الأحد 16 آب (أغسطس) 2020

العرب يبيعون القضية الفلسطينية بخدعة السلام مقابل السلام

بقلم:يعقوب بن محمد بن غنيم الرحبي
الأحد 16 آب (أغسطس) 2020

تعتبر القضية الفلسطينية القضية المركزية في الصراع العربي الإسرائيلي وهي السبب الرئيسي والمحوري في أزمة المنطقة والعالم وتوتراته، وبالرغم من أن هذا النزاع يحدث ضمن منطقة جغرافية صغيرة إلا إنه يحظى باهتمام سياسي وإعلامي كبير نظرًا لتورط عدد من الأطراف الدولية فيه وغالبًا ما تكون الدول العظمى كأمريكا والمملكة المتحدة، نظرًا لتمركز هذا النزاع في منطقة حساسة من العالم وارتباطه بقضايا إشكالية تشكل ذروة أزمات العالم المعاصر مثل الصراع بين الشرق والغرب، علاقة الأديان، الإسلام والمسيحية واليهودية فيما بينها وأهمية النفط العربي للدول الغربية، والموقع المهم في قلب الوطن العربي .
على أية حال إن الذي يهمني في هذه القضية بأنها من أقدم القضايا الدولية وهي ليست قضية فلسطينية إسرائيلية أو يهودية مسلمة ومسيحية، إنما قضية عربية إسرائيلية من الدرجة الأولى و منذ أن بدأت كانت أهم ملفات العرب عندما كان العرب عربًا، كانت قضيتهم حاضرة وبقوة في كل اجتماعاتهم وعلى رأس قضاياهم وكانت هاجس الأمة الأكبر في قلبها ووجدانها وكانت شعارهم الوحيد في خطبهم ومحاضراتهم وندواتهم وعلى منابرهم، وكانت هذه القضية تأخذ حيزًا كبيرًا في المناهج التي تدرس في المدارس بالدول العربية، بأن هناك لنا قضية مركزية ومحورية تكمن في أرض مغتصبة وشعب مشرد ومقدسات تدنس وثروات تنهب، هذا هو المبدأ الذي تربينا وعشنا عليه وكانت ألسنتنا لا تتوقف عن الإنشاد ” فلسطينُ داري.. ودربُ انتصاري.. تظلُّ بلادي.. هوىً في فؤادي.. ولحنًا أبيا.. على شفتيا .. وجوهٌ غربية.. بأرضي السليبة.. تبيعُ ثماري.. وتحتلُ داري.. وأعرفُ دربي.. إلى دفءُ مهدي.. ويرجعُ شعبي، إلى بيت جدي.. فلسطينُ داري.. ودربُ انتصاري” كلمات كانت تغرس فينا الشعور بقضايا أُمتنا العربية وكم كان ذلك النشيد الجميل حاضرًا الذي كنا دائمًا نردده ويسمعه البعيد قبل القريب عندما نغادر المدرسة ننشد ” بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّامِ لبغدانِ،، ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ إلى مِصر فتطوانِ،، فلا أحدٌّ يباعدُنا ولا دينٌ يفرّقنا،، لسان الضَّاد يجمعُنا.. بغسانٍ وعدنانِ، بلادُ العُربِ أوطاني.. من الشّامِ لبغدانِ،، ومن نجدٍ إلى يمنٍ.. إلى مصر فتطوانِ،، لنا مدنيّةُ سَلفَتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ،، ولو في وجهنا وقفتْ.. دهاةُ الإنسِ والجانِ،، بلادُ العُربِ أوطاني.. من الشّامِ لبغدانِ،، ومن نجدٍ إلى يمنٍ.. إلى مصر فتطوانِ” لما كانت هذه شعاراتنا التي تُعبر عن وحدتنا، كنا أقوياء ولكن للأسف الشديد تغيرت الأحوال حتى أصبحنا فقط نذكر فلسطين على استحياء في الدعاء آخر خطبة الجمعة، “اللهم حرر بيت المقدس من أيدي اليهود”، ظل هذا الدعاء ما يقارب أكثر من نصف قرن من الزمن فالمسلمون العرب يتضرعون بالدعاء ويزدادوا تقوقع وتخلف وضعف وتشرذم، وإسرائيل تتقوى وتتوسع، ثم وصل بنا الحال إلى أن يُمنع هذا الدعاء في كثير من الدول العربية حتى أصبحنا نتآمر على القضية الفلسطينية ونبيعها ونعمل مع إسرائيل خلف الكواليس حتى ظهرنا على الملأ نقترب من إسرائيل ونتعامل معها ونُسّلم هذه القضية إلى الإدارة الأمريكية التي لم تكن يوماً من الأيام وسيطًا نزيهًا أبدا، بل كانت ولا زالت على مرأى العرب تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن لتنقض أي قرار يدين إسرائيل في عملية التوسع والاستيطان، والقمع والإذلال للشعب الفلسطيني، أومجرد فقط ينتقدها، ولكن الرؤساء العرب وحكامهم لا زالوا يركعون ويسجدون ويسبحون لأمريكا وليس لله، وهي أحوج ما تكون إليهم أكثر من حاجتها إلى إسرائيل.
فكانت أمريكا تُحدد وتحد من التسلح العربي وتقضي عليه، وفي المقابل تسمح لإسرائيل بأن تمتلك ترسانة من أرقى الأسلحة الفتاكة والمفاعلات النووية وأسلحة الدمار الشامل، وإذا نهضت أي دولة عربية وتسلحت ورأت أمريكا بأن هذا التسلح يهدد أمن إسرائيل في المنطقة تقضي على هذه الدولة وتفككها شرقًا وغربًا بل وتمسح بها الأرض، كما إنها تشترط على العرب في حالة رغبتهم في شراء أسلحة بأن لا تستخدم ضد إسرائيل، والعرب لا زالوا في نوم عميق ويجرون خلف أمريكا التي تقضي على قوتهم وتنهب ثرواتهم وتساند عدوهم.
اليوم إسرائيل في نظر الكثير من العرب ليست عدوًا إنما صديق حميم ويجب أن يكون لها مكان لتشاركهم وتنخرط معهم في الاقتصاد والسياسة، فوعد بلفور لم يحققه الصهاينة بأنفسهم إنما بعون ومساندة من بعض حكام العرب وعلى رأسهم بعض حكام الخليج الذين اليوم يوقعون اتفاقية تطبيع وتعاون مع إسرائيل بشعار السلام مقابل السلام وليس الأرض مقابل السلام، هذا الشعار اختفى اليوم، لأنهم للأسف يريدون من إسرائيل أن تحميهم من بعضهم البعض، أعلن نتنياهو بالأمس في وجه حكام العرب الذين خانوا شعوبهم وخذلوهم عندما تحث عن توقيع التطبيع والتعاون، بأنه لا يمكن أن يتنازل عن شبر من الأراضي التى تحتلها اسرائيل واعلن أمس صراحة بأنه كسب أكبر سفقة مع العرب بسلام وبقوة ايضا في نفس الوقت ودون أي مقابل، لم يعترف ننتنياهو بحق الفلسطينين لإقامة دولتهم على أرضهم ،أو العودة الى ما بعد عام 1967، أما مسئلة التطبيع مقابل ايقاف ضم أراضي فلسطينية جديدة ، فهو شعار رفعه الجانب الثاني ليكون شماعة يعلق عليها مبرراته لهذا الاتفاق، والبيت الأبيض أعلن على لسان ترامب وكوشن بأن هذا الوقيع يعتبر يوم تاريخي في الشرق الأوسط وهو مكسب للمسليمن ليتمكنوا من أداء الصلاة بالقدس ويدعوا الجميع ليحذوا حذوهم في توقيع مثل هذا الإتفاق، وهو في الحقيقة ليس مكسب للعرب بل مكسب لهم لأنهم فعلوا وحققوا ما لم يحققه من كان قبلهم>
وهذا لاشك سيكون مكسب لإنتخابانهم القادمة ،وهوعار على جبين العرب ، بمثل هذه التصريحات أمريكا تستفز الشعوب العربية والأسلامية الميته التى لا ضمير لها ، ما يجري في المنطقة من أحداث هو ما كنا نخشاه منذ فترة ، وهم للأسف يعرفون نوايا إسرائيل وأمريكا التي تريد أن تسيطر عليهم وتذلهم وتنهب ثرواتهم، استطاعت كل من أمريكا وروسيا التي أيضًا دخلت على الخط أن يلعبا بالمنطقة من خلال التدخلات وإثارة القلاقل والحروب لتشغلهم عن قضيتهم، فأصبحت الدول العربية ساحة تنافس بينهما وهي كلها صراع تنافس وتهافت على النفط العربي، فتركَ العرب القضية الفلسطينية للفلسطينيين يقرروا مصيرهم بأنفسهم أمام وحشين من الوحوش المتطرفة أمريكا وإسرائيل من جهة، والغرب من جهة أخرى، وفي نظري لا أرى جدوى من وجود جامعة الدول العربية التي أصبحت تلفظ أنفاسها الأخيرة وهى لا شك ميتة سريريًا في هذا التخاذل العربي المرير، ولا من مجلس التعاون الخليجي، السياسة التي كانت تلعبها أمريكا ودول الغرب وتسعى إلى تحقيقها هي سياسة تفكك الدول العربية وتوسع وتمكين إسرائيل على أرض العرب، هذه السياسة نجحت بكل ما تعنيه الكلمة، وليس هذا فحسب بل بأموال عربية.
وأثناء ما كان العرب يغضون أطرافهم عن جرائم إسرائيل ويبيعون القضية الفلسطينية كان هناك آخرون يعترفون بهذه القضية، فعلى سبيل المثال ما أشار إليه الكاتب الياباني/ نوبواكي نوتوهارا الأستاذ الأكاديمي بجامعة طوكيو معبرًا عن وجهة نظر اليابانيين عن القضية الفلسطينية، يقول: في أحد زياراتي إلى سورية أخذني أحد الأصدقاء إلى مخيم اللاجئين الفلسطينيين فقادني إلى مخيم اليرموك وهناك زرنا بيتًا فلسطينيًا، على أطراف المخيم لاحظت أن البيت مسقوف بمواد خفيفة غير ثابتة استغربت الأمر وسألت صاحب البيت فقال لي: هذا بيت مؤقت بيتي الحقيقي هناك في فلسطين نحن نسكن هنا بصورة مؤقتة وسنعود إلى ديارنا عاجلاً أم آجل، وإذا وضعنا سقفًا بشكل كامل فهذا يعني إننا تنازلنا عن حق العودة، كان عند الرجل شيء نفيس ليريني إياه، غاب قليلاً في غرفة داخلية ثم عاد ومعه مفتاح بيته في فلسطين وقال وهو يعرضه أمامي كلنا نحتفظ بمفاتيح بيوتنا، نحن هنا بصورة مؤقتة، انظروا إلى أي حد يتمسك الفلسطيني بوطنه في قلبه وفي أعماق روحه .
ثم يضيف قائلاً هذا الكاتب الياباني :هناك جرائم لا نتحمل مسؤوليتها مباشرةً أي لم نشارك فيها، ولكن لا بد أن نتحمل مسؤوليتها، إنني أعتقد أن البشر جميعًا مسؤولون عن أي جريمة تحدث على كوكبنا، لذلك فالعالم كله مسؤول عن الجريمة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، فالمسألة ببساطة شديدة هي أن مجموعة بشرية جاءت من خارج فلسطين، واستوطنت بقوة السلاح ثم شردت شعبًا واغتصبت أرضه وثقافته وتاريخه، فالقضية الفلسطينية خطأ ارتكبه العالم وما زال يتفرج عليه دون أن يعمل جديًا على حله، ويرى هذا الكاتب بأن الموقف من القضية الفلسطينية مرتبط بمسألتين جوهريتين هما: العدالة ووعي المسؤولية ويقول: من فكرة العدالة ووعي المسؤولية كونت موقفي من القضية الفلسطينية وغيرها
من القضايا في العالم الثالث والعالم المتقدم صناعيًا، الأمر بالنسبة لي ليس معاداة لأحد أو تعصبًا لأحد لأنني لستُ ضد حق اليهود في الحياة الكريمة، فهذا هو حق البشر جميعًا، لكن دون أن يكون هذا الحق على حساب شعب آخر، إن حل مشكلة ما، أو تجاوز جريمة ما، لا يكون بإيجاد مشكلة جديدة أو ارتكاب جريمة جديدة، الجريمة امتحان كبير لعدالة البشر، ولوعيهم لمسؤوليتهم، وامتحان للكرامة والشرف والضمير في وقت واحد، ثم يضيف قائلاً: نحن في اليابان عرفنا القضية الفلسطينية عن طريق الغرب، بعدئذ فهمنا أن علينا أن نبحث عن الحقائق من مصدرها بأنفسنا)) هكذا يشير هذا الكاتب بأن الأعلام الغربي والأمريكي يلعب دورًا كبيرًا في تشويه الحقائق وطمسها حتى أحاطت ضوضاء كبيرة بالقضية الفلسطينية، التي للأسف تخلى عنها العرب اليوم وبقي الإنسان الفلسطيني متمسكًا بقضيته.
وفي نفس الوقت استطاعت أمريكا أن توهم بعض الدول بالمنطقة بأن إسرائيل ليست هي عدوهم الحقيقي إنما إيران هي العدو الحقيقي، وللأسف الشديد نجحت أمريكا بأن جعلت العرب يتخلوا عن هذه القضية وعن الشعب الفلسطيني واقتربوا من إسرائيل بأوامر وتوجيهات أمريكية، وأنا هنا لست مدافعًا عن إيران ومخططاتها وسياستها في المنطقة ولكن من الذي مكن إيران في التوسع بالمنطقة؟ أليس بعض حكام العرب بأنفسهم وسياستهم العوجاء، كما علينا أن نعترف حقيقة ولا نكابر بأننا مدينين لإيران التي هي في الخط الأمامي للدفاع عن قضايا العرب وهي صمام أمان، وبقية القوة الوحيدة في المنطقة التي استطاعت أن تقف في وجه أمريكا وإسرائيل ولو لم تكن القوة الإيرانية والسياسة الثورية لما لزمت إسرائيل حدودها على لبنان وسورية وفلسطين، ولما استطاعت المقاومة أن تصمد على هذه الجبهات وتلقن إسرائيل على الميدان درسًا لن تنساه، إذا كانت هذه مواقف إيران وبهذه القوة والإمكانيات، لماذا العرب لم يقتربوا منها لبناء علاقات اقتصادية وسياسية وتعاون مشترك، أليس الأفضل من العداوة والمواجهة، وهم اضعف من أن يواجهوا إيران عسكريًا.
الآن العرب يرتكبون نفس الخطأ والحماقة في التآمر على إيران كما تآمروا على العراق التي دمرت قوتها العسكرية والاقتصادية والبشرية. وتبقى إسرائيل هي القوة الكبيرة في المنطقة وستتحقق كل المخططات والمؤامرات وعلى العرب السلام. وفي واقع الأمر مهما حاولت أمريكا وإسرائيل تحقيق ذلك، إلا أن العالم لن ينعم بالسلام والوئام ما لم تكن هناك عدالة ولن تستسلم الشعوب العربية إلا بإعادة حقوقها كاملة.
سلطنة عمان



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 2016 / 2184583

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184583 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40