الجمعة 17 نيسان (أبريل) 2020

استدعاء فيروس الطائفية… الفلسطينيون والحرب الأهلية اللبنانية

سامح المحاريق
الجمعة 17 نيسان (أبريل) 2020

من بين أسباب كثيرة للحرب الأهلية اللبنانية، كان الفلسطينيون يشكلون الفئة الأضعف، التي يمكن أن تتحمل المسؤولية التي يتملص منها زعماء الطوائف في لبنان، وأي إغراء يكمن في هذه المعادلة؟ نحن في زعامة الطوائف مضطرون لهذه الحرب التي جلبها الغرباء معهم، إنهم يمثلون تهديداً للجميع. وكانت هذه الحيلة تنطلي على البعض لسنوات، فمن هذا المدخل يمكن للقتلة التاريخيين أن يعودوا للحياة السياسية، وعلى حساب ضمير الغائب في القصة اللبنانية، جرى الكثير من التسويات، وانطوت هذه الصفحة منذ أكثر من عقد من الزمن، وبعد أن استنفد الطائفيون أغراضهم منها. إلا أن بعضاً منهم ما زال يصدق بالفعل أن الحرب الأهلية في نسخة 1975 كانت بسبب الفلسطينيين، ومنهم أحد رسامي الكاريكاتير في صحيفة «الجمهورية» اللبنانية الذي أحدث الموازاة بين الفلسطيني في 13 إبريل 1975 وفيروس الكورونا في 13 إبريل 2020.

تعتبر حادثة عين الرمانة، التي وقعت بين حزب الكتائب وأحزاب الجبهة اللبنانية من جهة، وقوات منظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى، نقطة البداية للحرب الأهلية اللبنانية، وهذه مغالطة تاريخية جوهرية، فالاصطفافات بدأت قبل ذلك بسنوات، وحتى قبل تواجد قوات منظمة التحرير في لبنان، وقبل تأسيسها أصلاً، والحرب أتت متأخرة بعد سنوات من التسخين، بدأت من رئاسة كميل شمعون وخياراته الغربية، التي ضايقت القوميين العرب في لبنان، وأدت إلى استعانة الرئيس شمعون بالقوات الأمريكية للسيطرة على بيروت ومرافقها الحيوية، وفرض الأمر الواقع على المعارضة ذات الطبيعة القومية.
حاول شمعون أن يؤسس لدولة قمعية، وفي الوقت نفسه كان معارضوه يتوثبون للاشتباك، وبقيت الأحقاد في الصدور، وتحول لبنان إلى ساحة مواجهة بالوكالة، مع وجود مندوبي الطوائف، الذين يمكنهم أن يتنقلوا من معسكر إلى آخر، وكان اللبنانيون وقتها يعيشون في ظل الصراع الذي يشتبك فيه الناصريون والبعثيون وتيارات القومية العربية الرئيسية، مع الأمريكيين والفرنسيين، والوكالة الحصرية في إسرائيل، وتداخل السياسي بالديني، على خلفية المخاوف القديمة التي بقيت تترحل في الجينات السياسية والطائفية في لبنان منذ حرب 1860، التي تعود إلى مرحلة لم تكن فيها منطقة الشام ككل سوى مقاطعة عثمانية ممتدة. كان الفلسطينيون يشكلون عنصراً محرضاً لا على حرب أهلية، ولكن على ثورة اجتماعية، فالمقاتلون الفلسطينيون حملوا من البداية انحيازاً طبقياً واضحاً، فمعظمهم أتوا من خلفيات بقيت تعيش معاناة الفقر لجيل أو جيلين، نتيجة ظروف التهجير القسري عن أراضيهم، كما أن تعاملهم اليومي على مستوى المخيمات جعلهم يتداخلون مع الفقراء والمستضعفين في لبنان، ومن التحق بقوات الثورة الفلسطينية من مقاتلين عرب وأممين من آسيا وأمريكا اللاتينية، كانوا في معظمهم من المعتنقين للفكر الاشتراكي، الذين يحاولون تجسيد مبادئ جيفارا ولومومبا وأميلكار كابرال، ولكن تصادف أيضاً أن معظم قوام الفلسطينيين في لبنان من المسلمين، وهو الأمر الذي أدى إلى تسهيل عملية استثارة المخاوف الطائفية، لا الطبقية لدى الزعامات المكرسة للطوائف في لبنان، فحماية أموالهم ومزاياهم اعتمدت على الدوام على هذه المغالطة الكبيرة والخبيثة.
الفلسطينيون لم يكونوا وباء على لبنان، هذا ما أثبتته مجريات الأحداث بعد الحرب الأهلية، فالقوات الفلسطينية خرجت من لبنان منذ سنوات طويلة، وبقيت المخيمات تعيش حياة متوجسة وخائفة من التدخل في الشأن اللبناني، مع أنه يؤثر ويلقي ظلاله على كثير من جوانب الحياة داخلها، ولكن لم يتغير شيء على مستوى الصراع الطائفي القائم والمتوطد على المستوى اللبناني، ووجدت الطوائف وكالات جديدة لتخوض صراعات الإقليم على الأرض اللبنانية، ولتؤجل أي عملية تحديث حقيقية في لبنان، ووجد الزعماء الذين يعتاشون على إثارة الخوف والشك، وجنون الارتياب لدى أتباعهم، خصوماً جديدين، ومع ذلك بقي ذلك الجيل الذي نشأ على نغمة تحميل الفلسطينيين المسؤولية على أفكاره القديمة، وبقيت عصابيته تعبر عن نفسها بين وقت وآخر.
كان على رسام الكاريكاتير الطائفي أن ينظر للأمور بشكل مختلف، فكورونا أتى ليشكل ميزة استثنائية للفئات التي يعبر عنها، فأوقف تدفق حركة الغضب اللبناني، وأعطى فرصة لمن يشغلونه ويقودونه لالتقاط أنفاسهم، بعد أن كانت هتافات «كلن يعني كلن» تؤرقهم وتنغص حياتهم وتخلط أوراقهم، أما الوجود الفلسطيني فكان يحمل حركة وعي كبيرة، لم تقم على الفلسطينيين بوصفهم شعباً ينتمي إلى أرض محتلة، ولكن بوصفهم جزءاً من ثورة عالمية، حاولت أن تفضح هشاشة حركات الاستقلال الوطني وأن تخلصها من التبعية، ولم يكن الفلسطينيون وحدهم بالمناسبة يشكلون قوام هذه الظاهرة، فالوجود الفلسطيني كان منصة لاستيعاب حركات تغيير جذرية من ألمانيا واليابان وغيرها، ولذلك فالربط غير الذكي، وغير الموفق لدى رسام يظهر نيته في التحرش والانتقام من أوهامه وأشباحه الشخصية.
الفلسطينيون ليسوا ملائكة، ولكنهم، وعلى الرغم من رفض الطائفية اللبنانية، بشر في النهاية، مثلهم، وللمفارقة، مثل اللبنانيين تماماً، ومثل أي شعب آخر على الأرض، وليسوا فيروسات، فالفيروس يدرك وبصورة تمثل الفكر الحقيقي للطبيعة والحياة أن البشر لا يختلفون في أي شيء، وأنهم من حيث المبدأ من طينة واحدة، والفيروس ليس طائفياً أو طبقياً، فهذه لوثة إنسانية ما زال البعض يتبناها، ومن أجلها يمعن تزييفاً في التاريخ ويصارع البدهيات ويعاند حتى السماء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2184645

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2184645 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40