الأحد 21 شباط (فبراير) 2021

دفاعاً عن دريد لحام.. زلة لسان لا أكثر!

حسام عبد الكريم*
الأحد 21 شباط (فبراير) 2021

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي العربية بخبر عن الفنان العربي الكبير دريد لحام عنوانه العريض : دريد لحام يقول “التطبيع قادم و لستُ ضده ” ! وامتلأت المواقع بتعليقات منددة بموقف دريد لحام , بعضها وصل حد الشتائم, ومتهمة اياه بالانضمام الى جوقة التطبيع العربي الاخيرة وبقية الفنانين من مهرّجي “السلام”.
فهل حقاً انضم دريد لحام , صاحب المواقف القومية والعروبية المعروفة , الى “حفلة السلام” العربية ؟؟
لنضع الأمر في سياقه . القصة كلها كانت من مقابلة (عن بعد) أجرتها القناة العربية لشبكة سي ان ان الامريكية (CNNArabic) مع الفنان الكبير امتدت على 35 دقيقة تنوعت فيها مواضيع الحوار الذي كان واضحاً فيه ان دريد لحام يجيب بصورة ارتجالية دون ترتيب ولا اعداد مسبق. وعند الدقيقة 8 من المقابلة أجاب دريد على سؤال طرحه المذيع بشأن التطبيع واتفاقيات السلام العربية/الاسرائيلية الاخيرة ,وقال بالحرف ” اتفاقيات السلام , او ما يسمى بالتطبيع, هو قادم , وانا مش ضدّه “. هذا هو المقطع الذي اثار الضجة ,وهو الذي تم اقتطاعه من المقابلة كلها واستخدامه في الهجوم على دريد لحام وكيل التهم له. ولكن الموضوعية تقتضي القول ان دريد لحام أكمل كلامه ولم يتوقف بل تابع ليضع شروطاً تكاد تكون تعجيزية من أجل قبول السلام والتطبيع . وفيما يلي النص الكامل لكلام دريد لحام واجابته عن السؤال بشأن التطبيع :
” اتفاقيات السلام , او ما يسمى بالتطبيع, هو قادم , وانا مش ضدّه على شرط ان يكون حسب المبادرة العربية التي طرحت سنة 2002 في القمة العربية ببيروت , وشروطه :
أن يكون هناك دولة فلسطينية عاصمتها القدس. دولة قابلة للحياة.
أن يعطى الفلسطينيون حق العودة.
أن تعيد اسرائيل الاراضي العربية المحتلة الى دولها.
لمّا تتنفذ هذه الشروط ما في مانع من التطبيع او اتفاقيات السلام”
اذن واضح تماما من سياق الكلام أن لحام , ولا ننسى انه يحاور وسيلة اعلام امريكية كبرى, يلجأ الى ذات الاسلوب الذي كان يستخدمه الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد , ومن قبله الرئيس جمال عبد الناصر, في رفض السلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني ولكن في ذات الوقت دون الظهور امام العالم بمظهر المعادي لفكرة السلام من حيث المبدأ ( وفكرة “السلام” المجردة والمطلقة هي قيمة انسانية سامية يسعى لها كل البشر) عن طريق وضع سلسلة شروط للسلام , محقّة طبعاً ويمكن للعالم تفهمها وقبولها, ولكنها تعجيزية وغير عملية ولا قابلة للتحقيق مع هذه الدولة الصهيونية العنصرية التي اسمها “اسرائيل”. فهل يمكن لاسرائيل ان تقبل بعودة 8 مليون فلسطيني ؟! بالتأكيد لا , لأن ذلك يعني زوالها كدولة يهودية وانتهاء الحلم الصهيوني. وهل يمكن لاسرائيل ان تنسحب من القدس وتعيدها للفلسطينيين ليجعلوها عاصمة لهم؟! الجواب ايضاً بالنفي , لأن “اورشاليم” تمثل رمزية الحلم الصهيوني والاساس الذي ارتكز اليه مشروع الدولة اليهودية . فهذه الشروط التي يضعها دريد لحام انما هي من باب “رفع العتب” , فلا هي ستتحقق ولا هو سيطبّع. وكأنه يقول لمذيع السي ان ان : دعهم ينفذونها ثم ارجع اليّ وطالبني حينها بالسلام والتطبيع !
نقطة أخرى تتعلق بإشارة دريد لحام (المقصودة) الى القمة العربية سنة 2002 وهي التي رأَسَها الرئيس اللبناني (المقاوم) اميل لحود. ونحن نذكر يومها الخلافات التي نشبت بين القادة العرب بسبب اصرار لحّود على إدراج نص صريح في البيان الختامي يذكر “رفض كل اشكال التوطين” بالاضافة الى حل قضية اللاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194 ( أي : حق العودة), وهو ما حصل بالفعل بحكم رئاسة لحود للقمة.
بل ان دريد لحام لم يتوقف عند ما ذكرناه بل تابع قائلا ” بدي اسأل لماذا اتفاقية سلام بين دولتين يفصل بينهما 5 او 3 الاف كيلومتر؟ ما هو الخطر المتبادل بين هاتين الدولتين لحتى تيجي تعمل اتفاقية سلام مع دولة ليس لك حدود معها اصلاً وبعيد عنها الاف الكيلومترات؟! انا يتهيأ لي ان المسألة لعبة دولية كبيرة لتفتيت العالم العربي”. وتابع كلامه عن خطوات التطبيع “هذه الخطوات كثير بكّير عليها . كان ممكن تكون , برجع بأكّد, حسب المبادرة العربية سنة 2002 ,,,,” وأعاد ذكر الشروط مرة أخرى.
وهكذا نرى ان دريد لحام , خلافاً لما يقال عنه على وسائل التواصل, لم يكن في وارد تأييد التطبيع واتفاقيات السلام الاخيرة , بل على العكس تماماً كان يعارضها وينتقدها باعتبارها ليست في أوانها ولا تلتزم بالشروط المطلوب من العدو تنفيذها قبل الوصول الى مرحلة السلام معه.
من ذلك كله نصل الى النتيجة , وهي ان دريد لحام لم يطبع ولن يطبع ولا حتى هو مع التطبيع ! و من الظلم الشديد , بل والتفاهة, وضع دريد لحام في خانة داعمي التطبيع العربي المجاني والرخيص الذي رأيناه مؤخراً . كل الذنب الذي ارتكبه دريد لحام هو سوء تعبير ناتج عن الارتجال , وذلك حين استهل جوابه بعبارة ” التطبيع قادم ولست ضده ” بينما كان يقصد شيئا آخر تماماً (شرحه ووضحه بعدها مباشرة). لولا تلك الزلة اللسانية لكان كلامه كله لا غبار عليه.
لم يطبّع صاحب “ضيعة تشرين” ولم يزُرْ “اسرائيل” ولم يجتمع بالصهاينة ولم يرقص معهم ولم يرفع اعلامهم , ولا تحدث صاحب “كاسك يا وطن” عن “التعاون العلمي والاقتصادي” مع “اسرائيل” ولا قام صاحب “غربة ” بالترويج للفراولة والافوكادو “الاسرائيلي” ,,,, ولن يفعل.

كاتب و باحث من الاردن*



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2184611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2184611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40