السبت 14 آذار (مارس) 2020

فرص نجاح «صفقة القرن» صفر وتصعيد المقاومة يسارع في إسقاطها

علي الصالح
السبت 14 آذار (مارس) 2020

على حد علمي لم يعلن رسميا، وحتى كتابة هذه السطور، عن سقوط ما يسمى صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية، لا من جانب إدارة ترامب التي تعول عليها كثيرا، ولا من قبل حكومة نتنياهو المنتهية ولايته، الذي قد لا يعود إلى الساحة السياسية الإسرائيلية، إذا ما فشل في تشكيل الحكومة المقبلة في إسرائيل، هكذا تبدو الأمور حتى الآن. وكما يبدو فإن السلطة تفلت من بين أصابعه بعد فشل تحالفه اليميني المتطرف في الحصول على الأغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة المقبلة.
وفي هذه الحال قد ينتهي به المطاف، ليس فقط خارج الحكومة، بل خارج حزبه الليكود وربما في «بيت خالته» كما يحلو القول لأحمد الطيبي رئيس الكتلة البرلمانية للقائمة المشتركة. وهو التعبير الذي يستخدمه الفلسطينيون لوصف السجن. ونتنياهو مرشح لدخوله، إذا ما أدانته المحكمة بتهم الفساد الثلاثة، التي وجهها إليه النائب العام الإسرائيلي. ومن المقرر أن يواجه نتنياهو القضاء بعد نحو أسبوع من الآن، وتحديدا في تاريخ 17 مارس/آذار الحالي، بعدما رفضت المحكمة المركزية طلبه تأجيل محاكمته بضعة أشهر.
ويعود جزء كبير، بل الفضل كله في إقصاء نتنياهو عن الحكم، بعد أكثر من 11 سنة متواصلة في رئاسة الحكومة، إذا ما تحقق، ولم ينشق أي من نواب تحالف «أزرق أبيض»، يعود الفضل إلى القائمة المشتركة، والإنجاز العظيم الذي حققته في الانتخابات الأخيرة في الثاني من مارس الحالي، طبعا بفضل الناخب العربي وبضعة آلاف من اليساريين اليهود، الذي رفعوا نسبة التصويت، ومكنوا المشتركة من رفع عدد مقاعدها في الكنيست إلى15 مقعدا، أي بزيادة قدرها مقعدان، وهما المقعدان اللذان حرما نتنياهو من العودة إلى السلطة، أو هكذا يبقى الأمل. وسبب هذا التساؤل هو ضعف الفعل الفلسطيني الرسمي وكذلك الشعبي، أو لنقل عدم ارتقاء هذا الفعل إلى المستوى المطلوب لمواجهة هذا الحدث الجلل، الذي يواجه القضية الفلسطينية ممثلا بما يسمى صفقة القرن التصفوية. وإبقاء «الفعل» على غرار ردات الأفعال السابقة. أيام غضب. وجمع غضب لفترة وجيزة، لتعود ردات الفعل الغاضبة هذه إلى سابق عهدها لتقتصر فقط على تظاهرات الجمعة التقليدية، عند نقاط التماس في كفر قدوم وبلعين ونعلين وغيرها.
لم يجر حتى الآن، وكما كان متوقعا تطوير جمع الغضب هذه إلى انتفاضة شعبية حقيقية متواصلة، لمواجهة جيش الاحتلال الذي يقضم أراضي الضفة وقطعان مستوطنيه الذين يستقوون على الفلاحين والمزارعين، ويحاولون يوميا ترويعهم عبر اعتداءات منسقة ومنظمة للاستيلاء على مصادر أرزاقهم، وسرقة أراضيهم واقتلاع أشجار زيتونهم المعمرة، وكروم العنب المثمرة وتدمير مزارعهم وتخريب محاصيلهم. وتمكنت قطعان المستوطنين في غضون أسبوع واحد فقط، وتحت حماية الجيش، من قطع نحو800 شجرة زيتون وكرمة عنب في قرى محافظة بيت لحم لوحدها، وسط غياب الرد الجماهيري الشعبي والرسمي الفلسطيني «المزلزل»، باستثناء بعض بيانات الشجب والإدانة ومطالبات المجتمع الدولي بضرورة التحرك والتحذير من مخاطر هذه الاعتداءات على حل الدولتين، واتهام دولة الاحتلال بالعمل على ضرب كل الفرص أمام هذا الحل المتفق عليه دوليا. وهذا ما حذرنا منه مرارا وتكرارا بالقول إن العدو ممثلا بحكومة الاحتلال وإدارة ترامب، يدرك ذلك جيدا. يدرك أننا نتحرك بـ»حموة» اللحظة وردات الفعل المعهودة التي سرعان ما تخبو، وتعود الحياة إلى طبيعتها بحلوها ومرها في انتظار خطوات احتلالية جديدة، وردات فعل جديدة سرعان ما تنتهي وتبقى المسببات. ونأمل ألا يكون ذلك مصير الاحتجاجات التي يشهدها جبل العرمة المطل على بضع قرى جنوب نابلس، ويحاول المستوطنون السيطرة على قمته بما فيها من آثار تاريخية. وقدم المدافعون عن «جبل العرمة» منتصف الأسبوع أول شهدائهم الطفل محمد عبد الكريم حمايل.
ولا تتحمل مسؤولية ذلك السلطة الفلسطينية وحدها، بل جميع الفصائل الفلسطينية المنضوي منها تحت راية منظمة التحرير، إضافة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي. ولا يقبل التحجج بالتنسيق الأمني وغيره، لأنه يجب ألا يسمح لأي تنسيق بأن يقف عائقا في طريق المقاومة والانتفاض على الاحتلال وجيشه ومستوطنيه. فالاحتلال بجبروته لم يمنع انتفاضة الحجارة عام 1987، التي ظلت نيرانها مستعرة لست سنوات حتى أخمدتها رياح اتفاق أوسلو المشؤوم في سبتمبر/أيلول 1993.

لم تتطور جمع الغضب إلى انتفاضة شعبية حقيقية متواصلة، لمواجهة جيش الاحتلال الذي يقضم أراضي الضفة

ويجب ألا يركن الفلسطينيون في مقاومتهم على التحليلات السياسية في إسرائيل، التي تشير إلى أن صفقة القرن هي عدوة نفسها وتحمل في تفاصيلها بذور ومقومات فشلها.
جاء ذلك في ورقة «تقدير موقف» صدرت عن «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب بعنوان «صفقة القرن إلى أين؟»، فقد توصل الباحثون في المعهد وهم، أودي ديكل وعنات كورتس ونوعا شوسترمان، إلى أن فرص صفقة ترامب لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ضئيلة جداً، وتوازي الصفر. وتقول الورقة التي أشرفت على ترجمتها إلى العربية مؤسسة الدراسات الفلسطينية ونشرتها «القدس العربي»، أن الصفقة تعطي دلالات مغايرة لمبادئ رافقت المفاوضات خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وهي صفقة عمليا تفرغ هذه المبادئ من مضمونها، وتسلب الفلسطينيين «حق الفيتو»، على أي تسوية لا تأخذ تطلعاتهم الوطنية في الحسبان، ولا تلتزم بخط الرابع من يونيو/حزيران 1967.
وجاء في هذه الدراسة أن شروط الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفقا للصفقة، تعجيزية بل استسلامية (وليست سلامية)، تفرض اعترافاً فلسطينياً مذلا بالدولة اليهودية، انطلاقا من إلغاء حق العودة للاجئين، وإلى قبول مطالب إسرائيل الأمنية، ونزع سلاح حركة «حماس» وسائر «التنظيمات الإرهابية» واستعادة السلطة الفلسطينية السيطرة على قطاع غزة؟ ووقف التحريض الفلسطيني ضد إسرائيل في المنظومة السياسية، والعامة، والتعليمية. وتتحدث الصفقة عن دولة فلسطينية محدودة السيادة، تتكون من ستة كانتونات غير مترابطة الأطراف، محاطة كليا بإسرائيل. والأخطر في هذه الصفقة انها تعطي إسرائيل الحق في نقل مناطق داخل الخط الأخضر إلى سيادة الدولة الفلسطينية، مثل قرى وبلدات المثلث التي يسكنها نحو 250 ألف عربي. كما تنص على أن يكون غور الأردن الحدود الأمنية الشرقية لإسرائيل، وخاضعا لسيادتها، والمغزى هو سيطرة إسرائيلية على الغلاف الخارجي للدولة الفلسطينية العتيدة، جوا وبحرا وبرا، بما فيها معبر رفح.
وبخصوص تعويض اللاجئين، ستوضع آلية لتعويضهم، لا تتحمل إسرائيل مسؤوليتها، لأنها «وظفت أموالا في استيعاب وتوطين اللاجئين اليهود من الدول العربية». ربما تعهدت الدول العربية النفطية الثرية، والأخرى التي تدعو الفلسطينيين إلى قبول الصفقة، أمام ترامب بتغطية التعويض يعني تكاليف إقامة دولة الكيان الصهيوني وتكاليف استمراريتها، إضافة تكاليف احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة على مدى أكثر من نصف قرن. وتستنتج الدراسة أن هذه الخطة تنطوي على خطر حقيقي، على رؤية الدولة اليهودية الديمقراطية، لأنه بموجبها، هناك قرابة 450 ألف فلسطيني سيجري استيعابهم في إسرائيل. وإذا انهارت السلطة الفلسطينية، وهي بالتأكيد ستنهار بعد عمليات الضم الإسرائيلية، فإن إسرائيل ستضطر إلى تحمل المسؤولية عن كامل السكان الفلسطينيين، والمغزى الذي لا مفر منه هو الانزلاق فعليا إلى واقع دولة واحدة. في المقابل، سيتسارع الاتجاه القائم وسط الجمهور الفلسطيني الشاب في الأساس، نحو السعي لنشوء واقع الدولة الواحدة، مع المطالبة بالمساواة في الحقوق للجميع.
ونختتم بالقول إنه من هذا المنطلق نرى أن هناك ضرورة ملحة لخطوة استباقية شجاعة، تتخذها القيادة الفلسطينية للانتقال من سلطة بموجب اتفاق أوسلو الساقط عمليا، إلى دولة تحت الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 1967 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2012، والإسراع في إلقاء أعباء ومسؤوليات مواطنيها الأمنية والاقتصادية والمالية والصحية والتعليمية إلخ، على دولة الاحتلال. ويسير جنبا إلى جنب مع هذه الخطوة، تصعيد المقاومة بكل أشكالها ضد دولة الاحتلال وإطلاق العنان للشعب للمقاومة بالطرق والأساليب التي يراها ملائمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2184196

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2184196 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40