الأحد 3 أيار (مايو) 2020

هل ينقذ الرّئيس الصّينيّ نظيره الأمريكيّ ويفوز بالانتخابات؟

وائل عوّاد
الأحد 3 أيار (مايو) 2020

عندما يعلنُ رئيسٌ أمريكيٌّ بأنّ بلاده تتعرّض لهجومٍ، فهذا يعني أنّ الولايات المتّحدة تستعدُّ للحرب، وهذا يتطلّب الردّ، على الأقلّ كلاميّاً، كما يفعل الرّئيس ترامب ضدّ الصّين بعد تعرّض بلاده للإصابة بجائحة فيروس كورونا، وانخفاض شعبيّته داخل الولايات المتّحدة للتّقاعس في التّعامل مع الوباء، وكبحه منذ بداية الانتشار، والحدّ من الإصابات. وممّا زاد الطّين بلّةً هي وصفاته الغريبة التي أثارت حفيظة الشّارع الأمريكيّ، وأدّت إلى طلب المشرفين على حملته الانتخابيّة بالتّخفيف من الظّهور على الشّاشة، والتّقليل من المؤتمرات الصحفيّة المتكرّرة، وتغيير استراتيجيّته لإعادة ثقة النّاخب الأمريكيّ به، والفوز على منافسه مرشّح الحزب الديمقراطيّ – جو بايدن – المعروف بطراوة لسانه وحنكته وقدرته على محاكاة النّاخب الأمريكيّ. ومع أنّ معظم الاستطلاعات تشير إلى احتمالات الفوز للرئيس ترامب بدورةٍ رئاسيّةٍ ثانيةٍ، إلّا أنّ ذلك يتطلّب تغييراً في استراتيجيّته لشنّ الحملة الانتخابيّة خلال حقبة الوباء المتفشّي ؛ ولذا فإنّ الهجوم أفضل وسيلةٍ للدّفاع، خاصّةً وأنّ الشّعب الأمريكيّ لا يثق بالصّين الغريم للهيمنة الأمريكيّة، بغضّ النّظر إن كان ديمقراطيّاً أم جمهوريّا. ولهذا من الآن فصاعداً، سيكون خطاب الرّئيس ترامب عدائيّاً ضدّ الصّين حتّى موعد الانتخابات الأمريكيّة المقبلة في نوفمبر| تشرين الثّاني، وضمان فوزه، وسيأخذ بالتّالي منحىً جديداً للحدّ من النّفوذ الصّينيّ، وتحجيم دور التّنين المتنامي.
ويبدو أنّ فكر المنظّر السّياسيّ الكبير – نيقولا ميكافيلي – في كتابه (الأمير) الذي أصدر في القرن السّادس عشر، والذي يحتفظ به معظم رؤساء العالم، هو مرجعٌ لمعظم قادة العالم في ظلّ نظامٍ سياسيّ عالميّ. لقد برّر ميكافيلي، من منطلق الغاية تبرّر الوسيلة، البراغماتيّة في قضيّة المنفعة السّياسيّة بأشدّ صورها، ودافع عن القسوة والطّغيان ، وأنّ الضّرورة لا تعرف القوانين، ولا مكان للأخلاق عندما تكون مصالح الدّولة هي الأعلى. ولذلك فإنّ العداء مع الصّين هو شرٌّ أقلّ أهميّةً من المصالح الخاصّة والعلاقات التجاريّة والاقتصاديّة وضرورة حماية الأمن القوميّ الأمريكيّ. ومن هنا يمكن تفسير الهجوم المباشر على الصّين لإعادة البوصلة وكسب الرهان في الانتخابات الرئاسيّة.
يستخدم هذه الاستراتيجيّة في المجتمعات الدّيمقراطيّة السّياسيّون للمساومة وتحقيق مكاسب شخصيّةٍ، في حين لا يأبه الزّعماء في الأنظمة الدّكتاتوريّة، ولو كانت سيّئةً، لأنّ الغاية تبرّر الوسيلة، ومن السّذاجة القول بأنّ النّوايا الحسنة يمكن تحقيقها دون اللّجوء إلى التّشكيك بها.
ويدرك الرّئيس الصّينيّ – شي جين بينغ – قلق صديقه ونظيره الأمريكيّ – دونالد ترامب – المتزايد مع قرب موعد الانتخابات الرّئاسيّة، على الرّغم من العلاقات الحميمة بينهما، باعتبار أنّه يصطدم مع القوميّة الأمريكيّة، وسياسة ترامب (أمريكا أوّلاً). وإذا نظرنا إلى العلاقة بين الزّعيمين من فكر ميكافيلي من فكر ميكافيلي نجد أنّ التّقارب السّرّي بين الزّعماء السّياسيّين ضرورةٌ للقيام بأعمالٍ لا أخلاقيّةٍ في عالم السّياسة وفنّ التّسوية والتّصالح والتّقارب في عقد الصفقات السّياسيّة للمنفعة الشّخصية من جيوب الآخرين، والاستعداد للتّنازل لإتمام الصّفقة، باعتبار أنّ الاخلاق هي القواعد للسّلوك الفرديّ، ولا يكترث بعض السّياسيّين للمشاعر الإنسانيّة، خاصّةً من كانوا بالأصل رجال أعمالٍ لديهم الخبرة في فنّ التّسوية وإبرام الصّفقات من جيوب الآخرين.
لقد وضع الرئيس ترامب استراتيجيّته للحرب الكلاميّة مع الصّين، ومن المبكّر الحديثُ فيما إذا كان ذلك ضمن صفقةٍ مع نظيره الصينيّ، وعلينا أن ننتظر إلى مابعد الانتخابات. وتدرك الصّين أهميّة السّوق الأمريكيّ لبضاعتها من بين الدّول الرّئيسيّة التي تعتمد عليها الصّين لتصدير بضائعها مثل الدّول الأوربيّة وأستراليا ونيوزلندة وكندا، وأنّه مهما زادت حدّة التّصعيد، لن تسفر عن نشوب حربٍ بين القوّتين العظمتين، وسوف يستمرّ التّقارب بينهما، وكذلك التّعاون والتّبادل التّجاريّ والثّقافيّ والأمنيّ. ويجادل البعض أنّه يوجد في الولايات المتّحدة قرابة 400000 طالبٍ صينيٍّ يحقّقون دخلاً ماديّاً ضخماً للميزانيّة الأمريكيّة، عدا عن العدد الهائل من السيّاح الصّينيّين للولايات المتّحدة، والذي يتجاوز المليونيّ شخصٍ سنويّاً. بالاضافة إلى أنّ الصّين هي السّوق الضّخم للبضائع الأمريكيّة مع القدرة الشّرائيّة الضّخمة للصّين للمنتجات الأمريكيّة من الصّناعات الثّقيلة والسّيّارات والطّائرات المدنيّة من طراز بوينغ، والتّعاون في مجالات التّكنولوجيا والفضاء، والعديد من الشّركات والبنوك الصّينيّة مرتبطةٌ بشكلٍ مباشرٍ بسوق الأسهم الماليّة الأمريكيّة والشّركات التّجاريّة الضّخمة، كما أنّ الولايات المتّحدة تدين للصّين بأكثر من 1.4 ترليون دولارٍ أمريكيٍّ. ومن المعروف أنّ ثمّة تعاونٌ سياسيٌّ بين البلدين في المحافل الدّوليّة وتنسيقٌ فيما يتعلّق بالعديد من الملفّات الشّائكة، خاصّةً مسألة كوريا الشّماليّة. وبالمقابل، هناك من يقلّل من أهميّة هذا التّقارب ويتذرّع أنّ السّيّاح الصّينيّين لا ينفقون الأموال ولا يملكون القدرة الماليّة الكافية مقارنةً مع دخل الفرد في الولايات المتّحدة، وأنّ الصين بدأت بإنتاج طائراتٍ مدنيّةٍ تنافس الشّركات الأمريكيّة، ولا يوجد جدوى اقتصاديّةٌ للتّعاون بين الطّرفين في مجال الفضاء. وتتّهم الولايات المتّحدة الصّين بسرقة التكنولوجيا منها ومن اليابان وألمانيا. وسبق للولايات المتّحدة إلقاء القبض على العديد من الصّينيّين بتهمة التّجسّس وسرقة التكنولوجيا، وازدادت منذ عام 2013 بعد تسلّم الزّعيم الصيني شي جين بينغ السّلطة في بلاده وانتهاجه مذهباً جديداً أكثر صرامةً ومواجهةً مع الولايات المتّحدة وحلفائها. وازدادت حدّة الخلافات مع الولايات المتّحدة في عهد الرّيس الأمريكيّ ترامب الذي يحاول حماية المصالح القوميّة للولايات المتّحدة، وطالب الرّئيس ترامب الصّين بتعديل الميزان التجاريّ الذي يميل لصالحها، وأجبر بكين على التّوصّل إلى اتّفاقٍ جزئيٍّ لحلّ الخلافات التّجاريّة، وتجنّب التّعريفات الجمركيّة الأمريكيّة على البضائع الصّينيّة، وطلب من بكين الاستثمار في قطّاعاتٍ متعدّدةٍ، ممّا أعاد ثقة الشّعب الأمريكيّ برئيسه نسبيّاً.
لقد أعطت تهديدات الرّئيس الأمريكيّ بمعاقبة الصّين مؤشّراً جديداً لمنحى العلاقات الأمريكيّة – الصّينيّة إلى ما بعد الانتخابات الرّئاسيّة الأمريكيّة، والعودة إلى الحرب الباردة، التي بدأت أصلاً منذ سنواتٍ مع الصّين وروسيا الاتّحاديّة، وعزّزت من نظرية المؤامرة، ولا مانع من التّرويج لها من قبل إدارته لإقناع الرّأي العامّ الأمريكيّ والعالميّ بتورّط الصّين وضرورة التّنسيق مع حلفائه الأوروبيّين، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكذلك أستراليا ونيوزلندة، لمحاكمة الصّين، ومعاقبتها، وتحميلها مسؤوليّة نشر الجائحة عن سابق قصدٍ، وتغريمها ماليّاً ومقاطعة بضائعها. وقد أكّد الرّئيس ترامب في مؤتمرٍ صحفيٍّ أنّه اطّلع على دلائل قطعيّةٍ، لا يمكنه الإفصاح عنها، من أجهزة الاستخبارات حول تورّط الصّين في تفشّي فيروس كورونا، وإخفاء معلوماتٍ عن الفيروس الجائح، علماً أنّه سبق وأكّد أنّ الولايات المتّحدة قد نقلت التجارب المخبريّة حول فيروس كورونا إلى الصّين، ودفعت لها مبالغ تقدّر بحوالي 22 مليون دولارٍ أمريكيٍّ للاستمرار في الأبحاث، ودرّبت العديد من العاملين في هذه الأبحاث لأكثر من عقدٍ من الزّمن، وأنّ إدارته تجري التّحقيقات بهذه القضيّة؛ كما اتّهمَ خصمهُ المرشّح الدّيمقراطيّ – جو بايدن ، بالتّواطئ مع الصّين للفوز بالانتخابات، ومنعه الرّئيس ترامب من الوصول إلى السّلطة، وبالتّالي ضرب عصفورين بحجرٍ واحدٍ بدأ ذلك بالحرب التّجاريّة العام المنصرم، والحملة ضدّ شركة هواوي الصّينيّة للاتّصالات (5G)، والتّنافس الصّينيّ ضدّ المنتجات الأمريكيّة، وتفاقم مع تلاعب بكين بعملتها – الايوان – والاستغناء عن الصّفقات التّجاريّة بالدّولار الآن، وتوّج الرّئيس ترامب برنامجه وحملته الانتخابيّة بالعداء للصّين، في الوقت الذي تشير فيه الإحصائيّات بأنّ الشّعب الأمريكيّ لا يثق بالصّين. وبالمقابل، فإنّ المرشّح الدّيمقراطيّ سوف يثير ملفّ فشل الرئيس ترامب في إدارة أزمة كورونا، والتّركيز على تقاربه مع نظيره الرّوسي – فلاديمير بويتن، وهذا من شأنه أن يزيد من احتمالات وقوع حربٍ نوويّةٍ تقودنا إلى التّهكلة، وإن كان ذلك مستبعداً في الوقت الرّاهن، أو شنّ حروبٍ بالوكالة، وهذا هو المرجّح، في مناطق للنّزاع حول النّفوذ في العالم والشّرق الأوسط الذي يعدّ الأكثر ترشيحاً لهذه الحروب، والأكثر قرباً لاستهداف إيران والعراق لما في ذلك خدمةٌ لاسرائيل واللّوبي اليهوديّ في الولايات المتّحدة. وحاول رئيس الوزراء الاسرائيليّ – بينيامين نتنياهو – إضافة حلقةٍ جديدةٍ من سلسلة “تلفيقات بينيامين نتيناهو” المتواصلة في فبركة ملفّ إيران النوويّ، وادّعى أنّه يملك وثائق قاطعةً تشير إلى تورّط إيران في تطوير وصناعة القنبلة النوويّة، لكنّه لم يفصح عنها لسريّتها وحساسيّتها، وأنّها في “مكانٍ سرّيٍّ آمنٍ”، حسب قوله، علماً أنّ التأكّد من صحّة الادّعاءات هوس من اختصاص الوكالة الدّولية للطّاقة النّوويّة. كما حاول فبركة مركبة إعادة إطلاق الصواريخ الإيرانيّة على طريقة رسوم غريندايزر ومواهبه المتعدّدة . ناهيك عن أنّ الكشف عن مصدر فيروس كورونا يقع على عاتق العلماء والباحثين، وليس من صلاحية الرّئيس ترامب، الذي وجّه أصابع الاتّهام للصّين، ورفض في الوقت ذاته تقديم الدّلائل حول تورّط الصّين بنشر فيروس كورونا! والهدف من وراء ماقامت به الحكومة الاسرائيليّة واضحٌ، وهو تجييش الرّأي العامّ الأمريكيّ لتوجيه ضربةٍ لإيران من قبل إدارة ترامب، وإشعال حربٍ جديدةٍ قبل تنفيذ نتنياهو وعوده بضمّ الضفّة الغربيّة، مستغلّةً الأوضاع العربيّة المزرية، والتودّد من قبل بعض دول الخليج للتّطبيع مع الكيان الاسرائيليّ بظلّ حالةٍ من الانقسام في الصفّ العربيّ والفوضى السّياسيّة والأمنيّة التي تعيشها الأمّة العربيّة.
هناك خطرٌ يحدق بالمجتمع الدّوليّ في ظل انعدام المساءلة والتّحليلات المستقلّة وتكثيف الجهود المشتركة للقضاء على جائحة فيروس كورونا من خلال التصريحات اللّا مسؤولة لبعض القادة، وتأجيج الصّراع بين الدّول العظمى، والابتعاد عن التّعاون العلميّ والمخبريّ للكشف عن الفيروس، وسبل معالجته بانتاج اللّقاح المناسب له لإنقاذ البشريّة؛ والعالم أحوج ما يكون لتعلّم الدّروس من فيروس كورونا، ومعالجة نقاط الضّعف في المجتمعات، ومواجهة التّحديات المشتركة بشكلٍ علميٍّ وفعّالٍ، بعيداً عن المهاترات وتسييس الملفّات، والارتقاء بمسؤوليّتها التّاريخية في قيادة العالم متعدّد الأقطاب بعيداً عن المنافع الشّخصيّة والمكاسب السّياسيّة البحتة؛ فالعالم اليوم هو بأشدّ الحاجة للنّهوض من الكارثة البشريّة، ومعالجتها، ومواجهة التحديات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي أثقلتها جائحة فيروس كورونا، وضرورة البدء في الإصلاحات بالمنظّمات الدّوليّة وإعادة هيكلة الأمم المتّحدة لرسم معالم نظامٍ عالميٍّ جديدٍ لا رأسماليٍّ ولا شيوعيٍّ، بل اجتماعيٍّ ديمقراطيٍّ يحمي مصالح الشّعوب والطّبقات الكادحة.
وختاماً، قد لايكون الرّئيس – دونالد ترامب – الأكثر شعبيّةً والأفضل للشّعب الأمريكيّ وذلك بسبب سياسته الخاطئة بنظر العديد من الأمريكيّين بطريقة تعامله مع الملفّ الصّحيّ في الولايات المتّحدة والتّصدّي لفيروس كورونا، بل إنّه الرّئيس الأفضل لمرحلة الحروب الجديدة التي ستشنّها الإدارة الأمريكيّة، والتي لن تصبّ في مصلحة الأمّة العربيّة في القريب العاجل. وعلينا شدّ الأحزمة قبل فوات الأوان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 913 / 2184540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2184540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40