الأربعاء 1 آذار (مارس) 2023

هدى رزق: المبادرة الصينية وغبار الحرب الأميركية الروسية في أوكرانيا

الأربعاء 1 آذار (مارس) 2023

رأت أوساط غربية أن المبادرة الصينية كانت تمويهاً محتملاً تخفي وراءه بكين دعمها لموسكو، ولكن وراء إقدام الصين على طرح مبادرتها للسلام، دقّ إسفين بين كييف وحلفائها الغربيين.

خلال زيارته إلى العاصمة الأوكرانية كييف تصرّف الرئيس الأميركي جو بايدن كرئيس حرب، حملت الزيارة رسائل كان أهمها أن العام الثاني من الحرب سيكون عام الحسم وأن واشنطن قررت خوض الصراع بشكل علني. الرسالة الثانية كانت للحلفاء الأوروبيين خصوصاً بعد تصريح الرئيس الفرنسي عقب حضوره “مؤتمر ميونيخ للأمن” في ألمانيا وقوله في لقاء صحافي إنه لا يريد هزيمة روسيا.

الرسالة كانت أن الولايات المتحدة ماضية في حربها ضد روسيا، وتريد هزيمتها، ولن تسمح لها بتحقيق أي من أهدافها.. كانت كمالا هاريس نائبة الرئيس ووزير خارجيته أنتوني بلينكن قد أكدا الأمر نفسه واعتبرا تحقيق روسيا أي مكسب هزيمة للحلف الغربي.

وكان بلينكن قد أبلغ نظيره الصيني وانغ يي على هامش قمة ميونيخ أن الولايات المتحدة لا تريد حرباً مع الصين إلا أنها تحذرها من تقديم أي مساعدة مادية أو لوجستية لروسيا، وإلا ستطالها تداعيات ذلك.

وفي خطاب أوائل شباط/فبراير أكد بايدن أن الولايات المتحدة “تخرج من كل الأزمات الرابح الوحيد، وهذا ما سيحصل”. أتت هذه التحذيرات قبل يومين من خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد سنة على الحرب الروسية الأوكرانية.
خطاب بوتين رسالة للداخل والعالم وتحذير للأميركي

ردّ بوتين في خطابه عملياً باتهام الغرب باستخدام النزاع في أوكرانيا “كساحة للحرب” لـ “القضاء” على روسيا، معتبراً أنّ بلاده في خطر وجودي ومن المستحيل هزيمتها في أرض المعركة، وستتعامل “بطريقة مناسبة” إزاء تحويل الصراع إلى مواجهة عالمية متهماً الولايات المتحدة بالسعي إلى “سلطة غير محدودة” على العالم.

خطاب بوتين كان موجّهاً للداخل الروسي وفي حضور العسكريين والدبلوماسيين والسياسيين الروس فهي حرب استنزاف وعلى الروس التكيف مع واقعهم الجديد. وقد توجّه إلى رجال الأعمال الروس في الخارج الذين يعملون على استدامة أرباحهم باعتبار أن البقاء مع الوطن، والعمل من أجل مواطنيهم، وليس فقط لفتح أعمال تجارية جديدة مهم لتغيير الحياة من حولهم في المدن والبلدات وفي جميع أنحاء بلادهم.

يساهم الخطاب في ترسيخ قناعات بعض الدول في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية بالتمسّك بموقف محايد، ولا سيما أنّ قسماً من هذه الدول يرى أنه غير معنيّ بالحرب، وقسم آخر يرى أن روسيا تدافع عن أمنها وحدودها في وجه هيمنة الأميركي، ولا سيما من بعض دول أميركا اللاتينية وأفريقيا. وهذا ما لحظته قمة ميونخ للأمن وتناولته عبر اقتراح إقامة علاقات مختلفة مع هذه الدول تأخذ بالحسبان المساعدة في مجال التنمية، إلا أن الأولوية في قمة ميونيخ كانت للحرب الأوكرانية.

الجديد في خطاب بوتين كان إعلانه تعليق العمل بمعاهدة “ستارت” للحد من الأسلحة الاستراتيجية الموقّعة مع الولايات المتحدة، واعتبر الأمر بمثابة استعداد لمواجهة الحرب التي فرضها الغرب حيث أكد بوتين أن روسيا لا تنهزم.
استعدادات الحرب الحاسمة تستعر

أصبح من المؤكد أن الرئيس الروسي حشد دباباته في بداية عمليته الخاصة معتقداً أن الأمر سيشكّل صدمة لأوكرانيا فتتراجع عن سياستها، إلا أنه تفاجأ باستعداد الأوكرانيين للدفاع وبقوة الغرب وهيمنته على قرار كييف. لم تكن روسيا جاهزة للحرب ما اضطر القيادة الروسية إلى تغيير قيادات في الجيش والاستغناء عن الحرب التقليدية والاستعانة بمقاتلي شركة فاغنر والنخبة الشيشانية واستدعاء الاحتياط والتجنيد.

حصل الأمر بعد الانسحابات من محيط كييف في الربيع الماضي ومن خاركيف وخيرسون. تضغط روسيا للاستيلاء على باخموت التي من شأنها أن تشكّل منصة انطلاق نحو مدن الغرب. دقّ طبول الحرب يضاعف العمل في مصانع الذخيرة الروسية حيث توجّهت موسكو للحصول على مسيّرات انتحارية من إيران فيما تتهم واشنطن كوريا الشمالية بأنها تقوم بإرسال صواريخ وذخائر إلى موسكو وتخشى من إرسال الصين أسلحة فتّاكة وتكنولوجيا عالية الدقة إلى روسيا لذلك قامت بفرض عقوبات على الدول الثلاث.

يقوم الناتو وعلى لسان ستولتنبرغ بتوفير القذائف لدبابات ليوبارد الألمانية الهجومية التي بدأت تصل إلى أوكرانيا فيما تسرّع الولايات المتحدة إنتاجها من القذائف. هذا الدعم غير المحدود لكييف ينذر بحرب عالمية ثالثة بين الناتو وروسيا.
المبادرة الصينية

في ظل التصعيد المعلن أعلنت الخارجية الصينية عن مبادرتها “تجاه الحل السياسي للأزمة في أوكرانيا” وكان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وانغ يي، قد وجّه في مؤتمر ميونخ للأمن رسالة إلى القادة الأوروبيين فحواها أن “بعض القوى قد لا ترغب في أن ترى محادثات سلام تتحقّق. إنهم لا يهتمون بحياة الأوكرانيين وموتهم، ولا بالضرر الذي يلحق بأوروبا. ربما لديهم أهداف استراتيجية أكبر من أوكرانيا نفسها”.

رأت أوساط غربية أن خطاب وانغ كان تمويهاً محتملاً تخفي وراءه بكين دعمها لموسكو، ولكن وراء إقدام الصين على طرح مبادرتها للسلام، دقّ إسفين بين كييف وحلفائها الغربيين ويتيح لها مجالاً لتقديم نفسها على أنها "صاحبة مصلحة مسؤولة.

مدير برامج الصين في معهد آسيا للأبحاث بجامعة نوتنغهام البريطانية، جوناثان سوليفان، رأى أن فكرة محادثات السلام الصينية قد يرفضها الغرب بشكل قاطع. وهذا ما حصل فعلياً، بايدن لم ير شيئاً في الخطة من شأنه أن يشير إلى أن هناك ما سيكون مفيداً لأي شخص غير روسيا، أما الأمين العام لحلف شمال الأطلسي يانس ستولتنبرغ فقال إن الصين لا تتمتع بمصداقية كبيرة، في ضوء فشلها في إدانة حرب الرئيس الروسي، واستبعدت ألمانيا أن تؤدي الصين دوراً بنّاءً، لكن كييف أبدت قبولها ببعض بنود المبادرة الصينية التي تتحدث عن "سيادة كل الدول ووحدة الأراضي.

مبادرة الصين لقيت ترحيباً روسياً، لكن بايدن كان استبق المبادرة بتأكيده، خلال زيارته لأوكرانيا، أن أميركا وأوروبا على استعداد لوضع كل الإمكانات العسكرية والمادية في تصرّف الجيش الأوكراني لإلحاق الهزيمة العسكرية بروسيا. فمن الواضح أن أميركا لن تعطي الفرصة للمبادرة الصينية لكن الصين لن تسمح بتهديد أراضيها ولا خسارة آسيا الوسطى أو ترك فراغ على حدودها الشمالية.

لا شكّ أن ما يجري في أوكرانيا سيحدّد طبيعة النظام الدولي للعقود المقبلة. تأتي مبادرة الصين في ظل الحذر من استعمال الأسلحة النووية في حرب عالمية ثالثة في ظل تعنت وتشجيع الولايات المتحدة على خراب روسيا وأوروبا في آن معاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 350 / 2184282

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2184282 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40