الأحد 3 كانون الثاني (يناير) 2021

د.عبدالله الأشعل: ما هو الإرهاب الذي يجمع العالم على التعاون ضده؟ صناعة الإرهاب.. وفنون التلاعب بالألباب

الأحد 3 كانون الثاني (يناير) 2021

تزايد الحديث عن الإرهاب بنبرة أعلى مما كان خلال العقود الأخيرة وقد آن الأوان لكشف النقاب عن الحقائق حول هذا الإرهاب الذي يتغنى به الجميع وكل يقصد ليلى خاصة به.
وقد بلغ النفاق واتساع مجالات الاختلاف والصراع بين الدول والصراع السياسي على السلطة داخل الدول أن صار الإرهاب صناعة وبالمقابل صارت فنون التلاعب بالعقول رائجة، لأن صناعة الإرهاب تنكشف فورا لو كانت العقول يقظة ولعلي لا أبالغ إذا قلت أن كل مآسي الإنسان مع غيره ومع الله ناجمة عن إغفال استخدام العقل.
ولم يتعظ الإنسان عندما أكد له الله تعالى في قرآنه العظيم: “فاتقوني يا أولي الألباب”، وقوله سبحانه: “إنما يخشى الله من عباده العلماء”، فخص العلماء ذوي العقول بالتقوى والخشية من الله، كما تعني أيضا أن كل من وصل إلى مصاف العلماء توفرت لديه الفطنة ليعرف أن التقوى علامة على العلم والإفاقة واليقظة.
ويمكن أن تصنف طوائف الإرهاب الظاهرة حتى الآن إلى خمسة طوائف انطلاقا من القاعدة بأن الخصوم يستخدمون بحرية كل الأسلحة وأهمها الاتهام المتبادل بالكفر الإنساني أو الإرهاب، وذلك لتبرير القضاء عليه بعد أن تم شيطنة الإرهاب والإرهابيين.
أولا: بعد أن أفلس ترامب ومنعه كبرياؤه الشخصي من الاعتراف بتداول السلطة يحاول أن يلحق أبشع الصفات بخصمه بايدن، الذي هزمه في الانتخابات الأمريكية، وعمد ترامب إلى تكفير الحزب الديمقراطي ومرشحه الرئاسي معا ليظهر أنه وحده الحريص على الولايات المتحدة، وهو في الحق أول من يلحق الأذى ببلاده ونظامها ومصداقية نظام الانتخابات عموما.
فلما استنفد الطعون واتهام التصويت بالبريد بالبطلان وكذلك تواطؤ موظفي الولايات العاملين في الانتخابات في أوسع عملية تزوير وسرقة لأصوات الناخبين وتخريب نظام الانتخابات بعد إفلاسه ووسائله وحججه ومزاعمه ألقى بآخر أوراقه وهو اتهام الديمقراطيين بالشيوعية بعد ان كان يتحدث عن الاشتراكية وهو جاهل بكل المفاهيم.
وهو بذلك يستعدي الشعب على كل من ينتمي إلى الحزب الديمقراطي ويستنجد بالذاكرة الأمريكية التي لا تزال ترتجف من المكارثية وكانت منتشرة في خمسينات القرن الماضي ضمن الأسلحة التي يحارب بها الخصوم بعضهم بعضا.
والاتهام بالشيوعية أخطر من الاتهام بالإرهاب لأن الارهاب قابل للاثبات في القضاء، أما الشيوعية فيستحيل إثباتها لكن المهم أن تكون الشيوعية جريمة اجتماعية وأن من ينتمي لها يكون خصما للمجتمع بأسره.
من ناحية اخرى تعتبر واشنطن كل من يدافع عن مصالحه في مواجهة الهيمنة الأمريكية إرهابيا، كما أنها تشجع على إرهاب الدول في مواجهة الدول المعادية لها كما تشجع على إرهاب الدولة في إسرائيل ضد أصحاب الحق، وتشجع النظم الدكتاتورية علي لممارسة الإرهاب ضد خصومهم وتشجع الخصوم على الانتقام إرهابا من الحكومات وهو أقصر الطرق إلى سقوط الدول والمجتمع وهو ما يشجعه ترامب في المنطقة العربية ويمارسه هو نفسه مع المجتمع الأمريكي حتى تتفكك الأمة الأمريكية التي التقت عناصرها على قيم الثورة الأمريكية وحكم القانون.
والمعلوم أن واشنطن هي التي اتهمت السودان بالإرهاب فلما اعترف بإسرائيل تطهر من الإرهاب، وهي التي وضعت حماس وحزب الله على قوائم الإرهاب، ومعهم إيران وأي مقاومة ضد إسرائيل، فإذا رضيت إسرائيل عن هذه المكونات فإن الإرهاب سيزول عنها بحول الله، وبالفعل رفعت واشنطن السودان من قوائم الإرهاب، وبالمثل اعترفت واشنطن بأن الصحراء الغربية مغربية مقابل اعتراف المغرب بإسرائيل ومن قبل كانت واشنطن تعتبر أعمال قوات البوليساريو أو أعمال الجيش المغربي ضدها إرهابا، حسب المزاج الأمريكي.
ثانيا: وفي سوريا والعراق واليمن وليبيا الإرهاب هو من يعارض مصالح طرف معين فكل من على الأراضي السورية إرهابيون في نظر الحكومة السورية وأعمالها إرهابا صارخا، أما روسيا فتحارب إرهاب الجماعات الإسلامية التي كانت تحاربها في أفغانستان والشيشان ولكن على الأراضي السورية فتضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد.
الأول أنها تحارب عدوها لا لنصرة الحكومة السورية أو للشعب، والعصفور الثاني أنها تحصل على مزايا هائلة من الحكومة السورية لأن المساندة الروسية حاسمة، أما العصفور الثالث لروسيا فهو أنها تهزم واشنطن في سوريا.
ورغم أنها تحارب الإرهاب كما تسميه إلى جانب إيران وحزب الله فإنها لا تؤيد المقاومة ضد إسرائيل ولا تعيق إسرائيل عن ضرب الأهداف المعادية لها على الأراضي السورية، فصار الإرهاب في سوريا سلاحا صنعته إسرائيل ومولته بعض دول الخليج إما تضامنا مع إسرائيل أو مجاملة لأمريكا أو وهو آخر الخيارات عداءاا لإيران وحزب الله والحكومة السورية.
وبالطبع فإن الحكومة السورية تتذرع بالإرهاب المفروض من الخارج لتشديد قبضتها في الداخل والتنكيل بخصومها ومعارضيها.
ثالثا: في العراق،كانت المليشيات الشيعية تحارب داعش والحاضنة السنية في المدن العراقية التي كانت تقاوم الاحتلال الأمريكي فدعمت واشنطن هذا العمل ضد الإرهاب، فداعش بذاتها منظمة إرهابية ولكنها صنعت خصيصا ومولت ووجهت إلى ميادين ومدن معينة بتخطيط أمريكي، ففي الظاهر تحارب الحكومة العراقية الإرهاب، ولكنها تبيد السنة المعادين لها في هذه المدن، ومعها إيران، وهي حسابات معقدة بالفعل.
وقس على ذلك الأطراف المتصارعة في اليمن وليبيا ولبنان كل يتهم الآخر بالإرهاب، ولكن قولة الحق من جانب المراقب يغضب الطرف المتجبر، والحق أن كل الشعوب والأقطار هي الضحية، ففي سوريا والعراق ولبنان الصراع بين الفرقاء وحلفائهم الخارجين؛ أشقى هذه الشعوب.
رابعا: أما في فلسطين، فإسرائيل تمارس الإرهاب حقا عقائديا وسياسيا وجنائيا ضد أصحاب الأرض التي تعتبرهم غزاة لفلسطين وإرهابيين، ويستخدمون القتل والعنف والطرد، وكل من يسقط من اليهود في هذه الملحمة فإنه شهيد عندهم ما دام هدفه نبيلا كما يزعمون.
خامسا: أما الإسلام فصار إرهابيا كما صار المسلمون إرهابيين عند من يحقدون تاريخيا على الإسلام ويعتبرونه ديانة إرهابية وسببا في تخلف بلادهم وهو خطأ كبير، ويتفق مع الغرب الحاقد على الإسلام وأطراف الصراع على السلطة في الدول المتخلفة وهم يظنون أن الجماعات الإسلامية الطرف الآخر في صراع السلطة هم الإسلام.
والطرفان يتفقان في هذا الزعم وتجاهلوا جميعا أن الإسلام دين الله من اهتدى به فلنفسه ومن ضل فعليها، فصار الإسلام لأهداف مختلفة للأطراف المتصارعة هو المتهم، فاعتبرت الجماعات الإسلامية حربها في معركة السلطة السياسية كفرا وحربا ضد الإسلام وهو زعم سخيف.
كما أن الطرف الثاني في الصراع اعتبرهم غرباء على السلطة وتجرؤهم بلباس مدني مبرر قوي لاقتلاعهم من الوجود، وهكذا تلتقي أطراف صراع السلطة داخل الدول المتحالفة مع الغرب الحاقد على الإسلام والنتيجة التحالف الثلاثي ضد الإسلام ولكن لا يشعرون.
فإذاكان الإرهاب كليلى وكل له ليلاه، كما صار أداة في الصراعات، فإن الإسلام وحقوق الإنسان هي الضحايا، أما الإسلام فدين الله واستهداف الإسلام من كل الأطراف هي حرب ضد الله ورسوله وقد توعدهم الله تعالى في القرآن الكريم بأشد العذاب.
وأما حقوق الإنسان فقد صار التلاعب بها في السياسات الداخلية والدولية أمرا شائعا. فكيف يتفق العالم على مفهوم واحد للإرهاب حتى يمكن توحيد الجهود لمقاومته واقتلاعه؟

كاتب ودبلوماسي مصري سابق*



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 1238 / 2184608

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184608 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40