السبت 15 شباط (فبراير) 2020
في صحافة العدو

أولمرت: لهذه الأسباب التقيت رئيس السلطة الفلسطينية

السبت 15 شباط (فبراير) 2020

- أولمرت: لهذه الأسباب التقيت رئيس السلطة الفلسطينية
سألني كثيرون الأسبوع الماضي لماذا رأيتُ من الصواب أن ألتقي، في أثناء زيارتي إلى الولايات المتحدة، رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، الذي عرض موقفه الرسمي من صفقة القرن للرئيس ترامب. ينبغي الاعتراف بأن الانطباع الذي قد ينشأ لدى الجمهور الإسرائيلي، مثلما لدى الأسرة الدولية أيضاً، هو أن خطة ترامب موضوع بين إسرائيل والولايات المتحدة فقط. الحدث الذي جرى في البيت الأبيض، والذي لعب فيه الرئيس الأمريكي ورئيس حكومة تصريف الأعمال بنيامين نتنياهو دور النجم،كان احتفالاً لامعاً شاركت فيه دولتان فقط. إسرائيل والولايات المتحدة ترتبطان بحلف من الصداقة والالتزام المتبادل ليس له موازٍ في العالم. لا شك أن ترامب يبدي التزاماً عميقاً بتعزيز قوة إسرائيل وأمنها، وفقاً لفهمه لاحتياجاتها وخريطة مصالحها. حتى هنا الصورة بسيطة، واضحة ومشجعة، ويمكن أن نفهم الحماسة التي ألمت بكثيرين في ضوء هذه المظاهرة المؤثرة جداً للصداقة من جانب زعيم القوة العظمى، التي يتعلق بها أمن إسرائيل واستقرارها السياسي والاقتصادي. كل هذا صحيح، ولكن بعد أن تبددت الحماسة الأولى لا يزال هناك لغز غير قابل للتفسير: كيف تنخرط مسيرة السلام بيننا وبين الفلسطينيين في هذه الحملة الحماسية؟ وهل هناك مفاوضات على جدول أعمال إسرائيل لتنفيذ أفكار ترامب؟ هل يعتقد أحد ما بجدية بأنه يمكن صنع السلام أو على الأقل البدء بالجهد لإجراء مفاوضات مع الشريك الذي ينبغي الوصول معه إلى اتفاق، دون الحديث مع زعمائه وممثليه؟

يتبين أن هناك شخصاً واحداً على الأقل يعتقد بأن هذه حيلة ممكنة، وهذا الرجل هو رئيس حكومة تصريف الأعمال، الذي من المتوقع أن ينهي مهام منصبه بعد بضعة أسابيع. نتنياهو لم يقصد تبني خطة السلام. أعتقد أن بوسعه أن يجعل منها مناورة أخرى من تلك المناورات التي يتميز بها: لماذا يعقد السلام مع الفلسطينيين إذا كان ممكناً ضم غور الأردن من طرف واحد، وبسط القانون الإسرائيلي على كل المستوطنات والبلدات التي بنيت في مناطق يهودا والسامرة، وإحاطة المناطق الأخرى التي تتبقى ظاهراً بسيطرة السلطة بوجود عسكري مكثف للجيش الإسرائيلي وقوات الأمن، والاعتقاد بأن هذا سيؤدي إلى وقف الإرهاب والهدوء والتسليم والمصالحة، بل وحتى إلى اختفاء المشكلة الفلسطينية عن جدول أعمال حياتنا؟

ولكن يتبين أن الإدارة الأمريكية التي تشعر بالتزام عميق جداً تجاه إسرائيل غير مستعدة لأن تنجرف وراء أحابيل نتنياهو.

***

كان مبكراً جداً أمل نتنياهو والعصابة التي ترافقه وتكرر تحريضاته وتبجحاته بأن الرئيس سيوافق على تحطيم الخطة التي عرضها وشطب صفقة القرن من جدول الأعمال ويستقبل خطوات أحادية الجانب للضم، والتي من شأنها أن تشعل نار العنف والإرهاب وتقوض السلام الهش بيننا وبين الأردن وربما مصر أيضاً. يتبين أن ترامب لا يعمل عند نتنياهو. لا شك أنه ملتزم بإسرائيل وأن مساعديه يحبون إسرائيل ويريدون ضمان مستقبلها الأمني والسياسي والاقتصادي.. ولكنهم غير مستعدين لأن يتخذوا صورة الدمى لرئيس حكومة تصريف أعمال في طريقه إلى إنهاء ولايته.

يتبين أن القسم الآخر من صفقة القرن، الهدف الذي تكبد الرئيس عناء عرضه في ذاك المؤتمر الصحفي اللامع في البيت الأبيض “دولتان لشعبين” لم يكن شعاراً فارغاً، إنما هدف ضروري لما تعتقد الولايات المتحدة بأنه الأساس الثابت لبلورة الصفقة، غير أن نتنياهو ليس مستعداً لهذا الأمر؛ فهو لا يقصد الوصول إلى تسوية تقام في نهايتها دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس، كما يظهر بشكل لا لبس فيه من الخطة التي وضعها ترامب على طاولة المفاوضات المستقبلية.

لا يمكنني أن أشكو من نفتالي بينيت، ورافي بيرتس، وبتسلئيل سموتريتش. فهم حتى لا يحاولون التظاهر بأنهم معنيون بالتسوية مع الفلسطينيين، أو أنهم مستعدون لأي تنازل عن ذرة تراب واحدة في يهودا والسامرة، ولكن نتنياهو يتظاهر، ويعتقد أن باستطاعته أن يأكل الكعكة حتى آخر فتاتها، ويتركها كاملة في الوقت نفسه. ولكن نتنياهو غير قادر على أن يفعل ذلك. ويمكن قبول خطة ترامب، والمشاركة في احتفالات إطلاقها، والتجول في فروع الليكود ومواصلة التحريض ضد من يشكك بنزاهة نتنياهو ومصداقيته، ولكن لا يمكن قبول الخطة وفي الوقت نفسه رفض الأساس المركزي الذي تقوم عليه: فكرة الدولتين للشعبين.

يعرف نتنياهو جيداً بأنه إذا أعلن صراحة وبشكل علني بأنه موافق على خطة ترامب بكل عناصرها، وأنه مستعد لأن يعمل، وليس فقط يضم أجزاء من الضفة الغربية، بل ويوقع أيضاً على اتفاق يعترف بوجود دولة فلسطينية وبسيادتها في معظم المناطق.. فإنه سيفقد تأييد شركائه في كتلة اليمين، ما سيلغي تماماً فرصته لتشكيل حكومة. الحقيقة هي أن المعارض الأشد لخطة ترامب هو من يحاول تصوير نفسه كالمؤيد الأكبر لها.

في هذه الظروف، يبدو المخرج الوحيد الذي يقبله نتنياهو هو نشر الأكاذيب، وبالأساس التحريض ضد معارضيه، أولئك الذين لديهم ما يكفي من الاستقامة الجماهيرية لكشف تظاهره. من هنا إلى تلك القصص التي تبين كأني اقترحت على الفلسطينيين، في المفاوضات مع أبو مازن، السيطرة على الحائط الغربي المبكى – فإن الطريق قصير جداً.

نتنياهو يحرض ويقصي. قبل 25 سنة ساهم تحريضه ضد إسحق رابين في خلق أجواء لعلها أعطت إلهاماً للكراهية والاحتجاج، وأخيراً للعنف الذي انتهى بمأساة هزت المجتمع الإسرائيلي. لست مستعداً لأن أطأطئ الرأس وأسلم بوحشية نتنياهو العنيفة والعصابة التي تحيط به.

***

إني على قناعة بأن الحاجة إلى الانفصال عن الفلسطينيين والموافقة على قيام دولة فلسطينية مستقلة تقع إلى جانبنا هي مصلحة جوهرية لإسرائيل. لا شك عندي بأن قسماً مهماً من الجمهور يريد وقف السيطرة الإسرائيلية على ملايين الفلسطينيين ممن لا يمكنهم أن يقيموا نمط حياة حراً، بحيث يتمتعوا بحقوق المواطن الكاملة في الدولة التي يريدون أن يعيشوا فيها، في دولتهم.

لخلق واقع كهذا، ثمة حاجة إلى العودة للحديث معهم. فكرت، ولم أغير رأيي بأن خطة ترامب ليست مبنى على أساسات متوازنة تكون ضرورية لخلق البنية الصحيحة التي قد تؤدي إلى مفاوضات ناجحة. ولكن ثمة أساسات كفيلة في الخطة –إذا ما قبلها الطرفان وبحثا فيها بجدية– أن تؤدي إلى اتفاق تاريخي؛ ففي أساس الأمور ثمة حاجة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقبلة، عاصتها شرقي القدس.

من أجل البدء في ذلك، هناك حاجة إلى الحديث مع من يمثلون الفلسطينيين. نتنياهو يفضل الحديث، بشكل مباشر أو غير مباشر، مع حماس في غزة. أنا مقتنع بأنه يجب الحديث مع أبو مازن، ولهذا التقيته. هناك فوارق كثيرة بيني وبينه، وغير قليل من عدم التوافق. لو كان بيننا توافق كامل، لكنا توصلنا إلى اتفاق سلام قبل 12 سنة. ولكن عندما لا يكون هناك توافق سيكون الحديث أفضل، فنتنياهو غير مستعد لذلك لأنه يريد الضم مهما كان الثمن الدموي الذي ندفعه لقاءه، أما أنا فأفكر بشكل مختلف.

لا أتبوأ أي منصب جماهيري، ولا أدعي تمثيل أي جهة سياسية، ولست مستشاراً ولا أتشاور أيضاً مع بيني غانتس ورفاقه في قيادة “أزرق أبيض”، ولكن العنف اللفظي وتحريض نتنياهو، وميري ريغف، وسموتريتش، لم يمنعني من الإعراب عن رأيي والعمل في الطريق الذي يعمل فيه الناس في دولة ديمقراطية ومتسامحة كي يحققوه.

بقلم: إيهود أولمرت، رئيس الوزراء السابق

معاريف 14/2/2020

- الحرب المقبلة: هكذا تبدو إسرائيل مع عودة لبنان إلى العصر الحجري!

مثلما هي الحال في حالات مشابهة في الماضي، لم تحدث هذه الكارثة دفعة واحدة وبصورة مدوية. بالتدريج حدثت أمام ناظرينا، مثل تشققات في مبنى كبير. ما زال قائماً البيت في مكانه، لكن التصدع في الذروة. هذا هو الوضع الأمني في إسرائيل الآن. الدولة فقدت القدرة على الدفاع عن الجبهة الداخلية في الحرب القادمة. إلى ذلك تطرق رئيس الأركان افيف كوخافي قبل أسبوعين تقريباً عندما نشر للمرة الأولى في تاريخ الدولة إعلاناً للجمهور بأنه مطلوب “استعداد في الوعي” من قبل الجبهة الداخلية لحرب ستكون قاسية بصورة لا تقارن مع سابقاتها.

قصد كوخافي تهديد الصواريخ الموجهة الآن من قطاع غزة ولبنان وسوريا والعراق وإيران. هذا السلاح لم يظهر بين عشية وضحاها. أيامه مثل أيام الدولة، وحتى أقدم منها، هو من أيام الحرب العالمية الثانية. أساس قوته في بساطته، لا يرافقه أناس، لذلك كل الخطر يحدق بمن تتم مهاجمته. ليس هناك حاجة إلى خبرة كبيرة لتركيب صاروخ بدائي، وهذه الخبرة موجودة بوفرة الآن.

لقد مرت 15 سنة على حرب لبنان الثانية، عندما وجدت إسرائيل نفسها مكشوفة أمام إطلاق نار حاد المسار من الشمال والجنوب. ومنذ ذلك الحين، بصورة أكثر شدة في الأنظمة التي تطورت منذ ذلك الحين، تبين أن قواعد اللعب في الشرق الأوسط تغيرت. وهذا أمر يفهمه العدو، وينتظر ومفعم بآمال جديدة للقضاء على إسرائيل بواسطة الـ 200 ألف صاروخ وقذيفة التي في مخازنه.

كل العالم عرف أنه يكفي أنبوب مليء بالمواد المتفجرة السائلة لشل مناطق كاملة، وجعل دولة قوية تغلق مطارها الوحيد. ومرحلة الأنابيب المعدنية أصبحت الآن من ورائنا: صواريخ وقذائف تحمل رؤوساً متفجرة بوزن 700 كغم (يمكنها هدم مبنى كبير) موجهة الآن إلى عدد كبير من الأهداف المختارة في أرجاء 21 كم مربع من أراضي الدولة.

لا يمكن التهديد في الأرقام فقط، بل بتطور آخر في هذا المجال وهو الدقة، الذي كان حتى الآن هو نقطة الضعف الكبيرة لهذا السلاح حاد المسار الذي تحول إلى سلاح فتاك. في أعقاب تطور الحواسيب الرخيصة وتكنولوجيا الـ جي.بي.اس وتشخيص الصور، يمكن الآن إطلاق صاروخ دقيق “بدائي” إلى منطقة مساحتها نحو 10 آلاف متر مربع. وعندما يكون هذا الهدف موجوداً في مركز مدينة ستكون الإصابة كبيرة في جميع الحالات. وعندما يدور الحديث عن صاروخ ثقيل، ودقيق، فمن الأفضل عدم تفصيل ما سيفعله.

أي دفاع لدى الجيش أمام هذه التهديدات؟ لا توجد طريقة سهلة لقول ذلك: دفاع قليل جداً. وفي وقت الامتحان، ببساطة، لا شيء. هذا هو ثمن الثبات في الاعتراض الحركي، الذي استقر عنده جهاز الأمن منذ عقدين: صواريخ دقيقة؟ سنطلق ضدها صواريخ أكثر دقة، ستلاحق وتصيب هدفاً صغيراً يتحرك فوقنا بسرعة كبيرة. “القبة الحديدية” التي تعول عليها الدولة، وأشباهها التي تحمل أسماء مخيفة، تعرض في الحقيقة تكنولوجيا مثيرة للانطباع أمام صواريخ فردية، التي سيتفضل العدو بكرم بالاكتفاء بها. ولكن إذا لم يظهر العدو هذا الاهتمام فإن الحسم سيكون في يد الأرقام: بعد إطلاق الصليات الأولى سينفد احتياطي الصواريخ المضادة لإسرائيل خلال بضعة أيام.

ونذكر أيضاً بأن ثمن صاروخ الاعتراض يصل إلى ملايين الدولارات مقابل الصاروخ الذي يتم إنتاجه بثمن زهيد جداً من قبل تنظيمات إرهابية عرضية. وكم عدد الصواريخ والقذائف التي ستطلق علينا إذا اندلعت الحرب؟ تقديرات الجيش تتحدث عن 1500 – 4000 يومياً. يبدو أن “إعداد الوعي” المطلوب في هذه الحالة سيقتضي احتياطياً من علاجات التهدئة القوية.

رداً على ذلك، الجيش سيهاجم بالطبع. سلاح الجو سيقصف بقوة كل بنك الأهداف الموجود لديه. وعند الحاجة سيتم إدخال سلاح البرية إلى المعركة. ومن يعرف، ربما سيعاد لبنان إلى العصر الحجري مثلما هدد مؤخراً أحد الجنرالات. المشكلة هي أن وضعه الوجودي بعد هجوم كهذا لن يكون أفضل بكثير، وسيزداد الإطلاق من تلك الأهداف التي لم تدمَّر.

لن يكون الضحايا من الجنود النظاميين وجنود الاحتياط فحسب، بل أيضاً العائلات التي تشاهد نشرات الأخبار في الصالون أو التي تنام في بيوتها وعمال وزبائن في المجمعات التجارية والسائقين على مفترقات الطرق والطلاب في المدارس ورياض الأطفال وعابري السبيل في الشوارع. ستكون الأهداف مراكز المدن والمستشفيات ومحطات الكهرباء والوزارات والمصانع ومصافي تكرير النفط. كل إصابة ستؤدي إلى شل الدولة وهرب جماعي من منطقة إلى أخرى ومن البلاد إلى الخارج، وقبل أي شيء قتل جماعي.

عندما يخرج أحد سكان حي عنيف وحده من البيت وهو يحمل رشاشاً فسيكون محمياً من القبضات والسكاكين، ولكن آجلاً أم عاجلاً سيجد نفسه وظهره إلى الحائط مضطراً إلى استخدام السلاح الوحيد الذي بحوزته. الشارع سيمتلئ بالدماء، وستكون حياته في خطر حتى لو نجا. التشبيه واضح: إسرائيل مكشوفة الآن لتهديد هجوم آلاف الصواريخ التي ستعرض وجودها للخطر. هكذا لن يبقى أمامها أي خيار عدا الرد بنفس القوة. وإذا وجدت نفسها في وضع كهذا فإنها، للمرة الأولى، ستشن حرباً مع قدرة هجومية هائلة إلى جانب قدرة دفاع صفرية.

ما يناسب دولة عظمى تكنولوجية وقوية هي الحماية الفعالة التي كانت في متناول اليد قبل عقدين. العسكريون والعلماء الذين شخصوا فشل مفهوم الصواريخ المضادة للصواريخ، أشاروا إلى تكنولوجيا جديدة يمكنها تدمير أي تهديد للصواريخ والقذائف. شركة “نوتروب – غرومان” الأمريكية بالتعاون مع جهاز الأمن في إسرائيل طورت نموذجاً لليزر الكيميائي بالغ القوة “ناوتيلوس”.

أشعة الليزر لا تحتاج إلى احتساب مسار الصاروخ الذي أطلق، و”طيرانها أسرع من أي صاروخ اعتراض”، سرعة الضوء مقابل سرعة الصوت. ليس لها مدى حد أدنى مثلما لـ “القبة الحديدية” وسبق وأظهرت اعتراض صواريخ وقذائف مدفعية أيضاً من مسافة قصيرة خلال ثانيتين. وحتى تشرين الثاني 2004 أجرت أنظمة ناوتيلوس 46 تجربة لاعتراض أهداف مختلفة (قذائف وصواريخ وقذائف مدفعية) بـ 100 في المئة من النجاح. جهاز عملياتي يقوم على ناوتيلوس وسكاي غارد تم عرضها على إسرائيل مع التعهد بالوفاء بالإنجازات العملياتية والجدول الزمني وتزويدها بالنظام الأول خلال 18 شهراً.

لماذا إذاً في هذه المرحلة بالذات أوقفت وزارة الدفاع هذا التطوير؟ ولماذا صم الأذان قسم الأبحاث وتطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية التكنولوجية منذ دعوة المهنيين للعودة إلى تطوير النظام؟ وفي المقابل، ما المنطق في الإعلان الفارغ قبل شهر تقريباً (بتوقيت غريب، فور توجه جمعية “درع للجبهة” لرؤساء أجهزة الأمن) بأن تم البدء في تطوير ليزر كهربائي بالتحديد، وقد أقر الخبراء بأن احتمال نجاحه ضد الصواريخ لا يلوح في الأفق. وكل ذلك في الوقت الذي ما زالت فيه تكنولوجيا الليزر الكيميائي متاحة لتطوير المرحلة المتقدمة التي توقفت عندها؟

هذه الأسئلة ليست موضوعنا الآن، وستبحَث في حينه. أما يما جب أن يقف أمام ناظري رؤساء أجهزة الأمن الآن إزاء التهديد الوجودي المحدق بنا جميعاً هو طلب لا يحتمل التأخير: أعيدوا على الفور تطوير السكاي غارد. وإذا استمر إهمال الجبهة الداخلية فذلك ذريعة لتشكيل لجنة التحقيق القادمة.

بقلم: إسحق بريك وابشالوم اليتسور

هآرتس 14/2/2020

- خطة ترامب… بين الرفض الفلسطيني ومستقبل “إسرائيل الكاملة”

صفقة القرن من أجل حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين تشكل تغييراً عميقاً مقارنة مع كل المحاولات التي جرت لمواجهة هذا النزاع منذ العام 1993، التي شاركتُ في معظمها. وبصفتها خطة تسعى ويمكنها التأثير على عناصر حاسمة في الأمن القومي الإسرائيلي، فهي تستحق نقاشاً عاماً يتجاوز ضجة الانتخابات ودعايتها.

النموذج الذي وجه إسرائيل في جميع المفاوضات آنفاً كان أن أمامنا نزاع بين حركتين وطنيتين لهما طلبات وروايات تاريخية متناقضة، تتطرق إلى نفس قطعة الأرض الموجودة بين البحر والنهر. لا يمكن تجاهل الواقع الديمغرافي على الأرض، وعلينا أن ندرك بأن الطرف الفلسطيني لن يلقي بروايته إلى القمامة. وبناء على ذلك، إذا أرادت إسرائيل ضمان مستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية فعليها أن تحاول خلق واقع جديد، متفق عليه وغير مفروض، ويقوم على الانفصال إلى كيانين سياسيين مع تقسيم أراضي يهودا والسامرة، وهو واقع يتغلب على الروايات التاريخية ويضع خطوط توازن بين الاحتياجات الأمنية الحاسمة لإسرائيل والتطلعات السياسية الفلسطينية، ويؤدي إلى إنهاء النزاع. رؤساء حكومات مختلفون دخلوا في مفاوضات ورسموا خطوط التوازن المطلوبة في أماكن مختلفة الواحد عن الآخر، لكنهم جميعاً، بمن فيهم نتنياهو، فعلوا ذلك على أساس النموذج نفسه.

خطة ترامب تقترح نموذجاً مختلفاً. للمرة الأولى تطرح الولايات المتحدة، بالتشاور مع إسرائيل، خطة مفصلة مرفقة بخريطة لحل شامل للمسائل الرئيسية، التي تميل بشكل كامل لصالح الرواية التاريخية للحركة الوطنية للشعب اليهودي، وتضع المسامير في مسألة احتياجات كل طرف من أطراف التسوية، بل وفي مسألة من هو المحق. وهي تتعامل بـ”ملف 1967″، و بـ”ملف 1948″، بما في ذلك الاعتراف بسيادة إسرائيل في الحرم، وإلغاء مطالبة الفلسطينيين بحق عودة اللاجئين، وإعادة فتح الحدود التي تم ترسيمها بعد انتهاء حرب الاستقلال، وذلك من خلال إجراء إعادة تنظيم في مناطق 1967 و1948 كرزمة واحدة واقتراح لنقل مناطق “المثلث” إلى فلسطين كتعديل تاريخي.

الخطة تعتبر نفسها أرضية للمفاوضات، ولكن بوضعها أمام الفلسطينيين وهذا الاختيار بين روايتهم والدولة وبأن رفضها سيؤدي إلى خسارة أخرى للفلسطينيين.. تظهر مثل قاعدة ليس للجسر فحسب، بل للإكراه أيضاً. تدعي إدارة ترامب بأن النموذج القديم فشل. لذلك، فإن مطلوب نموذج جديد. أجل، حسب رأيي، لم نكن في أي يوم قريبين حقاً من انطلاقة نحو اتفاق دائم، وحتى أننا لم ننجح في التغلب ولو على مسألة أساسية واحدة. والمجال يضيق عن تحليل سبب حدوث ذلك. ولكن على كل الأحوال، الآن وبعد أكثر من 25 سنة على الإحباطات، وصلنا إلى النقطة التي لا أرى فيها أي قدرة لدى الطرفين على التقاء طرفي الحد الأدنى لهما من أجل التوصل إلى اتفاق يسوي المسائل الأساسية ويؤدي إلى نهاية النزاع ونهاية الطلبات. في هذه الأثناء، لم تبق الوقائع المادية والفكرية والسياسية للشعبين في مكانها بانتظار التسوية، بل ابتعدت عنه.

كثيرون توصلوا إلى الاستنتاج بأنه في ظل غياب القدرة على الانطلاق نحو اتفاق بخطوة شاملة واحدة، فإن المطلوب هو القيام بخطوات تدريجية وجزئية لتطبيق النموذج. خطة ترامب تراهن على كل الصندوق وباتجاه آخر. صحيح أنه يجب عدم تقديس نموذج قديم لم ينجح، ومن الجدير إعادة فحص افتراضات أساسية ومعايرة توقعات، ولكن هل تعدّ خطة ترامب هي النموذج البديل الصحيح لإسرائيل؟ وللإجابة عن ذلك، يجب فحص عدة مسائل وسيطة.

هل تعطي خطة ترامب إسرائيل أدوات فعلية لتطبيق احتياجاتها الأمنية في واقع متفق عليه؟ نعم، “بصورة كاملة”. الدولة الفلسطينية سينزع سلاحها بصورة فعلية وستعطى لإسرائيل مسؤولية أمنية كبيرة على كل المنطقة والسيطرة على غور الأردن وعلى الفضاءات الجوية والبحرية والإلكترومغناطيسية. حول عدد غير قليل من هذه العناصر كانت لنا نقاشات شديدة مع الفلسطينيين (الذين اتفقنا معهم فقط على مبدأ نزع السلاح، ولكن ليس على طريقة تطبيقه)، وكذلك مع أصدقائنا الأمريكيين. ما زلت أتذكر جيداً تلك النقاشات مع جون كيري عندما كان وزير الخارجية الأمريكية، في مسألة معايير تحديد استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في غور الأردن. والآن للمرة الأولى، توافق الإدارة الأمريكية على الصيغة الإسرائيلية الأوسع للترتيبات الأمنية في الاتفاق.

مع ذلك، الخطة تثير تساؤلات صعبة يجب مناقشتها. من ناحية جغرافية، إسرائيل ملزمة بتعويض الفلسطينيين عن 30 في المئة تقريباً من أراضي يهودا والسامرة المخصصة لهم. وتبادل للأراضي بمساحة “قابلة للمقارنة بصورة معقولة”، حيث يكون مجال احتساب الـ 100 في المئة هي مناطق يهودا والسامرة وغزة التي كانت في أيدي الأردن ومصر حتى العام 1967. والاحتساب على الخريطة يدل على أن الأمر يتعلق بتبادل للأراضي بنسبة 2: 1 تقريباً لصالح إسرائيل. من هنا، مطلوب من إسرائيل أن تعطي الفلسطينيين مساحة كبيرة بحجم يساوي ضعفي مساحة قطاع غزة. وفي ظل غياب القدرة على تبادل أراض بهذا الحجم في الحدود الحالية ليهودا والسامرة وغزة، بحيث لا تتضرر أي بلدات قائمة، فعلى إسرائيل أن تعطي مساحات كبيرة في النقب قرب الحدود مع مصر. وثمة مقترح خيار منح أراضي مأهولة في منطقة المثلث، لكن هذا خيار نظري؛ فلا يوجد احتمال لأن توافق السلطة الفلسطينية وسكان المثلث على ذلك.

 ثمة حاجة إلى نقاش عام في إسرائيل حول أهمية خريطة الخطة، وأفضلية الأراضي التي سيتم ضمها وإعطاؤها من زاوية نظر إستراتيجية. وأذكر بأنه حسب قانون الأساس: استفتاء- فإن إعطاء أراض من إسرائيل يحتاج إلى أغلبية من خلال استفتاء عام، إلا إذا حصل الاقتراح على تأييد 80 عضواً في الكنيست. وإليكم عدداً من الأسئلة التي تقتضي النقاش: لماذا يعدّ ضم عشرات كثيرة من المستوطنات المعزولة وخلق سلسلة من الجيوب السيادية في أراضي فلسطين (أصلاً يوجد للجيش صلاحية أمنية متزايدة على الأرض)، أهم من الحفاظ على مناطق في النقب، الذي يشكل عمقاً إستراتيجياً ومناطق تدريب أساسية للجيش؟ ما هي أهمية إيجاد وحماية حدود إسرائيلية – فلسطينية جديدة (مفتوحة؟ مغلقة؟)، طولها 1300 كم؟ ما هي أهمية عشرات الجيوب الفلسطينية داخل أراضي إسرائيل؟ هل فرض السيادة هو الحل الوحيد من أجل الحفاظ على جميع مصالح إسرائيل مهما كانت؟

ومن الجدير أيضاً مناقشة مسألة العلاقة بين الجغرافيا والديمغرافيا: في المنطقة المخصص إعطاؤها لإسرائيل يعيش مئات آلاف الفلسطينيين، معظمهم في القدس. وعلى الأقل هناك 70 ألف شخص في غور الأردن. الخطة تقترح على العرب في شرقي القدس الاختيار بين ثلاثة أمور، منها الجنسية الإسرائيلية والإقامة الدائمة، ويمكن الافتراض بأنه سيقترح ذلك أيضاً على غير المقدسيين. ما هو ميزان المكاسب في إضافة مناطق معينة لسيادة إسرائيل مقابل الخسائر في فتح الباب (أو إغلاقه) أمام إعطاء الجنسية لسكان هذه المناطق؟ هل تبرر مكاسب ضم معظم الأحياء العربية في شرقي القدس ثمن إعطاء الجنسية لنحو 200 ألف فلسطيني يعيشون هناك؟

هل يمكن للخطة أن تشكل قاعدة للتفاوض مع قيادة فلسطينية مستقبلية؟ حسب تقديري، لم يولد بعد الزعيم الفلسطيني الذي يمكنه الموافقة على هذه الخطة كقاعدة للمفاوضات. صحيح أن هناك دولة مقترحة على الفلسطينيين، ولكن الحصول عليها مرهون بسلسلة شروط حظوظها معدومة في التحقق (مثل نزع السلاح في غزة)، وجزء منها (هو معيار عال للديمقراطية وحقوق الإنسان) غير قائم في أي دولة عربية. لا يستطيع أي زعيم فلسطيني الموافقة على دولة مصغرة ومجزأة ومحاطة بغلاف إسرائيلي وبعاصمة في الأحياء البعيدة في شرقي القدس. مليارات الدولارات الموعودة للفلسطينيين لن تحلي حبة الدواء المرة بالنسبة لهم، ربما العكس.

أبو مازن (85 سنة) هو آخر جيل المؤسسين للحركة الوطنية الفلسطينية، وهو يركز على ترسيخ إرثه (غير الفاخر جداً). كل زعيم سيأتي مكانه، حتى أكثرهم براغماتية، سيكون عليه أن يرسخ مكانته على محاربة خطة ترامب وعلى مواقف متصلبة تجاه إسرائيل.

إذا كانت خطة ترامب ليست أرضية للمفاوضات، فما هي فائدتها؟ ربما تجد الخطة طريقها إلى عالم النسيان مثل معظم سابقاتها. مثلاً، إذا انتخب رئيس من الحزب الديمقراطي بدلاً من ترامب. مع ذلك، معقول أنها ستضع بصماتها، ولو في وضع نقاط استناد جديدة وقوية أمام زعيم إسرائيلي في المستقبل. وبالأحرى إذا انتخب ترامب مرة أخرى، أو إذا توجهت إسرائيل إلى تطبيق أحادي الجانب للخطة.

في المدى القصير على الأقل يوجد لإسرائيل قدرة تأثير حاسمة على تطور الواقع في سياق خطة ترامب. تحظى في الوقت الحالي بدعم غير مسبوق من إدارة أمريكية داعمة ومن الرياح القومية التي تهب في العالم وتفتح تفاهمات جغرافية (مثل روسيا في شبه جزيرة القرم، والهند في كشمير)، ومن الضعف التاريخي للحركة الوطنية الفلسطينية، ومن عدم مبالاة العالم العربي تجاه الفلسطينيين الذي يدل على تغير إقليمي كبير.

بواسطة هذه الأجنحة ومبادرة ترامب، يمكن لإسرائيل أن تختار الطيران باتجاه خطوات ضم أحادية الجانب في يهودا والسامرة، التي امتنعت عن القيام بها على مدى 53 سنة، بدءاً من ضم أجزاء معينة وحتى تطبيق حلم أرض إسرائيل الكاملة. ولكن هل من الصحيح السعي للقيام بذلك فقط لأننا نستطيع ذلك؟ أو هل من الصحيح القيام بذلك لأنه هذا الأمر سيخدم أمن إسرائيل ومستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية على المدى البعيد؟

إن من يؤيدون الضم يستجيبون للتهديدات من التداعيات السلبية المحتملة التي تلوح في الأفق (إغلاق الباب أمام التسوية، وضعضعة الوضع الأمني على الأرض، والمس بالأردن وبالعلاقات الحاسمة معه، وإبطاء تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وزيادة حملة نزع شرعية إسرائيل في العالم وما شابه)، حتى لو تحقق جزء منها فعلينا ألا نفوت الفرصة التاريخية التي قد لن تتكرر لتحقيق مصالح إسرائيلية حيوية. وفي نهاية المطاف، سيتعود العالم على ذلك. في الأصل لا يوجد شريك فلسطيني للاتفاق حسب شروط الإجماع الإسرائيلي. يجب عدم تعويض الفلسطينيين عن رفضهم. ولأنه معروض عليهم كيان حكم ذاتي يمكنهم فيه أن يحظوا بجنسية ويصوتوا ويديروا حياة منفصلة، فإنه قد تم نزع الشوكة من خطر التدهور نحو دولة ثنائية القومية.

ولكن خط تطبيق أحادي الجانب للخطة يمكن أن يتبين كمنحدر زلق سيؤدي إلى واقع خطير وغير مستقر. وهاكم سيناريو لا يقل معقولية عن الحلم المتفائل: خطوات ضم إسرائيلية سيتم عرضها أمام الجميع وكأن إسرائيل تغلق أي إمكانية للانفصال من خلال الاتفاق وتتقدم نحو إعادة تحديد فضاء الصراع. هذه الرسالة يتوقع في الأيام القادمة أن تدفع الفلسطينيين إلى إعادة تعريف هذا الفضاء باتجاه دولة واحدة مع مساواة في الحقوق للجميع – وفي مرحلة معينة يمكن أن يحصلوا على دعم دولي كبير في ذلك. ومن الآن، يظهر تأييد واسع في أوساط الشباب الفلسطينيين لهذه الرؤية، وقد يزداد. في هذا الوضع لا توجد أي ضمانة لأن تواصل السلطة الفلسطينية الوجود، وطوال الوقت هي و”الجزر” الفلسطينية التي توجد في المناطق يمكن أن تنهار داخل بوتقة إسرائيل، مع ازدياد التحدي الديمغرافي والسياسي لإسرائيل. الضغط باتجاه دولة ثنائية القومية لن يأتي من الأعلى، بل سيتغذى من الأسفل؛ انظروا اندفاع الفلسطينيين باتجاه فضاء السيطرة الإسرائيلية في القدس. ولم نتحدث بعد عن التأثيرات المتبادلة المحتملة بين العرب في المناطق وعرب إسرائيل، الذين تتعامل معهم خطة ترامب وكأنهم جسم واحد. يمكن التجادل حول احتمالات هذا السيناريو الكابوس، ولكن لا يمكن رفضه. إن رهاناً كهذا على مستقبل إسرائيل ألا يبرر إجراء استفتاء؟

على إسرائيل أن لا تتبنى خطة ترامب كوصفة عملية “مقدسة”، بل العمل على تصليب الوضع السائد على الأرض، وتأطير الخطة كأرضية للانفصال وليس للاندماج، والسعي إلى ذلك بحذر وبالتدريج مع الحفاظ على مصالحها الأمنية، ومن الأفضل أن يكون هذا في إطار تفاهمات إقليمية. وقد حذرنا سليمان الحكيم في سفر الجامعة من “الغنى محفوظ لصاحبه وليس لصالحه”.

بقلم: ميخائيل هرتسوغ

هآرتس 14/2/2020



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 60 / 2184603

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع عن العدو  متابعة نشاط الموقع عين على العدو   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184603 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40