الأحد 5 أيلول (سبتمبر) 2021

الثقة لا تبنى مع الاحتلال ولا بتحسينات معيشية

الأحد 5 أيلول (سبتمبر) 2021 par علي الصالح

لمن تبقى لديه سقف توقعات عال أن تنفذ إدارة جو بايدن وعودها بشأن تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، وفقا للمقررات الدولية، نرد عليه بالمثل الفلسطيني القائل «لو بدها اتشَتّي غيمت» فلا شتاء أو مطر من دون غيم. فما قرأناه وسمعناه وشاهدناه من أفعال لبايدن نفسه وأقطاب إدارته لا يصل إلى حد الغيم، ولا حتى سحابات صيف عابرة، ولا تبشر أبداً بالخير، رغم أننا لا ننكر وجود بعض الإيجابيات في بعض التصريحات الصادرة عن أقطاب، والحديث عن التمسك بحل الدولتين، من دون أن تكون هناك خطوات عملية نحو تحقيق هذا الوعد.
انعكس الموقف الأمريكي الباهت في المؤتمر الصحافي في واشنطن يوم الجمعة الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي تسبب فيه بايدن بحالة من البلبلة وأثار عددا من التساؤلات لدى القيادة الفلسطينية، بسبب عدم تأكيده على دعم إقامة الدولة الفلسطينية علنا أمام الكاميرات، واكتفى بذكر موقفه هذا في البيان الصادر عنه لاحقا.
حتى الآن ورغم مرور نحو 8 أشهر على دخوله البيت الأبيض، اتخذ الرئيس بايدن خلالها مجموعة من القرارات المهمة على عدة صعد، ليس أولها الانسحاب من أفغانستان، أو مسألة البيئة، أو الاقتصاد العالمي وغيرها، لكنه ومن وجهة نظر الفلسطينيين لم يتطرق بشكل واضح وصريح إلى الخطوات اللازمة والعملية لإقامة الدولة الفلسطينية، التي كانت أحد شعاراته الانتخابية، بل يمر في حديثه عن التمسك بحل الدولتين، والعيش الكريم للشعب الفلسطيني، مرور الكرام وباستحياء شديد. ومعظم الحديث يدور حول خطوات بناء الثقة، عبر تحسين الظروف المعيشية والأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين، وتخفيف الضغوط الأمنية عنهم، وعدم اتخاذ إجراءات أحادية الجانب، هذا المصطلح الذي يعكس الكثير، وهو مصطلح يعطي الانطباع بأن الفلسطينيين، وليس المحتلين والمستوطنين، هم الذين يتخذون إجراءات أحادية الجانب بأمر القوة.
إن هذه الثقة التي يتحدثون بها، يمكن أن تهتز في أي لحظة، مع إطلاق أول رصاصة من جندي احتلالي، أو مستوطن، أو هدم منزل في القدس، أو الاعتداء على المقدسات في القدس والخليل، والاعتداء على المصلين فيها، والإخلال بما يسمى الوضع الراهن ومصادرة أرض، أو ترحيل فلسطيني عن منزله وإجلائه عن أرضه، أو اعتقال طفل أو شاب، من دون سبب، عدا عن الترهيب وقتل الروح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني وكسر شوكته. إن عدم الثقة التي يتحدثون عنها سببها الاحتلال وإجراءاته، وإن غياب الثقة سببه السياسة الاستيطانية العنصرية، التي تتواصل في جميع الأراضي الفلسطينية، خاصة في القدس، وغياب الثقة سببه غياب مسار سياسي يفضي إلى إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحفظ حق العودة للاجئين.
إن غياب الثقة سببه الاعتداءات اليومية لجيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه على الشجر والحجر قبل البشر، في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، لا يمكن بناء الثقة طالما أن الفلسطينيين يتعرضون لزيارات ليلية من قبل الجنود، والجنود يقومون بمساعدة المستوطنين على إقامة بؤر استيطانية غير قانونية، وأجهزة التحقيق وإنفاذ القانون في الجيش يعطون الدعم لكل إطلاق نار، أيضا عندما يقتل مواطنون أبرياء، ويتم هدم بيوت وسلاسل حجرية زراعية بشكل وحشي والأهالي لا يمكنهم الحركة بحرية بين المدن المختلفة في الضفة، والضفة وقطاع غزة. إن غياب الثقة يعود إلى كل شيء يقوم به الاحتلال، وإذا أردتم بناء الثقة حقا فابدأوا أولا بإزالة كل شيء له علاقة بالاحتلال من الأرض الفلسطينية، نحن لسنا بحاجة لمبادرات جديدة ولا اتفاقات تضاف إلى الاتفاقات القائمة وهي كثيرة، نفذوا فقط هذه الاتفاقات القائمة منذ اتفاق أوسلو، وانهوا الاحتلال، وستهدأ الأمور وسيفرض الهدوء نفسه، وعندئذ فقط تبدأ عملية بناء الثقة بين شعبين، وعلى قدم المساواة، باختصار أن غياب الثقة يعود بالأساس لوجود الاحتلال اصلا، وليس العكس. وكيف يمكن أن تطلب من شعب محتل أن يثق بمحتليه

وإذا أردتم بناء الثقة أيضا فهناك الطرق الأقصر: ارغموا دولة الاحتلال على احترام الاتفاقات الموقعة، ارغموا دولة الاحتلال على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، ارغموا دولة الاحتلال على احترام حقوق الإنسان الفلسطيني، عاملوا دولة الاحتلال كدولة احتلال خارجة على القانون الدولي، لا كدولة فوق القانون. إن هذه الإدارة كما تشير الدلائل الأولية تعود إلى سياسات إدارة ترامب وعود اقتصادية وغيرها، وتسوقها لنا بتغليف جديد وماركة جديدة مع بعض الكلام المعسول والوعود، التي أثبتت حتى الآن أنها ليست أكثر من وعود فارغة.
لن ينجز بناء الثقة الذي تتحدثون عنه يا بايدن بمحاولة فرض الخيار الاقتصادي عبر تحسين الظروف المعيشية، وزيادة عدد تصاريح العمل، وتخفيف قيود الحصار على غزة، ومنح قرض مالي للسلطة، والمصادقة على بناء قرابة ألف وحدة سكنية للفلسطينيين في مناطق ج. كل ذلك ليس أكثر من حبوب مسكنة ينتهي مفعولها بانتهاء مدتها الزمنية، وهي ليست أكثر من مساحيق تجميلية رخيصة الثمن. إن تحسين الظروف المعيشية لن يكون بديلا للتسوية السياسية وقيام دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967، دولة ذات سيادة على مياهها وأجوائها وحدودها، دولة عاصمتها القدس. وهذا طبعا غائب عن سياسات وتفكير رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، الذي أعلن في ثلاث مناسبات خلال أسبوع واحد، عن رفضه دفع عملية سياسية مع السلطة الفلسطينية، وأنه يسعى إلى دفع خطوات تهدف إلى تسهيل حياة الفلسطينيين، خاصة الذين يعملون في الداخل المحتل. وكان بينيت قد قال معقبا عل لقاء غانتس مع أبو مازن، في رام الله، الأحد الماضي، في بيان صادر عن مكتبه إنه «لا توجد أي عملية سياسية مع الفلسطينيين ولن تكون أيضا» انتبه إلى عبارة ولن تكون. وحسب صحيفة «هآرتس» العبرية، فإن بينيت وهو المستوطن المتطرف القادم من الولايات المتحدة، على قناعة بأن ثمة حاجة لدفع الجانب المدني ـ الاقتصادي. وهو يريد تنفيذ ذلك، بتحسين ظروف العمال. أقوال بينت هذه تُضاف إلى تصريحات أدلى بها في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» عشية زيارته الأولى للولايات المتحدة مسقط رأسه منذ توليه رئاسة الحكومة، ووفقا لهذه التصريحات فإن حكومته لن تُجري مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين، وستستمر في سياسة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. وحسب «هآرتس» فإن بينيت وخلافا لغيره ممن سبقوه يتبنى استراتيجية «تقليص الصراع» مع الفلسطينيين القائمة على محاولة إخفاء الاحتلال وتخفيف الاحتكاك مع الفلسطينيين، ومحاولة تخديرهم بإضفاء تسهيلات على حياتهم اليومية.
وقال أحد كتاب «هآرتس» مؤكدا أن خطوات غانتس وبينيت تستهدف بالفعل بناء الثقة لكن ليس مع الفلسطينيين، كما يعتقد، بل مع إدارة بايدن مقابل تجميد أي عملية سياسية مع الفلسطينيين، والموافقة بصمت من قبل الولايات المتحدة على عدم الدفع قدما بتطبيق حل الدولتين.
إسرائيل ستعود إلى فكرة السلام الاقتصادي، وربما ستعرض نسخة باهتة من صفقة القرن.. مذكرا بأن بايدن، الذي بدأ ولايته بتحرير أموال المساعدات للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث اللاجئين الأونروا، لم يعرض حتى الآن أي رؤية لحل الصراع أو أي مبادرة لاستئناف المفاوضات، ويتحول إلى شريك ممتاز لحكومة بينيت.
ونختتم بتفسير بينيت لـ»الوضع الراهن»: «لا ضم ولا دولة فلسطينية.. وحكم عسكري حتى الطرد» اي أنه لن يعمل وبشكل سافر على ضم مناطق ج التي تشكل نحو 60% من أراضي الضفة، ما قد يُقوّم العالم عليه ولو لفترة زمنية محدودة. في الوقت نفسه سيبقي على الحكم العسكري المخفف، وسيحبط أي محاولات، أو حتى الحديث عن إقامة دولة فلسطينية، ويبقى الوضع على ما هو عليه، إلى أن تحين الفرصة التي يتخلص منها بينيت من الكم الأعظم من الفلسطينيين، طبعا سيبقى هذا حلم بينيت (غيره كان أشطر) الذي لن يتحقق، لان الفلسطيني تعلم الدروس، ولن يرحل عن أرضه ولن يتنازل عن حقوقه وسيبقى متمسكا بها طال الزمن أم قصر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2184594

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184594 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40