السبت 11 نيسان (أبريل) 2020

نظرة على تطورات محتملة فيما بعد جائحة كوفيد 19

محمد عبد الحكم دياب
السبت 11 نيسان (أبريل) 2020

يبدو أن العالم يعيش الحرب بشكل وأسلوب مختلف، ويبدو أن لأسلحة التقليدية والجوية والصاروخية والألكترونية والكيماوية استنفدت أغراضها، وبدت الحرب الفيروسية هي الطور العالمي الجديد؛ سلاحها هذه المرة غير مرئي أو ملموس، وميدان جائحة كوفيد 19 أوسع، ليس في حاجة لقواعد أو منصات ولا قذائف، وغزا العالم بأسره؛ القريب والبعيد، والأفراد والمجتمعات والدول، وتناولت الأخبار وصوله إلى الحيوانات.
ووجدها ساسة وأصحاب نفوذ فرصة لمشروعات نظام عالمي جديد يتصورونه بديلا أو تحويرا للنظام الحالي، ومن يريد التحوير يحرص على احتفاظه بجوهره وفلسفته، وانقسموا إلى مجموعتين محددتين، لها مواقف ووجهات نظر متباينة ومتناقضة؛ بدت غير قابلة بالتفاوض، ولا تسمح بالحلول الوسط أو التسويات، وكل منها يرى في نفسه القدرة على تحقيق نصر حاسم وفرض النظام الدولي الذي يريد.
والانطباع السائد أن كل طرف على قناعة بأنه «يلعب على المكشوف»؛ يعلن ما يطلبه، ويستعرض ما في حوزته من أوراق وإمكانيات على الملأ؛ يتصور أنها لا تتوفر بنفس الدرجة الكافية للطرف الآخر، ولدى كل منهما انطباع بقدرته على إحراز النصر، والانفراد بالنظام الدولي الجديد، الذي يحافظ على مصالحه ويحميها، أما باقي البشر فانشغلوا بالوباء ومواجهته وآثاره وتداعياته؛ النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية،
وإذا ما دققنا في طبيعة المجموعة الأولى وأهدافها؛ نجدها مكونة من قوى تقليدية؛ ذات تاريخ لا يبعث على الثقة، وما زالت مصدرا للقلاقل والاضطرابات والفوضى العالمية، وإن تعددت مدارسها واختلفت وتنوعت نوازعها، وخلال القرنين التاسع عشر والعشرين نجحت في التحكم فيه وحصاره، واستحوذت على مفاتيح القوة، وامتلاك القدرة على إجهاض أي تغيير يتهددها، وتراكمت لديها خبرات عالية في تجديد القديم وإدامته وتزيينه، ويبدو أن جهدها الراهن هو تجديد النظام القائم، وترميمه وإعادة عرضه؛ تقليلا للخسائر، وكي لا يصل حد الانهيار الكامل.
ونقطة ضعف المجموعة الأولى المميتة هي عجزها عن التحرر من القبضة الأمريكية، وعدم قدرتها على كبح شطط الإدارة الأمريكية الحالية، التي أوصلت الولايات المتحدة، التي كانت حتى شهور مضت القوة العظمى الأولى؛ فقد أوصلتها إلى حال «رجل العالم المريض»، ويتكرر ما كان عليه وضع العالم في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؛ حين كانت الإمبراطورية العثمانية هي «رجل أوروبا المريض» وانتهت بالسقوط وانفراط العِقْد.
وإذا ما دققنا في أوضاع «القارة العربية»؛ ضِمن هذا السياق؛ نجدها غارقة في مستنقع ووحل اقتتالها الداخلي وحروبها البينية، وتقديم كل ما تملك ارضاء لـ«رجل العالم المريض»، والقبول بابتزازه، والتسليم بقيادته، وطلب الحماية منه، رغم ضعفه الراهن، الذي زاد من تعقيد المسائل والقضايا الكونية والدولية والإقليمية، فغطت الدماء والنيران والأشلاء، والأعمال العسكرية العدوانية والإرهابية؛ غطت «القارة العربية»، ومساحات أخرى من إقليم الشرق الأوسط ودول الجوار والعالم.
وهيمن الفراغ على «القارة العربية»، وضعفت مناعتها، وتمكنت منها القوى الخارجية والمعادية، وأعملت فيها تقسيما وإبادة، وتوزعت لمناطق نفوذ، ومواقع هيمنة، رُتِّبت فيها الأوراق، ووُفِّقت الأوضاع، وتوسع فيها نطاق المصالح الخارجية. وبذلك الفراغ تناقضت تطلعات اللاعبين الكبار، فروسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، من جهة أخرى، وهم يمثلون الدول الخمس صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن؛ ولها امتياز حق النقض (الفيتو)، الذي عفا عليه الزمن، من توظيفه واستخدامه في غير محله، وتناقضه مع القانون الدولي وحقوق الإنسان بشأن المساواة السياسية والاجتماعية والقانونية، وكثيرا ما تجاوز حق النقض (الفيتو) الإجماع العالمي، وبه تم تمرير جرائم ضد الإنسانية لا حصر لها، وأبشعها جريمة زراعة الكيان الاستيطاني الصهيوني منذ أكثر من سبعين عاما؛ بصكوك معتمدة من الأمم المتحدة، وبقرارات صادرة من مجلس الأمن، وهذه الجريمة الشنعاء جسدتها الدولة الصهيونية، وقيامها على أرض مغتصبة ومستلبة، وطرد الفلسطينيين من ديارهم، وقضم مزيد من الأراضي اللبنانية والسورية والأردنية!

يدخل العالم مرحلة جديدة بغزو جائحة كورونا المستجدة، وصلت حد التهديد باستخدام السلاح النووي، فيلوح «كريستوفر فورد» مساعد وزير الخارجية الأمريكي بـ«رد نووي» على أي هجوم يستهدف البنية التحتية الفضائية للولايات المتحدة

وهناك ثلاث دول من الخمس؛ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا؛ أمعنت في رعاية المشروع الصهيوني، وتكفلت بحمايته، وضمنت بقاءه ووجوده، وهي دول ما زالت لا تمانع من إفناء العالم وتدميره من أجل هذه الدولة الاستيطانية، وتثبيت قواعدها، وتنفيذ أحط الأساليب، وأكثرها بشاعة في تدمير «القارة العربية» وتقطيع أوصالها وتفتيتها وتقسيمها، وكان هذا وما زال جهدا مذموما من هذا المجموعة، التي ترعى العنف والإرهاب الرسمي والأهلي، حتى غطى «القارة العربية» وإقليم الشرق الأوسط بأكمله.
ويدخل العالم مرحلة جديدة بغزو جائحة كورونا المستجدة، وصلت حد التهديد باستخدام السلاح النووي، فيلوح «كريستوفر فورد» مساعد وزير الخارجية الأمريكي بـ«رد نووي» على أي هجوم يستهدف البنية التحتية الفضائية للولايات المتحدة، وصرح بذلك في «ندوة اليكترونية» عبر شبكة الانترنت، نظمها «مركز الأبحاث الاستراتيجية والدولية» بواشنطن، يوم الاثنين الماضي (06/ 04/ 2020)، وحذر الخصوم بـ«أن يعلموا أن لا فرق من هذه الناحية بين مكونات البنية التحتية الفضائية للولايات المتحدة أيا كانت: إذا اعتديتم عليها، فإنكم بالتالي اعتديتم علينا».
والمتوفر من معلومات عن المجموعة الأولى على درجة عالية من المصداقية، أما المعلومات الخاصة بالمجموعة الثانية فتعتمد ما جاء في أجهزة الإعلام والصحف الغربية؛ أمريكية وغير أمريكية، ونشير إلى ما نشرته وكالة «رويترز» ووكالة «أسوشيتد برس»، عن «كوفيد 19»، فعلى لسان «هانس كلوجي» مدير الفرع الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية في موجز صحافي قدمه الأربعاء الماضي (08/ 04/ 2020) من كوبنهاعن: «لا يزال أمامنا طريق طويل في هذا الماراثون (السباق)، والتقدم الذي أحرزناه، والاستمرار في توخي الحذر والحيطة»، لافتا إلى أن بعض دول القارة الأوروبية تشهد حاليا ارتفاعا حادا في عدد الإصابات، وموجة جديدة من الوباء.
وينصح كلوجي الدول الأوروبية بإجراء «دراسة دقيقة جدا»، قبل التخفيف من الإجراءات المتخذة للسيطرة والحد من تفشي الفبروس، بما فيها تعليق عمل المدارس والمشاريع وإجراءات التباعد الاجتماعي، ومن جانبه تطرق كبير مستشاري الأمين العام بروس أيلوارد، الذي عاد من إسبانيا مؤخرا؛ تطرق إلى إنه من السابق لأوانه الحديث عن أي تفاؤل بشأن الوضع في هذا البلد (يقصد أسبانيا)، مُقِرا بانخفاض وتيرة الجائحة هناك تدريجيا.
وهناك مؤشرات كاشفة لتعاظم قوة الصين وانحدار قوة الولايات المتحدة؛ حقيقة تأكدت قبل أزمة الجائحة الحالية. وكان الاتجاه الرئيسي في الأوساط العسكرية الأمريكية والأطلسية هو التعجيل بشن حملة عسكرية ضد الصين في العام الحالي. وتم التراجع عنها، وسجلت المناوشات المتزايدة نقاطا لصالح الصين، ووصلت منذ الشهور الأخيرة من العام 2019 إلى نقطة حرجة، وهذا أدى بترامب إلى اتباع المواجهة المفتوحة على جميع الجبهات؛ من التجارة، إلى المواجهات الإقليمية، والحرب النفسية والإعلامية والتحرشات في المياه الدولية، وحاليا تستخدم كورونا، كجبهة من جبهات هذه المواجهة المفتوحة.
وعلى صعيد آخر هاجم ترامب: منظمة الصحة العالمية واتهمها بالتحيز للصين، وذلك في مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي (07/ 04/ 2020): وهدد باعتزامه تعليق تخصيص الأموال التي تقدمها واشنطن لها!!، ويأتي هذا في وقت تسعى فيه المنظمة لجمع الأموال لتكثيف الجهود الرامية إلى مكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد، الذي أودى بحياة نحو 82 ألف شخص في العالم، حتى كتابة هذه السطور، بالإضافة إلى أهميتها في تمويل تطوير لقاحات مطلوبة لعلاج المرض.
وقال مدير الفرع الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية، هانس كلوجي، أثناء موجز صحافي عرضه الأربعاء الماضي (08/ 04/ 2020)، والتعقيب على موقف ترامب من تعليق الأموال المخصصة للمنظمة، فقال: «لا نزال نواجه حتى الآن مرحلة حادة من الجائحة، ومن جانبه دافع كبير مستشاري الأمين العام للمنظمة، بروس أيلوارد، عن علاقات المنظمة مع الصين، ورفض اتهامات ترامب بالانحياز لبكين، وقال: هذا وقت لا يحتمل خفض التمويل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 5 / 2184571

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2184571 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40