السبت 29 شباط (فبراير) 2020

إشارات الحرب الوشيكة

السبت 29 شباط (فبراير) 2020

- عبد الحليم قنديل

ربما لا ينتهي العام الجاري من دون وقوع حرب جديدة على جبهة الصدام مع كيان الاغتصاب الإسرائيلي. الإشارات والنذر تتواتر، والخطط معدة من زمن، والحروب الصغيرة المتقطعة تتوالى، وقد تؤجل الوساطات الموقوتة الانفجار قليلا، لكنه واقع في أغلب الظن، وعلى منحنى الشهور التالية لانتخابات إسرائيل الجارية بعد أيام.
وأيا ما كانت نتيجة الانتخابات الإسرائيلية الوشيكة، وهي الثالثة من نوعها في غضون عام واحد، ومن دون نجاح في تشكيل حكومة، وإن كانت استطلاعات الرأي تشير هذه المرة، إلى تفوق طفيف محتمل لحزب نتنياهو (الليكود)، ولحلفائه في أقصي اليمين الإسرائيلي، ومن دون استبعاد حدوث مفاجآت ما، قد تكرر حالة الشلل نفسها التي جرت بعد جولة الانتخابات الثانية، وتعيد تقارب حظوظ نتنياهو مع الجنرال بيني غانتس زعيم كتلة (أزرق أبيض)، ولجوء نتنياهو هذه المرة إلى التوافق المبكر مع غانتس، مع الحرص على استلامه رئاسة ما يسمى حكومة الوحدة الوطنية أولا، وتحديه لمحاكمته الجارية في قضايا الفساد، واستغلال السلطة المنظورة، وولعه بالظهور بمكانة ملك إسرائيل، مع تباهيه بغزواته التطبيعية في قصورالحكام العرب، وبالصفقات التي عقدها مع إدارة ترامب الأمريكية، واستعجاله لتنفيذ بنود ما يسمى خطة السلام الأمريكية، وعزمه المبادرة إلى ضم مستوطنات الضفة الغربية، ومنطقة الأغوار، بعد تشكيل الحكومة الجديدة مباشرة، ومن طرف واحد، مستفيدا من انشغال ترامب بحملته الانتخابية لكسب الرئاسة الثانية، وشدة احتياجه لدعم اللوبي الصهيوني، وإتمام أعمال اللجنة المشتركة الأمريكية الإسرائيلية، التي جرى تكليفها برسم خرائط مدققة لتنفيذ خطة ترامب المعروفة إعلاميا باسم «صفقة القرن»، وهو ما لا يعارض فيه غانتس غريم نتنياهو الانتخابي، وشريكه في دعم خطة الإدارة الأمريكية، التي حرصت صوريا على الوقوف في المنتصف بين نتنياهو وغانتس، والتأكيد على كون خطتها هدية لكيان الاغتصاب الإسرائيلي ككل، وليس لحزب أو لزعيم بذاته.
والمعنى ببساطة، أن حكومة إسرائيل المقبلة، وأيا ما كانت طبيعة تشكيلها، سوف تقدم بالقوة الجبرية على تنفيذ ما تتصوره وضعا نهائيا، لا يقتصر على تأكيد ضم القدس المحتلة بكاملها كعاصمة موحدة للكيان، ومعها ضم الجولان المحتل، فقد جرى ذلك من قبل، بل فرض الضم النهائي لمنطقة أغوار الأردن وشمال البحر الميت، إضافة لضم المستوطنات الصغرى والكبرى في الضفة الغربية، وفرض ما تتصوره إسرائيل حدودا جديدة، تنهي بها أوضاع مناطق (أ) و(ب) و(ج)، التي كانت موصوفة في اتفاق أوسلو، ومع وضع الاستعداد والتأهب الأقصى للجيش وقوات الأمن الإسرائيلية، والتجهيز لقمع كل مظاهر الغضب والرفض الفلسطيني المتوقعة، وحشر ما تبقى من سلطة الرئيس عباس في زاوية ضيقة حرجة، تفتقر فيها إلى المقدرة على تهدئة الفلسطينيين، أو معاودة السعي إلى طرق الاعتراض المعتادة، من نوع طلب عقد اجتماع إضافي لوزراء الخارجية العرب، أو التقدم بشكوى لمجلس الأمن الدولي، أو المسارعة بعقد دورات اجتماع جديدة للهيئات الفلسطينية، أو تكرار الوعد الذي لا يتحقق بتعجيل مصالحة «فتح» و»حماس»، أو التهديد مجددا بالخروج من التزامات أوسلو الثقيلة، أو حتى التلويح بوقف فوري للتنسيق الأمني، مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وإلى غيرها مما ألفته إسرائيل، وتعودت على التعامل معه، بالمزيد من «خض ورج» الموقف الفلسطيني الرسمي.
والخلاصة، أن الوضع كله مهدد بالخروج عن أي سيطرة، فليس لدى الشعب الفلسطيني ما يخسره، إذا نفذت ما تسمى خطة السلام الأمريكية، ولن يكون من معنى لتكرار بيانات الإدانة والرفض، خصوصا مع استنفاد أثرها في أعقاب إعلان الخطة قبل أسابيع، وقد كان إعلان الرفض تعبيرا عن نوايا، لكن الشروع في تنفيذ المرفوض يثير وضعا آخر تماما، لا مجال فيه لمجرد تنظيم أيام غضب، بل لغضب لا تنفد أيامه، والتصدي بالصدور العارية لقوات الاحتلال، واندلاع انتفاضة شعبية جديدة، ليس بوسع أحد التحكم في مداها، ولن تجد إسرائيل في مواجهتها، سوى استخدام المزيد من القوة المفرطة الدموية، بما يخلق مسرحا شبه حربي في القدس والضفة الغربية المحتلتين، لن يكون الشعب الفلسطيني في غزة بعيدا عنه، خصوصا مع تخلي النظم العربية بالكامل عن القضية الفلسطينية، والاكتفاء بإصدار بيانات الاستنكار والرفض الصورية، وتواطؤ النظم الأساسية عمليا مع الكيان الإسرائيلي، وتهاوي مصداقيتها في جهود الوساطة المعتادة على جبهة الاشتباكات المتكررة مع غزة، مع سعي إسرائيل إلى تصفية أوضاع غزة المقاومة بحد السلاح، وبدعوى تنفيذ خطة السلام إياها، التي تنص على نزع سلاح حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» بالذات، وقد جربت إسرائيل شن حروب شاملة على غزة من قبل، في أعوام 2008 و2009 و2012 و2014، تطاولت في كل منها لأسابيع محمومة متصلة بالقصف والتدمير الهمجي الشامل، ومن دون أن تنجح إسرائيل في كسب شبر أرض، ولا في كسر ظهر حركة مقاومة، وفشلت تماما في تحقيق الهدف المعلن، وإن كانت تريد هذه المرة حربا شاملة مختلفة، يعد بها بيني غانتس كما يعد بنيامين نتنياهو، وفي ظروف إقليمية متدهورة، قد تغري إسرائيل بتوقع الكسب النهائي، وشن الحرب التي تنهي بها كل الحروب.

والمراقب لما يجري في المنطقة كلها، لا يسعه إلا أن يلحظ أجواء وأشباح التهيئة لحرب، تخطط لها إسرائيل منذ سنوات، وتجد الظروف اليوم مواتية لها تماما، فالحصار الأمريكي الأشد قسوة اقتصاديا لإيران، والضغوط المتزايدة المؤدية لإضعاف نفوذ إيران في بلدان المشرق العربي بالذات، بما فيها انتفاضات لبنان والعراق، تغري كيان الاحتلال الإسرائيلي بفرصة لم تحن لها من قبل، وبتوافر الظروف الملائمة لقص ما تتصوره أجنحة إيران على الجبهة الفلسطينية بالذات، فقوة حزب الله تتضخم على حدود فلسطين المحتلة شمالا، وقوة حركة «حماس» جنوبا تزيد عسكريا، رغم اعتصار غزة بالحصار، و»حزب الله» و»حماس» يشكلان خطرا وجوديا بمعنى الكلمة على إسرائيل، ولم يعد بالوسع التعايش معهما، ولا الاكتفاء بتوجيه ضربات إضعاف لا تؤدي غرضها، وإيران هي الطرف الوحيد الذي يدعم «حماس» و»حزب الله»، وأغلب النظم العربية في خصومة مع إيران وأطرافها، وفي صداقة مستترة أو معلنة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتوالي تشجيع إسرائيل عمليا على شن الحرب، وهو عنصر دعم إضافي لخطط إسرائيل الحربية، بينما لا تبدو إيران حريصة على تجنب حرب، خصوصا إذا دارت خارج أراضيها، وفي غير صدام حربي مباشر مع الأمريكيين، الذين لا يريدون شن حرب مباشرة على إيران في المدى المنظور، ويفضلون انتظار انهيار إيراني داخلي، بأثر من تردي الوضع الاقتصادي، لكنهم قد لا يمانعون في مغامرات عسكرية، تقدم عليها إسرائيل، يتدخلون بعدها للجم الوضع، إذا فشلت إسرائيل، ويلوحون لإيران بجزرة تفاوض، لا يبدو أن إيران مستعدة لقبولها بدون شروط، بعد تصميم المرشد الإيراني خامنئي لنسق معين في انتخابات طهران الأخيرة، فرض به أنصاره المتشددون سيطرتهم على الوضع كله، وأخرجوا الإصلاحيين والمعتدلين من مواقع التأثير، وهو ما يزيد من حدة مواقف إيران، ويقلص فرص العمل الدبلوماسي على جبهة الاتفاق النووي المتداعي، ويغري طهران بتوقع مزايا من شن إسرائيل لحرب جديدة، تطمع طهران الجديدة المتشددة في استثمارها لدعم موقفها، وإضافة أوراق لعب جديدة لصالحها، وعلى أمل إقناع ترامب المقبل على رئاسة ثانية، بأن يعيد النظر في الحصار الاقتصادي لطهران، والسعي لاتفاق نووي جديد معها، إذا فشلت حرب إسرائيل في سحق «حماس» أو «حزب الله»، وهو الاحتمال الأرجح لنهاية الحرب إذا وقعت، وهي واقعة على أغلب الظنون، وعلى جبهتي الشمال والجنوب ضد «حزب الله» و»حركة حماس» معا، أو على إحدى الجبهتين، مع رجحان توقع الحرب الجديدة في بر غزة.
نعم، تبدو الحرب الوشيكة مرجحة الحدوث بشدة، فما من فرصة زمن أفضل عند إسرائيل لشنها، والخطة الأمريكية منذ نشرها الاستفزازي، وهي إعلان نوايا حربية في جوهرها ومظهرها، لا فرصة سلام، وفرضها بالقوة الإسرائيلية، يعجل بمواعيد الحرب الفعلية بعد إعلان نواياها، فلن يقبل الشعب الفلسطيني بداهة بإجراءات الفرض، وسوف يقاومها بما ملكت الروح من جسارة، وبما ملكت الأيدي من حجارة ورصاص، فيما تتداعي قدرة السلطة الفلسطينية على لجم التحركات الشعبية، ولا يبدو من بديل محتمل للذهاب إلى امتحان نار جديد، قد يعدل موازين القوى، أو يزيدها سوءا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2184352

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2184352 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40