السبت 7 أيار (مايو) 2022

علاقة تصاعدية بين زيادة الانتهاكات بحق الفلسطينيين ومحاولات إسكاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي

السبت 7 أيار (مايو) 2022

- سعيد ابو معلا

صادف الثالث من أيار/مايو، اليوم العالمي لحرية الصحافة والإعلام، وهو اليوم الذي اختارته منظمة «اليونسكو» إحياء لذكرى اعتماد إعلان «ويندهوك» التاريخي لتطوير صحافة حرّة ومستقلّة وتعدديّة، الذي صدر خلال اجتماع للصحافيين الأفارقة في ناميبيا عام 1991.

وثمة إحساس متزايد لدى المهتمين بالعمل الإعلامي الرقمي على المنصات وشبكات التواصل الاجتماعي أن هذا النوع من الاحتفالات يرتبط بشكل كبير بالصحافة الكلاسيكية أو التقليدية، فيما يغيب الحديث عن سياسات القمع الممنهج وإسكات الأصوات في البيئات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي.
يؤكد هذا الإحساس نديم الناشف، مدير المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي «حملة» حيث يشير إلى أن هناك شعورا عاما مفاده أن الاحتفالات الخاصة بحرية الصحافة تقتصر غالبا على الصحافة الكلاسيكية، حيث يتزايد الحديث عن وضعها وسياسات التأثير عليها وممارسات منعها وقمعها، أما الجانب الرقمي فبالكاد يتم التطرق إليه رغم تأثيره وقوة حضوره في حياة المواطنين، حيث تتزايد محاولات إسكات الأصوات من الحكومات وانصياع وتواطؤ شركات التقنيات الرقمية معها.

غياب الحديث عن الشبكات

ويرى الناشف أن هذا المشكل الكبير يظهر بوضوح في الحالة الفلسطينية. «وللأسف لا يترافق هذا الوضوح مع أداء المؤسسات الصحافية النقابية التي لا تتعامل كما يجب مع سياسات القمع الرقمي، وهو ما يدلل عليه غياب الحديث عن شبكات التواصل في مثل هذه الاحتفالات».
ويشدد أنه في السياق الفلسطيني هناك ضغط كبير على الشركات والمنصات من الطرف الإسرائيلي وكذلك الفلسطيني، وهناك جهود للسيطرة على سرد أو قول القصة، وهناك تعاون وتفهم من الشركات على مستوى الحديث، لكن ما نراه رقميا يشير إلى تزايد حالات تنزيل المواد والصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويضيف أن الجهد الفلسطيني يحاول أن يركز على أن نصل إلى حالة تتوقف فيها أي عملية تنزيل للصفحات والمواد التي ينشرها النشطاء.
يضرب الناشف مثالا يتعلق بصفحة «القسطل الإخبارية» التي قامت شبكة فيسبوك بإنزالها عن المنصة، وهو أمر اعترفت به إدارة الشبكة وبإنها قامت به عن طريق الخطأ، حيث لم تكن هناك أي مخالفة من القائمين على الصفحة.
ويؤكد الناشف أن الجهد الفلسطيني يريد أن يصل لحالة أن تعمل الصفحات الإخبارية بحرية، وألا يتحكم بعملها تقرير ترفعه جهة إسرائيلية يترتب عليه تنزيل أو شطب صفحة أو تقييد المحتوى الفلسطيني.
يعترف الناشف: «أمامنا عمل طويل في هذا الجانب».
وكانت فيسبوك قد قامت بشكلٍ مفاجئ بتاريخ 16 نيسان/ابريل الماضي بحذف موقع «القسطل الإخباري» وهو أمر رده القائمون على الصفحة بسبب تغطيتها لأحداث القدس المحتلة والمسجد الأقصى.

تغول القمع الرقمي

«نمارس رقابة ذاتية على أنفسنا» و«أشعر أنني تهجرت بعد أن حذف فيسبوك حسابي» و«عاجزون عن معرفة ما هي الكلمات التي تتعارض مع سياسة فيسبوك» و«عدد الكلمات التي نقوم بتقطيعها تتزايد يوميا» و«الحذف أصبح يتم من دون تبليغات وعلى منشورات قديمة جدا» و«قاموس الكلمات التي تصنفها ميتا مخالفا لسياستها في إطار القضية الفلسطينية يتزايد».. هذه نماذج من الجمل التي سيسمعها المهتم عند أي محادثة يجريها مع أي صحافي أو ناشط فلسطيني مهتم بقضية النشر على المنصات الرقمية.
وتعكس هذه الجمل المفتاحية حجم التغول والقمع الرقمي الذي تمارسه المنصات الرقمية على المحتوى الفلسطيني، هو أمر يعتبر امتدادا لأكبر عملية قمع للحقوق الرقمية عاشتها فلسطين المحتلة في رمضان عام 2021.
فخلال شهر رمضان الماضي والهبة الجماهيرية داخل القدس على إثر الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة للمسجد الأقصى تزايدت حدة إجراءات القمع الرقمي وتحديدا على المنصتين اللتين تتبعان شركة ميتا وهما فيسبوك وانستغرام، إضافة إلى تزايد الحظر على منصة تيك توك.
عدي جعار، من القائمين على شبكة «القسطل» قال في حديث خاص إن تنزيل الصفحة تم من «دون أي مقدمات أو بلاغات عليها، ورغم التزامها الدقيق بمعايير النشر».
وأكدت الشبكة في بيانها الصحافي أنّ الحذف تم بطلب من الاحتلال لإخفاء جرائمه بحقّ الفلسطينيين وعدم ظهورها للعالم. واعتبرت ما قامت به الشبكة سعي من الاحتلال لتغييب صوت القدس خاصة، وجرائمه في فلسطين عامة، من خلال التواطؤ مع إدارة مواقع التواصل الاجتماعي التي تنصاع في كلّ مرة لأوامره وإملاءاته.
وأضاف جعار أنهم أطلقوا حملة لاستعادة الصفحة وهو ما تمكنوا من تحقيقه بعد إغلاق استمر لأكثر من 12 ساعة.
وغرّد الناشطون على وسم «#فيسبوك_يحجب_القدس» مُعبرين عن رفضهم لسياسة إغلاق الصفحات التي تنشر الرواية الفلسطينيّة، والحذف الذي يستهدف صفحات وحسابات الإعلاميين والصحافيين الفلسطينيين، لنقلهم الأخبار المتعلقة بالجرائم والانتهاكات الإسرائيلية.
ويؤكد جعار أن انتهاكات المنصات الاجتماعية تتزايد يوما بعد يوم وبشكل خاص في شهر رمضان ومع إيقاع الأحداث بحق المدينة ومقدساتها.
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي تتعرض لها شبكة «القسطل» للقمع والإسكات الرقمي حيث خسرت الشبكة صفحة مليونية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2021 كما تم تقييد النشر على الصفحة مرات عدة.
ويؤكد جعار أنه ليست هناك سياسة واضحة ترتبط بالنشر على المنصات، «لقد أصبحنا عاجزين عن معرفة الكلمة التي ترى فيها ميتا، فيسبوك أنها تستحق أن نحجب بسببها».
وأضاف: «اليوم أصبحنا نقوم بعملية تقطيع الكلمات بشكل متزايد، حتى تلك الكلمات التي لا تستوجب التقطيع، لكننا فعلا لا نعرف كيف يتصرف فيسبوك».
وأكد: «الاستراتيجية التي نلجأ إليها من أجل إيصال صوت القدس أصبحت تتعلق بتنويع المنصات التي نستخدمها في النشر، إضافة إلى عدم نشر بعض المنشورات والأخبار على بعض الصفحات في حال كان لدينا توقع أننا سنحذف بسببها، وتحديدا أخبار العمليات الفدائية».
ويقول جعار أن فيسبوك يشبه انستغرام في القمع الرقمي، كما ان «تيك توك» دخل على خط المنع والحظر أيضا.

ميدان القدس

وفي مطلع العام الجاري أعلنت شبكة «ميدان القدس» عن وقف عملها بشكل نهائي وذلك بعد محاربتها من قبل إدارة فيسبوك وإغلاق صفحتها المليونية وحذف صفحتها البديلة من دون سابق إنذار؛ وتقييد حسابات محرري الشبكة بالإضافة إلى تقييد وصول منصة انستغرام والبث المباشر فيها بعد حذفها وإعادتها مرة أخرى.
وجاء في بيان لها أنه «ولظروف قاهرة خارجة عن إرادة الشبكة، تعلن الشبكة آسفة عن إنهاء عملها، بعد عام ونصف من التغطية الإخبارية الشاملة داخل مدينة القدس، كنا فيها مع المقدسي في رحلة ألمه وأمله، في قصص صموده ونجاحاته، سلطنا الضوء على مشاريع التهويد، ومجازر التهجير والتشريد، ورفعنا صوت القدس والأقصى عاليًا».
وختمت «ميدان القدس» بيانها «لقد نقلنا لكم أحوال الميدان كأنكم فيه، لكننا حظرنا وقيدنا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الوصال والاجتماع على القدس لا تحده منصة».
ويعتبر إغلاق ميدان القدس نموذجا لجملة من التقييدات التي فرضتها فيسبوك على أغلب المنصات الرقمية التي تهتم بشأن القدس وهو أمر يعتبر امتدادا لجملة من ممارسات القمع في رمضان عام 2021.

علاقة تصاعدية

أحمد القاضي من المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي «حملة» يرى أن مستوى التقييد والحذف على المنصات ما زال كما هو، حيث أن مفاهيم ومصطلحات وآليات إدارة المحتوى الفلسطيني عبر برامج الذكاء الاصطناعي تتطور لدى شركة «ميتا» وهو ما ينعكس على سياسات القمع والحذف والتقييد.
ويؤكد القاضي أن الانتهاكات الرقمية هي انعكاس للانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون على أرض الوقع، «فكلما أصبح الميدان ساخنا كلما انعكس ذلك على منصات النشر، وكلما تزايد النشر كلما ترافق ذلك مع زيادة سياسات محاصرة هذا النشر، حيث تتزايد آليات الحظر التي تعمل بشكل تلقائي».
ويشير القاضي في حديثه أن المحتوى الذي يتعرض للحظر والتقييد والحذف ليس المحتوى الجديد فقط بل تمتد يد الحظر إلى المنشورات القديمة قبل سنوات، وهذا يعني أن هناك جهدا يقوم على الذكاء الاصطناعي يعمل على ملاحقة المحتوى الفلسطيني إضافة إلى الجهد الذي يبذل في تنفيذ التقارير والشكاوى الإسرائيلية بحق المنشورات الفلسطينية.
ويتابع: «نلاحظ من طبيعة الشكاوى التي تصلنا أن قاموس المصطلحات المحظورة الخاص في شركة ميتا يزداد ويتعامل مع أرشيف النشطاء والصفحات أيضا».
يذكر أن «حملة» التي تعتبر مؤسسة أهلية غير ربحية تعمل على مناصرة الحقوق الرقمية الفلسطينية بهدف الوصول إلى فضاء رقمي آمن وعادل وحر، قد أطلقت في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2021 المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية «حر» هو أول منصة إلكترونية مفتوحة لرصد وتوثيق ومتابعة انتهاكات الحقوق الرقمية للفلسطينيين، تتيح أداة للتبليغ عن الانتهاكات، وأداة بحث في قاعدة بيانات انتهاكات الحقوق الرقمية.
ويؤكد أن القمع الرقمي وحظر وإدارة محتوى يعبر عن الحقوق الفلسطينية يتزايد بشكل أكبر خلال شهر رمضان مقارنة عن الشهور التي سبقته.
ويرى القاضي ان هناك ثباتا في ممارسات القمع، مشددا أنه ليس هناك أثر إيجابي كبير في الجهود التي تبذل في سبيل تراجع القيود المفروضة على المحتوى الفلسطيني.
ويضيف: «منصات ميتا هي الأكثر استخداما في فلسطين، وهي الأكثر ممارسة للسياسات القمعية، تضييق الخناق على الصفحات الفلسطينية في ازدياد، وهناك تصاعد عام في تطوير طرق الحظر وتقييد المحتوى».
ويرى القاضي أن المؤسسات الأهلية لوحدها لا يمكنها الضغط بفعالية على شركة تعتبر أقوى من بعض الدول.
ويرى أن موجة الحديث عن المعايير المزدوجة التي تصاعدت بعد الحرب الروسية على أوكرانيا لم تؤثر على تراجع سياسات المنصات الرقمية بحق المحتوى الرقمي الفلسطيني.

شكوى رسمية

يذكر أنه في أواخر شهر شباط/فبراير من العالم الحالي قامت شركة Bindmans أحد أكبر مكاتب المحاماة في لندن بتكليف من قبل المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين «ICJP» بتوجيه شكوى رسمية إلى فيسبوك نيابة عن مركز «صدى سوشال» وعدد من الصحافيين والكتاب ووكالات الأنباء الفلسطينية بشأن إجراءات الرقابة التعسفية التي تتم ممارستها من فيسبوك ضد المحتوى الفلسطيني وكذلك تعليق الحسابات على المنصة.
وتطالب الدعوى «ميتا» بمراجعة إجراءاتها بتعليق وإغلاق الحسابات الفلسطينية، وإذا ما كان قد تم استخدام خوارزمية أو ترك التقدير للموظفين باتخاذ قرارات إغلاق الحسابات الفلسطينية.
وحسب مركز «صدى سوشال» فإن هذه الدعوى تأتي إثر تعنت إدارة فيسبوك في التعامل مع الشكاوى التي تصله من المركز وجهات فلسطينية أخرى مهتمة بالحقوق الرقمية، وأصحاب الحسابات وجهات إعلامية ومؤسسات صحافية.
وعلى الرغم من الالتزامات التي تعهدت بها إدارة فيسبوك، في رسالتها المرسلة في حزيران/يونيو 2021 إلا الرقابة على المحتوى الفلسطيني ظلت قائمة. ويكشف التوثيق الذي أجراه المركز، أن الرقابة التي يمارسها فيسبوك على المحتوى المرتبط بالفلسطينيين تمثل مشكلة أوسع نطاقًا وبعيدة المدى وذات طبيعة منهجية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 265 / 2184520

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2184520 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40