الأحد 25 نيسان (أبريل) 2021

أبناءُ باريس يُشَيْطِنُون ابنَ باديس!

حسين لقرع
الأحد 25 نيسان (أبريل) 2021

المتتبِّع لما ينشره بعض “القرَّاء” في شتى المواقع الإخبارية عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وما كتبه الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس وصحبُه في صُحفها عن “التعاون” مع فرنسا، وتمجيد لغتها، والإعجاب بحضارتها وتقدّمها، ومدّ يد العون لها… يتأكّد تماماً أنّ الأمر لا يتعلق بـ”قراءٍ” بسطاء، يكتبون بعفوية، وبفوضوية أحياناً، بل يتعلق بعملٍ منهجيّ منظّم أشرف عليه “باحثون” ربّما انتدبتهم “جهةٌ” ما للقيام بهذه “المهمّة”.

لقد انطلق هؤلاء “الباحثون” إلى صحف جمعية العلماء، وقرأوها كلمة كلمة، بهدف تصيُّد كل ما يرون أنّه يشينُ الجمعيةَ ورجالَها، ويطعن في صدقيتها لدى محبّيها، ولدى كلّ جزائري يؤمن بدورها العظيم في إحياء الشعب الجزائري بعد مَوَات، وغضّوا الطرف عن مئاتِ المقالات التي تستنهض همم الجزائريين وتوقظ وعيهم… وانتقوا منها فقط جُملا وفقراتٍ يهادنُ فيها ابن باديس وصحبُه فرنسا لغرضٍ في نفس يعقوب، وبتروها من سياقها، وقدّموها للجزائريين على أنّها أدلّة كافية على أنّ ابن باديس وشيوخ الجمعية، كانوا مولعين بحبّ فرنسا، ولغتِها، وتقدّمِها، وحضارتها، وكانوا لا يعادونها، ويعرضون عليها المساعدة في تنفيذ مخططاتها…

لا أحد يُنكر ما ورد في صحف جمعية العلماء من أقوال مهادِنة مُغازِلة لفرنسا، ولكنّ هذا لا يعني أبدا أنّ الجمعية كانت اندماجية عميلة لفرنسا، أو كانت تريد بقاءَها في الجزائر وتعينها عليه، كما كان يفعل “القُيّاد” و”الحركى” الخونة، بل إنّ أيّ دارسٍ مُنصفٍ نزيه، لا يُخفى عنه أنّها كانت تريد مهادنة فرنسا درءاً لشرّها، ومحاولة تخفيف وطأة مضايقاتها للجمعية، وغلقها المستمرّ لصحفها، ومنع كبار شيوخها من التدريس…

فرنسا كانت تتابع بدقّة نشاطات جمعية العلماء منذ تأسيسها في 1931، وكانت تعرف أنّها تهدف إلى إيقاظ الشعب الجزائري من سباته، وإحياءِ هويته ودينه ولغته العربية، وتوعيتِه، وتثقيفه، ومحاربةِ انتشار الأمية والجهل والشعوذة والخرافات بين أبنائه، وكانت تُدرك أنّ مقولة ابن باديس: “يا نشء أنت رجاؤنا وبك الصباح قد اقترب”، لا تعني سوى تحضير الأجيال الصاعدة لتحرير بلدهم في الوقت المُناسِب، ولذلك ناصبت الجمعيةَ العداءَ منذ البداية، وحاربتها بكلّ السبل، حتى أنها قامت باغتيال ابن باديس بالسم في أفريل 1940 لوضع حدّ لنشاطاته الإصلاحية التي تهدّد وجودَها الاستيطاني البغيض في الجزائر.. فهل كانت فرنسا ستقترف كلَّ هذه الجرائم بحقِّ الجمعية وشيوخها لو انطلت عليها بعضُ كتاباتهم المُجامِلة لها؟ هل كانت فرنسا تُغالِي حينما اعتبرت جمعيةَ العلماء هي الأب الروحي للثورة الجزائرية؟

من المؤسف أن يتَّهم هؤلاء المغرضون الجمعية بـ”معاداة” الثورة، من دون دليل دامغ، متناسين بيانَ رئيسها الشيخ البشير الإبراهيمي الذي أصدره باسمها في القاهرة يوم 2 نوفمبر 1954 بعنوان “إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر”، وقد ساند فيه الثورةَ بكل وضوح، ودعا الجزائريين إلى الالتحاق بها، فـ”إمَّا بقاءٌ كريم أو فناءٌ شريف”.. كما يتحدّث هؤلاء المُبغِضون عن رأي محمد بوضياف السلبي في جمعية العلماء والثورة، ويتناسون البيان الذي وقّعه البشير الإبراهيمي والفضيل الورتلاني وأحمد بيّوض مع حسين آيت أحمد وأحمد بن بلة ومحمد خيضر وأحمد مزغنّة بالقاهرة في 17 فيفري 1955 بعنوان “ميثاق جبهة تحرير الجزائر” والذي دعم فيه الشيوخُ الثلاثة الثورةَ من دون أيّ لُبس. أليست هذه انتقائيةً مفضوحة معبِّرة عن مرضٍ في نفوس أصحابها؟

يكفي أنّ شعار الجمعية الخالد هو “الإسلامُ دينُنا والعربية لغتُنا والجزائر وطنُنا”، ويكفي أنّ ابن باديس هو القائل “والله لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله ما قلتُها”، وليقُل بعدها أبناءُ باريس ما يشاءون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2184545

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2184545 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40