السبت 26 أيلول (سبتمبر) 2020

جولة في صحف العدو

صحيفة إسرائيلية للفلسطينيين: ألم تفهموا أن عصر منظمة التحرير انتهى منذ أسبوع ونصف؟
السبت 26 أيلول (سبتمبر) 2020

- بعد 20 سنة من زيارة شارون للحرم القدسي.. ما الذي جناه الإسرائيليون والفلسطينيون غير الدمار والضحايا طوال الانتفاضة الثانية؟

يوم الإثنين المقبل هو موعد اندلاع الانتفاضة الأكثر عنفاً في تاريخ إسرائيل، التي شكلت صورتها لسنوات كثيرة: 47 سنة مرت على حرب يوم الغفران، و20 سنة على الانتفاضة الثانية. وقعتا بصورة مفاجئة على إسرائيل وكان يجب أن لا تفاجئ أحداً.

في 28 أيلول 2000 صعد أريئيل شارون إلى الحرم، واشتعلت النار المحبوسة. في اليوم التالي قتل جندي إسرائيلي وسبعة مواطنين فلسطينيين. وبعد يوم قتل الطفل الغزيّ محمد الدرة أمام كاميرات العالم. وفي الأيام التالية نزف الشرطي يوسف مدحت حتى الموت في موقع قبر يوسف، وفي رام الله تم تنفيذ القتل الجماعي بجنديي الاحتياط، يوسي إبراهامي وبادين نوروزيتس. مارد العنف وقمع الاحتلال الوحشي خرج من القمقم. الأمر سيستغرق أكثر من أربع سنوات قاتلة إلى أن يتم قمع هذه المقاومة، ربما بصورة مؤقتة.

كانت الانتفاضة الثانية بمثابة كابوس الحافلات المتفجرة والانتحاريين. سنوات من الخوف والذعر الكبير أينما ذهب مواطنوها. وبالنسبة للفلسطينيين كانت هذه سنوات القمع الوحشي وسفك الدماء الجماعي والحصار والإغلاق والحواجز والاعتقالات الجماعية، وكانت سنوات القتال والتضحية التي لم تؤد إلى أي مكان. فبعد عشرين سنة صار وضعهم أكثر بؤساً وسوءاً مما كان قبل انتفاضة الأقصى، وأسوأ أكثر من أي مضى. وفي كارثة 1948 كان وضعهم أكثر صعوبة وقسوة.

ولكن ذلك لم يكن لعبة صفرية المجموع: دماؤهم ودماؤنا كانت مباحة، سفكت هدراً. فقط الثمن الذي دفعوه، مثلما هي الحال دائماً، كان أعلى بكثير من الثمن الذي دفعه الإسرائيليون. وحسب معطيات الشاباك، سجل في تلك الفترة 1030 قتيلاً إسرائيلياً و138 عملية انتحارية. وحسب معطيات “بتسيلم”، بولغ عدد القتلى في الطرف الفلسطيني 3189 شخصاً إضافة إلى 4100 منزل هدمت، وحوالي 6 آلاف شخص تم اعتقالهم.

شي جيفارا وجورج حبش على الجدران

رجعت في هذا الأسبوع إلى البداية، إلى التقارير والمقالات وتسجيلات الأيام الأولى في الطرف الفلسطيني، الذي سرعان ما تحول إلى انتفاضة الأقصى. الضحايا الثلاثة الفلسطينيون الأوائل الذين تحدثنا عنهم أنا والمصور ميكي كريتسمان، كانوا أطفالاً.

بدأت قمع الانتفاضة به إسرائيل بإطلاق النار على رؤوس الأطفال في الحرم: علاء: بدران ابن 12 سنة فقد عينه، ومحمد جودة ابن 13 سنة احتضر في قسم العناية المكثفة في مستشفى المقاصد، ومجدي مسلماني ابن 15 سنة توفي ودفن في مقبرة بيت حنينا. وبعد عشرة أيام على اندلاع الانتفاضة كان هناك 14 ولداً فلسطينياً قد قتلوا. وعن معظمهم بالكاد تمت الكتابة في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي انشغلت كالعادة بالضحايا اليهود الذين كانوا ما يزالون معدودين. مدير مستشفى المقاصد، الدكتور خالد قريع، شقيق مهندس اتفاقات أوسلو أبو العلاء قريع، كان قد عرض في غرفته 16 مرطباناً فيها الرصاص الذي تم إخراجه من المصابين في المستشفى الذي يعمل فيه.

كان جودة يرقد في غرفة العناية المكثفة في موت سريري، وكان والداه ينتظران موته النهائي. والده، سائق خلاطة باطون، عاد بعد صب الباطون في مستوطنة جبل أبو غنيم في الوقت الذي أطلق فيه النار على رأس ابنه في الحرم. “هو إنسان.. أنت تعرف أن هذا ولد ابن 13 سنة؟” صرخ علينا الدكتور إيهاب الدجاني الذي سبق وشاهد كل شيء.

على بعد مئات الأمتار من هناك، في حي بيت حنينا، كانوا يجلسون في بيت عزاء الطفل مسلماني. والده الثاكل سمير ،وهو صاحب محل للحواسيب باسم “مركز التكنولوجيا اليابانية” في شرقي القدس، قال إن ابنه ذهب إلى الحرم للاحتجاج على الإغلاق الذي فرض على سكان المناطق. الرصاصة هشمت رأسه من مسافة قصيرة. وقدر الطفل علاء بدران كان أفضل بقليل. فقد فقد عينه فقط. الملكة اليزابيث ابتسمت عند دخولها مستشفى العيون سان جون في شرقي القدس، الذي أجريت فيه عمليات لـ 11 طفلاً.

إن زيارة مركز الشرطة في رام الله في 15 تشرين الأول، بعد ثلاثة أيام على فتك جماعي للجنود، كانت مشحونة أكثر بكثير. قائد المركز، العقيد كمال الشيخ، قال لنا بأنه حاول الدفاع بجسده عن الجنديين اللذين كانا يرتديان الزي الرسمي، والجمهور الذي اقتحم مبنى المركز دفعه إلى الحائط واختطف الجنديين منه. كان هو من رآهما حيين على قيد الحياة. وقال لنا بأن هذا هو “الفشل الأكبر للسلطة الفلسطينية” و”الإهانة الأكبر لي ولشرطة رام الله”. إسرائيل المصدومة من صور الدماء والجثث لم تكن مستعدة لسماع رواية قائد الشرطة وغضب كبير ثار بسبب نشر هذه الأمور.

بعد أسبوع على ذلك، زرنا منزل الخباز جميل مسليط في بيت جالا، الذي قصف الجيش منزله. وكان مصدوماً، ونجا أولاده التسعة بأعجوبة، لكن كانت صورة الشاب مؤيد جواريش ابن 14 سنة، ترفرف على الجدران في الشوارع، وهو الذي هشمت رصاصة للجيش الإسرائيلي جمجمته قبل بضعة أيام. كانت بيت جالا في حالة حظر التجول، وكان هناك دمار كبير يظهر في شوارعها. كان هذا هو رد إسرائيل على إطلاق النار على غيلو.

مخيم الدهيشة للاجئين على بعد بضعة كيلومترات من بيت جالا. في الوقت الذي كانوا يتحدثون هناك عن السلام كان “الدهيشة” يتحدث عن الحرب. سيل من مشاعر الغضب وشهوة الانتقام أغرق شوارع هذا المخيم، الذي غطينا فيه قبل بضع سنوات الحملة الانتخابية النشطة للمجلس التشريعي الفلسطيني. الآن خرجوا من هنا للمظاهرات الدموية قرب قبر رحيل الذي تحول إلى بؤرة رئيسية للمقاومة. وفي الصيف، زرنا في بيت لحم الطفل رامي معالي، بائع العصير الذي كسر الجيش الإسرائيلي يده بدون سبب. شي جيفارا وجورج حبش كانا على الجدران. هذا المخيم كان شرساً، وكل مشاعر المرارة بسبب سنوات اللجوء والاحتلال اندلعت مرة واحدة. لم يتنازلوا عن حلم العودة، ولن يتنازلوا. “قبل هذه الانتفاضة كنا مقموعين”، قال أحد المسلحين، “الآن معنوياتنا ارتفعت. لقد اعتقدوا أنهم سيكسرون حلمنا أو سيخرجون الفلسطينيين من التاريخ، لكن الانتفاضة أعادتنا إلى حلمنا مرة أخرى. سيكون من الصعب العودة إلى ما كان قبلها. لن يتمكن عرفات وباراك من التحدث مرة أخرى. على ماذا سيتحدثان؟ أوسلو انتهت”.

بعد ذلك بدأت التصفيات؛ خرج الطالب الناشط في الجهاد الإسلامي أنور حمران من الجامعة في نابلس بعد إنهاء الامتحان، كتبه في يديه وزوجته إلى جانبه، وانتظر سيارة أجرة. عشرون رصاصة لقناصة الجيش أصابته على بعد 30 متراً من أعالي جبل جرزيم. هناك عدد غير قليل من المارة قتلوا في هذه التصفيات. في كانون الأول سجل 250 قتيلاً فلسطينياً. وقبل ثلاثة أشهر على اندلاع الانتفاضة نشرنا صورة واجهة العرض لمحل ملابس باسم “قمصان أوسلو” في نابلس. صاحب المحل، سعد الخروف، يتحدث الألمانية من سنوات منفاه، حذر في حينه من اندلاع الانتفاضة. في نهاية كانون الأول تمت تصفيته، بعد أن قام شخص مجهول تظاهر بأنه أحد معارفه بالاتصال به ليلاً لإنقاذه.

كان سكان مخيم الفوار للاجئين محاصرين عندما أطلقت النار على ابن المخيم سامر الخضور ابن الـ 18 سنة، وقتل على أيدي الجنود قبل بضع ساعات من حفل زفافه، وكان هذا بعد أسبوعين على الانتفاضة. دفن الخضور بملابس العريس التي اشتراها له والداه. وقد فرض الحصار على مخيمه البعيد، الذي استمر لبضعة أشهر. وأغلقت شوارع الضفة. “لقد قسمتم فلسطين. الآن كل قرية دولة مستقلة”، قال على مسامعي أحد موظفي وكالات التنمية التابعة للأمم المتحدة في المخيم.

قرب مستوطنة “نتساريم” في غزة قتل بعد بضعة أسابيع سائق سيارة الأجرة إسماعيل التلباني (50 سنة) لجرأته على الاقتراب من قافلة المستوطنين التي مرت في الشارع. الطفلة صابرين بلوط ولدت في سيارة أجرة في شوارع الضفة في الوقت الذي توسل فيه الوالدان للجنود للسماح لهم بالوصول إلى المستشفى. وقد تم إخراجها من سيارة الأجرة وهي مربوطة بالحبل السري، والجنود يضحكون على ذلك.

في آذار 2001 نشرنا صور 66 طفلاً فلسطينياً قتلوا منذ بداية الانتفاضة الثانية. كان ابن 8 سنوات ونصف يلعب في غرفته قبل أن يصبح الضحية الأخيرة حتى ذلك الحين. بعد ذلك أضيف له عدد كبير من الأولاد الآخرين، إسرائيليين وتحديداً فلسطينيين. قبل بضعة أسابيع، في 6 شباط، تم انتخاب أريئيل شارون -الذي تسببت زيارته للحرم بكل ذلك- رئيساً للحكومة في إسرائيل.

بقلم: جدعون ليفي

هآرتس 25/9/2020

- رغم نبوءة كوشنر و”السماء المفتوحة”: ما الذي “يؤخر” السعودية في اللحاق بركب التطبيع مع إسرائيل؟

سيطول قليلا انتظار توقيع اتفاق التطبيع مع السعودية، متزامناً مع حبس الأنفاس. وهو تأخير ينسبه محللون ووسائل إعلام عربية وأجنبية إلى الخلاف بين الملك سلمان وابنه ولي العهد محمد في مسألة النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. في حين أعلن الملك سلمان في خطابه النادر هذا الأسبوع بأن السعودية تتمسك بالمبادرة العربية التي تتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وانسحاباً إسرائيلياً كاملاً كشرط للتطبيع، فإن بن سلمان يدفع نحو تسريع هذه العملية كجزء من حلمه الاستراتيجي، وبالأساس الاقتصادي.

سلمان هو الملك السعودي الثاني الذي يخطب في الجمعية العمومية، وقد تطرق بالأساس إلى إيران التي اعتبرها المسؤولة عن عدم الاستقرار في المنطقة، والتي تظهر عدم الاهتمام المطلق بالاستقرار الاقتصادي في العالم أو استقرار توفير النفط للأسواق الدولية. وتطرق أيضاً لوصف السعودية كمملكة ولد فيها الإسلام وهي مسؤولة عن الأماكن المقدسة للمسلمين، ولدعم العملية السلمية. في حين لم يتطرق إلى اتفاقات السلام بين إسرائيل والإمارات والبحرين مطلقاً، وكأنها غير موجودة أو أنها مرت قربه مثل عاصفة غبار.

هل أراد الملك سلمان الإثبات بأنه ما زال هو الحاكم، ويشرف على سير المملكة، وأنه -مع كل الاحترام لابنه- هو من يحدد السياسة الخارجية؟ أهو خلاف بين أجيال، بين “مشروع” الابن مقابل مقاربة تقليدية للأب؟ بين الأيديولوجيا القومية العربية التي ترى في المشكلة الفلسطينية مركز التجند والهوية العربية، وبين الرؤية الخاصة لبن سلمان التي تقول إن كل دولة ستعمل حسب مصالحها دون الاهتمام بالمصالح العربية أو القومية العربية التي تنغرس في قلبها المسألة الفلسطينية كخطيئة أولى يجب تطهيرها أولاً؟ وربما بشكل عام، يدور الحديث عن انتظار تكتيكي لنتائج الانتخابات الأمريكية لفحص من فاز بـ “الهدية السعودية” وممن يمكن الحصول على مقابل أكبر من أجلها.

السعودية دولة غامضة فيما يتعلق بعملية اتخاذ القرارات فيها، وبالعلاقات بين أبناء العائلة المالكة وباعتبارات السياسة الداخلية والخارجية فيها. فقبل بضعة أسابيع، بعد فترة قصيرة على الإعلان عن التطبيع مع الإمارات، تنبأ مستشار وصهر ترامب، جاريد كوشنر، بأن السعودية ستكون الدولة القادمة التي ستوقع على اتفاق سلام مع إسرائيل، وسيحدث هذا بالفعل في وقت قريب. كوشنر، الشخص الأكثر قرباً من بن سلمان في واشنطن، كان عليه على الأقل أن يعرف ما يدور في رأس بن سلمان. ولكنه هو الآخر لم يتوقع هذا التأخير كما يبدو. كما أنه من غير الواضح أن التأخير مبدئي، أي إلى حين تقوم دولة فلسطينية أو على الأقل إلى أن يتم استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، مثلما أوضح الأب، أو أنه تأخير مؤقت إلى حين نجاح الابن في إقناعه.

التناقض بين موقف الملك وموقف بن سلمان يثير استغراباً آخر. فقد أمطرت السعودية وابلاً من المكرمات على اتفاقات السلام الأخيرة، فأثنت على على خطوات الإمارات والبحرين التي تمت بتنسيق ودعم من بن سلمان، وفتحت سماءها أمام الرحلات الجوية من إسرائيل وإليها. وألقى أحد الفقهاء المهمين، عبد الرحمن السديس، إمام الحرم المكي، خطبة شجع فيها إدارة علاقات خارجية عن طريق الحوار حتى مع اليهود. وهو يستند في أقواله إلى علاقة النبي محمد مع الطائفة اليهودية في شبه الجزيرة العربية. هذه الخطوة التي أثارت عاصفة كبيرة من الإدانات في الشبكات الاجتماعية فسرت كخطوة مخطط لها استهدفت تهيئة الرأي العام في السعودية والعالم الإسلامي قبل الانعطاف التاريخي مع إسرائيل. هل جرى كل ذلك خلافاً لموقف الملك؟

الهدف: الولايات المتحدة

الأمر الأكثر وضوحاً هو اضطرار السعودية إلى “عقد سلام” مع واشنطن قبل أو كجزء من صفقة مع إسرائيل. وسبب الخلاف الرئيسي بينهما هو الحرب في اليمن التي بدأت عند تعيين سلمان ملكاً في 2015. تبينت في هذه الحرب درجة الوحشية التي مارستها جيوش السعودية والإمارات ضد السكان المدنيين مستخدمة السلاح الأمريكي. فقد قتل أكثر من 125 ألف شخص حتى الآن في الحرب، وحوالي 14 ألفاً منهم قتلوا في هجوم موجه لأهداف مدنية. الضغط الجماهيري والدولي جعل الرئيس باراك أوباما يقرر في 2016 تجميد صفقة سلاح للسعودية للضغط عليها كي تغير تكتيك هجومها في اليمن. وبعد سنة ألغى الرئيس ترامب هذا القرار وفتح سد التسلح السعودي بالسلاح والقنابل الأمريكية. في العام 2018 أصبحت السعودية في مرمى هدف الانتقاد في أعقاب قتل الصحافي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول. ومنذ ذلك الحين، تم منع بن سلمان من زيارة واشنطن: لقد قيل له بأنه شخص غير مرغوب فيه، ومن المشكوك فيه أن يكون هناك من يرغب في الالتقاء معه.

مؤخراً تم طرح الحرب اليمنية وسلوك السعودية على جدول الأعمال في أعقاب تقرير سري كتبه مراقب وزارة الخارجية حول مشاركة الولايات المتحدة في الحرب في اليمن. وتدل الأجزاء العلنية في التقرير الذي نشر في وسائل الإعلام الأمريكية، على حجم جرائم الحرب التي ارتكبتها السعودية والإمارات والمرتزقة طوال سنوات الحرب، إلى درجة أن هناك خوفاً حقيقياً من تقديم دعوى ضد الولايات المتحدة في محكمة الجنايات الدولية. في مقابلة في “نيويورك تايمز”، قالت أونا أتافي، مستشارة قانونية سابقة في وزارة الدفاع وهي الآن محاضرة في جامعة ييل: “لو أني الآن في وزارة الخارجية لذعرت إزاء التهمة التي قد أحملها على أكتافي… وكل المشاركين في هذه الخطة (التورط في الحرب اليمنية) يجب أن يبحثوا عن محامين”.

تحذيرات مشابهة قالها موظفون في أذن ترامب وأذن وزراء خارجيته: ريكس تلرسون، ومايك بومبيو. ولكن ترامب قدم الجواب التالي: “ليس لديهما (السعودية والإمارات) أي شيء سوى المال، ولا شيء سوى المال النقدي. وهم يدفعون لنا مقابل خدمات وحماية وأمور أخرى”. بالنسبة لقتل مواطنين في اليمن، قال: “هم (السعوديون) لا يعرفون كيفية استخدام السلاح”.

لم تقنع الكونغرس تفسيرات ترامب. وفي نيسان 2019 اتخذ قرار شارك فيه الحزبان لإنهاء التدخل الأمريكي في اليمن. وضع ترامب فيتو على القرار وتجاوز منع بيع السلاح للسعودية بإعلان وضع طوارئ مع إيران، الذي مكنه من مواصلة الاستجابة لطلبات السعودية. وخصصت الإدارة الأمريكية حوالي 750 مليون دولار لتدريب مقاتلين وطيارين سعوديين للحرب في مناطق مأهولة بالسكان بهدف منع المس بالمدنيين، وعرضت على السعودية قائمة لـ 33 ألف هدف يجب عدم المس بها. ولكن يبدو أن السعوديين لم يتأثروا من هذا البرنامج فاستمرت الخروقات. بالمناسبة، أحد المتدربين السعوديين الذين شاركوا في برنامج التدريب هذا، وهو الملازم محمد الشمراني، قتل في كانون الأول ثلاثة جنود أمريكيين وأصاب ثمانية جنود في فصل دراسي في قاعدة جوية في بنسكولا في فلوريدا. وقد تبين أن الشمراني كان مؤيداً للقاعدة، وأن مشاركته في الدورة تدل على أن المصفاة الشديدة التي استخدمتها الولايات المتحدة بعد عمليات الحادي عشر من أيلول مليئة بالثقوب.

مقابل السعودية، أدركت الإمارات الخطر الكامن لضلوعها في حرب اليمن، وقررت سحب قواتها. بهذا نجحت في إلغاء منع بيع طائرات “إف 35” وصفقات سلاح أخرى، وتغلبت على العائق الإسرائيلي باتفاق سلام معها. ما زال بن سلمان الذي بادر هو ووالده إلى شن الحرب في اليمن، غارقاً في وحل اليمن الذي يزيد تعقيد علاقته مع الولايات المتحدة. هذا إضافة إلى إخفاقاته المدوية في إدارة السياسة الخارجية، مثل فرض استقالة رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، والحصار على قطر، وحرب النفط الفاشلة مع روسيا التي أدت إلى انخفاض أسعار النفط، وتخليه عن القضية الفلسطينية.

أما في الساحة الداخلية فيجد بن سلمان صعوبة في عرض إنجازات استثنائية. حلم 2030 الذي اخترعه ما زال متعثراً. وخزينة المملكة تجد صعوبة في تطبيق المشاريع الضخمة مثل “مدينة المستقبل”، التي قد تمتد عبر ثلاث دول هي السعودية ومصر والأردن، أما تنوع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، فقد بقي حبراً على ورق. أما في محاربة الفساد، فعرض مشهداً مؤثراً عندما اعتقل عشرات المليارديرات في فندق “ريتس” وأفرغ جيوبهم، ولكنه ضغط بذلك على أنبوب التنفس لخصومه السياسيين، وثمة صراعات قوى داخلية لم تنته بعد. ففي آب قام بعزل الجنرال فهد بن تركي آل سعود، الذي كان قائد قوات التحالف العربي في اليمن، ونجله الأمير عبد العزيز الذي كان نائب حاكم منطقة الجوف، بتهمة التورط في عمليات فساد. أما سبب عزلهما الحقيقي فلأنهما محسوبان على الجناح العائلي الخصم. ويخشى بن سلمان -الذي شق طريقه عن طريق إزاحة سلسلة طويلة من الخصوم السياسيين- من انقلاب عسكري أو سياسي ضده، يمكن -حسب رأيه- أن يتطور كلما اقترب موعد تغيير السلطة.

بن سلمان قد يحسد محمد بن زايد، ولي العهد والحاكم الفعلي للإمارات، الذي نجح في الخروج من الحرب في اليمن، وبات محبوب واشنطن، لا بسبب اتفاق السلام مع إسرائيل فحسب، بل لأنه غير محاط بفقاعة عائلية معادية. في الوقت نفس، لم يتردد بن سلمان -حسب مصادر استخبارية أمريكية- في وضع والدته في الإقامة الجبرية وإبعادها عن والده خشية أن تعمل ضده، وقد يتبين أن ابن الامتثال لوالديه ليس جزءاً من التربية التي تبناها. يمكن أن يلقي الملك سلمان خطابات تأييد للشعب الفلسطيني، لكن ابنه وزير الدفاع وفي يديه القوة للقيام بانقلاب ضد والده إذا اعتقد أن هذه الخطوة ستخدمه أو ستخدم أجندته التي تتضمن سلاماً مع إسرائيل.

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس 25/9/2020

- صحيفة إسرائيلية للفلسطينيين: ألم تفهموا أن عصر منظمة التحرير انتهى منذ أسبوع ونصف؟

قبل بضعة أشهر، أعلنت كلية الإدارة السياسية، التي تحمل اسم جون كيندي، في جامعة هارفرد، بأن أمين سر اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف صائب عريقات سينضم في السنة الدراسية 2020/2021 إلى الكلية كزميل كبير للدبلوماسية. وبعث مسؤول كبير في وزارة العدل الأمريكية سابقاً، المحامي نيل شير، هذا الأسبوع، برسالة لوزير العدل والأمن الداخلي الأمريكيين، طلب فيها منهما منع دخول عريقات إلى الولايات المتحدة. وذلك بسبب أعماله الداعمة للإرهاب على مدى السنين كمسؤول كبير في م.ت.ف. هذه الأعمال التي عدّدها “شير”، تضمنت التحريض، والتأهيل والتشجيع على الإرهاب. وحسب قوانين الهجرة الأمريكية، كما شرح شير، محظور أن تطأ قدم عريقات الأراضي الأمريكية.

ثمة معان للتوقيت أو لجوهر رسالة شير؛ ففي هذا مثل الأسبوع قبل 20 سنة، شرعت السلطة الفلسطينية بحرب إرهاب ضد إسرائيل، سمّاها عرفات “انتفاضة الأقصى”. وأشار الاسم إلى عموم العالم الإسلامي بأن الفلسطينيين هم القوة الطليعية للجهاد العالمي. أما المذبحة بحق المواطنين اليهود، فقد أطلقت الرسالة بأن حرب الإرهاب هذه هي يوم الدين، كما يوصف في الحديث (الذي يقتبسه ميثاق حماس). فهو يقول إن يوم الدين سيأتي حين يقاتل المسلمون اليهود، فيختبئ اليهود خلف الصخور والأشجار فتكشف هذه عنهم وتدعو المسلمين ليأتوا فيقتلوهم.

رغم أعمال الذبح والقتل، وبرغم التحريض منفلت العقال لقتل اليهود، وبرغم التنكر لكل التزام بالسلام مع إسرائيل – لم يكن أي تنكر من السلطة، لا في إسرائيل ولا في واشنطن ولا في العالم الواسع. وبدلاً من الاعتراف بالواقع، واصلت حكومة باراك التفاوض مع ممثلي عرفات. وبعد ثلاثة أشهر من بدء السلطة حربها الجهادية، نشر الرئيس كلينتون “رؤياه” للسلام، وتضمن لأول مرة الإعراب عن تأييد أمريكي علني لإقامة دولة فلسطينية.

وبعد تبادل الحكم في الولايات المتحدة وإسرائيل، ومع ارتفاع عدد الضحايا الإسرائيليين وبحجوم الفظاعة، استمر التأييد لـ م.ت.ف وسلطتها اتساعاً. بعد هجمة 11 أيلول، أعلن الرئيس جورج بوش الابن حرباً على “الإرهاب العالمي”. كان هناك إسرائيليون كثيرون ممن أملوا في أن توقظ هذه الهجمات الأمريكيين على الجوهر الإرهابي للسلطة. ولكن بوش أوضح بأن الإرهاب الفلسطيني لا يمت للأمر بصلة. بعد شهرين من الهجمات، أعلن وزير الخارجية كولين باول بأن إدارة بوش تؤيد إقامة دولة فلسطينية.

إلقاء “مفتاح السلام” إلى البحر

عبر مذبحة الدولفيناريوم كارين ايه، وحملة السور الواقي وغيرها، تواصل وتعاظم التأييد الأمريكي والإسرائيلي للسلطة. في عامي 2007 – 2008 عملت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بنشاط للتوصل إلى تسوية دائمة في ظل ممارسة الضغط الشديد للغاية على إسرائيل لتقديم التنازلات.

في العام 2008 قدم إيهود أولمرت لخليفة عرفات، محمود عباس، عرضاً كان أكثر سخاء من عرض باراك في طابا. في عهد إدارة أوباما، رفع الأمريكيون الفلسطينيين وحربهم غير المتوقعة ضد إسرائيل على رأس فرحتهم في ظل تحرير وابل لا يتوقف من الضغط واللذعات ونزع الشرعية نحو إسرائيل. أما الفلسطينيون فتمسكوا برفض السلام وبنشر الكراهية لإسرائيل على مدى السنين.

ما الذي وقف خلف هذا السلوك الهاذي للولايات المتحدة ولإسرائيل؟ لماذا تواصل الإرهاب والدعم الاقتصادي والسياسي بل والعسكري لواشنطن من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، للسلطة الإرهابية التي لم تتوقف عن التأييد العلني لإبادة إسرائيل؟ ثمة سبب واحد مشترك لواشنطن والقدس، أو على الأقل لليسار وللمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وثمة سبب آخر يعود أساساً للمؤسسة الأمنية ولليسار في إسرائيل: فهم، مثل الأوروبيين، كانوا مقتنعين بأن المفتاح الحصري للسلام وللاستقرار في الشرق الأوسط هو السلام بين إسرائيل وم.ت.ف. هذا الإيمان الأعمى قبع في جذر الرفض المتواصل للاعتراف، وبقيت م.ت.ف منظمة إرهابية إجرامية نجحت في الجسر بين القومية العربية والإسلام الجهادي. عندما هدد عباس بحل السلطة إذا لم يتلقَ المزيد من المال من إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، كان يعرف بأن التهديد سيحقق النتيجة المرغوب فيها. فقد كان هو الرجل، وحكمه كان الحكم الذي لا بديل عنه.

سبب آخر، إسرائيلي داخلي، دفع المؤسسة الأمنية واليسار لرفض الاعتراف بحقيقة السلطة وعدم قدرتهم على تخيل وضع تكون فيه المدن الفلسطينية في يهودا والسامرة تحت سيطرة جهة أخرى. وانطلاقاً من الخوف من التغييرات الديمغرافية الفلسطينية، أم انطلاقاً من إيمان أعمى بعدم وجود بديل لـ م.ت.ف (في وقت يوجد فيه نظام لحماس منذ 13 سنة في غزة)، أم انطلاقاً من كراهية اليمين الإسرائيلي ورفض الاعتراف بخطئهم في عقد اتفاقات أوسلو – فقد رفض اليساريون، مثلما فعلت قيادة الجيش والمخابرات الإسرائيلية على مدى الـ 20 سنة الأخيرة، مواجهة الحقيقة البسيطة: إن حكم م.ت.ف ليس مناسباً وإن لم يكن هناك بديل مناسب لها. فهو معاد، وفاسد، ومفسد وخطير على الدولة، بل لن ينشأ سلام منه أبداً.

انطلق القطار.. ولم يمر بالمحطة

وقعت اتفاقات السلام في البيت الأبيض الأسبوع الماضي بين إسرائيل والإمارات والبحرين، أما رفض الجامعة العربية الاستجابة لطلب السلطة بشجبها، فتكشف فراغ فكرة كل من في واشنطن وإسرائيل وأوروبا. فالسلطة وم.ت.ف ليست المحطة التي يجب أن نمر فيها في الطريق إلى السلام بين إسرائيل والدول العربية، وليستا ذات صلة على الإطلاق، وإذا كان لا بد فهما مصدر إزعاج، ليس أكثر. في اللحظة التي قررت فيها الإمارات والبحرين بأن السلام مع إسرائيل يخدم مصالحهما، فقد توجهتا إلينا. ويشير رفض الجامعة العربية شجب فعلهم إلى عمق واتساع التأييد للعلاقات مع إسرائيل في أوساط الزعماء العرب. وهذا يعيدنا إلى رسالة المحامي شير لوزيري العدل والأمن الداخلي الأمريكيين في شأن التأشيرة لعريقات. لا شك في أن عريقات أيد ويؤيد الإرهاب وشكل بوق دعاية للسلطة على مدى السنين، في ظل نشر فريات الدم ضد إسرائيل،كوان الأبرز فيها ادعاءه في نيسان 2020 -الذي أطلقه ثلاث مرات في الـ “سي.ان.ان” – بأن إسرائيل ذبحت الفلسطينيين في مخيم اللاجئين في جنين بلا تمييز في أثناء حملة السور الواقي. وبالنسبة لعريقات، فقد قتل جنود الجيش الإسرائيلي وبدم بارد أكثر من 500 فلسطيني. في السنوات الأخيرة، ومع أنه اجتاز عملية زرع رئة في الولايات المتحدة في نهاية 2017، يدعي عريقات بأن ليس لإدارة ترامب الحق في التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين.

على مدى كل سنواته كالمفاوض الرئيس لـ م.ت.ف مع إسرائيل وعضو في قيادة م.ت.ف، لم يكن عريقات مطالباً بدفع أي ثمن على أكاذيبه وتأييده النشط والعلني لقتل الإسرائيليين على أيدي مخربين فلسطينيين. ولكن الآن، حين يكون واضحاً بأن م.ت.ف وسلطته لم تعودا ذات صلة بالسلام، حان الوقت لأن تكفا عن تلقي الإعفاء من العقاب على دورهما المباشر وغير المباشر بالإرهاب. فليس هناك سبب يجعل عريقات يحصل على التأشيرة، وليس هناك سبب يجعل إسرائيل تواصل تمويل رواتب رجال السلطة أو تجبي لهم الضرائب. وبالتأكيد لا يوجد سبب يجعل الحكومة تمنع الإسرائيليين من رفع الدعاوى على السلطة على أضرار الإرهاب في المحاكم. عصر م.ت.ف انتهى قبل أسبوع ونصف، حان الوقت للاعتراف بذلك والعمل بموجبه.

إسرائيل اليوم 25/9/2020

بقلم: كارولينا غليك



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2184620

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع عن العدو  متابعة نشاط الموقع عين على العدو   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184620 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40