الأحد 23 أيار (مايو) 2021

حول الإخفاق الصهيوني

حيّان جابر
الأحد 23 أيار (مايو) 2021

هناك مئات الشواهد من الصحف والتصريحات الصهيونية، الرسمية وشبه الرسمية، المعبرة عن مدى إخفاقهم، مؤخرا، ولا سيما فيما يخص عدم تحقيق أهدافهم في العدوان غزة، رغم طوفان جرائم التطهير العرقي التي ارتكبوها هناك، والتي أسفرت عن أكثر من 200 شهيد جُلهم (أكثر من 30% منهم من الأطفال). الأمر الذي يدفعنا إلى استعراض سريع لأسباب هذا الإخفاق بعيدًا عن المبالغة الإعلامية هنا أو هناك، بهدف البناء على هذه الأسباب مجتمعة دون إهمال أي منها، إذ تبدو هناك فرصة فلسطينية سانحة لقلب ميزان القوى في المدى المتوسط، إن نجحنا في ترتيب أوضاعنا وواصلنا معركتنا الشعبية داخل وخارج فلسطين. لكن وقبل عرض هذه الأسباب، لا بُد من التنويه إلى عشوائية ترتيب الأسباب المذكورة، فجميعها أسباب مهمة وحاسمة في نتائج المواجهة الحالية والتي لم تطوى صفحتها وفصولها بعد:

1. مظاهر المقاومة الشعبية في كل فلسطين. لقد فجرت حملات التطهير العرقي والفصل العنصري والتهجير القسري الصهيونية الممارسة بحق الكل الفلسطيني من حي الشيخ جراح والقدس عامة إلى أراضي 48 والضفة وغزة، مظاهر مقاومة شعبية شاملة في غالبية المدن والبلدات الفلسطينية، بغض النظر عن عام احتلالها أكان 1948 أم 1967. وهو ما فرض على جهاز الدولة الصهيونية مواجهات مشتعلة على جميع الجبهات، وهو أمر مستنزف عسكريا، وسياسيا، ولوجستيا، وإعلاميا، بل وذهنيا ونفسيا، ما ساهم في تخبط صهيوني واضح على جميع ساحات الصراع أو المواجهة. طبعًا التخبط الصهيوني بل وربما الضياع ما زال مستمرا حتى الآن، وهو ما يتطلب مزيدا من الضغط عبر استمرار أشكال المقاومة الشعبية في كل المدن الممكن تصعيد المقاومة الشعبية بها.

2. تطور الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني. لقد تمكن الخطاب الفلسطيني الشعبي قبل الرسمي والفصائلي من عرض القضية الفلسطينية بأفضل شكل ممكن، عبر تعرية حقيقة جهاز الدولة الصهيوني دون أي مواربات ناتجة عن حسابات إقليمية أو دولية. وكذلك نجح في توصيف الحقوق الفلسطينية بما فيها حق الدفاع عن النفس والأرض والممتلكات، أي الحق في ممارسة المقاومة والنضال السلمي وغير السلمي في إطار التصدي لجرائم التطهير العرقي، والفصل العنصري، والترحيل القسري على كل شبر من أرض فلسطين، وهو ما زعزع استقرار ونقاء الصورة الصهيونية (المصطنع طبعا) على مستوى العالم أجمع، ما انعكس في حجم المظاهرات الداعمة للحقوق الفلسطينية، والمنددة بالإجراءات والممارسات الصهيونية، رغم المحاولات الصهيونية الحثيثة من أجل حرف الأنظار باتجاه إدانة مختلف أشكال الدفاع الفلسطيني عن النفس والأرض والممتلكات.

3. كسر الهيمنة والحظر الإعلامي الدولي. لا يمكن الحديث عن أسباب الإخفاق الصهيوني دون المرور على النجاح الفلسطيني (بمعنى كل من ساهم فيه بغض النظر عن هويته الوطنية) في نقل حقيقة ما يحدث على أرض فلسطين، ولا سيما بما يخص جرائم التطهير العرقي والفصل العنصري الصهيوني المرتكبة على كامل أرض فلسطين. وهو ما حاولت الصهيونية محاصرته عبر التعاون مع حلفائها الدوليين وغير الرسميين، في الشركات الخاصة العابرة للقارات، كما في الشركات والمؤسسات العاملة في مجال السوشال ميديا، عبر حظر المحتوى الفلسطيني الإعلامي والمقاومة والتوثيقي. لكن ورغم هذا التواطؤ العالمي على الصعيد الرسمي مع الجرائم الصهيونية، لكنه فشل فشلا شبه كامل، نتيجة الإصرار والعزيمة الفلسطينية وبحكم التعاون بين جميع الناشطين داخل وخارج الوطن، ومن خلال تصعيد الحملات وفضح هذه الممارسات القمعية المتماهية مع الجرائم الصهيونية. بل يمكن القول إن حملات القمع قد تحولت إلى دعاية عكسية ساهمت في نشر القضية الفلسطينية، وفي التعريف بجميع الممارسات الصهيونية الإجرامية، ولا سيما ممارسات التطهير العرقي والفصل العنصري.

4. لدينا كذلك مراكمة لنجاحات حركة المقاطعة الدولية (BDS)، ومجموعات الضغط الفلسطينية في دول العالم الغربي، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمملكة البريطانية، وكذلك النشطاء الأكاديميين من داعمي الحقوق الفلسطينية، التي تحولت في ظل مجمل الحالة النضالية الفلسطينية الراهنة إلى نجاحات فارقة على جميع المستويات، ما ساهم في زيادة الضغط الأكاديمي والسياسي المناصر لحقوقنا العادلة، في غالبية المحافل التي كانت حكرا على المعسكر الصهيوني، وربما أبرزها الكونغرس الأميركي، وهو ما رفع من مستوى الضغط، بل ومن حجم الفشل الصهيوني، فقد تداعت الصورة الصهيونية الزائفة التي تدعي المظلومية، وحلت بدلا عنها صورتها الحقيقة المتمثلة بكون الصهيونية أداة التطهير العرقي والفصل العنصري الوحيدة في العصر الحالي، أو على الأقل شبه الوحيد.

5. صمود وثبات ووحدة الشارع الفلسطيني. فقد فشلت المخططات الصهيونية الرامية إلى تجزئة القضية الفلسطينية إلى قضايا مناطقية منفصلة، رغم تسعير العدوان والإجرام وحملات التطهير العرقي على قطاع غزة، إذا حافظ الشارع الفلسطيني داخل القدس، ومناطق 48، وغزة، على خطاب متماسك يرفض ويدين ويقاوم مجمل الجرائم الصهيونية، وعلى رأسها التطهير العرقي والفصل العنصري بغض النظر عن مكانها. كما فشلت الصهيونية مجددا في زرع بذور الشقاق بين الفصائل المقاومة والشارع الغزاوي تحديدا، إذ تمسك الشارع الفلسطيني بالحقائق الموضوعية والقانونية، التي تحمل الاحتلال وداعميه كامل مسؤولية جرائم التطهير العرقي الممارسة في قطاع غزة، اليوم وسابقا، عبر مجمل تاريخ الاعتداءات الصهيونية المتكررة على القطاع، وفي أنحاء فلسطين، بما فيها مسؤولية الحصار غير القانوني وغير الإنساني الممارس على القطاع أيضا.

6. في النهاية، لا بد من استعادة ما قيل عن صمود فصائل المقاومة الفلسطينية على مختلف تياراتها، بل وعن تطور قدراتها التنظيمية والعسكرية، وربما أهمها قدراتها الاستخباراتية، على الرغم من ظروف الحصار الخانق على قطاع غزة، وهو ما شكل نموذجا عن قدراتنا الكامنة وضرورة استثمارها بأفضل شكل ممكن، رغم رداءة الظرف الموضوعي.

ختامًا، اعتقد أننا أمام إخفاق صهيوني كبير ومتعدد الأبعاد، التي تطال مجمل الساحات النضالية، وقد أدت جميعها دون أي استثناء أو تقليل من أي منها، إلى محاصرة جهاز الدولة الصهيوني وتكبديه خسارة جدية قد يتبعها مزيد من الفشل والهزائم والانكسارات، إن تمكنا من استثمار عوامل قوتنا الراهنة، واستغلينا مكامن الضعف الصهيوني البارزة اليوم. فجميعها ساهم في تصاعد الأصوات الصهيونية القائلة إن نتائج استمرار العدوان على غزة أسوأ من إعلان تهدئة مؤقتة أو دائمة، حتى لو كانت من طرف واحد، فهي تواجه معركة فلسطينية متكاملة داخل وخارج فلسطين، شعبيا وسياسيا وإعلاميا وقانونيا، بل وأخلاقيا، وهو ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأهمية استمرار وتطوير نضالنا ومقاومتنا الشعبية، داخل وخارج فلسطين، حتى نلمس نجاحات مادية واضحة وغير قابلة للتشكيك من أي أحد، فالانتصار المعنوي في غزة هو انتصار للمقاومة، كل المقاومة، وعلى رأسها المقاومة الشعبية داخل وخارج فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2184584

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184584 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40