السبت 22 شباط (فبراير) 2020
معاريف: إسرائيل تتقرب من حماس وترقص على طاولة الأمم المتحدة في “الخطاب الإعلامي” لعباس

من وعد بلفور حتى صفقة القرن: هكذا يبدو “أنابوليس” بديلاً لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني

إسرائيل وأمريكا… بعد الانتخابات: إطالة شهر العسل أم عودة إلى “لعبة الأطفال”؟
السبت 22 شباط (فبراير) 2020

- معاريف

أُرسل يوم الثلاثاء إلى الصحافيين بلاغ رسمي من هيئة عسكرية، جاء فيه أن جهاز الأمن قرر إعادة التسهيلات للقطاع في ضوء الهدوء النسبي ببلدات غلاف غزة في الأيام الأخيرة، ووقف إطلاق البالونات المتفجرة. إذا استمر الهدوء، كما ورد، فستوسع إسرائيل مجال الصيد إلى 15 ميلاً في عمق البحر (نحو 27 كيلومتراً)، وتضيف 2000 تصريح للتجار من سكان القطاع.

نشر هذا البلاغ منسق أعمال الحكومة في المناطق، وهو صاحب السيادة الرسمي نيابة عن الجيش الإسرائيلي على المناطق الفلسطينية، ولكن البلاغ كان ثمرة اتفاق وصياغة بين مكتب رئيس الوزراء وجهاز المخابرات ووزارة الدفاع، في أعقاب وساطة مصرية. ليس صدفة أن يخبّأ بند التجار في المكان الثاني بعد مجال الصيد. فهذه بشرى كبرى لسكان غزة، وجهاز الأمن في إسرائيل يكون عرضة لنقد لاذع عندما يأتي لنشر مثل هذه البلاغات.

“ألفا تصريح للتجار”، كما ورد في البلاغ، معناه 2000 غزي يسمح لهم بالخروج إلى إسرائيل للعمل وجلب كثير من المال إلى الديار. ينتظر كلاً منهم أجرا يتراوح بين 400- 500 شيكل في اليوم. وإذا عمل شهراً كاملاً فبوسعه أن يكسب قرابة 10 آلاف شيكل صافية، نقية من كل ضريبة، نقداً. يدور الحديث عن واقع ألف شيكل وهو ما يعتبره سكان القطاع راتباً شهرياً محترماً، حيث معدل البطالة تجاوز الـ 50 في المئة. 400- 500 شيكل في اليوم، لألفي عامل يعني 20 مليون شيكل. هذه هي الزيادة المحتملة التي منحتها حكومة إسرائيل هذا الأسبوع للاقتصاد الغزي المضعضع. وسيضاف هؤلاء الــ 2000 إلى الـ 5500 من سكان القطاع الذين يعملون في إسرائيل الآن، وكانوا حصلوا على تصاريح الخروج في النصف الثاني من العام 2019.

تصريح العمل بالآلاف هو مطلب وضعته قيادة حماس على الطاولة قبل أكثر من سنة. واستغرقت إسرائيل زمناً كي توافق، ولكن ببطء وبالتدريج رضيت، وبفضل الضغط المصري المتواصل الذي جاء بوسائل لطيفة، وضغط حماس الذي جاء بوسائل أقل عاطفية. هناك من يسمي هذا ابتزازاً، ولكن متاهة غزة معقدة وليس فيها حل سحري، بحيث لا يمكن أن نلخص الأمر بكلمة أو كلمتين. قد تكون استجابة إسرائيل لسلسلة مطالب حماس منعت حربا كبيرة كادت تودي بحياة كثيرين من الطرفين، وإنجازاتها المحتملة يمكن أن نسجلها بوسائل أخرى.
صياغات ملتوية

هذه القصة مشجعة، ومخيبة للآمال ومسلية، مشجعة أيضاً، لأن إسرائيل على مدى السنين، درجت على جباية الضريبة من المواطن الغزي البريء على جرائم زعمائه. والحق في العمل وإعالة النفس والعائلة محفوظ لكل مواطن، وها هي إسرائيل تأتي وتمنح فرصة تشغيلية لقسم من السكان ممن لم يعملوا ضدها.

وهي مسلية، بسبب الصياغات الملتوية التي اختارها جهاز الأمن ليروي للجمهور في إسرائيل عن البشرى التي منحها لحماس. لو كان جهاز الأمن حراً في اختيار الكلمات، لكانت إحدى الهيئات التي ذكرت أعلاه ستخرج ببلاغ واضح للجمهور، بدلاً من الاختباء خلف هيئة عسكرية. بلاغ يقال فيه إنه تقرر منح سكان القطاع امتيازاً جديداً، يعزز قوة العمل الأجنبي في الاقتصاد الإسرائيلي، ويشجع الجيرة الطيبة بين غزة وإسرائيل في مسعى مشترك لقمع المحافل الكفاحية في القطاع.

أما العنصر المحبط في هذه القصة فينبع من الطريقة التي عرض فيها الأمر. قادة حماس يطرحون قائمة مطالب مدنية، وعندما ترفض، يخرجون إلى المعركة ويعودون في نهاية الفترة مع غنيمة. هذه سياسة تذكر بملاكم نشط ومبادر. صحيح أن إسرائيل لا تخسر لهذا الملاكم، ولكنها لا تضع أمامه نهجاً أو سياسة استراتيجية.

ثمة فضائل كامنة في سياسة الاحتواء الإسرائيلية؛ فهذه إزالة تدريجية للإغلاق، بطريقة مقنونة لا تعد تراجعاً سريعاً عن المفهوم الأصلي؛ ثمة توازن، وتصاريح خروج مقابل وقف البالونات. ولا توجد مخاطرة حقيقية على حياة الإنسان ولا انجرار للحرب. ولكن هذه السياسة قد تولد خطراً كبيراً؛ فإسرائيل تعوض أعداءها في الجنوب على أن العنف مجدٍ ويمكن أن تنتزع منها التسهيلات إذا ما تمت المواظبة على استخدام القوة. لو كان هذا نمطاً لمرة واحدة، لقلنا حسناً، ولكنه يكرر نفسه في السنة الأخيرة بدقة الساعة. في الحملتين الانتخابيتين السابقتين وكذا عشية اليوروفيجين استخدم زعماء حماس جهداً مركزاً وعنيفاً، وعادوا إلى الديار راضين.
الكل يريد الرقص

لو أن خطط السلطة الفلسطينية نجحت، لشهدنا هذا الأسبوع تصويتاً جارفاً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة ضد مبادرة السلام الأمريكية المسماة صفقة القرن. لقد كان هذا جزءاً من حملة إعلامية دولية للسلطة هدفها نزع الشرعية عن صفقة القرن. “سنتوجه إلى مجلس الأمن حيث ستصوت لنا 14 دولة، وواحدة ستستخدم الفيتو”، قال صائب عريقات بثقة قبل أسبوعين. “من هناك سنواصل إلى الجمعية العمومية وسنحصل على أغلبية 175 دولة، مع دولتين معارضتين، الولايات المتحدة وإسرائيل”.

ولكن تبين لعريقات، “العقل” الديبلوماسي في مطبخ أبو مازن المصغر، ذلك الواقع المرير حين جلس في مجلس الأمن، قبل مرحلة من الجمعية العمومية. فمعظم الدول الأعضاء لم تؤيد الطلب الفلسطيني. حتى تونس، الشقيقة من الجامعة العربية، العضو المؤقت في مجلس الأمن، انهارت أمام الضغط الذي مورس عليها. ومشروع القرار الذي سعت السلطة لأن تطرحه أرسل إلى الجارور خوفاً من ألا ينال التأييد. وفحص الفلسطينيون وفهموا بأنهم لن يضمنوا الأغلبية الساحقة التي أملوا بها في الجمعية العمومية. وإذ ضاق بهم الحال، ألقى أبو مازن خطاباً معطى إعلامي أمام أعضاء مجلس الأمن، وهكذا تلخصت حملتهم الإعلامية في الأمم المتحدة.

من خلف الإحباط، اختبأ ضغط أمريكي شديد عن الدول المختلفة، خشية أن تصوت ضد مبادرة ترامب. بالنسبة للسلطة، فإنه ثناء كبير أن جند البيت الأبيض جل قوته كي يحبط خطوة دبلوماسية وضعها فريق من ثلاثة أو أربعة مسؤولين في المقاطعة. يمكنني أن أتخيل قادة حماس يجلسون في صالونات غزة، يشاهدون ما يجري أمام شاشة التلفزيون ويمتلئون حسداً على الشرعية الكبيرة التي تحظى بها السلطة في كل منصة دولية.

حتى قبل أن يحبط التصويت، فقد امتشقت عندنا الكليشيهات من المخازن. ليس لمثل هذا التصويت مفعول عملي، كما واسينا أنفسنا، إنه تصريحي فقط. وبشكل عام، فمن تهمه هذه الأمم المتحدة؟ فقد سبق لبن غوريون أن قال -وكان محقاً- إن الأمم المتحدة قفر. بالفعل، لا يوجد مفعول عملي للتصويت في الجمعية العمومية، ولكن عندما يعرب كل العالم برفع اليد تأييداً لك أو لتطلعاتك، ففي ذلك فخر كبير، بل ومعنى. في 29 تشرين الثاني 1947 ذهبنا إلى هناك وحصلنا في المحفل ذاته على قرار التقسيم التاريخي، وفيه دعوة لإنهاء الانتداب البريطاني وإقامة دولة يهودية إلى جانب دولة عربية. لم يقل أحد منذئذ بأن هذا كان تصويتاً عديم المفعول العملي، وأن الأمم المتحدة قفر. بل العكس، بدأت على الفور رقصات الفرح في الشوارع، ومنذئذ لم نتوقف عن الرقص.

بقلم: جاكي خوجي
معاريف 21/2/2020

- هآرتس 1
احتاجت الحركة الوطنية الفلسطينية إلى 71 سنة من أجل الانضمام إلى المجتمع الدولي من خلال الاعتراف بقراراته. واحتاجت إسرائيل إلى 15 سنة من أجل الموافقة على قرارات الأمم المتحدة كأساس لتسوية النزاع مع الفلسطينيين. وبرعاية الرئيس الأمريكي ترامب كانت تكفي إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو 4 سنوات من أجل التراجع عن ذلك. “صفقة القرن” هي إعادة النزاع 100 سنة إلى الوراء، إلى زمن وعد بلفور وبداية النزاع.
وعد بلفور عام 1917 وصك الانتداب عام 1922، اللذان دعيا إلى إقامة وطن قومي لليهود، قادا إلى سياسة فلسطينية تريد إصلاح الظلم التاريخي الذي وقع على الفلسطينيين، حسب رأيهم، لأن “مبدأ تقرير المصير لم يطبق على فلسطين في الوقت الذي وجد فيه الانتداب عام 1922، بسبب التوق إلى التمكين من إقامة وطن قومي لليهود”، مثلما ورد في تقرير لجنة التقسيم عام 1947.
على مدى 71 سنة رفض الفلسطينيون أي قرار دولي اعترف بإسرائيل، بدءاً من لجنة بيل في 1937 ومروراً بالكتاب الأبيض في 1939 وانتهاء بقرار التقسيم 181 وقرار 194 وحتى قرار 242 و338. هذه السياسة التي رافقتها نشاطات حربية وإرهابية ضد إسرائيل، كانت حبلى بالكارثة من ناحيتهم، وأدت إلى حدوث النكبة وعدم وجود دولة.
السلام بين إسرائيل ومصر وانهيار الاتحاد السوفييتي والانتفاضة الأولى وظهور قيادة فلسطينية بديلة ودخول حماس كمعارضة، كل ذلك أدى إلى التغيير. ففي 1988 اعترفت م.ت.ف للمرة الأولى بالقرار 181 الذي كان معناه تقسيم البلاد ودولة للشعب اليهودي، وقرار 242 الذي معناه أن “الدولة الفلسطينية لا تشمل أكثر من 22 في المئة من فلسطين التاريخية”، مثلما صرح الرئيس محمود عباس في 2008. أي أن الفلسطينيين وافقوا على أن تشمل دولتهم الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها في شرقي القدس. وأن يتم إيجاد حل متفق عليه لقضية اللاجئين بروح أقوال النائب السياسي لعرفات، وصلاح خلف (أبو إياد) للأمريكيين في العام 1988: “إن حق العودة لا يمكن أن يتحقق من خلال المس بمصالح إسرائيل… يجب أن لا يشكل عائقاً لا يمكن تجاوزه”.
إسرائيل دخلت إلى عملية أوسلو في 1993 برؤية مختلفة، فقد أرادت ترجمة مصالحها الثلاث خلف الخط الأخضر: الأمن، والأماكن المقدسة في القدس، والمستوطنات، إلى ضم أراض في الضفة دون مقابل. إسحق رابين عرض في 1995 رؤيته على الكنيست، التي بحسبها “الحل الدائم نراه في إطار حدود دولة إسرائيل، التي ستشمل معظم أراضي دولة إسرائيل… وإلى جانبها كيان فلسطيني يكون وطناً لمعظم الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية. نريد أن يكون هذا الكيان أقل من دولة”.
إيهود باراك، الذي يعدّ أول شخص بدأ بالمفاوضات من أجل التوصل إلى الحل الدائم، رأى الأمور بصورة مشابهة؛ ففي كامب ديفيد 2000 اقترح “ضم أراض لا تقل مساحتها عن 11 في المئة ويعيش فيها 80 في المئة من المستوطنين، إلى إسرائيل”، وأن “إسرائيل ستسيطر لبضع سنوات على نحو ربع غور الأردن لضمان السيطرة على المعابر التي بين الأردن وإسرائيل”. وبالنسبة للقدس، اقترح باراك أن الأحياء الإسلامية الخارجية ستنقل إلى لسيادة الفلسطينية (الـ 22 قرية التي ضمتها إسرائيل في العام 1967). والأحياء الإسلامية الداخلية (القدس الشرقية الأصلية) ستبقى تحت سيادة إسرائيل. بعد نشر “خطة كلينتون” في كانون الأول 2000 تقدم باراك خطوة أخرى تجاه الموقف الفلسطيني، في طابا 2001. ولكنه بقي متمسكاً بضم 6 – 8 في المئة من الضفة دون مقابل.
الشخص الأول الذي فهم أن إطار المفاوضات ممكن هو إيهود أولمرت، في عملية أنابوليس في 2008، بعد 15 سنة على الاعتراف المتبادل بين إسرائيل وم.ت.ف. إن فهم أولمرت لم يكن نتيجة اعتراف صادق بحق الفلسطينيين، بل رؤية حكيمة للواقع القائم.
في مقابلة أجراها مع صحيفة “معاريف” في 2012 شرح أولمرت: “لو كنت أستطيع العيش في كل جزء من أرض إسرائيل والعيش بسلام مع جيراننا والحفاظ على طابع دولة إسرائيل اليهودي والحفاظ عليها أيضاً كدولة ديمقراطية والحصول على دعم المجتمع الدولي، عندها كنت سأفعل ذلك، ولكن هذا غير ممكن. وعندما يكون الأمر غير ممكن فإن قيادة مسؤولة يجب عليها الاعتراف بذلك… والتنازل عن سياسة شعبوية رخيصة والتصرف بمسؤولية واحترام”.
بوساطة وزيرة الخارجية الأمريكية في إدارة بوش الابن، كونداليزا رايس، وافق الطرفان على المبادئ التالية: الحدود: خطوط حزيران 1967 كأساس (مع تبادل أراض بنسبة 1:1)؛ الأمن: نزع سلاح الدولة الفلسطينية وترتيبات أمنية واسعة؛ القدس: تقسيم القدس إلى عاصمتين دون تغيير الوضع القائم للأماكن المقدسة؛ اللاجئون: حل مشكلة اللاجئين عن طريق عودتهم إلى الدولة الفلسطينية أو دفع التعويضات لهم.
على أساس هذه المبادئ كان الاقتراح الفلسطيني، الذي لا لا يذكر الآن في الخطاب الإسرائيلي، تبادل أراض بمساحة 1.9 في المئة من أراضي الضفة وغزة، التي كانت ستسمح ببقاء 63 في المئة من الإسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الأخضر في بيوتهم (وقُدم اقتراح آخر دون خريطة، يمكّن إبقاء حوالي 75 في المئة من الإسرائيليين)؛ ودولة فلسطينية منزوعة السلاح (“محدودة التسلح”)؛ وضم الأحياء اليهودية في شرقي القدس إلى إسرائيل، باستثناء جبل أبو غنيم، وضم حائط المبكى والحي اليهودي ونصف الحي الأرمني وباقي جبل صهيون، وعودة حتى 100 ألف لاجئ فلسطيني إلى داخل إسرائيل ودفع التعويضات للاجئين.
الاقتراح الإسرائيلي كان تبادل أراضي بمساحة 6.5 في المئة من أراضي الضفة وغزة مع 85 في المئة من الإسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الأخضر، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية، وضم جميع الأحياء اليهودية في القدس وبيت صفافا العربية، وإقامة نظام خاص في “الحوض التاريخي”، وعودة 5 آلاف لاجئ، ودفع التعويضات للاجئين. وعن الفجوة بين الاقتراحين الإسرائيلي والفلسطيني قال أولمرت في 2012: “كنا على وشك التوصل إلى اتفاق سلام. الفلسطينيون لم يرفضوا اقتراحي ولا مرة. وحتى لو كان هناك جهات ادعت ألف مرة بأنهم رفضوا اقتراحي فالواقع كان مختلفاً. هم لم يوافقوا عليه، وهناك فرق. هم لم يوافقوا عليه لأن المفاوضات لم تنته، لقد كانت على وشك الانتهاء. لو بقيت رئيساً للحكومة أربعة أشهر حتى ستة أشهر أخرى، فإنني على ثقة بأننا وصلنا إلى اتفاق سلام”، أولمرت عاد وكرر أقوالاً مشابهة في هذا الأسبوع في محاضرة في شمال البلاد.
نتنياهو بدأ ولايته الثانية بخطاب بار ايلان المشهور في 2009، وهو الخطاب الذي لم يفهمه كثيرون، وعلى رأسهم والده بن تسيون نتنياهو، الذي قال إن ابنه “لا يؤيد دولة فلسطينية، وسيقدم شروطاً لن يقبلها العرب. لقد سمعت هذا منه”، (القناة الثانية في 8 تموز 2009). نتنياهو اختار تجاهل كل العملية والتغييرات التي ذكرت هنا. وتمسك بموقفه من العام 1993، الذي يقول: “النزاع ليس على أراض معينة من البلاد، بل على كل البلاد، النزاع ليس جغرافياً بل هو وجودي. الموضوع الذي يقف على رأس الأجندة ليس في استمرار الحدود في هذا المسار أو ذاك، بل الوجود القومي الإسرائيلي. هم لا يريدون دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، بل دولة بدلاً من إسرائيل” (في كتاب آري شبيط “تقسيم البلاد” 2005).
ليس مفاجئاً أن عدم عرض نتنياهو خريطته وبرنامجه يوماً ما على الرئيس أوباما، فموقفه كان بعيداً جداً عن المعايير التي تم الاتفاق عليها في أنابوليس. ترامب، وكوشنر، ودافيد فريدمان، كانوا “طبق الإجار” المناسب لتطوير رؤيته، التي تبلورت مع اليمين المسيحاني الوطني المتطرف برئاسة نفتالي بينيت وايليت شكيد. الطاقم الأمريكي عمل على ذلك ونشر اقتراحه.
وعلى الرغم من أن صائغي “صفقة القرن” اختاروا عنوان “حل الدولتين”، إلا أن الاقتراح كان مساً خطيراً بكل ما تم إنجازه حتى الآن. الخطاب السياسي في إسرائيل هو عودة لـ 15 سنة إلى الوراء، إلى وهم إمكانية التوصل إلى اتفاق دون تنازل عن الضفة الغربية؛ والخطاب الفلسطيني يمكن أن يعود إلى الخلف مدة 100 سنة – السعي إلى دولة واحدة مع أكثرية عربية (قبل عودة اللاجئين).
في تفاصيل الاقتراح، التي تختلف جوهرياً عن أسس أنابوليس، تم بصورة متهكمة استخدام مفاهيم ميزت خطاب السلام حتى عودة نتنياهو إلى الحكم في 2009: دولتان.. تبادل للأراضي.. دولة منزوعة السلاح.. عاصمة فلسطينية.. وما شابه. هذا يدل على الجهل المهني في مجال الأمن والجغرافيا والقانون. لا توجد أي جهة مهنية أمريكية في مجلس الأمن القومي أو في وزارة الخارجية ليست شريكة في إعداد هذا الاقتراح.
“الدولة” الفلسطينية المقترحة هي منطقة دون تواصل جغرافي ودون حدود خارجية خاصة بها، وهذه الخصائص تحولها إلى جيب واحد كبير مع حدود طولها تقريباً 1400 كم – 1.5 ضعف طول حدود إسرائيل الآن. وسيكون داخل هذا الجيب 15 جيباً إسرائيلاً (مستوطنة)، وسيكون داخل إسرائيل 54 جيباً فلسطينياً (قرية).
باستثناء حالة هولندا وبلجيكا، تعلمنا التجربة الدولية بأن الجيوب ليست حلاً قابلاً للتطبيق بين طرفين لهما تاريخ عنيف. الجيش الإسرائيلي سيتحول إلى جيش للدفاع عن الجيوب، والحدود المتعرجة لن تسمح بوجود أنظمة اقتصادية منفصلة ولن تسمح للفلسطينيين بالانفصال عن الغلاف الضريبي المقيد القائم الآن.
نصف الأراضي التي ستضم إلى إسرائيل هي بملكية خاصة فلسطينية، الأمر الذي يقتضي ترتيبات لن تكون في متناول إسرائيل. الاقتراح بأن تكون “العاصمة” الفلسطينية في الأحياء الواقعة خارج أسوار القدس ( كفر عقب، سميرا ميس، مخيم شعفاط للاجئين، بضم قرية أبوديس) غير مناسب على الإطلاق، فالبناء في هذه الأحياء غير مخطط ودون معايير، ولا توجد فيها بنى تحتية ومؤسسات عامة، ولا تقع على خطوط المواصلات الرئيسية وغير قريبة من مراكز الاقتصاد ذات الصلة.
على “صفقة القرن” أن تختفي. لن يكون لها شريك عربي. والرد العالمي يدل على أنه ليس فيها ما يشرعن ضماً إسرائيلياً ما. أما تداعياتها فستلحق بإسرائيل ضرراً كبيراً. هي تريد منح شرعية للوضع القائم الذي يتواجد فيه نظامان قانونيان مختلفان على قطعة الأرض نفسها، على أساس معيار إثني، ويضاف إلى ذلك ضم سيحوله إلى أبرتهايد. أو حسب أقوال بن غوريون في العام 1948… سيحوله إلى ديكتاتورية الأقلية.
الصفقة تضر م.ت.ف التي تحاول منذ 1988 أن تقود خطاباً سياسياً لحل النزاع على حساب النضال المسلح. هذه الصفقة ستدفع باتجاه إلغاء التنسيق الأمني مع إسرائيل. وتضر أيضاً بقيمة المواطنة باقتراحها نقل مواطني إسرائيل العرب إلى فلسطين. وتمس سلطة القانون وحق الملكية بشرعنتها لبؤر استيطانية غير قانونية أقيمت على أراض فلسطينية مسروقة. وأخيراً، ستشجع هجرة فلسطينيين من الأحياء التي تقع خارج الجدار إلى داخل مدينة القدس وتجبر على القيام بهجرة يهودية عكسية، وتغيير الميزان الديمغرافي الذي يتطور لغير صالح اليهود منذ 52 سنة.
يمكن أن نرى في اقتراح ترامب شرعنة للضم، فضم جزئي أحادي الجانب من قبل إسرائيل سيضطرها في نهاية المطاف إلى ضم جميع الضفة، والتدهور نحو مواجهة عسكرية وسياسية متواصلة، وإلى حدوث شرخ عميق في وعي الإسرائيليين والإضرار باقتصادها. الحكمة يجب أن تأتي… فكل من يعتبر نفسه بديلاً للحكومة الحالية عليه رفع صوته وتبني المبادئ التي تم الاتفاق عليها في أنابوليس 2008، والتي ستمكن من تسوية النزاع.

بقلم: شاؤول اريئيلي
هآرتس 21/2/2020

هأرتس2

- هكذا تنتقل سياسة نتنياهو من الضفة وغزة إلى “عرب إسرائيل”
الفكرة التي يتم يتداولها الليكود مؤخراً، وهي ترتيب خط طيران مباشر بين إسرائيل والسعودية، هي في الحقيقة بالون من الهواء الساخن أطلق لغاية دعائية. ولكن هناك أكثر من توفير محتمل لعشرات آلاف الشواقل على الحجاج إلى مكة. وقد تم اشتقاق هذه الفكرة من سياسات واضحة تبناها نتنياهو تجاه الفلسطينيين، في الضفة وقطاع غزة وإسرائيل. صيغة العصا والجزرة قديمة ومعروفة، ولكن الجزرة أكثراً سمكاً الآن من العصا. وإذا كان النضال ضد إيران يجري في الساحة السياسية، فإن كلمة السر هنا هي المال، ومال غير قليل. هكذا يُشغلون سكان الضفة وقطاع غزة بالحياة اليومية، ويحصلون على الهدوء ويمنعون أي نقاش جدي لتسوية سياسية وتقرير المصير؛ ويركزون الاهتمام على تحسين مستوى حياة العرب في إسرائيل والسكاكر الصغيرة مثل رحلة حج زهيدة، المهم ألا ينشغلوا بالطموحات القومية.
بُشّرنا اليوم بأن وزير الدفاع نفتالي بينيت رفع القيود عن تصدير المنتجات الزراعية إلى إسرائيل ودول أخرى. ومثلما هو الاتفاق مع السلطة الفلسطينية حول جباية الضرائب، قبل بضعة أشهر، كل طرف يحتفظ لنفسه بحق الادعاء بأن الطرف الثاني هو الذي تراجع. ولكن يبدو أنهما تقدما نحو بعضهما. هذه السياسة أثبتت نفسها على الأرض: رغم جميع التهديدات إلا أن السلطة تواصل التنسيق الأمني مع إسرائيل وتمنع أي إمكانية لتحطيم الأدوات. الأجواء في الضفة ليست أجواء مقاومة، بل أجواء إحباط وعدم ثقة بإمكانية إحداث التغيير، وحجم غير قليل من التجارة. الجمهور لا يمكنه إنكار الاحتلال، ولكن الحياة تسير لأنه ثمة مصلحة للجميع، سواء في إسرائيل أو السلطة، أن تسير الحياة.
هذه الصيغة تعمل في غزة أيضاً؛ فسيد القطاع، حماس، يتحدث بصوت عال عن تحرير جميع فلسطين من البحر إلى النهر، لكنه عملياً يجري مع إسرائيل ومصر مفاوضات من أجل تخليد حكمه. النقاش يتركز على الكهرباء وتصاريح العمل والتوت والأسماك والنسيج. حماس تغلف كل ذلك بالدعوات المعروفة لرفع الحصار، وإسرائيل تتحدث عن الإبقاء على القطيعة بين القطاع والضفة.
أما الوضع في الوسط العربي في إسرائيل فمختلف حقاً، فالأمر مع ذلك يتعلق بالمواطنين، لكن السياسة هي نفس السياسة. في السنة الماضية اختفى الخطاب الوطني من أجندة الأحزاب العربية رغم الادعاء الكاذب بأنها منشغلة بالأساس بالقضية الفلسطينية. وصبغ الواقع بالجريمة المتزايدة، وضائقة السكن، وتملي على أعضاء الكنيست العرب أجندة اجتماعية. وفي المقابل، سوقت الدولة لخطة 922، وتعزز التعاون بين رؤساء السلطات العربية ووزارات الحكومة. بالنسبة لمعظم الجمهور العربي، فإن المواضيع الملحة أكثر هي العنف والسكن والتعليم ومصدر الرزق. ومثلما في الضفة والقطاع، نُحّي الخطاب الوطني جانباً واقتصر على التصريحات.
مؤخراً، نفخت “صفقة القرن” الروح في هذا الخطاب، بسبب فكرة تبادل السكان مع الدولة الفلسطينية. ونتنياهو، الذي طرح هذه الفكرة، استوعب الرسالة: “هناك مقولة عرضية لا معنى لها”، يعلن في الوقت الحالي. “هذا لن يحدث. هذا بالون يطلقونه لجعل الناس يصوتون للقائمة المشتركة”. ويفضل عشية الانتخابات التحدث عن الدين والمال ووعد السفر إلى مكة. هكذا يتحكمون بالفلسطينيين في الضفة وغزة، ولا يوجد أي سبب يمنع نجاح هذا الأسلوب في إسرائيل.

بقلم: جاكي خوري
هآرتس 21/2/2020
- “اسرائيل” اليوم

قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، فاجأ السناتور المستقل بارني ساندرز حين شكل تهديداً حقيقياً على سفارة هيلاري كلينتون في الحزب الديمقراطي، فبعد أن اتصلت به، تعاون معها ودعمها. كان واضحاً أن السياسي اليهودي الشائخ، الغريب نوعاً ما، الغاضب دوماً، صاحب الصوت الثابت، المهمل في لباسه، المنحني والمسمي نفسه اشتراكياً ديمقراطياً في دولة يعد فيها هذا الاصطلاح أشبه بالشتيمة، لن يتنافس على الترشيح للمنصب الأهم في العالم.
عندما وقف ساندرز السنة الماضية مرة أخرى بين المرشحين الديمقراطيين الكثيرين، بدا هذا أشبه بنكتة خاصة: إذا ما أدى اليمين القانونية للرئاسة في 20 تشرين الثاني 2021 ستنقصه بضعة أشهر حتى يصل إلى سن 80. وسيكون الرئيس الشيخ في التاريخ الأمريكي. وإذا أضفت النوبة القلبية التي تعرض لها قبل بضعة أشهر، فيمكن القول إنه عناد زائد.
ولكن للواقع اعتباراته الخاصة. بايدن يفقد جزءاً من التأييد الكبير، وساندرز يصبح شعبياً ويواصل التمتع بتأييد الشباب حين تبدو لهم وعوده في التأمين الصحي للجميع والتعليم العالي الذي لا يكلف مالاً طائلاً قابلة للتحقق. المزيد فالمزيد من الديمقراطيين يعتقدون اليوم بأن من يجب أن يقف في وجه ترامب هو أحد ما فظ، مجرب، شجاع وذو مواقف واضحة في جملة واسعة من المواضيع.
يحاول معارضوه تشبيهه بجيرمي كوربين، زعيم حزب العمال البريطاني، ولكن حقيقة أن كليهما يساريان لا تكفي لغرض الحكم المشابه. ففي الموضوع اليهودي على الأقل لا يمكن اتهامه بـ “اللاسامية” حتى لو كان معارضاً شديداً لحكومات اليمين في إسرائيل. فهو علماني فخور لا يحاول شطب يهوديته ولا حقيقة أنه قبل بضع عشرات من السنين كان متطوعاً في كيبوتس “شاعر هعمكيم” لعدة أشهر. وهو يعرض تأييداً واضحاً لحل الدولتين بروح مبادئ الرئيس كلينتون في كانون الأول 2000، ومعقول الافتراض بأنه إذا ما فاز بالتمهيدية بالفعل، وتغلب لاحقاً على ترامب ستكون هذه هي سياسته حقاً. يقصي قدميه عن المؤتمر السنول لأيباك، لأنه يرى فيه تنظيماً ذا طابع يميني صرف.
رغم انتعاش ترامب في الاستطلاعات الأخيرة، فانتخابه المتجدد ليس مضموناً. صحيح أن المعطيات الاقتصادية إيجابية، ولكن الحديث يدور عن شخصية موضع خلاف في المجتمع الأمريكي، وكثيرون لا يرغبون في أن يروه رئيسهم. أما انتخاب ساندرز، سواء في مؤتمر الديمقراطيين أم في الجمهور الغفير، فخيار ممكن. وإذا انتخب نتنياهو لرئاسة الوزراء في أعقاب الانتخابات، وإذا انتخب ساندرز في الولايات المتحدة، فثمة افتراض بأن زيارة رئيس وزراء إسرائيل في جادة بنسلفانيا في 1600 ستكون على جدول الأعمال بعد وقت قصير من أداء الرئيس الأمريكي الجديد اليمين القانونية. ليس صعباً وصف اللقاء بين ساندرز ونتنياهو، الذي ألقى بكل حماسته على ترامب.
الاحتمال المتزايد لانتخاب ساندرز يستوجب حظراً متزايداً مع حلول الانتخابات في إسرائيل. إذا انتخب نتنياهو وكذا ترامب بعد بضعة أشهر منه، فثمة شهر عسل بين الزعيمين سيستمر. ولكن إذا انتخب نتنياهو في آذار، وانتخب ساندرز في تشرين الثاني، فقد تقع مواجهة حقيقية بين الطرفين، مواجهة ستجعل تلك التي وقعت بين نتنياهو وأوباما لعبة أطفال، في ظل تعريض المصالح الإسرائيلية القومية للخطر.
إن انتخاب غانتس لرئاسة الوزراء لن تتسبب في مواجهات مع إدارة ترامب (ورأينا حذر ترامب في قضية دعوة غانتس إلى واشنطن كي يعرض عليه خطة القرن)، وبالتأكيد لن يتسبب بمواجهة إذا ما انتخب ساندرز. من يعتبرون بأنهم “منتخبون عقلانيون”، عليهم أن يأخذوا هذا في الحسبان.

بقلم: يوسي بيلين
إسرائيل اليوم 21/2/2020



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2184598

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع عن العدو  متابعة نشاط الموقع عين على العدو   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184598 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40