الأحد 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2020

القيادات الفلسطينية وسجالات جنس الملائكة

صبحي حديدي
الأحد 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2020

على امتداد 13 سنة أعقبت الشقاق العميق بين “فتح” و”حماس”، دخل الفلسطينيون في حوارات وطنية داخلية، مراراً وتكراراً، في القاهرة ومكة وصنعاء وموسكو ثمّ اسطنبول مؤخراً، عدا رام الله وغزّة؛ شارك فيها أعضاء رسميون في السلطة الوطنية، فضلاً عن قيادات في “منظمة التحرير الفلسطينية” والحركات والفصائل المختلفة. وخرجت عن هذه الحوارات اتفاقيات شتى، ومذكرات تفاهم، ومواثيق وتعهدات؛ وبقيت النار ذاتها كامنة تحت الرماد، تخمد تارة ويتقد أوارها تارة أخرى.

كذلك واصلت هذه الحال إنتاج، وإعادة إنتاج، مسببات الاستعصاء الموضوعية والذاتية على حدّ سواء، والتي تشمل الجميع عملياً؛ مع حصص أثقل ظلت واقعة على عاتق “فتح” و”حماس”، ليس لجهة الخلافات الميدانية والعقائدية والتنظيمية بين الحركتين، فحسب؛ بل كذلك لأنّ كلا التنظيمين انقلب إلى واجهة للسلطة السياسية والأمنية، وفقد الكثير من ركائز الوجود الشعبية، ثمّ النضالية التي تتصل بواقع الاحتلال الإسرائيلي وموجبات الصمود والمقاومة.

وإذا صحّ أنّ حكومة اسماعيل هنية قد انقلبت، عشية الشقاق الكبير، إلى استطالة بيروقراطية للجهاز الأمني/ العسكري الحمساوي، الذي بلغ ذروة قصوى دموية في إبطال القرار الشعبي الفلسطيني الذي جاء بـ”حماس” إلى الحكومة عبر صندوق الاقتراع؛ فإنّ حكومة رام الله كانت، في المقابل، قد انقلبت بدورها إلى محض استطالة بيروقراطية للجهاز الرئاسي الذي سكت تماماً، لكي لا نقول إنه شجّع، الذروة القصوى الدموية التي بلغتها أجهزة محمد دحلان في حينه، اقتفاءً للغرض ذاته في الواقع: أي إبطال الفعل الديمقراطي الشعبي الذي، في جزء جوهري منه، اختار “حماس” على سبيل عقاب “فتح”.

وكان مثيراً للعجب، وبعض الإشفاق أيضاً، أن يلمّح الرئيس الفلسطيني محمود عباس (الذي يشغل المنصب منذ 15 سنة بالتمام والكمال!) إلى ارتباط “حماس” بجهات إقليمية، في ما يشبه التأكيد على أنّ “المخطط المعدّ سلفاً”، وتوافقت عليه قيادة حماس في الداخل والخارج مع بعض الأطراف الإقليمية، “كان أسبق من محاولاتنا لتجنيب شعبنا الويلات والنكبات”. ذلك لأنّ عباس كان الأشطر، بلا منازع، في التعاطي مع الأنظمة العربية كافة، بما في ذلك النظام السوري؛ كما أنّ الإيحاء بأنّ الحمساويين سبقوا الدحلانيين على تلك الشاكلة الخاطفة، في غزّة 2007، كان يُغفل حقيقة أنّ الفريق الأوّل واقع تحت الحصار والفريق الثاني يتلقى مساعدات مالية وعسكرية واستخباراتية.

تقلبت “فتح” مراراً منذئذ، وكذلك فعلت “حماس”، فلم يقصّر عباس زكي القيادي الفتحاوي المخضرم في امتداح نظام بشار الأسد حين كان الأخير لا يُبقي حجراً على حجر في مخيم اليرموك، ولم يتأخر هنية في مغازلة مصر وإيران و”حزب الله” والنظام السوري ذاته؛ على خلفيات مزمنة ظلت هي معايير الاستعصاء الكبرى: غياب الديمقراطية الداخلية، هيمنة الفساد والشللية والتبعية، نقل البندقية من كتف إلى كتف بسهولة لا تجاريها إلا سرعة قلب معاطف الولاء على قفاها، وممارسة سياسات داخلية في القمع والتنكيل وكمّ الأفواه وقهر الحريات لا تختلف كثيراً عن أعتى أنظمة الاستبداد العربية…

والآن وقد قرعت هرولات التطبيع العربية ناقوسَ الخطر، فقد أسفرت حوارات اسطنبول عن إقرار بضرورة إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال ستة أشهر. وهذا أمر لا يأخذ صفة تحصيل الحاصل (كما ينبغي له في الواقع، بعد عطالة 15 سنة، عدا غياب انتخابات المجلس الوطني والمجلس المركزي)، بقدر ما يشير إلى مفارقة استحقاق مفوّت، مستعصٍ بدوره، يأتي ولا يأتي.

ولا يُحسد المواطن الفلسطيني، في أربع رياح الأرض بالطبع، على هذا الطراز من الحوارات التي يصعب تماماً ألا توضع على خلفية إخفاقات الماضي، القريب أو البعيد؛ فكيف وقِيَم القضية الفلسطينية، الفعلية والرمزية، تخضع اليوم لتهديم منهجي منظم تقوده مراكز التطبيع، ولا تردّ عليه القيادات الفلسطينية بما هو أكثر رصانة وجدّية من سجالات… جنس الملائكة!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2184548

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2184548 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40