السبت 24 تموز (يوليو) 2021

بينيت وخدعة الوضع القائم في الأقصى وتراجعه عن صلاة اليهود فيه تكتيكي

علي الصالح
السبت 24 تموز (يوليو) 2021

يخدعنا الإحساس في كثير من الأحيان، بتراجع العدو عن خطوة استفزازية ونسعد بذلك كثيرا، كما سعدنا بتراجع رئيس وزراء دولة الاحتلال نفتالي بينيت، عن تصريحه حول حق اليهود في الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وإعلانه الالتزام بالوضع الراهن/ القائم ستيتاسكوو، بدون تعريف وتحديد ماهية الوضع القائم، هل هو القائم منذ احتلال الضفة والقدس المحتلة في حرب 1967؟ أم الوضع القائم حاليا بالسماح لليهود باقتحامات المستوطنين اليومية، وتقسيمه زمانيا كخطوة نحو تقسيمه مكانيا، وبناء الهيكل المزعوم؟ أم الوضع الراهن القائم الذي حددته الدولة العثمانية في عام 1852حتى احتلال الضفة؟ أم ماذا؟
الدليل على كذبة الوضع القائم، السرعة التي عملت فيها دولة الاحتلال على تغيير معالم البلدة القديمة في القدس في اليوم التالي لاحتلالها، بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967، ومسح أي أثر لحي المغاربة، بترحيل أهل الحي الذي حمل اسم بلادهم الأصلية، وتسميته بحارة اليهود، على غرار حارة المسلمين والأرمن وغيرهما، ليثبّتوا وجودهم في المدينة، تمهيدا لما نشهده اليوم من إجراءات صهيونية.
وتزامن تصريح بينيت وهو المستوطن، ومن دعاة بسط السيطرة على الضفة الغربية المحتلة، وضمها إلى إسرائيل، عن حق اليهود بالصلاة في الأقصى مع ذكرى خراب الهيكل المزعوم، وتهديد جماعات المستوطنين باقتحام المسجد في يوم وقفة عرفة، ولكنه سرعان ما تراجع تكتيكيا عن تصريحه، ولولا الضغوط التي مارستها المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وعلى رأسها جيش الاحتلال ما كان بينيت ليتراجع، وحتى تصريح النفي لم يصدر عنه مباشرة، ما يعني أنه لم يلزم نفسه به، بل جاء على شكل تصريح صادر عن مكتبه لوسائل الإعلام الإسرائيلية، أكد فيه أن الحديث عن «حرية عبادة لليهود» في الأقصى، كان اختيارا خاطئا للكلمات – و»ليس في نية الحكومة تغيير الوضع الراهن» في الأقصى. ويمكن لليهود زيارة الأقصى، ولكن حرية العبادة مقصورة على المسلمين فقط. تصور أن يخطئ رئيس وزراء يهودي في اختيار الكلمات في قضية حساسة، كان يمكن أن يشعل الفتنة في القدس والضفة ومناطق 1948 غير ممكن؟ تصريح بينيت وتراجعه عنه إنما هو الخطوة الأولى للسماح لليهود بالصلاة في الأقصى، حتى لو بعد حين، إن بقوا على هذه الأرض، فهذه هي طرقهم. بينيت أعطى شرعية لأكبر اقتحام لعتاة المستوطنين للأقصى، إذ تجاوز العدد 1700 مستوطن، جالوا وصالوا وعاثوا فسادا في الأقصى، لا يردعهم رادع بعدما أخلى جنود الاحتلال المسجد من المصلين والمتعبدين الفلسطينيين، ورددوا صلواتهم وكذلك نشيدهم الوطني.

بينيت لم يتراجع أمام أي ضغوط، ولم يكن ينوي السماح لليهود بالصلاة في الأقصى في الوقت الحاضر، بل هو ألقى حجراً في مياه راكدة

لم يجرؤ رئيس وزراء من قبله حتى أستاذه بنيامين نتنياهو «الذي علمه السحر والعنصرية والكره للعرب» أن يخاطر بالادلاء بمثل هذا التصريح، الذي لم يأت من فراغ، ونؤكد أن تراجعه لا يعني أنه أسقطه من حساباته، بل ثبّته في عقولنا، ما يعني أن ردود أفعالنا على تصريح كهذا في المرة الثانية، لن تكون بالمستوى ذاته على آذاننا، بل ستكون أقل حدة وهكذا إلى أن يصبح الحديث فيها وعنها أمراً مقبولاً، وربما حتى ممارستها كما حصل مع اقتحامات جيش الاحتلال وشرطته للحرم القدسي وتدنيس باحاته ومساجده، التي تتناقض مع الوضع الراهن، وكذلك تقسيم الأقصى زمانيا قبل أن يبدأ بإدخال فكرة التقسيم المكاني. بينيت لم يتراجع أمام أي ضغوط، ولم يكن ينوي السماح لليهود بالصلاة في الأقصى في الوقت الحاضر، ولم يكن تصريحه هذا سوى إلقاء حجر في مياه راكدة. كان يخطط لأن يتراجع عن هذا التصريح بعدما يكون قد نجح في تعويد آذاننا على سماع مثل هذه التصريحات تدريجيا، إلى أن تأتي اللحظة وتحين الفرصة، ويوجه ضربته القاضية في هذه القضية وتصبح وضعا قائما، أو كما يقولون ستيتاسكوو، لا نستطيع أن نفعل حياله شيئا. فاحذروا، هذه الألاعيب، ولا تضعوا هذا التراجع في ميزان إنجازاتكم، إن كانت هناك إنجازات، بل في ميزان إنجازات شعبنا العظيم الذي يقف دوما على أهبة الاستعداد للدفاع عن وطنه ومقدساته، فأنتم ودولة الاحتلال تعرفون جيدا أن أقصى ما كان يمكن أن يصدر عنكم، أو تفعلوه هو الإدانة بـ»أشد العبارات» وتطالبوا المجتمع الدولي بالوقوف أمام مسؤولياته ومناشدته حماية الأماكن المقدسة، واحترام قراراته، وتصدروا تحذيراتكم الخاوية لتصل بكم الأمور إلى التحذير، ومحاولة إثارة المخاوف من حرب دينية، ولا أدري لماذا نحذر من هذه الحرب فلتقع هذه الحرب ولنخلص. قرار نفتالي بينيت تكتيكي مدروس، هم يضربون في العالي والعالي جدا، وعندما يتراجعون عن العالي ويقبلون بما هو أقل، على الأقل في الوقت الحاضر، يشعروننا بأننا حققنا انتصارا استراتيجيا، وهم يثبتون بذلك واقعا جديدا. صحيح أن الفرحة مطلوبة في زمن تشح فيه أسباب الفرح العربية، لكن لا تبالغوا بالفرحة بهذا الانتصار أو ما نسميه بالانتصار.
وأختتم بمقارنة بين قرار شركة «بن آند جيري» – Ben & Jerry الأمريكية لمنتجات الألبان والآيس كريم، بوقف التعامل مع المستوطنات الذي أحدث زلزالا في إسرائيل. وهو قرار ربما تضحي فيهBen & Jerry بأموال طائلة ليس في إسرائيل فحسب، بل وفي أوساط مؤيديها في العالم، بينما شركات محمد بن زايد ديكتاتور الإمارات وزبانيته ولأسباب سياسية، يبحثون عن فتات توفرها لهم صفقات مع المستوطنات على حساب الأرض والدم الفلسطينيين. وفاجأتBen & Jerry بقرارها، الفلسطينيين الذين استقبلوا القرار بالترحيب، أما الإسرائيليون فاستقبلوه بصدمة، لم يكونوا يتوقعونها. وكانت الشركة الأمريكية، قد أعلنت على موقعها الإلكتروني، أن عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة «يتعارض مع قيمها لإنتاج وتسويق مشتقات الحليب والآيس كريم» وأضافت: «لدينا شراكة طويلة الأمد مع صاحب الامتياز الذي ينتج الآيس كريم الخاص بنا في إسرائيل ويوزعها في المنطقة. أبلغناه بأننا لن نجدد الاتفاقية عندما تنتهي صلاحيتها في نهاية العام المقبل» كما أعلنت أنها ستتّبع «ترتيبا آخر» في ما يخصّ طريقة عملها وبيع منتجاتها في إسرائيل. ويندرج قرار الشركة تحت لائحة النجاحات التي حققتها، ولا تزال تحققها حركة مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها التي تعرف عالميا بـ BDS)). بعد حملات متوالية لمنعها من العمل في المستوطنات، ونجحت BDS)) مع «Ben & Jerry» حيث فشلت مع شركات يفترض أنها عربية. وتخدم الشركة في موقفها هذه الموقف الفلسطيني، في المعركة ضد الاستيطان أمام المحاكم الدولية، ويضعف الموقف الرسمي الإسرائيلي، وهو ما دفع بينيت، إلى اعتبار القرار «أمراً في غاية الخطورة». والتواصل مع مالك الشركة ليؤكد له أنه «ينظر بعين الخطورة» للقرار الذي وصفه بـ»إجراء مناهض واضح لإسرائيل، وله عواقب وخيمة؛ قانونية وغيرها» وقال «إن إسرائيل ستتصرف بحزم ضد أي مقاطعة تستهدف مواطنيها». وتكمن خطورة قرار Ben & Jerry’s، في انعكاساته على شركات أخرى كثيرة، مترددة في تبني قرار المقاطعة. وقد يساعدها هذا القرار في اتخاذ خطوة مماثلة تصب لصالح اعتبار دولة الاحتلال دولة فصل عنصري، كما كان نظام جنوب افريقيا، ليس هذا فحسب، بل قد يكون لهذا القرار انعكاسات على جيل الشباب في الولايات المتحدة، المعروف بشغفه بالآيس كريم، والذي يشهد تحولا إزاء القضية الفلسطينية.

كاتب فلسطيني



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 783 / 2184606

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

3 من الزوار الآن

2184606 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40