الأحد 28 شباط (فبراير) 2021

من ثائر أممي.. إلى مؤسس لمشروع أمة

وليد مرمر
الأحد 28 شباط (فبراير) 2021

“كان عمري سبع سنوات عندما شاركتُ للمرة الأولى في تظاهرة تضامنية مع المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد مرت قرب مدرستي وهي المقاصد، وذلك بعد صدور قرار من سلطات الاستعمار الفرنسي بإعدامها.وعندما وصلتُ مع المسيرة الى ساحة الشهداء، لم أعرف بعدها كيف أعود الى منزلي‫”.
تلك كانت الخطوة الأولى في رحلة السبعين عاما التي سطر خلالها الراحل أنيس النقاش تاريخا حافلا في المجالين النضالي والفكري‫ لم يتح جمعهما إلا لقلة قليلة.
وبين السبع والسبعين، تدرج أنيس النقاش في ميادين المجد حتى جمعه من أطرافه‫. فكان طودا لا ينحني في ساح الوغى‫ ونجم لا يخبو في فضاءات الشهادة فإنّ “مَن سأل الله الشهادة بصدق بَلَّغَه مَنَازِل الشهداء وإِن مَات عَلَى فِراشه‫”. كما في الحديث‫.
أنيس النقاش يشبه من رافقوه وتأثر بهم، وتأثروا به‫. رجال من طينة خليل الوزير‫(أبو جهاد) وعماد مغنية وكارلوس والدكتور وديع حداد وفتحي الشقاقي وقاسم سليماني وغيرهم من الرجالات الذين عاشوا وماتوا في سبيل قضايا شعوبهم وفي رأسها القضية الفلسطينية.
وكان أنيس النقاش قد توفي يوم الإثنين الماضي بعد إصابته بفيروس كورونا بعد دخوله إلى العناية المشددة في أحد مستشفيات دمشق‫.
العلاقة بمنظمة التحرير وبدء النضال
هو ‫“مازن‫” في حركة فتح‫، تيمنا بالشهيد مازن أبو غزالة الذي استشهد عام ١٩٦٧.
وهو خالد في ‫“عملية فيينا‫” عام ١٩٧٥.
في عام ١٩٦٤ انضم سراً إلى حركة فتح وعمره وقتئذ لم يتجاوز ١٥ سنة، وأسس جماعة “خليّة المقاصد” في مدرسته. ثم شارك بفعالية في الحركات المطلبية اللبنانية‫. وبعد خمس سنوات أي عام ١٩٦٩قام بالإضراب عن الطعام احتجاجًا على صمت الحكومة اللبنانية والدول العربية على هجوم الكوماندوس الإسرائيلي على مطار بيروت‫. وقد تم نقله بعدها إلى المستشفى للعلاج ‫.
‫وشارك في عمليات عسكرية عدة من خلال حركة فتح ولكن ربما لم تلبي ‫“فتح‫” طموحاته النضالية بحكم توجهاتها السياسية أحيانا وبحكم تمسكها بتوازنات معينة، فانتقل إلى الجبهة الشعبية التي كانت تمثل التيار الماركسي النضالي والذي يؤمن فقط بالعمل المسلح كطريق وحيد لتحرير الأرض وذلك بالتزامن مع اجتياح ١٩٧٨‫. ثم قام بتشكيل مجموعات قتالية في كفرشوبا وبنت جبيل‫(أحد الأعضاء كان الشهيد عماد مغنية‫) وقاد خلايا سرية ونفذ عمليات أمنية وعسكرية على الحدود اللبنانية الإسرائيلة‫. كما قام أنيس النقاش بطبع وتوزيع منشورات سرية للدعوة إلى المقاومة الشعبية‫. لذا فهو يعتبر من أوائل الذين أطلقوا المقاومة المسلحة ضد إسرائيل‫. وفي حرب عام ١٩٧٣ انضم إلى المجموعات الأولى التي أطلقت الصواريخ على المستوطنات الصهيونية‫.
وكدأب الرجال العظماء، كان أنيس النقاش مس‫َدَّدا دائما في خياراته، ولذلك آثر أن لا يشترك في الحرب الأهلية اللبنانية التي نشبت عام ١٩٧٥ لاقتناعه بأن الوجهة والبوصلة دائما هي القدس وأي حرب جانبية إنما هي حرب عبثية لا جدوى منها‫. ولقد تناول هذا الموضوع مصرحا‫: ‫“في ذلك الوقت کانت الحرب الأهلية اللبنانية في ذروتها، لكنني لم أشارك فيها. حينذاك کان الهدوء يسود جنوب لبنان. وكان ذلك بسبب الحرب الأهلية التي شغلت اللبنانيين. خططت لنفسي لأركز كفاحي وحربي في الجنوب. شكلت هناك مجموعة مع بعض الإخوة، وبمجرد أن هدأت الحرب الأهلية اللبنانية، توجهت مجموعتنا إلى الجنوب واتخذت إجراءات ضد إسرائيل‫”.
التقى أنيس النقاش بالإمام موسى الصدر مرتين وقام بإنشاء معسكرت تدريب للعديد من الجماعات الماركسية واليسارية والقومية في جنوب لبنان‫.
علاقته بمغنية
التقى إنيس النقاش بـ‫”عماد مغنية‫” منذ صغره وساهم في تدريبه العسكري. واستمرت علاقته بمغنية حيث كان يلتقيه دائما في بيروت وطهران ودمشق حيث تم اغتياله‫. يقول النقاش عن عماد مغنية: “جاء إليّ عام ١٩٧٥ عندما كان صغيراً جداً وكنت عضواً في فتح، وأخبرني أنه شاب مؤمن ويريد أن يتعلم الأمور العسكرية ليقاوم إسرائيل، لكنه لم يرد أن يكون عضواً في فتح. وقال: هل يمكنك أن تعلمني دون أن أكون عضواً في فتح؟ فقلت له لم لا‫! سأدربك وسأدرب كل من يريد محاربة إسرائيل. وفي ذلك الوقت لاحظت أن هذا الفتى البالغ من العمر ١٦ عاماً كان جاداً جداً. أراد البعض فقط تعلم الرماية، ولکن ظل الشهيد عماد مغنية يسألني الأسئلة ويكتب الملاحظات، وأدركت أن هذا الشاب لديه مستقبل مهم‫”. وفي حوار آخر قال إنيس النقاش مشيرا إلى مغنية‫: “إذا طلب مني أحد أن أبذل حياتي كلها لأزيد ساعة على حياته، فلن أفعل ذلك من أجل أي شخص سوى عماد‫”!
عملية فيينا
شارك النقاش في احتجاز رهائن وزراء مجموعة “أوبك” في عام ١٩٧٥. ويقال أن هذه هذه العملية جاءت رداً على “اتفاقية فصل القوات” الثانية بين مصر و”الکيان الصهيوني” المسماة “اتفاقية سيناء٢”، والتي بموجبها قدَّمت مصر تنازلات خاصة للکيان الإسرائيلي مقابل استعادة جزء من سيناء من الصهاينة‫. وقيل أيضا أن العملية جاءت ردا على مؤازرة شاه إيران لإسرائيل في حربها على العرب سنة ١٩٦٧‫. وكان قائد العملية الثائر الأممي الشهير الفنزويلي الأصل كارلوس‫. ويُنقل أن أنيس النقاش تدخل خلال العملية لمنع قتل أي من الوزراء المشاركين‫.
العلاقة بالجمهورية الإسلامية
وكما كان أنيس النقاش مُسَددا في خياره بعدم الإشتراك بالحرب الأهلية اللبنانية‫، فقد اتخذ خيارا صائبا آخر، وهو الوقوف إلى جانب الثورة الإسلامية في إيران منذ اللحظات الأولى لانتصارها، وثبوته على هذا الخيار خلال حرب الثماني سنوات مع العراق، وكان هذا الخيار سهلا وتلقائيا لأنيس النقاش، وهو العروبي السني! وسريعا ما تولى أنيس النقاش دور عراب ومنسق العلاقات الإيرانية الفلسطينية‫ من أجل توحيد المواقف وتعزيز التعاون في شتى المجالات بين الطرفين‫.
وكان أنيس النقاش قد قام بتدريب بعض الشباب الإيرانيين قبل الثورة في لبنان وقد قال عن ذلك: “كنت مسؤولاً عن علاقة الفلسطينيين بالإيرانيين. جميع المقاتلين الذين کانوا يأتون من إيران جاؤوا إلى معسكر تدريب في جنوب بيروت يسمى “مخيم الدامور”، حيث كان الحاج عماد حاضراً أيضاً على طريق خلدة – بيروت. وكان هناك مخيم آخر في مدينة “صور” جاء إليه كثير من الإيرانيين وخاصةً من تنظيمات جلال الدين فارسي ومحمد منتظري، وقد أتوا للتدرب علی الأسلحة والقتال والمتفجرات. كانت فتح منفتحةً جداً في اتصالاتها؛ أي کانت تساعد كل من کان يأتي‫….”
محاولة إغتيال باختيار والحكم بالسجن
كانت محاولة اغتيال شهبور بختيار آخر رئيس وزراء ايراني في عهد الشاه محمد رضا بهلوي من أكثر عمليات أنيس النقاش شهرة بعد عملية فيينا. وقد خطط لها بنفسه وانتقل إلى باريس لتنفيدها عام ١٩٨٠ وعاونه فيها ايرانيان اثنان وفلسطيني ولبناني لكن العملية فشلت وتمكنت السلطات الفرنسية من إلقاء القبض عليه بعد أن اصيب بالرصاص، ثم حُكم عليه بالسجن المؤبد قبل أن يتم إطلاق سراحه في العام ١٩٩٠”. وفي السجن نفذ أنيس النقاش ٣ إضرابات عن الطعام امتد أحدها لفترة ١٣٠ يوما. كما كانت هذه الفترة سببا لتفرغ أنيس النقاش للمطالعة والتثقف(يقرأ بثلاث لغات).



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2184486

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184486 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40