السبت 9 أيار (مايو) 2020

إعادة اكتشاف المارد الصيني الصاعد في هذه المرحلة

محمد عبد الحكم دياب
السبت 9 أيار (مايو) 2020

يبدو أن مهمة تهيئة المسرح الدولي لتقبل ضربة موجعة للصين تعطلت، وكان محللون وخبراء استراتيجيون؛ مدنيون وعسكريون قد تكهنوا بالمهمة التي كانت سببا في وصول دونالد ترامب ودفعت به إلى البيت الأبيض، وها هي فترة رئاسته الأولى توشك على الانقضاء؛ وما زالت تغريداته المُحرضة تنهمر على رأس الصين كالسيل العرم، ومنذ دخوله البيت الأبيض وقوى اليمين الأمريكي والغربي والدولي، وأرباب المال وأباطرة النفط والسلاح في انتظار ضربته الاستباقية؛ لكن جاءت جائحة كوفيد ـ 19، وأسباب أخرى؛ كالأزمة المالية والاقتصادية المترتبة عليها ففوتت الفرصة عليهم، فوقفوا مشدوهين أمام الصين وتهديدها لهم ومنافستهم على عرش العالم، وتغريدات ترامب مستمرة منذ ما قبل تنصيبه رسميا، وسبق له هو وتابعه بومبيو ووصفا الجائحة بـ«الفيروس الصيني».
وفي واحدة من تغريداته؛ قبيل اسبوعين من دخول البيت الأبيض (كانون الأول/ديسمبر 2016)، تهجم على الصين، لعدم استئذانها، وأخذ رأي واشنطن إن كان عليها خفض قيمة عملتها (اليوان) أم لا؟، أو طلب السماح بإقامة مجمعها العسكري الضخم؟ أو الحصول على تصريح بالسباحة في بحر الصين الجنوبي؟، ويبدو أنه تصور إن الصين، ذلك البلد الضخم والمتقدم جمهورية موز، حتى لو كانت كذلك لأُجبِر على مسلك سياسي وقانوني آخر، وأكثر الناخبين، يقفون له بالمرصاد. وبالقطع لم ينس الأزمة الدبلوماسية التي صنعها وهو على أعتاب البيت الأبيض (تشرين الثاني/نوفمبر 2016)؛ لاتصاله المباشر برئيسة تايوان، وتقديم الصين احتجاج شديد اللهجة على استفزازه.
والتدخل في شؤون الصين الداخلية والخارجية والعمل على عزلها لم يتوقف، والضغط استمر عليها لرفع قيمة عملتها، كي لا تكون لصادراتها الأفضلية على المنتجات الأمريكية، وهذه أوجه حرب ضارية وشاملة ومعلنة على أكثر من جبهة، ويأتي الاهتمام بالصين في هذه المرحلة من تاريخ العالم؛ رغم بعدها النسبي عن «القارة العربية»، ولها حضورها الهادئ والدائم، وعلاقتها تاريخية، ونمت حديثا بمصر عام 1955، حين اعترفت بها، ومكنتها من التعبير عن الصين بحجمها الحقيقي وفقدت جزيرة فورموزا (تايوان) وكانت معروفة بـ«الصين الوطنية» مقعدها في مجلس الأمن، وانتقل لبكين حق النقض (الفيتو)، وشغلت مكانها وسط الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
ولّم تنل الصين اهتمام الباحثين والمثقفين العرب والمسلمين بدرجة كافية، تتناسب مع دولة بهذا الحجم والتأثير، ومتميزة وعريقة وتعايش فيها قوميات وجماعات عرقية ودينية وثقافية متنوعة، وصلت إلى 56 قومية معترف بها رسميا، وتحتل مساحة 9.6 مليون كيلو متر مربع، وتشغل 15٪ من اليابسة، وحجمها يتساوى بالقارة الأوروبية. وتسليط الضوء عليها مهم؛ من أجل إعادة اكتشافها والتفاعل معها؛ دون إفراط أو تفريط، وليسمح القارئ الكريم بالاستعانة بالأرقام؛ رغم ما فيها من ملل يتسرب لنفوس البعض؛ لكنها ضرورية لتوضيح الصورة الأقرب إلى الحقيقة.
فعدد السكان من واقع الأرقام الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء عام 2010؛ كان نحو مليار و333 مليون نسمة؛ أغلبهم ينتمون لقومية الهان، وتبلغ نحو مليار و220 مليون نسمة، ونسبتها 91.6٪، والباقي 8.4٪؛ وعددها 120 مليون نسمة؛ منهم نحو 23 مليون مسلم؛ تجمعهم 10 قوميات تمثل 1.7٪ من السكان، وأكبر قومياتها الهوي، وعددها 10586087 نسمة، وتمثل 0.8٪، والأويغور 10069346 نسمة، ونسبتها 0.8٪، والقازاق 1462588، وتمثل 0.1٪، وباقي القوميات أقل من 0.1٪، وهم شيانغ 621500، والقرغيز 186708، وسالار 130607، والطاجيك 51069، والأوزبك 10569، وبونان 20074، وأقلهم عددا التتار 3556 نسمة.

ويحمل الصيني هوية تبين الانتماء العرقي، والنوع (ذكر/ أنثى) وتاريخ ومكان الميلاد. ويستند الانتماء العرقي إلى انتماء الوالد أو الوالدة، فإذا كان الأب والأم من قومية واحدة ينتمي الطفل لنفس القومية، أما إذا كانا ينتميان لقوميتين مختلفتين، يتم تحديد الانتماء العرقي حسب انتماء أي منهما، وعندما يبلغ الثامنة عشرة يمنح حق اختيار انتمائه بنفسه، وإذا ما أتم العشرين لا يحق له تغيير انتمائه العرقي مرة أخرى، ولا يمكن لشخص تغيير هذا الانتماء بإرادته بعد تثبيته رسميا.
ولمسلمي الصين ثقافتهم الخاصة، وهي نتاج تفاعل التقاليد الإسلامية المشتركة بالعلاقات الإنسانية والاجتماعية، التي راكمتها تحوّلات وتطورات على الأرض، وأضحى المسلمون الصينيون جزءًا من النسيج الوطني والقومي، ونمت الثقافة الإسلامية في بيئة صينية حاضنة، وسلط كتاب «الإسلام والمسلمون في الصين» الضوء على الجماعات والطوائف والمذاهب الإسلامية الصينية، وظروف نشأتها، وعوامل استمرارها وتأثيرها، وتأرجح العلاقات بين الثقافتين الإسلامية والشيوعية، فمرت بجزر ومد، وانتقلت من التوتر إلى التكيف والمشاركة، وهناك مؤسسات إسلامية تقليدية؛ حصرت دورها في المسجد والتصوف والتعليم الديني، لكن الاختراق الوهابي والسلفي الجهادي والتكفيري أربك العلاقات الإسلامية الإسلامية، وانعكس على العلاقة بالدولة الصينية.
واستمر التأثير العربي الإسلامي ملحوظا في الحياة الصينية قديما وحديثا، وأستفادت الحضارة الصينية من العلوم العربية والإسلامية في الرياضيات والفلك والطب. وشاعت فيها حكايات شعبية عربية وفارسية؛ مثل حكايات جحا وعلى بابا وألف ليلة وليلة، بجانب أثر التبادل الثقافي والإنتاج التلفزيوني والمسرحي، وما يقوم به الإعلام الصيني في البلاد العربية.
وثَمَّ ن موقع «الصين اليوم» الناطق باللغة العربية في آذار/مارس الماضي (2020) دور المسلمين الصينيين والأجانب، وهم يطبقون تعاليم دينهم؛ حسب ما نشر الموقع، وهم يواجهون فيروس كورونا المستجد، واسترشد الموقع بحديث نبوي يقول: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها»، وتثَمين جهود المنظمات والروابط الإسلامية، ومساعداتها وتغطية احتياجات المواطنين والمستشفيات في مناطق الوباء، وتوزيعها لأعداد كبيرة من الكمامات والملابس الواقية والمستلزمات الطبية، وأشار الموقع إلى تصدر قوائم المسلمين وشركاتهم في أنحاء الصين لبيانات توزيع الكمامات والسوائل المطهرة دون تفرقة، ومع إغلاق المطاعم والمتاجر، وتعذر الحصول على الطعام؛ خاصة للأطباء وأطقم التمريض بادرت هذه المنظمات والروابط بتوصيل الوجبات للشرطة في مواقعها، ومنهم من تعهدت بتقديم آلاف الوجبات السريعة يوميا.
وتنامى الدور السلبي لتنظيمات وجماعات طائفية ومذهبية، وأثر على إقليم الإيغور، وذلك ليس جديدا، وقد بدأ فور انهيار الاتحاد السوفييتي، وتنامى بالطموح التركي بالتمدد شرقاً في آسيا الوسطى، ودعم الويغور، وتَشَكَّل أول «مجلس وطني» ويغوري في إسطنبول عام 1992، وزاد الوجود المسلح في محيط جمهورية الصين الشعبية من التوتر، خاصة بعد إعلان «تنظيم القاعدة» عن خطته لضم تركمانستان الشرقية (شنجيانغ) لـ«الخلافة الإسلامية»(!!).
ومع ذلك تكشف الأيام طبيعة العلاقات العربية الإسلامية بالصين، ورسوخها عبر التاريخ. وفي «المؤتمر الدولي عن تاريخ العلاقات بين العالم الإسلامي والصين» عام 2019 أعلنت سفيرة جمهورية الصين الشعبية في سلطنة عُمَان إن العلاقات بين الصين وعمان تمتد إلى اكثر من 1000 عام، وأشارت لوجود قرية صينية جميع سكانها من أصول عمانية.. والصين التي باتت مرشحة للقيادة العالمية، تعد ثاني أكبر قوة الاقتصادية عالمية. وتنشط الدبلوماسية الصينية على المستويين الإقليمي والعالمي، وتعمل على تعزيز الدور الصيني، خصوصاً أنها بلا تاريخ استعماري مع «القارة العربية»، وهذا يفتح آفاقاً للتعاون، واعتماد الصين على ثنائية: الاحترام المتبادل لسيادة الدولة الوطنية ووحدة أراضيها، والتعامل على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة. وتملك الصين المؤهلات اللازمة لتصبح المُنافس القوي للولايات المتحدة الأمريكية بحلول عام 2025، عدا أنها مرشحة لدور يفوق الدور الأوروبي خلال السنوات القادمة، وهناك حرص ملحوظ على تقوية العلاقات ودفعها لتحقيق المصالح والتعاون المشترك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2184520

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2184520 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40