الأحد 6 كانون الأول (ديسمبر) 2020

“عقيدة داغان”.. من قبل المبحوح إلى زادة.. صحيفة عبرية: السعودي ينشغل بالثمن والإمارات “هدف محتمل” وسفارات تل أبيب تتحصن

الأحد 6 كانون الأول (ديسمبر) 2020

ألغى السعوديون الأسبوع الماضي بشكل مفاجئ زيارة كان مخططاً لها لمحفل أمني إسرائيلي كبير إلى بلادهم. وحسب مصادر سياسية في القدس، ومن غير المستبعد أن يكون رئيس الموساد يوسي كوهن هو المحور المركزي في العلاقات بين الدولتين، ما جعل إلغاء الدعوة حدثاً مهماً جداً.

حصل هذا بعد بضعة أيام من تباهي إسرائيل بزيارة رئيس الوزراء نتنياهو مع ولي العهد السعودي على الأراضي السعودية، وقبل تصفية العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في 27 تشرين الثاني. وبتقدير تلك المصادر السياسية، جاء إلغاء الدعوة ليعبر عن عدم رضى سعودي من السلوك الإسرائيلي. مشكوك جداً أن يكون السعوديون قد عرفوا شيئاً عن التصفية المخطط لها، ومعقول أكثر الافتراض أنهم غضبوا من انعدام سرية نتنياهو ومحيطه. فنشر أمر اللقاء لم يكن بالتشاور معهم، وألزم وزير الخارجية السعودية بنفي جارف حتى لوجوده.

في السنوات الأخيرة حطم نتنياهو بالتدريج سياسة الغموض التي خدمت إسرائيل سنوات عديدة جداً في علاقاتها الخارجية السرية وفي إدارة شؤونها الأمنية الحساسة للغاية.

وهذه ليست المرة الأولى، ففي السنوات الأخيرة يحطم نتنياهو بالتدريج سياسة الغموض التي خدمت إسرائيل سنوات عديدة جداً في علاقاتها الخارجية السرية وفي إدارة شؤونها الأمنية الحساسة للغاية. وقد بات هذا رد فعل شرطي: نصل إلى إنجاز كل قوته في سريته، ونجعله أداة سياسية داخلية هدفها تعظيم رئيس الوزراء. فالتسريب عن زيارة نتنياهو إلى مدينة نيوم في السعودية قد لا يكلف حياة الإنسان، ولكن تلميحاته بأنه كان منشغلاً جداً في الأيام التي صفي فيها أبو البرنامج النووي الإيراني قد يكون لها ثمن، بحياة الإنسان أيضاً.
“جيب” وأربع دراجات

من صفى فخري زادة بذل جهداً كبيراً جداً في طمس الآثار، ويبدو أنه تعلم جيداً دروس تصفية كبير حماس محمود المبحوح في دبي.

من صفى فخري زادة بذل جهداً كبيراً جداً في طمس الآثار، ويبدو أنه تعلم جيداً دروس تصفية كبير حماس محمود المبحوح في دبي، قبل 11 سنة. فلا توجد شهادات مصورة من حملة تصفية العالم الإيراني الذي كان في طريقه لزيارة أقاربه في مدينة أبساد. وبقدر ما هو معروف، فإن الإيرانيين لا يزالون يتحسسون طريقهم في الظلام، ولكن لهم مصلحة في نشر رواية معينة تسمح لهم بتبرير الفشل في نظر جمهورهم. ومن هنا أيضاً تأتي القصص الرائعة عن التصفية عن بُعد وما شابه. وبالتوازي، يحررون “معلومات” كي ينتزعوا رد فعل يسهل عليهم حل لغز الحدث. فالنشر غير الرسمي لصور أربعة من المغتالين، زعماً، هو محاولة جس نبض أخرى تستهدف استفزاز أحد ما بارتكاب خطأ والرد، وبالتالي كشف نفسه.

للجهة التي قامت بالاغتيال، بالمقابل، مصلحة في نشر رواية تساعد على طمس آثار المصفين، تسمح لهم بالاختفاء وتزيد التخوف الإيراني من التغلغل العميق في أجهزة الحراسة لديهم.

الرواية المقبولة اليوم في “نيويورك تايمز” ووسائل إعلام أخرى ذلا مصداقية، تتحدث عن انقطاع الكهرباء لنصف ساعة في المنطقة التي تمت فيها التصفية، مما منع على ما يبدو تفعيل كاميرات الحراسة المنصوبة في المنطقة. والنقطة التي اختيرت توجد قريباً من ميدان حركة السير، حيث يتعين على سيارات القافلة الثلاثة إبطاء سرعتها. ثمة وصف لجيب “نيسان” أزرق عمل كسيارة مفخخة وانفجر بالتشغيل عن بعد أمام سيارة الحراسة التي سارت في نهاية القافلة. وبالتوازي مع الانفجار، هوجمت سيارة الحراسة التي سافرت على رأس الطابور بنار من سلاح أوتوماتيكي، بينما قام قناصة برش السيارة الوسطى حيث كان فخري زادة. وانصرف المغتالون من هناك في أربع دراجات وجيب من طراز “هونداي سنتفيه”.

وعثر على فخري زادة نفسه مستلقياً خارج سيارته بعد أن أصيب بثلاث رصاصات على الأقل. إما أن يكون خرج وحده بعد أن أصيب، أو أن المغتالين نفذوا فيه “تأكيد قتل”. ومهما يكن من أمر، لم ينج أي شاهد عيان إيراني في الحدث.

لا حاجة للمرء أن يكون خبيراً كي يستنتج بأن يكون قد شارك في مثل هذه العملية بضع عشرات الأشخاص الذين يتواجدون في الميدان، حيث يشكل معظمهم بنية تحتية عملياتية على أرض إيران. وخلية التصفية التي تصل إلى إيران تستوعب وتستعين بالبنية التحتية التي أعدت لها: شقق للاختباء، ومعلومات استخبارية في الزمن الحقيقي، وتجنيد مساعدين، وسبل فرار، وما شابه. والإنقاذ بشكل عام هو عقب أخيل في عمليات من هذا النوع.

سيكون الرد الإيراني، إذا حدث، موجهاً على ما يبدو لممثلات إسرائيلية في الخارج وأهداف إسرائيلية أخرى في العالم. والتقدير هو أنهم سيهاجمون أماكن فيها شبكات لحزب الله تستوعب رجال العمليات من الاستخبارات الإيرانية، أو أن يتم استخدام أجهزة العمليات الخارجية لحزب الله. ويدور الحديث بشكل عام عن دول لا تتعاون محافلها الأمنية مع إسرائيل، مثل دول جنوب أمريكا، وإفريقيا والشرق الأقصى، وكذا تركيا والإمارات – التي أصبحت مقصداً سياسياً للإسرائيليين.

وهنا تنتقل الكرة إلى جهاز المخابرات “الشاباك”، المسؤول عن حماية الممثليات والوفود في الخارج وتبدأ المرحلة الدفاعية في الحملة: تعزيز منظومة الحراسة، ومشاركة الشرطة المحلية، وتحديث أنظمة الدفاع في السفارات ومحيطها. ويمكن لرفع حالة التأهب أن يستمر لفترات زمنية محدودة. فللإيرانيين صبر، وسينتظرون لحظات الضعف.

كما أن من شأن الإيرانيين أن يردوا بإطلاق النار من سوريا أو من غرب العراق نحو أهداف في إسرائيل. فلديهم صواريخ جوالة هي في واقع الأمر طائرات نفاثة بدون طيار تحمل مواد متفجرة بوزن 30 كيلوغراماً. في أيار 2018 بعد أن دمر سلاح الجو منظومات الدفاع الجوي السورية وبنى تحتية إيرانية في سوريا، أطلق الإيرانيون نحو 30 صاروخاً، أربعة منها فقط وصلت إلى الأراضي الإسرائيلية واعترضتها القبة الحديدية.
تصفية علماء النووي الإيرانيين المنسوبة لإسرائيل يمكن أن نسميها “عقيدة داغان”

حتى لو لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن أي تصفية في أي مكان في العالم، فإن لتصفية علماء النووي الإيرانيين المنسوبة لإسرائيل يمكن أن نسميها “عقيدة داغان” على اسم رئيس الموساد الراحل مئير داغان، الذي يرى رئيس الموساد الحالي يوسي كوهين نفسه كتلميذه ومواصل دربه. في ندوة لذكرى داغان عقدت في 2017 وصف كوهن تلك العقيدة، فقال: “لقد آمن داغان بأنه يمكن العمل على الاستراتيجيات عبر سياق متواصل من الأعمال التكتيكية، وأمن بقوة العمليات المركزة لخلق كتلة تصبح مصممة للواقع. كانت هناك حالات اعترف فيها داغان نفسه بأنه لا يعرف كيف يحدد بالضبط خطاً واحداً يربط سلسلة العمليات الصغيرة، ولكنه آمن بأنه طالما كان لديك اتجاه عمل واضح، فإن سلسلة العمليات الموضعية ستحرك الواقع في الاتجاه الصحيح”.

وثمة مبدأ آخر لداغان، يبدو أن كوهين تبناه هو أيضاً: “بهذه العقيدة ثمة قيمة كبرى إذا ما تمت الأعمال الهجومية في أرض العدو”.

في نظرة إلى الوراء، فإن سلسلة العمليات المركزة التي تحدث عنها داغان تتضمن -حسب المنشورات- ضرب المصانع التي تعمل في العالم على إنتاج عناصر للبرنامج النووي الإيراني، وضرب المنظومة المالية التي تخدمه، وضرب مصانع الصواريخ ومنشآت تخصيب اليورانيوم على الأرض الإيرانية، وغيرها. وإلى جانب هذا – ضرب مديري المشروع النووي والعلماء. لا يمكن لأي عملية كهذه أن توقف وحدها السباق نحو النووي، ولكن بالمجمل تؤدي إلى تأخير وضرب القدرة الإيرانية على الوصول إلى النووي العسكري.

كان لداغان كرئيس للموساد خلاف جوهري مع رئيس الوزراء نتنياهو حول طريقة وقف النووي الإيراني. في بداية العقد السابق.

بالمناسبة، كان لداغان كرئيس للموساد خلاف جوهري مع رئيس الوزراء نتنياهو حول طريقة وقف النووي الإيراني. في بداية العقد السابق، عندما تحدثت القيادة السياسية عن ضربة عسكرية في إيران، ادعى داغان بأن مثل هذه الضربة ستجبي ثمناً لا يطاق من إسرائيل. وقال أعطوني المليارات، وسأكسب لكم بين سنتين وأربع سنوات في تأخير المشروع. وسيكون هذا أقل كلفة وأقل خطراً بكثير.

وقد كان محقاً؛ فليس لدى الإيرانيين بعد قدرة عسكرية نووية، رغم التوقعات القاتمة التي تحدثت عن قنبلة إيرانية منذ 2010.

وتحليل عمليات البنى التحتية النووية في إيران كفيل بأن يشير إلى الصعوبة في شلها لزمن طويل من خلال عملية عسكرية. يوجد اليوم في إيران 11 مركزاً ترتبط بالمشروع النووي؛ اثنان منها في قم ونطنز – تحت أرضيين. والجهة الوحيدة القادرة على أن تنفذ، من اليوم إلى الغد، تدميراً متناسقاً لمعظم مراكز النووي هي قيادة أوروبا في الجيش الأمريكي. في بداية العقد، كانت منشآت النووي هشة أكثر، ولهذا كان يمكن للأمريكيين بل ولجهات أخرى أن تضربها بنجاعة. ولكن في عامي 2012 – 2013، في ضوء الجدال العلني في إسرائيل عن خيار الهجوم في إيران، دفن الإيرانيون جزءاً من المنشآت في باطن الأرض، وأحاطوها ببطاريات صواريخ أرض – جو، وجعلوها مواقع محصنة. أما الإدارة الأساس المتبقية في يد إسرائيل فهي العمليات السرية.

منذ تسلم داغان منصبه في 2002، عندما تلقى من رئيس الوزراء اريئيل شارون المسؤولية عن الموضوع النووي الإيراني، استغرقه ثلاثة – أربع سنوات كي يبني بنية تحتية تخدم عقيدته. وكانت هذه استثمارات كبرى، تتواصل حتى يومنا هذا. لا بتفعيل طواقم تصفية فقط، منسوبة للموساد، بل وأيضاً ببناء قدرات استخبارية وبنى تحتية في دول الهدف.

في 2007 بدأت تنشر أنباء عن تفجيرات خفية في منشآت النووي في إيران. في كانون الثاني من تلك السنة، علم عن عالم كان يعمل في منشأة لتحويل اليورانيوم لأصفهان وقتل بالسم. ولكن الموجة الكبرى كانت بين 2010 و 2012. وحسب المنشورات، صفي في تلك الفترة أربعة علماء نووي آخرين. كما نشر في حينه عن دودة “ستاكسنت” التي شلت منظومة حواسيب أجهزة الطرد المركزي وعن إدخال “حصان طروادة” لعدة منشآت نووية.

يبدو أنه بالتوازي مع بناء بنية تحتية لتنفيذ عمليات هجومية توثق التعاون في المجال مع وكالات استخبارية صديقة، تباهى سير جون سويرس، رئيس وكالة الاستخبارات البريطانية M16 في مقابلة صحفية، بأن وكلاء بريطانيين أيضاً ضربوا البرامج النووية الإيرانية.

أنهى داغان مهام منصبه في 2011، وتواصلت سلسلة الأحداث في إيران بسنة أخرى على الأقل. وعندها، في 2013، توقفت موجة الاغتيالات للعلماء الإيرانيين فجأة، وكانت الخلفية على ما يبدو بدء الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران، والتي انتهت بالتوقيع على الاتفاق النووي في 2015. في 2018 خرجت إدارة ترامب من الاتفاق النووي، وفي 2019 عادت إيران لتهدد بتحطيم القيود التي فرضت عليها في الاتفاق. وفي نهاية تلك السنة، استأنفت السباق نحو القنبلة. فمن غير المفاجئ إذن أن عادت في منتصف 2020 التقارير عن عمليات قامت بها جهات خفية في إيران. في حزيران وقع انفجار في منشأة للصواريخ، وفي تموز انفجرت منشأة لإنتاج أجهزة طرد مركزي في نطنز. وفي آب صفي رقم 2 في القاعدة في طهران، وفي تشرين الثاني صفي فخري زادة. وهكذا انهار العامود الفقري الثاني –بعد قاسم سليماني– الذي اعتمدت عليهه سياسة الردع والأمن القومي الإيراني.

ليس “قنبلة موقوتة”

برأي خبراء في الغرب، فإن تأثير تصفية فخري زادة على استمرار المشروع النووي رمزي فقط. ولكن إذا عادت إيران إلى كامل برنامج السلاح – أي بناء الرأس المتفجر النووي – فسيكون ملموساً جداً غياب الرجل بسبب قدراته وخبراته في المجال. يبدو أن أحداً ما توصل إلى الاستنتاج بأن الإيرانيين يستغلون تجميد الاتفاق النووي كي يستأنفوا السباق نحو القنبلة، وينبغي تذكيرهم قبل أن يدخل بايدن إلى البيت الأبيض ويبدأ بالاتصالات على استئناف الاتفاق النووي.

قد تنجح عقيدة داغان فقط إذا أبقيت سراً، والاغتيال مسألة إشكالية في دولة ديمقراطية. تتحدث إسرائيل بشكل عام عن إحباط مركّز فقط في سياق “القنبلة الموقوتة”. معقول الافتراض بأن علماء النووي الإيرانيين لا يدخلون ضمن هذا التعريف القانوني. وتصفية بؤر المعرفة تأتي بشكل عام للردع، بضرب المعنويات، وزرع الحرج في محافل الأمن، ولإزالة عقول إبداعية عن الطريق. ولكن العالم يعرف كيف يقدّر القوة ويحترم الأعمال الجريئة والذكية. ولا تزال عملية عنتيبة رمزاً تجارياً دولياً. كما أن النجاح العملياتي يبرز كون إسرائيل ذخراً لحلفائها – ولا سيما الولايات المتحدة.

وبالمقابل، تثور معاضل مثل “إذا كنت أصفي عالماً، فلماذا لا أصفي وزير دفاع يعطيه الأوامر أو الزعيم الروحي؟ أين الحدود؟ إذا صفيت خصماً في دولة صديقة وأمسك بك، فإنك تعرض العلاقات الدبلوماسية للخطر. وبخلاف ضرب المنشآت أو البنى التحتية، فإن تصفية شخص ما تدعو إلى الثأر. وعندما تكون هذه شخصية رسمية، فهذه إهانة للنظام الذي لم ينجح في حمايتها. قد يكون داغان آمن بأن تلك العمليات الموضعية المتواصلة التي نسبت لإسرائيل، ستضعف النظام أمام جمهوره. وهذا هو السبب الذي يجعل النظام الإيراني يتوعد بعملية ثأر.

كان يمكن لانعدام العنوان الواضح أن يسمح للإيرانيين بالامتناع عن الرد. فليس لهم من يدينوه. وإلى هنا يدخل التبجح حتى وإن كان بالتلميح من جانب رئيس الوزراء. وهذا يكفي للإيرانيين.

بقلم: أليكس فيشمان

يديعوت 4/12/2020



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2184539

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع عن العدو  متابعة نشاط الموقع عين على العدو   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2184539 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40