الأحد 23 آب (أغسطس) 2020

خفايا صناعة اتحاد الإمارات العربية

زياد منى
الأحد 23 آب (أغسطس) 2020

ملخّص مؤلَّف «بريطانيا وصناعة دول الخليج: جمرات الإمبرطورية»

Britain and the formation of the Gulf States: Embers of Empire. Manchester university press 2016. Extent: 178 pages. Shohei Sato.

لعلّ إحدى أعقد المشاكل التي تواجه الباحث في تاريخ الاستعمار، اضطراره إلى الاعتماد على نحو شبه كامل على محفوظات أو أرشيفات الدول المستعمِرة، وهذا ينطبق على عمل الباحث الياباني شوهاي ساتو، وهو أستاذ تاريخ مساعد في جامعة واسيدا (Waseda University)، صاحب هذا المؤلَّف. لكنّ مدى المشكلة يزداد عندما يتبيّن أنّ كثيراً من الوثائق ذات العلاقة لا تزال تخضع للسرية، ما يعني عدم تشكُّل صورة كاملة عن أحداث تاريخية ذات علاقة، وعلى جانب كبير من الأهمية. الهدف من فرض السرية على وثائق محدَّدة، هو حفظ «هيبة» المستعمِر و«شرفِه» الوهمي، وكذلك حماية العملاء ونسلِهم من بعدهم، وثمّة دراسات موسّعة عن قيام المستعمِر البريطاني حتى بحرق آلاف الوثائق التي تدينه هو وعملاؤه، مع أنّها تُعدّ ملكاً للدولة المستعمَرَة.

بحث الكاتب في الموضوع، ضمن أُطُر نظرية مرتبطة بالاستقلال والاستعمار، وبالاستعمار غير الرسمي (informal colonialism)، ومغزاها محلياً وعالمياً، لكنّ النقطة التي تهمّنا، هنا، أنّ اتفاقيات لندن مع المشايخ منحتهم صفة شبه كيانية، لم يكونوا يملكونها أصلاً. أي أنّ احتلال بريطانيا المنطقة وإخضاع الشيوخ وأتباعهم، منحهم مكانة أعلى من الوضع التقليدي السابق ورفع مستواهم إلى «شبه دول»، بعدما كانوا زعامات قبلية ليس غير. ومع أنّ الكاتب يلاحظ أنّ لندن نادراً ما كانت تتدخّل في شؤون الشيوخ المحلية، إلّا أنّها كانت تتمتّع بمقدرة فائقة على استبدال الحكّام المحليين، سواءً بالتدخّل المباشر أو بطريق غير مباشر، وهذه إحدى النقاط التي تميّز الاستعمار غير الرسمي، الذي يمنح المستعمرات استقلالاً يبقيها خاضعة له على نحو كامل، وهذا ما ينطبق على مشيخات الخليج.

لماذا قررت بريطانيا الانسحاب من الخليج الفارسي
لاحظ الكاتب الياباني الذي قضى نحو ثماني سنوات يبحث في المحفوظات البريطانية ذات الصلة، أنّ قرار الانسحاب بحلول 1 نيسان/ أبريل 1971 اتخذه وزير الخزانة البريطاني روي جنكنز (roy jenkins) (Chancellor of the Exchequer, 30 November 1967 – 19 June 1970)، وليس وزير الدفاع أو الخارجية أو المستعمرات، بتاريخ 15 كانون الأول/ يناير 1967، بعدما خضعت بريطانيا لإملاءات صندوق النقد الدولي للحصول على قرض في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، وخفّضت قيمة الجنيه الإسترليني مقابل الدولار، ما يعني معاناتها أزمات اقتصادية جدية.
سبب الانسحاب، وفق الكاتب، أنّ وزير الخزانة البريطاني قرّر تخفيض ميزانية النفقات الاجتماعية بمقدار 606 مليون جنيه إسترليني، في أعقاب تخفيض قيمة العملة. وقتها، قرّرت الحكومة العمّالية تمرير مجموعة من السياسات غير الاجتماعية المثيرة للجدل، ما يعني أنّ سبب وجود حكومة حزب «العمّال» نفسه كان على المحك. ومن أجل إيهام الدوائر المعنيّة والبرلمان والجمهور بأنّ هذه التخفيضات كانت ضرورية، ظنّت وزارة الخزانة أنّ تخفيضات الدفاع ستُظهر أنّ الحكومة تبذل قصارى جهدها على الجبهات كافّة، مع أنّ الانسحاب من الخليج سوف لن يؤدي إلّا إلى توفيرٍ ضئيل في النفقات لا يزيد عن 12 مليون جنيه إسترليني. لكن هم الحكومة البريطانية الظاهر هنا، ليس ما هو عليه بالفعل.

مشايخ الخليج الفارسي وقرار منحهم الاستقلال
أثار القرار البريطاني الانسحاب من الخليج ردود فعل غير مرحّبة عالمياً، خصوصاً في واشنطن التي كانت تربط مساعداتها الاقتصادية لبريطانيا بمدى مساهمة الأخيرة في الجانب العسكري لتحالف الغرب الاستعماري. أمّا ردود فعل المشايخ على قرار بريطانيا منحهم الاستقلال، حتى صوَرياً، كان النحيب وشقّ القمصان والبكاء والعويل والاستجداء وإقامة مجالس العزاء وإعلان الحداد في مضاربهم... إلخ. فوفق الكاتب: «... توسّل المشايخ استمرار الدعم البريطاني بعد الانسحاب، بل إنّهم عرضوا دفع تكاليف بقاء القوات البريطانية في المنطقة. وثمّة تقرير عن المناقشة مع حاكم أبو ظبي، الشيخ زايد، ترمز إلى مستوى يأسه، ذلك أنّه عرض استعداده للمساهمة مالياً، سواء علانية أو سراً، وبأي طريقة يطلبها السيد في حكومة صاحبة الجلالة، في تكلفة بقاء الاحتلال البريطاني في الخليج الفارسي إلى أجلٍ غير مسمى.
حاكم البحرين أصيب بصدمة عميقة عند سماعه القرار البريطاني، واقترح خطّة عملية للتنازل عن المدفوعات السنوية للبحرين مقابل استعمال المنشآت العسكرية البريطانية. أمّا حاكم قطر أحمد بن علي آل ثاني، فقد قال، وفق الوثائق التي أشار إليها الكاتب، إنّه سيكون من دواعي سروره وغبطته هو وبقية المشايخ، وخصوصاً زايد، تحمّل كلفة بقاء قوات الاحتلال البريطانية. كما عرض حاكم الكويت المساهمة المالية في إبقاء قوات الاحتلال البريطانية في الخليج. وقد استندت جهود المشايخ المعارِضة للانسحاب البريطاني إلى «صداقتهم الطويلة» و«المودّة العميقة» تجاه بريطانيا.

يعيد بعض الباحثين خشية الشيوخ من الانسحاب البريطاني والاستقلال إلى الخوف من التهديد الإيراني، لكنّ الكاتب قال إنّ الشاه أعلن صراحة وعلانية أنّه لم تكن لديه أي رغبة في جعل الخليج بحراً إيرانياً. (كما أنّ تسويغ الأمر بخوف المشايخ من السعودية ليس ثمّة ما يؤيّده، لأنّ الأخيرة لم تكن لتجرؤ على عبور الحدود الدولية من دون أمر من واشنطن ولندن، وأزمة واحة البريمي في مطلع الخمسينيات خير دليل عندما قامت الأخيرة بضمّها إلى الإمارات وطردت الإدارة السعودية منها. أما إرجاع الخشية من الانسحاب البريطاني العسكري إلى الخوف من الاتحاد السوفييتي، فليس ثمّة من مسوّغ له أيضاً لأنّ أحداً لم يأخذ على محمل الجد تهديد حاكم رأس الخيمة باللجوء إلى موسكو لدعم تطلّعه إلى إنشاء دولة خاصة به وعدم الانضمام إلى الاتحاد المقترح. وقد كشفت التقارير المنشورة قبل أيام أنّ حاكم السعودية طلب إذن واشنطن لاحتلال قطر، لكنّها لم تسمح له بذلك). باختصار شديد، مصدر خوف مشايخ الخليج كان، أولاً وأخيراً، من شعوبهم كما سنرى لاحقاً، وهو ما ألمح إليه الكاتب.
لم تكترث لندن لنداءات المشايخ، لأنّها كانت تحتقر تابعيها من طوال العمر الذين كانوا، جميعاً، يستجدون بقاء الاحتلال، وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع البريطاني دنس هيلي (denis healey)، الذي قال عبر «هيئة الإذاعة البريطانية» بعد أسبوع من إعلان نيّة بلاده الانسحاب: «أنا لا أحبّ فكرة أن أكون نوعاً من الرقيق الأبيض للشيوخ البداة. في ظني يجب علينا أن نقرّر في ما يتعلق بالخليج ما هو في مصلحتنا البريطانية الخاصة على المدى الطويل، للقيام بما يتمشى مع التزاماتنا. وأعتقد أنّه سيكون خطأً كبيراً إذا سمحنا لأنفسنا بأن نكون مرتزقة للأشخاص الذين يرغبون في الحصول على بعض القوات البريطانية».

الخوف من الفكر التحرّري الوطني ونمو الفكر القومي العربي
لم يعرض مشايخ الخليج الفارسي دفع تكاليف بقاء قوات الاحتلال البريطانية فقط، لكنّهم توسَّلوا توسُّل اليائس للحصول على الدعم البريطاني بعد الانسحاب. فقد كانوا، وفق الكاتب، قلقين للغاية من المعارضة المحتملة التي يمكن أن تتبع رحيل البريطانيين، والتي ستهدّد احتكارهم المواقع القيادية، وهو ما كان يعتمد اعتماداً كاملاً على الحماية البريطانية.
وهكذا، مع أنّ بريطانيا لم تنجرّ إلى حرب أهلية مثلما حدث في عُمان، إلّا أنّ عدم الاستقرار الاجتماعي في الدول المحمية كان آخذاً في الازدياد لدرجة أنّ بريطانيا فكّرت في وقت من الأوقات في إنشاء مركز استجواب جديد. ويشير الكاتب إلى تقارير تقول إن شرعية الوجود البريطاني والحكّام تتعرّض للتحدّي بأسلوب علني متزايد، وقد بدا للندن أنّ هدف المعارضة كان أولاً التخلّص من البريطانيين ثم من الشيوخ. وفي المقابل، كان يُنظر إلى بريطانيا والحكّام على أنهم متواطئون.
لقد أدرك الحكّام هذه الضغوط من مجتمعاتهم، واضطرّوا إلى «إبعاد» أنفسهم عن البريطانيين، من خلال اتخاذ مبادرتهم الخاصة نحو الاستقلال، دائماً وفق رأي الكاتب. على سبيل المثال، لم تكن لدى حاكم البحرين ثقة كبيرة في الاتحاد، لكن مستشاريه وشعبه الذين نظروا إلى الاتحاد باعتباره وسيلة للمشاركة الشعبية في الحكومة كانوا أكثر تفاؤلاً. لكنّ الضغوط الوطنية لم تكن كافية لحلّ الخصومات والشكوك المتبادلة بين الحكّام. وقد اتّهم البعض البحرين وأبو ظبي، بعدم اتخاذ خطوات فورية نحو ترتيب الجوانب العملية لتشكيل الاتحاد.
المندوب السامي البريطاني في الخليج الفارسي الذي عُرف بصفة «المقيم السياسي» البريطاني في دبي، والذي كان الحاكم الفعلي لتلك البلاد، لم يخفِ استياءه من التحوّلات في المجتمعات المحلّية، ويُنقل عنه القول: «أنا لا أقول من باب السخرية إنّ بعضاً من أفضل أصدقائي فلسطينيون، لكنّني أكره أن أرى الشمال العربي مع تعصّبه والمحسوبية والجشع، يغزو الولايات المتصالحة. حتى قمصانهم البيضاء وطريقة نطقهم الهمزة يسيئون إلى عيني وأذنَي بعد قضائي عامين في الخليج بين الجلباب الطويل والكاف الحنجرية العميقة... بعض (المهاجرين) يجلبون المواهب المطلوبة هنا... لكن البعض الآخر مادّة طبيعية للجبهة الوطنية الديموقراطية لتحرير عُمان والخليج العربي ومنظّماتها الشقيقة. في الواقع قد يكون هؤلاء عملاءهم».
إلى جانب الأنشطة العسكرية للجبهة الوطنية في شمالي عمان، كانت هناك أيضاً انتفاضة عسكرية في محافظة ظفار. استهدفت الثورتان سلطنة مسقط وعمان المدعومتين بريطانياً، لكنّ العنف امتد إلى ما وراء السلطنة، وانتقل إلى أجزاء مختلفة من شبه الجزيرة العربية. ففي البحرين، تمّ إحراق تسع سيارات في آذار/ مارس عام 1968 وخمس سيارات في نيسان/ أبريل. وفي رأس الخيمة، كان الحاكم منخرطاً في نزاع طويل الأمد مع بعض مجموعات من قبائل شيهوح وزعب وخواتير، وكانت الكشافة العمانية المتصالحة، وهي قوة عسكرية محلية تحت القيادة البريطانية، تراقب الوضع عن كثب لمنع اندلاع الاضطرابات. وفي 17 تموز/ يوليو 1970، كانت هناك محاولة اغتيال حاكم الشارقة عندما انفجرت قنبلة تحت كرسيه... في أقل من أسبوع، ألقت قوات الأمن التابعة للولايات المتصالحة القبض على 12 من المشتبه بكونهم أعضاء في الجبهة الوطنية (ستة منهم في أبو ظبي). لذلك، كان من الواضح أنّ هناك منظمات تعمل منهجياً للإطاحة بالحكومات القائمة.
قد يبدو للقارئ أنّ عدد المعارضين للشيوخ ولبريطانيا المتّهمين المشار إليهم آنفاً بشكل مقتضب، قليل، لكنّ عدد سكّان المشيخات التسع كان محدوداً للغاية، على النحو الآتي: البحرين 180000، قطر 60000، أبو ظبي 30000، دبي وبقية المشيخات مجتمعة 80000 نسمة.
كان من الواضح للحاكم البريطاني وعملائه المحليين من شيوخ، أنّ جزءاً كبيراً من السكان قد تأثر بالقومية العربية، ولم يكن سعيداً تماماً ببريطانيا أو الحكّام الحاليين. «التخريب العربي»، وفق تعبير لندن والمشايخ، بدأ في الظهور في شكل منشورات واجتماعات سرية ورسائل تهديد مجهولة المصدر ومخابئ للأسلحة وحزمة يومية من تقارير فروع المخابرات الخاصّة التي تدعو لتشاؤم لندن والمشايخ، وذلك بحسب التقارير الرسمية التي أشار الكاتب إليها.
لم تُحدث أزمة السويس، في عام 1956، تغييراً فورياً في السياسة البريطانية تجاه المنطقة، لكنّ تأثير الفكر القومي العربي كان محسوساً على نطاق واسع. ففي دبي، جاء كثير من معلّمي المدارس من مصر والعراق وفلسطين وسوريا ولبنان واليمن، وأثّر هؤلاء المعلّمون المغتربون إلى حدّ كبير في ظهور المشاعر القومية العربية في الخليج في الخمسينيات. ففي صيف عام 1958، أُطلق النار على طبيب باكستاني يعمل في الوكالة البريطانية في دبي، وفي العام نفسه سُرق العلم البريطاني من الوكالة وأُلقي في خور دبي. في عام 1960، كتب الوكيل السياسي في دبي، في رسالة شخصية إلى والديه بشأن جولة في المنطقة، عن شخص يصرخ حول القضية العربية في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، مشيراً إلى أنّه وَجَدَ أنّه من المحبط أنّ القومية العربية كانت تؤثّر في الشباب المحلّيين.
كما بذلت جامعة الدول العربية سلسلة من المحاولات لإقامة وجود في المحميّات، فكان أحد ردود الفعل على ذلك مبادرة المقيم السياسي لإنشاء مجلس الولايات المتصالحة عام 1952. وفي عام 1956، أنشأ المجلس قوة شرطة وقوة عسكرية اسمها «كشافة عُمان المتصالح». كذلك، كانت بريطانيا قلقة للغاية من تراجع نفوذها، وتراقب أيّ دليل على أنّ خرّيجي المشيخات الشباب في جامعة بغداد الذين استعان بهم بعض المشايخ مستشارين، لم يكونوا قد «تلوّثوا» بالسياسات البعثية.
لذلك، نرى أنّ لندن بادرت إلى دعوة مجلس الولايات المتصالحة الذي شكّلته عام 1952 والذي يجمع مشايخ المحميّات، إلى الجلسة الثالثة والثلاثين في صيف 10 تموز/ يوليو عام 1971، بهدف تهدئة الإحباط المحلّي ومحاولة منع انتشار الأفكار القومية العربية في المنطقة، تحت ستار هدف مُعلن هو تعزيز التنمية الاقتصادية.
ويلاحظ الكاتب أنّ راديو موسكو احتفل، في آذار/ مارس 1968، بتظاهرات الطلّاب في البحرين التي اندلعت عام 1965، وتبع ذلك اتصال السوفييت بالشيخ عيسى عبر بغداد مرّتين على الأقل، طالبين الإذن لمجموعة من 12 رجلاً بزيارة البحرين. الشيخ البحريني كان «مرعوباً حتى الموت» من الطلب لدرجة أنّه لم يقرّ حتى بتسلّمه.
علاقة الشيوخ ببريطانيا أضعفت شرعيّتهم داخل مجتمعاتهم، ما عنى عدم المقدرة على حماية المستعمر لهم. فعلى سبيل المثال، حدث انقلاب في الشارقة بتاريخ 24 حزيران/ يونيو 1965، حيث سارع البريطانيون للترحيب بالانقلاب العسكري المفاجئ فور تولّي خالد بن محمد القاسمي محلّ الحاكم القديم الشيخ صقر بن سلطان الذي غادر الشارقة. موقف لندن الرسمي من الانقلاب كان الادعاء بأنّ عائلة الشيخ صقر هي التي أزاحته بسبب إهماله لمواطنيه وسوء إدارة الدولة والإسراف وطريقة حياته المريعة. وقد أرسل تقرير غلين بلفور ـــــ باول (Glen Balfour-Paul) المقيم السياسي في دبي إلى وزارة الخارجية وجهة نظر مفادها أنّ «أفراد الأسرة الحاكمة في الشارقة تصرّفوا لصالح الشعب، وقرّروا أنّ الشيخ صقر بن سلطان القاسمي أظهر بسلوكه الفاضح وإهماله لرفاه شعبه، أنّه لم يعد يستحق أن يكون حاكماً. مع ذلك، فإنّ إلقاء نظرة فاحصة على الخلفية يعطي قراءة مختلفة. فقبل شهر من حدوث الانقلاب، قام سيد نوفل، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، بزيارة الخليج لمناقشة خطط تقديم المساعدات وفتح مكاتب جديدة في المنطقة. سيد نوفل لم ينجح فقط في إقناع حكّام عجمان ورأس الخيمة وأم القيوين والشارقة والفجيرة، بكتابة رسائل تؤكّد أنّهم سيرحّبون بالمساعدة، بل حصل أيضاً على تأكيدات مطابِقة من حكّام الشارقة ورأس الخيمة بأنّهم على استعداد للترحيب بمكاتب جامعة الدول العربية على أراضيهم. تمّ النظر إلى دبلوماسية نوفل القوية، على أنّها تسلُّل للقومية العربية من قبل حكّام الدول الأكبر حجماً في الدول المحمية، وهي أبو ظبي ودبي والبحرين، وأخذت بريطانيا الأمر على أنّه تحدٍّ لوجودها، حيث صرّح جورج طمسون (george thomson) وزير الدولة في وزارة الخارجية، الذي كان يزور الخليج في ذلك الوقت، بأنّ الجامعة العربية تشكّل «تهديداً خطيراً لوضعنا».
طوال العمر، لم يتمكّنوا من رفض الرسائل المتأثّرة بالقومية العربية أو قبولها علنياً، وهو ما رسم علاقتهم بجامعة الدول العربية. ويتذكّر المقيم السياسي البريطاني أنطوني بارسنز (Antony Parsons) «حادثة هزلية»، حدثت عندما قام سيد نوفل الأمين العام المساعد للجامعة بزيارة مفاجئة إلى البحرين في آذار/ مارس 1968. فقد تصادف، وقتها، هبوط طائرة تقلّ حاكم البحرين الشيخ عيسى وبطانته. وعندما رأى الأخير سيد نوفل، انقلب على كعبه وانسحب على عجل ما أثار دهشة الحاضرين. فقد أدرك هذا الشيخ أنّ ظهوره مع مجموعة كبيرة من بطانته إلى جانب الأمين العام المساعد، قد يشكّل إما حفلاً ترحيبياً به، أو تأويل ذلك على أنه تظاهرة لصالح جامعة الدول العربية.

رأي لندن في طوال العمر
في الوقت الذي لا تتوافر فيه أيّ وثيقة بريطانية تعكس أي احترام لأولئك المشايخ أو تذكرهم على نحو إيجابي، ثمّة وثائق تحوي آراء مندوبيها الحقيقية فيها. ففي ما يلي مقتطفات من تقرير داخلي صادر عن المندوب السامي البريطاني في دبي، يصف شخصيات بعض الحكّام: حاكم الفجيرة يبدو «شخصاً أحمق وجباناً وكاذباً بالسليقة، يتجوّل بكل وقار فوق أكوام النفايات المبعثرة خارج القصر الذي كان يبنيه على شاطئ المحيط الهندي، بينما كانت الحوامة تقف ثابتة في الهواء».
حاكم أم القيوين كان «رجلاً دمّره الحزن، وكان في شبابه يستطيع كسر عملة معدنية بأصابع إحدى يديه فقط، لم يكن يفارقه التهذيب حتى بعدما اضطرِرتُ إلى إعاقة عملياته النفطية وسلبه مليون دولار».
أما حاكم عجمان، فكان «يتمتّع بفضائل، وأيضاً بنذالة بالية عفا عليها الزمن، فقد حط مثل بدوي في قصره المضحك الذي يشبه قالب حلوى حفلات الزفاف، ووقف ليتلقّى، بكل غرور وبنظرات داعرة، مظاهر الاحترام التي كانت تبديها له السيدات، وذلك في أول مأدبة عشاء مختلطة تُقام في تلك المشيخة».
وعلى نحو مماثل، كان حاكم الشارقة «يدعم اقتصاده الهزيل الأجوف بابتسامة باهتة وبأمل ضئيل بالنفط فقط ولا بأي شيء آخر».
وذات يوم، وصف مستشارٌ سياسيٌ بريطانيٌ في دبي الشيخ صقر، بأنّه «شخص غامض ذو عينين جاحظتين حولاوين، يتفادى الإجابة على السؤال بطرح سؤال آخر أو يحاول العد حتى الرقم 11 على أصابع سكرتيره الفلسطيني الثخينة، ليخبرني بعدد أفراد الحاشية التي سترافقه إلى مسقط».
أما الشيخ زايد حاكم أبو ظبي، فقد وصفه دبلوماسي بريطاني ذات مرة بأنّه «الأمير التاجر مع موهبة سعيدة لاختيار الخيول الصحيحة، والتخلّص من الأعمال التجارية بخفّة مع موجة من دخان الغليون الصغير في يده وعود ثقاب مشتعل في جهة أخرى، وقراءة أفكاري مقدّماً ونبح قراراته الفورية».

Britain and the formation of the Gulf States: Embers of Empire. Manchester university press 2016. Extent: 178 pages. Shohei Sato.

كانت هناك مشاكل عديدة تواجه لندن عند عملها على تشكيل الاتحاد، منها رسم حدوده وتخوم كلّ مشيخة من مشيخاته. لم تكن هناك حدود بالمعنى المعروف حالياً، لذا كُلِّف المستعرب البريطاني جوليَن فورتِ ووكر (Julian Fortay Walker) ـــــ الذي درس العربية في لندن وفي معهد شملان في لبنان، وشغل عام 1953 منصب السكرتير الثالث في مقرّ المقيم السياسي البريطاني في البحرين ـــــ برسم حدود المحميات في المنطقة. يقول الكاتب: باستخدام الجزء الخلفي من طرف قلم الحبر الخاص به، قام جوليان فورتِ ووكر بتنقيط المعلومات التي تمّ جمعها من السكان المحليين بمساعدة بوصلة وعدّاد أميال سيارته اللاندروفر. كما فحص بعناية العادات المحلية، ورسم الحدود على أساس الاختلاف في أنواع الآبار، والتاريخ الشفوي للاشتباكات القبلية والتحالفات، وغارات الجِمال وغيرها من الحوادث في الصحراء، وأنتج الخريطة المرفقة بهذا العرض والتي أطلق الإنكليز عليها اسم «أُحجية رسم السيد ووكر المُقَطَّع» Mr. Walker’s jigsaw puzzle (انظر الخريطة المرفقة).

يقول الكاتب إنه بعد مرور أسبوع على إعلان رئيس الوزراء البريطاني هارلد ولسن قرار الانسحاب من الخليج الفارسي، التقى شيخا دبي وأبو ظبي مرّتين في 22 كانون الثاني/ يناير وفي 18 شباط/ فبرير 1968، واتفقا سرّاً على تأسيس اتحاد/ وحدة بينهما، تكون مسؤولة عن الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والخدمات، مثل الصحة والتعليم ومسائل التبعية والهجرة. كما اتفقا على استبعاد كلٍّ من قطر والبحرين، اللتين لم تكونا ترغبان الانضمام إليه أصلاً، ولنا عودة إلى هذه الاتفاقية السرية.
بادئ ذي بدء، يتذكّر جوليان ووكر أنّ زايد وراشد وافقا، وبكل ثقة، في أوائل الصيف، على الاتحاد، وأنّه أُبلغ بموافقتهما ورحّب بها. هذا يعني أنّ الحاكمَين قرّرا قبل اجتماع المجلس، العمل سوياً من أجل تأسيس اتحاد الإمارات العربية، وليس الإمارات العربية المتحدة، كما فُرضت لاحقاً. علاوة على هذه النقطة، أبلغ تشارلز جيمس تريدوِل، المندوب السامي البريطاني في أبو ظبي، في 8 يوليو/ تموز، بأنّه سمع من عدنان الباجه جي أنّ الشيخ زايد كان يأمل في التوصّل إلى اتفاق نهائي مع الشيخ راشد في المساء التالي، وأنّه يقترح استشارة الحكّام الآخرين في جلسات خاصة، خلال مجلس الولايات المتصالحة.
من المثير للاهتمام، أنّ مستشاري زايد نظروا في فكرة أنّ المفاوضات يجب أن تتم وراء الكواليس، حتى قبل أن يتمّ التوصل إلى أيّ اتفاق بين الحكّام. من بين مستشاري الشيخ زايد، كان أحمد خليفة السويدي الأهم، وقد وُصف في تقرير صدر لاحقاً بأنّه «رجل ذو سحر غير عادي»، لكن «ذو ذكاء محدود». سمع تريدوِل من السويدي أنّ الشيخ راشد «رأى ثمّة خطراً باحتمال نشوء سوء تفاهم بعد اتفاق شفهي بحت»، ويريد تثبيت ذلك ورقياً، على أن يكون موقّعاً من الحاكمَين. من ناحية أخرى، وافقت أبو ظبي على احتمال كهذا، لكنّها خشيت من أن تقع الوثيقة السرية في الأيدي الخطأ. رداً على ذلك، اقترح تريدوِل إيداعها لدى أي وكيل سياسي، مع عدم الاحتفاظ بأيّ نسخة ما يرضي السويدي والباجه جي. هذا يوضح أنّ بريطانيا كانت تتوسّط سرياً لإنجاز اتفاق بين القوّتين الرئيستين.
مع وضع هذه النوايا في الاعتبار، اتّصل السويدي بمستشار الشيخ راشد واسمه مهدي التاجر، الذي كان مؤثّراً ورجل أعمال ماهراً في دبي. موجز داخلي صادر عن وزارة الخارجية، يلاحظ أنّه لا يتمتّع بشعبية في دبي، ولديه عدد قليل من الأصدقاء، لكنّه أثبت أنّه أكثر من مجرّد مباراة مع الأعداء، ويستمتع بلعبة القوة ويجيدها. يمكن أن يكون صديقاً جيداً أو عدواً مقرفاً. يمكن أن يكون صريحاً بوحشية، أو سلساً على نحو مخادع. يصف تقريرٌ لووكر كيف أنّه سيدلي بتصريحات مشبوهة حول المستشارين العرب الآخرين، مثل عدنان الباجه جي، الذي كان أحد مستشاري الشيخ زايد المفضَّلين في ذلك الوقت. معظم الاجتماعات بين حكّام هذه المحميات تمّت في منزل الشيخ راشد، وكان التاجر هو من توسّط لعقدها. وثيقة أخرى تسجّل شكاوى الشركات البريطانية من أنّه كان يهمّش أعمالها. كانت هناك مزاعم بأنّه كان يعتزم إطلاق أكبر عدد ممكن من المشاريع في غضون العام التالي أو نحو ذلك، وقبض عمولاته على كلّ هذه المشاريع، ومن ثم الانتقال إلى أوروبا أو إلى الولايات المتحدة، حيث لديه هناك بالفعل استثمارات كبيرة في العقارات وأشياء أخرى. لاحقاً، لاحظت بريطانيا أنّه بحلول منتصف سبعينيات القرن العشرين، كان قد جمع ثروة كبيرة من اهتماماته التجارية الواسعة، استحوذ على بعضها بطرق نزيهة.
وهكذا، فإنّ اثنين من الكبار كانا يخطّطان لمأسسة تفوّقهما حتى قبل التشاور مع الآخرين. لكنّ بريطانيا كانت محلّ ثقة بما يكفي، لتكون قادرة على متابعة المفاوضات وراء الكواليس عن كثب، لدرجة أنّ تريدوِل يمكن أن يقترح إيداع نسخة الاتفاقية السرية الوحيدة المنوي عقدها لدى بريطانيا. تريدوِل رأى أنّ أهمّ التعديلات على الدستور المؤقّت تمّت في يوم 13 تموز/ يوليو، بين السويدي والتاجر، المستشاران الرئيسان لحكّام أبو ظبي ودبي على التوالي، قبل تقديمهما إلى ووكر في صباح اليوم التالي. وافقت أبوظبي ودبي على أن تكونا على قدم المساواة في المجلس الأعلى، وأنّهما فقط ستتمتّعان بحق النقض.
يوم 15 تموز/ يوليو، تمّ توقيع اتفاقية راشد وزايد رسمياً، مع ملاحظة تُعلن «إنها سرية»، ولأنّ محتواها كان حساساً للغاية، تمّ إنشاء نسخة أصلية واحدة فقط (!) منها سُلّمت إلى بريطانيا، تماماً كما اقترح تريدوِل قبل أسبوع. ويقول الكاتب إنّه عثر على صورة لهذه النسخة مزيّنة برسالة تحذيرية: «كما تعلمون من البرقيات لدينا، فإنّ وجود هذه الاتفاقية معروف فقط للحاكمَين، وأقرب مستشارينا ولنا. وبالتالي، لا ينبغي الكشف عنها لأيّ طرفٍ آخر». يقول الكاتب: في الواقع، ثبت أنها سرية للغاية حقاً، ذلك أنّ أيّاً من الأدبيات المتوافرة لا يذكر وجودها حسب علمي، ناهيك عن محتواها. تمّ الاتفاق أساسًا على إنشاء دولة تضمّ الأعضاء السبعة الذين يشكّلون دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم، اعتماداً على مسودّة الدستور الموصى به في اجتماع نوّاب الحكّام في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1970. لقد حاولت العثور على هذه المسودة، لكن لم أتمكّن من ذلك، ولم أعثر سوى على ذكر أنّ بريطانيا رأت أنّ الاجتماع في ذلك اليوم فشل من دون أي اتفاق. ما تمّ الاتفاق عليه، هو الاتحاد من دون قطر والبحرين فور إعلان تلك الدول انسحابها رسمياً من مشروع اتحاد الدول التسع. وكان الاتفاق مُرفقاً أيضاً بملحق من جزأين. الجزء الأول، حوى مقترحات أبو ظبي ودبي بشأن التعديلات على مشروع دستور تشرين الأول/ أكتوبر 1970، والجزء الثاني كان ردّ الدول الخمس الأخرى على هذا الاقتراح.
الكاتب يشير إلى أنّ أحد البحاثة قال إنّ التاجر، مستشار الشيخ راشد، أقنعه بالعمل مع الشيخ زايد، مدّعياً أنّ دبي لا تستطيع تحمّل نفقات ذلك بمفردها، لكنّ أبو ظبي يمكنها. نعم، يقول الكاتب، يتّفق أعداء مهدي التاجر على أنّه مفاوض ماهر للغاية، ومن المعقول أنّه مارس دوراً مهمّاً في إقناع الشيخ راشد بالتوصل إلى حلٍّ وسط واقعي مع أبو ظبي، لكنّ هذا التسويغ لا يفسّر سبب قبول أبو ظبي عرض دبي، لأنه ينصّ على أن تكون على قدم المساواة معها، مع أنّها هي بلا منازع أكبر الدول المحمية وأكثرها غنى وقوة. الكاتب يطرح السؤال: لماذا قبل زايد هذا التنازل؟ يذكر ووكر أنّ زايد قرّر ببساطة أن يكون كريماً. كما يذكر الدور الذي قام به مستشار الشيخ زايد السويدي. لكنّ الكاتب يقول: يبدو أنّ إسناد التراجع هذا عن التنافس القديم إلى حسابات السياسة الواقعية في دبي، أو كرم الشيخ زايد الشخصي، أمرٌ مفرط في التبسيط وهو يوحي بأنّ قرار الاتحاد اتّخذته لندن وفرضته عليه، ذلك أنّه مدين لها بترؤس أبو ظبي، وهو ما يشرح سبب إبعادها الشيخ شخبوط. كما لاحظ المندوب السامي البريطاني أنّ البحرين وقطر لم ترغبا أبداً بوجود اتحاد شامل واحد؛ لقد كانتا تلعبان لعبة «بعدك» after you العربية، وفق تعبير الكاتب، وكانتا مهتمّتان فقط بتفادي تحمّل مسؤولية تفكّك اتّحاد التسع.
في اليوم التالي، تشكّلت دولة الإمارات العربية المتحدة وأُعلنت في دبي. انتخب الحكّام الستة، زايد حاكم أبوظبي رئيساً لهم، وأعقب ذلك توقيع معاهدة الصداقة مع المندوب السامي البريطاني.

مشكلة رأس الخيمة والطنبين
في ما يخصّ بقاء رأس الخيمة خارج الاتحاد عند إعلانه، يرى الكاتب أنّ بريطانيا مارست دوراً مزدوجاً على نحو غريب في هذه الحلقة. فالشيخ صقر بدا حذراً، بينما كان زايد يؤسّس نفسه كزعيم للدول المحمية. إضافة إلى ذلك، شعَر صقر أنّ حاكمَي قطر ودبي استخدماه، خلال الفترة السابقة من المفاوضات حول تشكيل دولة الإمارات العربية المتحدة، كمخلب قطة في أي وقت أرادوا فيه تخريب اتحاد التسعة. كما خشي صقر أيضاً من أنّ أبو ظبي ستستمرّ في تولّي الرئاسة، وألّا تتناوب، وهو ما ثبتت صحته لاحقاً. كذلك، كانت القوة المحدودة نسبياً للمجلس الأعلى الذي يتألّف من حكّام إمارات الاتحاد مصدراً لعدم رضاه. ورأى الشيخ صقر أيضاً أنّ بريطانيا لا تقدّم الدعم الكافي لرأس الخيمة في مطالبتها الإقليمية بخصوص جزيرتي طنب الكبرى والصغرى، ذلك أنها، وعلى عكس الشارقة التي وافقت على احتلال إيران لجزء من أبو موسى، كانت تحتفظ بموقف أشدّ من النزاع الحدودي يغذّيه أمل العثور على النفط هناك.

في 15 تموز تمّ توقيع اتفاقية راشد وزايد رسمياً ولأنّ محتواها كان حسّاساً للغاية تمّ إنشاء نسخة أصلية واحدة فقط

رفض الشيخ صقر الانضمام إلى الإمارات وسعى إلى الاستقلال، ومن الطبيعي أنّ أول وجهة اتصال بالخصوص كان بريطانيا التي لم تنظر بجدية في طلبه للموافقة على الاستقلال. لكنّ الملف الذي من المرجّح أن يحوي الأوراق الرئيسة في الأرشيف الوطني البريطاني المتعلّقة بتفاصيل هذه المفاوضات لا يزال سرياً، مع ذلك فقد وجد وثيقة تشير إلى ترتيبٍ تمّ التوصّل إليه بين إيران وبريطانيا. ففي برقية مرسلة من وزارة الخارجية إلى البحرين في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، يحدّد مسؤولٌ في وزارة الخارجية يدعى غودبر (godber) جدولَين زمنيَين بشأن التفاوض مع رأس الخيمة في الفترة ما بين 25 تشرين الثاني/ نوفمبر و1 كانون الأول/ يناير. في كلا السيناريوَين، من المقرّر أن يلتقي (PA) الذي يُفترض أنه يشير إلى الوكيل السياسي في دبي، جوليان ووكر، حاكم رأس الخيمة في 28 تشرين الأول/ أكتوبر، ويعطيه تاريخ «يوم إل للطنبين» L Day on Tunbs، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو اليوم الذي استولت فيه القوات الإيرانية فعلياً على الجزيرة، قبل رحيل القوات البريطانية مباشرة في اليوم التالي. تشير البرقية إلى فقرات في رسائل رسمية مجهولة المحتوى، لكنّ الكاتب لم يتمكّن من العثور على أيّ منهما في المجلّد ذاته. تمّت إزالة بعض المستندات الأخرى التي يُعتقد أنّها مضمّنة في الأصل في المجلّد. ليس من الواضح ما إذا كان ووكر قد أخبر الشيخ صقر، في يوم 28 تشرين الثاني/ نوفمبر بـ«يوم L»، لكنّ برقية لاحقة تسجّل أنّه بحلول 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، كان ووكر قد أجرى بعض المحادثات مع صقر، الذي كان يتردّد حتى في مناقشة مسألة الطنبين. الأدلة المقيّدة المتاحة، لا تكشف عن الصورة الكاملة لما تمّ التفاوض عليه بين إيران وبريطانيا، لكن ثمّة ما يكفي من الدلائل على أنّ لندن لم تكن فقط تعرف «يوم إل»، وإنّما أيضاً أنّ إيران كانت ستسيطر على الجزيرتين في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر.
في 25 كانون الثاني/ يناير، قُتل حاكم الشارقة في انقلاب فاشل قاده الحاكم السابق، الذي تمّ إقصاؤه من السلطة في عام 1965. تمّ احتواء الانقلاب بعد معركة خلّفت خمسة قتلى وسبعة جرحى. انتخبت العائلة الحاكمة الشيخ سلطان بن محمد، شقيق المغدور، حاكماً جديداً بالإجماع. العملية قام بها ضبّاط بريطانيون سابقون. كان ووكر مقتنعاً بأنّ الشيخ صقر حاكم رأس الخيمة، شارك في محاولة الانقلاب من خلف الكواليس.

انقلاب بريطانيا على الشيخ صقر وأسبابه
في الوقت نفسه، استاءت بريطانيا من تحرّكات الشيخ صقر من الشارقة، وعبّر طمسن عن موقف بلاده بالقول: «علينا أن ننظر بشكل عاجل في كيفية التعامل مع صقر». تبقى الوثائق، التي يبدو أنّها تسجّل مزيداً من التفاصيل حول الانقلاب، سرية، لكنّ الأدلة المتوفّرة تشير إلى أنّ الشيخ صقر قد تمّت إزالته بسهولة من السلطة، عندما كانت بريطانيا على وشك أن تقوم بذلك. في وقت لاحق، أكّد غلين بلفور بول (Glen Balfour-Paul)، الذي كان الوكيل السياسي في دبي، أنّ بريطانيا شجّعت الانقلاب على الشيخ صقر، وتبقى التفاصيل بانتظار الإفراج عن الوثائق السرية.

الموقف الإيراني من الاتحاد والاتفاق حول البحرين والجزر الثلاث
كان الانسحاب البريطاني في مرحلته الأخيرة. وفي 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، أي قبل يوم واحد من انتهاء الحكم البريطاني في الدول الخمس المحمية المتبقية، أُنزلت القوات الإيرانية في أبو موسى والطنبين. ومع ذلك، فإنّ الاشتباك العسكري الذي تلى ذلك، كان يشتبه في أنّه عرض مسرحي ليس غير. كان الاستيلاء على أبو موسى قد تمّ الاتفاق عليه بالفعل مع حاكم الشارقة، والقوات البريطانية لم تكن ترغب بحماية الطنبين ليوم واحد فقط. بعد «مناوشات» أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود إيرانيين وأحد رجال شرطة رأس الخيمة، استولت القوات الإيرانية على الجزر. بهذه الطريقة، أمكن للشاه أن يحوّل غضب الرأي العام العربي تجاه عدم كفاءة القوات البريطانية.
قد يجادل البعض بأنّ بريطانيا دخلت في مساومة مع الشاه ليقبل باستقلال البحرين (بشرط إجراء استفتاء لم يجرِ أصلاً، لأنّ حاكم الجزيرة كان يرعبه سؤال الشعب كما بيّنت الوثائق ذات الصلة، مقابل سيادة إيران على الجزر الثلاث، وردّ الفعل البريطاني غير المتحمّس يشير إلى أنّ التصرّف الإيراني لم يكن غير متوقع). بالطبع، لم توافق بريطانيا علناً على الاستيلاء الإيراني على الجزر، لكنّ الظروف أثارت الشكوك في وجود نوعٍ من التفاهم المتبادل قبل تحرّك الأخيرة.
انقلاب بريطاني على شخبوط وأسبابه
في العام التالي، حدث انقلابٌ في أبو ظبي. كان الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حاكم أبو ظبي، منذ ما يقارب 40 عاماً، أي منذ عام 1928، عندما كان في أوائل العشرينات من عمره. كانت هناك تقويمات مختلفة عنه، حيث تذكَّره أحد الدبلوماسيين البريطانيين بأنه رجل يتمتّع بعقل يصعب اختراقه وشخصية ذات سحر كبير عند التعامل مع أيّ مسألة أخرى غير الأعمال.
كان شخبوط لا يشعر بالارتياح بشأن التفاوض مع الشركات الغربية التي تنطوي على توقيع العقود وتحديد تخوم الأراضي. كان غير مرتاح أيضاً، لأنّ أمل الثروة كان يجذب مجموعة جديدة من الغرباء (الغربيين) إلى البلاد. وفق التقارير المحلية الأخيرة المنسوبة إلى العائلة الحاكمة الحالية، بدا شخبوط لمحاوريه الإنكليز قلقاً. على وجه العموم، يمكن تذكّره في مثل هذه الحسابات باعتباره تقليدياً، وفي الوقت نفسه يمكن القول أيضاً إنّه من الممكن أن تكون لديه نظرة متعاطفة معه كزعيم بدوي، يمثّل عدم الارتياح المحلّي إزاء الأنموذج الغربي للتحديث. في الواقع، فإنّ إحدى الوثائق البريطانية القديمة التي صدرت على ما يبدو قبل عام 1947، صوّرته في ضوءٍ أكثر تفضيلاً، وأشارت إلى أنّه «يتّسم بالعقلانية والوضوح ويتناقض شخصه بذلك مع إخوانه البداة سريعي الانفعال».
في كل الأحوال، بحلول منتصف الستينيات، اعتُبر شخبوط عائقاً أمام سياسات بريطانيا في المشيخة، وأصبحت محبطة بحلول عام 1966 من أنّه قد تمكّن من إلغاء أو تأجيل أو عرقلة كلّ مشاريع الاستثمار التي قدّمها له مستشاروه، ويعتقد أنّه عازم على فصل أبو ظبي عن بقية الولايات المتصالحة. وبعد ذلك، في 6 آب/ أغسطس، تمّ خلعه وتعيين شقيقه الأصغر زايد بن سلطان آل نهيان حاكماً لأبو ظبي.

اتفاقية واحة البريمي السرية بين أبو ظبي والسعودية
رفضت المملكة السعودية الاعتراف بوضع دولة الاتحاد السيادي، بسبب النزاع مع أبو ظبي وسلطنة عمان، حول واحة البريمي الذي بدأ في عام 1952. يؤكّد أحد الباحثين، أنّ المملكة السعودية تخلّت عن مطالبتها لمنطقة البريمي ضمن اتفاق سري بينها وبين أبو ظبي، مقابل تلقّي «ممرّ إلى الخليج بين قطر وأبو ظبي عبر منطقة خور العديد، ومعظم الأراضي التي تغطّي حقل النفط الشيبة/ زرارة». يحوي اتفاق عام 1974، بعض العناصر المثيرة، ومنها أنّه سلّم إلى السعودية جزءاً كبيراً من منطقة جنوب البريمي، التي كانت تعتبر من أراضي عمان. على الرغم من أنّ عمان كانت تخوض حرباً في ظفار في ذلك الوقت، وبالتالي كان هناك قدر من عدم اليقين في ما يتعلق بمستقبل النظام المحلّي، إلا أنّه ليس من الواضح تماماً لماذا قرّر زايد التوقيع على اتفاقية انتهكت على نحو واضح سيادة أراضي عُمان. أيضاً، هناك مسألة التصديق على الاتفاقية، إذ يلاحظ أنّه لم يتم ذلك في تناقض مع المادة 9، وأنّها ستدخل حيّز التنفيذ «فور التوقيع عليها». بعد عقدين، تمّ وضع علامة استفهام أخرى حول التاريخ المحيّر لاتفاق عام 1974. ففي عام 1993، سجّلت المملكة السعودية الاتفاق في الأمم المتحدة. إنّ النيّة السعودية وراء الإعلان عن هذا «الاتفاق السري» غير واضحة، لكنّها تعني أنّ النزاع يمكن أن يُثار مرة أخرى، إذا أرادت السعودية القيام بذلك في المستقبل.
المؤلَّف يحوي كثيراً من التفاصيل الأخرى التي أُجبرنا على المرور عليها بكلمات، بسبب المساحة المحدودة الممنوحة لهذا العرض. ونوصي القارئ بالعودة إليه، وربما تسنح فرصة لترجمته إلى العربية، ليعرف أبناء المشيخات حقيقة حكّامهم، ومدى خضوعهم بمحض إرادتهم لأسيادهم في لندن وواشنطن وتل أبيب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 473 / 2184490

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2184490 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40