ولفت نادي الأسير إلى أنّه وحتى اللحظة لم يتم نقله إلى مستشفى “مدنيٍّ”، حيث تتعمد إدارة السجون منذ أكثر من عامين وفي ضوء متابعتنا لمجموعة من قضايا المضربين؛ المماطلة في نقل الأسير المضرب عن الطعام إلى المستشفى، حتى بعد وصوله إلى مرحلة متقدمة من الخطر، وذلك بهدف التسبب له بأمراض مزمنة يصعب علاجها.

ونعى د. رأفت حمدونة الشهيد ونشر ما يلي: “رحمة الله عليك بقدر ما واجهت وقاومت، بقدر ما تألمت وصبرت، بقدر ما حرمت وانتظرت، بقدر ما صمدت وانتصرت، بقدر ما أحببت وتقت واشتقت للقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا”.
وتابع: “عذرًا الشيخ المجاهد والشهيد الثابت الصامد العنيد أنّنا لم نفهم الرسالة، أوْ فهمناها وعجزنا في اختيار وسيلة الدعم والمساندة. عذرًا شيخنا المجاهد والشهيد خضر عدنان، ونخجل لقصورنا أمام صمودك واستعلاء روحك في العنان، وسلام عليك في حضرة الشهداء والصابرين في الجنان”.

من هو الشهيد خضر عدنان؟

ولد خضر عدنان موسى يوم 24 مارس (آذار) 1978 في بلدة عرابة (محافظة جنين، شمال الضفة الغربية) بفلسطين. وأنهى مرحلتي الدراسة الأساسية والثانوية العامة في مسقط رأسه عرابة، حيث اجتاز المرحلة الثانوية بتقدير جيد جدًا عام 1996، والتحق بجامعة بيرزيت في مدينة رام الله، وحصل عام 2001 على درجة البكالوريوس في الرياضيات الاقتصادية، ثم التحق ببرنامج الماجستير (تخصص الاقتصاد) في نفس الجامعة.

التجربة السياسية

بدأ خضر عدنان حياته السياسية مبكرًا خلال دراسته الجامعية منتميًا إلى حركة الجهاد الإسلامي. وكان أول اعتقال له من قبل السلطة الفلسطينية بتهمة التحريض على رشق رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان بالحجارة لدى زيارته جامعة بيرزيت عام 1998. وأمضى في الاعتقال عشرة أيام مضربًا عن الطعام. اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيليّ أثناء الدراسة الجامعية، وأمضى في الاعتقال الإداري (بدون لائحة اتهام) أربعة أشهر، ثم اعتقل مرة أخرى لمدة عام.

تكرر اعتقاله، بعد مرحلة الدراسة، أكثر من عشر مرات يزيد مجموعها على ست سنوات، كان بينها الاعتقال ما بين 03/05/2004 و11/04/2005، حيث خاض إضراباً مفتوحاً عن الطعام لمدة 28 يوما احتجاجًا على وضعه في عزل انفرادي. ولم يوقف إضرابه إلّا بعد الاستجابة لمطلب نقله إلى أقسام السجون العادية مع باقي الأسرى.

اعتقل ثانية لدى السلطة الفلسطينية في تشرين الأول 2010، وأمضى 12 يومًا في السجن أضرب خلالها عن الطعام. كان الاعتقال الأشهر بالنسبة لخضر في 17 ديسمبر/كانون الأول 2011، وهو الذي خاض فيه أشهر وأطول إضراب فردي عن الطعام في السجون الإسرائيلية احتجاجا على اعتقاله الإداري دون تهمة، واستمر الإضراب 65 يوما ثم انتهى بتحقيق مطلب الإفراج عنه بتاريخ 17 أبريل/نيسان 2012.

فتح خضر الباب أمام الإضرابات الفردية فتبعه الكثير من الأسرى الإداريين بينهم الأسيرة هناء الشلبي التي أضربت لمدة 44 يوما، وبلال ذياب وثائر حلاحلة لمدة 78 يوماً وحسن الصفدي وغيرهم. نشط القيادي الفلسطيني، بعد الإفراج عنه، في فعاليات التضامن مع الأسرى والأسرى المضربين، والفعاليات السلمية حتى اعتقلته قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي مطلع يوليو/تموز 2014 في كمين نصبته عند حاجز جنوب مدينة جنين، على خلفية إشادته -في تصريحات مختلفة لوسائل الإعلام- بالمقاومة الفلسطينية التي تتصدى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. أفرجته عنه السلطات الإسرائيلية يوم 11 يوليو/تموز 2015، ووصل إلى بلدة عرابة بقضاء جنين حيث استقبلته جماهير غفيرة. وأعاد الاحتلال في الخامس من شباط/فبراير الماضي، اعتقال الشيخ عدنان بعد أن اقتحم منزله في عرابة، وعاثت فيه خرابًا ليعلن في لحظتها دخوله في الإضراب عن الطعام حتى استشهاده في اليوم الـ 86.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2184547

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع بعد الطبع   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184547 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40