السبت 29 شباط (فبراير) 2020

شكرا لصفقة ترامب – نتنياهو

السبت 29 شباط (فبراير) 2020

- منذ إعلان صفقة التسوية الأمريكية ـ الإسرائيلية المسماة «صفقة القرن»، وردود الأفعال الرافضة، ما زالت تتوالى من الشعب الفلسطيني والعربي والرأي العام الدولي، نظرا لكونها نموذجا لسياسة الكاوبوي الأمريكي، في فرض الأمر الواقع على الآخرين، بقوة السلاح والمال، حيث تعد الصفقة في مجملها محاولة جديدة لانتزاع حقوق ثابتة للشعب الفلسطيني، إلا أنها من الجانب الآخر، أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العربي والدولي من جديد، بعد فترة من محاولات الإهمال والنسيان.
ومن النظرة الأولى لفقرات وبنود الصفقة، يتضح للمحلل غياب منطق الحق والعدالة والنزاهة، عندما تتعمد الإدارة الأمريكية، إلغاء الشرعية الدولية، في التعامل مع قضية حساسة تمس تقرير مصير الشعوب، لمجرد إنقاذ مسؤولين فاسدين في الولايات المتحدة وإسرائيل، جعلا من القضية الفلسطينية وسيلة لإنقاذ نفسيهما من المساءلة القانونية على جرائم وتجاوزات ارتكبوها في حق شعبيهما قبل الشعوب الأخرى.
إنه وهم كبير أوقع مخططي الصفقة انفسهم فيه، عبر محاولة فرض الصفقة بأسلوب الترهيب والترغيب، على أمل أن يقنعوا الفلسطينيين بمغريات مالية (يدفعها حكام دول الخليج) للتخلي عن كل الوطن، مقابل فتات ما تبقى من حقوق تاريخية ثابتة ومعترف بها وفق الشرعية الدولية. فقد غابت عن عقلية مخططي الصفقة حقائق دامغة، تنسف كل آمال الصهاينة في التطبيع مع العرب، أولها أن الشعب العربي بكل أقطاره لن يفرط بقضيته الأولى وهي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه، إضافة إلى أن الشعب العربي لا يثق بحكامه ويكرههم ويعتبرهم السبب الأساسي لتخلف أوضاع العرب، وضعفهم، وأزماتهم ومعاناتهم، ويدرك بأن الحكام أغلبهم مجرد لصوص وعملاء للاجنبي، لديهم الاستعداد للتعاون مع الشيطان وحرق أوطانهم من أجل البقاء في السلطة، كما رأينا ذلك في سوريا والعراق، فهل سيحب الشعب العربي أصدقاء حكامه الفاسدين، ممن يروجون للصفقة المشؤومة، فيتفاعل معها ويقبل بها، بل على العكس فالمتوقع هو الرفض الكامل لهذه الصفقة، نكاية بالحكام العرب قبل حكام الولايات المتحدة وإسرائيل.

وما يعزز هذه الحقيقة أن محاولات التطبيع بين إسرائيل وحكام مصر والأردن، التي مضى عليها عشرات السنين، لم تفلح في فك عزلة الكيان الصهيوني، ولم تجعل العلاقات طبيعية بين الطرفين، ولم تمد جسور التفاهم سوى مع بعض المنبوذين واللاهثين وراء مصالح شخصية ضيقة.

وثمة حقيقة أخرى في الواقع العربي، تشير إلى أن الشعب العربي، ورغم واقعه المأساوي، من أزمات ومشاكل عديدة أوصلته إليها سياسة الحكام العرب الفاشلين، فإنه ما زال مفعما بالطاقات والقدرة على رفض الأمر الواقع، كما ظهر لنا ذلك في ثورات الربيع العربي، التي عبرت، وبغض النظر عن نتائجها، عن رفض الخضوع والاستسلام للواقع المرّ، ولذا فإن استراتيجية الشعب العربي هي العناد والصمود ورفض الانصياع لرغبات حكامه بالتطبيع، وهذا هو سر فشل كل التسويات السابقة بين الحكام العرب وإسرائيل، وهو الذي سيفشل كل تسوية مقبلة حول فلسطين لا تضمن الحقوق المشروعة لشعبها، بل إن من المفارقات في الواقع العربي، ان فلسطين ما زالت عامل توحيد للعرب، رغم كثرة الخلافات بينهم، حيث اتفقت على رفض صفقة تسوية ترامب، جميع القوى السياسية والاجتماعية والدينية العربية.

ويندرج ضمن ذلك الرفض، موقف الشعب العربي من القضية الفلسطينية، كونها ليست قضية عادلة تعكس حقوق واضحة للشعب الفلسطيني فحسب، بل لأنها قضية توجيه إلهي مفروض على كل مسلم ومؤمن، ان يخضع له في كل مكان وزمان، ولذا فهم يعلمون ابناءهم نبوءات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، بحتمية انتصار العرب على اليهود في نهاية المطاف. ومن المؤكد لكل المراقبين، أن الشعب الفلسطيني هو أكثر جهة في هذا العالم تسعى لتحقيق السلام في فلسطين، لأنه تحمل وعانى كثيرا على يد المحتلين الصهاينة، ولأنه يريد ان يعيش في ظروف طبيعية مثل باقي الشعوب، وليس في تجمعات لا تختلف عن سجون ومعسكرات اعتقال واسعة تحت هيمنة الاحتلال العنصري الظالم. ولذا فان ما يحتاجه هو اتفاقية سلام عادلة متكافئة تضمن له حقوقه المشروعة الطبيعية في وطنه.
إن صفقة ترامب ـ نتنياهو تحمل في طياتها عوامل فشلها، لأنها تظهر الانحدار الذي وصلت إليه سياسة بعض الدول، التي تسمح لقادتها من الفاسدين، بمحاولة تغيير حقائق التاريخ، وتجاوز الشرعية الدولية، من أجل التحكم بمصائر الشعوب. كما أن سياسة الضغوط وابتزاز المواقف التي تمارسها الإدارة الامريكية على بعض الدول، مستغلة أزماتها ومشاكلها، لانتزاع مواقف مؤيدة للصفقة، تؤكد عدم نزاهة دوافع الإدارة الأمريكية وخضوعها كليا للنفوذ الصهيوني، وعدم حرصها على تحقيق تسوية عادلة لكل الاطراف لإحلال سلام حقيقي ودائم.
وفي النهاية، فالمثل العربي يقول، رب ضارة نافعة، والمؤكد هو ان صفقة ترامب ـ نتنياهو، رغم كل مساوئها، إلا أنها أعادت الحرارة والاهتمام إلى القضية الفلسطينية، لدى المجتمع الدولي والشعب العربي، خاصة لدى الجيل العربي الجديد، الذي اعتقد الكثيرون أنه انشغل عن قضاياه الأساسية ومنها فلسطين، بثورة التكنولوجيا والانترنت.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2183714

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2183714 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40