السبت 28 آذار (مارس) 2020

“الغانتسية” والخديعة الكبرى: كيف استل نتنياهو جهاز التنفس من يدي “أزرق أبيض”؟

السبت 28 آذار (مارس) 2020

يمكن للراحل رحاميم كلنتر أخيراً أن ينام براحة، فانشقاقه عن قائمة “العامل الشرقي” مقابل تعيينه نائباً لرئيس بلدية القدس في العام 1956 حول اسم كلنتر إلى شتيمة في سياسة إسرائيل، في عهد ما يزال فيه لنا تفاخر باستقامتها. وبعد أربعين سنة على وفاته، وبعد نسيانه أخيراً، قام له وريث هو بني غانتس، أبو الغانتسية.

سنسمح لغانتس بالاستمتاع بالرضا، ولو بصعوبة؛ فهو لم يخن ناخبيه من أجل الكرسي. وحقيبة الخارجية التي خصصت له، كما يبدو، تناسبه مثل حقيبة الثقافة لميري ريغف، خاصة في الأيام التي تتركز فيها العلاقات الخارجية على شراء المعدات الطبية وإعادة الإسرائيليين المقطوعين. ومن المعقول أكثر الافتراض أن غانتس لم يصمد أمام توسل بنيامين نتنياهو للإسهام في تحمل العبء. وقد نفذ المقولة المشهورة لصموئيل جونسون، لكن مع انحراف أصلي: وطنية غانتس تبين أنها الملاذ الأخير لـ”متهم بلفور”.

لا يستحق غانتس إدانة دوافعه حتى لو كانت غير صحيحة، وحتى لو تبين قريباً بأن مصيره مثل مصير من يصدقوا بنيامين نتنياهو وساروا معه وتم ابتلاعهم وهضمهم ورميهم على قارعة الطريق. سجلّ غانتس في خدمة الوطن يمنحه ما يكفي من الفضل للتصديق بأن خطابه الافتتاحي أمس بصفته رئيساً للكنيست يعكس الإيمان الصادق بأن الأمر يتعلق بوضع طوارئ حاسم يحتاج منه التنازل عن كرامته وأن يساعد رئيس الحكومة – حتى ذاك الذي وصفه أمس كشخص مخادع ومخرب للديمقراطية ومن كان مستعداً -حسب رأيه- لأن يقتله حقاً.

الكثيرون الذين خاب أملهم من غانتس لا يستطيعون الادعاء بجدية بأنه خرق وعوده التي تعززت وضعفت بأنه لن يجلس في حكومة برئاسة نتنياهو. وقد وعد غانتس أيضاً بأنه لن يعتمد على القائمة المشتركة ولكنه نكث بوعده، أو على الأقل مده حتى النهاية، بعد بضع ساعات على إغلاق صناديق الاقتراع. وقد حظي بهتاف من المعسكر الداعم لدمج الأقلية الفلسطينية في إدارة الدولة، التي ضاءلت التذمر من نكث وعوده للناخب. ويسجل في صالحه أنه حطم مسلمات وحواجز لدى ناخبي الوسط الكثيرين الذين ساروا وراء زوج المقاطعين للعرب في قائمته، هندل وهاوزر.

مع ذلك، بعد أن يعطوه التسهيلات على استقامته وصدقه وطهارة دوافعه، فإن غانتس أدار مؤخراً إحدى الخدع الكبرى، وبالأساس الخدع الوحشية في تاريخ السياسة الإسرائيلية. بعد جولة انتخابات فاشلة ونتائج ظهرت في البداية كفشل ذريع، قام غانتس مثل طائر الرمال وتحول بصورة متعمدة أو عن طريق الخطأ إلى الرائد العنيد الذي طمح إليه معسكر مؤيديه. ولو أنه تصرف هكذا قبل أي جولة من الجولات الانتخابية التي تنافس فيها ربما كانت نتائجها مختلفة تماماً.

في الـ 25 يوماً التي مرت منذ 2 آذار فإن غانتس المخادع والمتردد كما يبدو، فعل المستحيل. فقد ربط بين افيغدور ليبرمان وأيمن عودة، وأوجد معهما كتلة سياسية، حتى لو كانت مؤقتة، لم تكن لتخطر ببال أحد قبل ذلك. بعد هزيمة موضوعية في صناديق الاقتراع، قلب غانتس الأمور وأصبح أول من يحصل على التفويض من الرئيس. وقد حارب ضد نتنياهو في كل الجبهات ووضع نفسه كدرع للديمقراطية، وحصل في هذا الأسبوع على الفوز بالضربة القاضية في معركة الصد الحاسمة ضد محاولات الانقلاب التي انتهجها نتنياهو وخادمه يولي أدلشتاين في الكنيست.

معسكره كان محلقاً، والإحباط الذي كان قبل الانتخابات واليأس الذي جاء بعدها على الفور، انقلبا إلى أمل جديد غريب على اليساريين القدامى. أما نضال غانتس وأصدقائه في “أزرق أبيض” ضد عمليات التدمير غير الديمقراطية لنتنياهو فقد أثار في الوسط – يسار الروح القتالية التي كانت تظهر لكثيرين بأنها انطفأت منذ زمن.

أخيراً، تخيلوا نتنياهو الساحر الذي يمكنه فعل كل شيء، صاحب الخدع في السياسة الإسرائيلية، واجهه حاجز لا يمكن اجتيازه. بداية عمل لجان الكنيست أمس رغم أنف أدلشتاين ونتنياهو كانت مثل نسمة منعشة. وإن شق الطريق لانتخاب بديل عن أدلشتاين كاد ينسينا ولو للحظة وباء كورونا الذي يتفشى في الخارج.

عندها جاء السقوط الذي كان أكثر إيلاماً بسبب النشوة التي سبقته. ففي حين كان معسكره يهتف بانفعال لإنجازاته في ساحة القتال، تبين فجأة أن غانتس من خلف الكواليس كان يجري مع نتنياهو مفاوضات في مراحل متقدمة على حكومة وحدة وطنية، التي تظهر لكثيرين في معسكره مثل وثيقة استسلام مخجلة. وبالضبط عندما بدا أنهم بدأوا يشاهدون نهاية نتنياهو قام غانتس وقدم له جهاز التنفس الذي أعاده إلى الحياة وسيبقيه في مكتب رئيس الحكومة على الأقل في المستقبل القريب.

غانتس لم يخدع فقط معسكره بصورة ضمنية، بل بصورة صريحة. فقد تركه محبطاً ويائساً. لقد ملك قلب المعسكر عندما لم يكن أحد يتوقع ذلك، وبعد ذلك حطمه على صخرة الواقع. كل صوت أعطي أمس من أجل انتخاب غانتس، وبتسلئيل سموتريتش، واييلت شكيد، ونتنياهو وريغف، اعتبر تحدياً مؤلماً. قاد غانتس كتلة الوسط – يسار إلى جبل نابو في السياسة من أجل أن يشرف على أرض الميعاد. وبعد ذلك أعلن بصورة مفاجئة مثلما هو مكتوب في سفر التثنية “لقد جعلتك تراها بعينيك، لكنك لن تصل إليها”. أنا سأذهب وحيداً، الوداع.

قد نحتمل خروج شيء جميل بعد كل هذه المرارة: نتنياهو سيغير جلده وسيفي بوعوده. الديمقراطية سيتم إنقاذها من التحطم، وسلطة القانون سيتم إنقاذها من الخطر، وحكومة قوية وموحدة ستقود إسرائيل بأمان في زمن كورونا. ومن خاب أملهم من غانتس وأحمد الطيبي ويئير لبيد وحتى افيغدور ليبرمان، مقتنعون بأن هذا فقط مسألة وقت، وليس الكثير من الوقت، إلى أن يفعل نتنياهو بغانتس ما فعله بجميع الأغبياء الذين سبقوه: سيدفنه سياسياً وسيواصل رحلته للهرب من القانون وكأنه لم يحدث شيء.

المناورة البيبية النهائية بالطبع هي تفجير المفاوضات غداً صباحاً بشأن الوحدة وإعادة الوضع إلى سابق عهده، لكن هذه المرة مع غانتس مهان ومنبوذ ومعارضة متشاجرة ومفككة. وإذا حاكمنا حسب أمس، فقد يقود هذا إلى الحل المثالي: حكومة طوارئ بتشكيلتها الحالية، التي ستحظى بثقة الكنيست إلى حين انتهاء أزمة كورونا، وكنيست تراقب نشاطاتها كما يجب وتجري فصلاً بين السلطات بصورة طبيعية. فجأة، في قلب كورونا، سنكون أمريكا.

بقلم: حيمي شليف
هآرتس 27/3/2020



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2184620

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع عن العدو  متابعة نشاط الموقع عين على العدو   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184620 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40