السبت 14 كانون الأول (ديسمبر) 2019

فن «الزن» وكوربين والقضية الفلسطينية

بقلم: علي الصالح *
السبت 14 كانون الأول (ديسمبر) 2019

لا يكفي أن نثمن أو نشيد، أو نشكر موقفا بحد ذاته، إنما المطلوب هو البناء على ما نثمنه ونشيد به، لأنه في الكثير من الأحيان تضيع هذه المواقف، لأننا نكتفي بالأقوال وتثمينها من دون متابعتها بـ»الزن» والإلحاح والتأكيد مرارا وتكرارا على ضرورة العمل من أجل ترجمتها إلى أفعال، كما تفعل اللوبيات الإسرائيلية.
ولن يكون ذلك بالطبع ممكنا من دون تجنيد وحشد كل الطاقات والأسلحة المتعددة والكثيرة، ليس للشعب الفلسطيني فحسب، بل الأشقاء، أو من تبقى منهم، والأصدقاء والحلفاء، واستخدامها على نحو يعزز الموقف السياسي، كي تشكل عامل ضغط فعال على الأطراف المعنية.
يأتي ذلك تعقيبا على الإشادات الفلسطينية، بمبادرة وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسلبورن لإقناع جميع الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اعتراف جماعي بدولة فلسطين، ردًا على التغيير في السياسة الأمريكية المتبعة منذ نحو41 عاما، الذي يعتبر المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة غير شرعية. وهذه حقا مبادرة تستحق الإشادة والتقدير. ذلك التغيير الذي أعلنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قبل نحو3 أسابيع، لتصبح المستوطنات بقرار أمريكي، شرعية ولا تتناقض مع القانون الدولي. وحسب باراك رافيد المحرر السياسي للقناة الإخبارية الإسرائيلية 13، فإن الدبلوماسية الإسرائيلية، بل مجمل حكومة الاحتلال الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، في غاية القلق من تحرك أسلبورن، الذي على الرغم من انه يشغل منصب وزير خارجية واحدة من أصغر الدول الأوروبية، إلا أنه يحظى بنفوذ واحترام واسعين بين دول الاتحاد الأوروبي، نظرا لخبرته الواسعة، التي اكتسبها خلال 15 عاما حتى الآن كوزير خارجية لبلاده. وما يزيد من المخاوف الإسرائيلية، أن عددا من الدول الأوروبية من بينها، فرنسا وإسبانيا وأيرلندا، شهدت خلال السنوات القليلة الماضية، نقاشا متصاعدا يتعلق بجدوى اعترافها الرسمي بدولة فلسطين. ونقل رافيد عن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي قولهم، إن وزير خارجية لوكسمبورغ، بعث رسالة إلى وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، ووزراء خارجية الدول الأعضاء
الـ27 دولة، شدد فيها على ضرورة أن يدفع الاتحاد قدما بحل الدولتين، عبر خلق ظروف متكافئة سياسية بين طرفي الصراع. ويرى أسلبورن أنه بهذا الاعتراف المشترك بدولة فلسطين يمكن الحفاظ والإبقاء حيا على حل الدولتين، ودفع إسرائيل إلى طاولة المفاوضات.
يذكر أن أسلبورن هو وزير الخارجية الأوروبي الوحيد، الذي تجرأ ودعا إلى الاعتراف الأوروبي الرسمي الجماعي بدولة فلسطين، وهي الخطوة التي كان يفترض أن يتخذها الاتحاد الأوروبي عمليا منذ سنوات، أي منذ أن أوقفت حكومة نتنياهو المفاوضات في إبريل/نيسان 2014، وتراجعت عن اتفاق أوسلو المشؤوم وكل الاتفاقات والتفاهمات السابقة. وهذا الموقف المتقدم جدا لوزير خارجية أوروبي، وحتى لا يظل حبرا على ورق، يحتاج منا أن نحشد له جميع الإمكانيات، ونجند جميع الأسلحة لدى الفلسطينيين وحلفائهم، لتعزيزه وممارسة الضغوط على الدول الأوروبية، كي تتخذ مثل هذه الخطوة لتحقيق حل الدولتين، الذي تتغنى به هذه الدول، من دون أن تتخذ أي خطوات عملية حتى الآن لتجسيدها على الأرض. ومن القرارات الأخرى التي يمكن البناء عليها، القرار الذي اتخذه مجلس النواب الأمريكي، الذي يدعم «حل الدولتين» ويندد بالاستيطان، ويدعم تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة، وهو ما ثمنه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، واعتبر أنه يمثل رفضا لسياسة الإدارة الأمريكية الحالية، وإدانة لسياسات الاحتلال، وأنه يأتي متناغما مع قرارات الشرعية الدولية، لاسيما القرار رقم2334 الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي بمصادقة14 دولة وامتناع الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2016. وهذا بالطبع كلام جميل يطرب الآذان، خاصة أنه قادم إلينا من عاصمة أخذت إدارتها على عاتقها اتخاذ كل قرار يسيء ويضر بالشعب الفلسطيني وقضيته، على مدى السنوات الأولى الثلاث من عمرها، عاصمة إدارتها متماهية تماما مع ركائز المشروع الصهيوني.

وكما بدأنا نؤكد على أن على الشعب الفلسطيني أن يجند كل أسلحته، وكذا الأصدقاء الصدوقين والحلفاء الأوفياء، كي يمارسوا الضغوط التي تقود في النهاية إلى نقل هذه الأقوال والتصريحات إلى حيز الأفعال. ونؤكد أن عليه أن يتعلم فن «الزن» والإلحاح من اللوبيات الصهيونية، التي نجحت في أساليبها في قلب الباطل حقا والحق باطلا،
والدليل الحي على «الزن» الصهيوني هو الحملة غير المسبوقة التي تقف وراءها السفارة الاسرائيلية طبعا واللوبيات الصهيونية في بريطانيا، ضد زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين منذ اليوم الأول لانتخابه زعيما للحزب، قبل نحو أربع سنوات، بسبب موقفه التاريخي الواضح والصريح في دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة، والتأكيد في برنامجه الانتخابي على أن حزبه سيعترف بدولة فلسطينية مباشرة في حال فوزه في الانتخابات. حملة تواصلت، من دون توقف وتمحورت حول تهمة معاداة السامية، حملة جند لها العديد من وسائل الإعلام البريطانية التي تركزت على حمله على الاعتراف بتغلغل معاداة السامية في حزبه، ومحاولة حمله على الاعتذار لليهود في بريطانيا، وهو ما رفضه رفضا قاطعا، مشددا على موقفه الواضح والصريح ضد أي تمييز عنصري، بما فيها معاداة السامية، وكذلك الإسلاموفوبيا، حملة يربطونه فيها بتنظيمات وحركات تتهمها بالإرهاب مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي «آي آر أيه» السابق وحركة حماس وحزب الله اللبناني.
حملة دخل فيها على خط الانتخابات، حتى وزير الخارجية الإسرائيلي يتسرائيل كاتس حيث دعا للتصويت ضد كوربين، حملة شارك فيها وعلى غير العادة كبير حاخامات بريطانيا أفرايم ميرفس، في مقال انتقد فيه بصورة مباشرة جيرمي كوربن، واتهمه بالعجز عن منع انتشار «سم» مناهضة السامية في حزبه. حملة مركزة نجحت في اغتيال شخصيته، إلى درجة أن اسم كوربين أصبح للكثير عقبة في طريق التصويت للحزب، رغم أن الناخبين يؤيدون سياساته الأخرى بشكل عام، لا سيما الخدمات العامة من الصحة والتعليم والمواصلات العامة والمياه والكهرباء والغاز.
وأخيرا فإن على الفلسطينيين أن يتعلموا «الزن» وأن يتعلموه على أصوله من الصهاينة الذين أن أرادوا شيئا يوجهون اليهم كل طاقاتهم وماكنتهم الإعلامية، ويواصلون «الزن» حتى يتحقق لهم ما أرادوا. يجب ألا نتوقف عن الزن والإلحاح، الزن المدعوم بمخططات فلسطينية بديلة تجعل المعنيين يفكرون غير مرة في عدم التجاوب، فهذا أسلوب مجرب من قبل الحكومات الاسرائيلية وأدواتها، قد يقول قائل إن الوضع مع الاسرائييليين واليهود مختلف، هذا غير صحيح، واؤكد على أنه عندما يشعر الطرف المتلقي بوجود ما يدعم زنك والحاحك سيتجاوب وسيرضخ في النهاية للضغوط، إذا كان هناك ما يدعم زنك، خاصة وأنت صاحب الحق، وكما يقال لا يضيع حق وراءه مطالب، ونحن أقوياء بحقنا وهم اقوياء بزنهم، فلو جمعنا الحق مع الزن وعناصر الضغط الأخرى سنكون الأقوى وسيكون النصر حليفنا بالتأكيد.
وأختتم بالقول إنه إن كان هناك درس نتعلمه من هزيمة كوربين، وإن كانت هناك رغبة حقيقية في تحقيق الانخراط والاختراق في المجتمعات التي نعيش فيها، واخترناها لأن تكون أوطانا لأولادنا وأحفادنا من بعدنا، واذا كانت هناك رغبة في التأثير في سياساتها، فعلينا أفرادا وجماعات وتنظيمات وحركات وجاليات فلسطينية، ليس في بريطانيا فحسب، بل في مجمل القارة الأوروبية، بتغيير أساليب عملنا، إن كان هناك أصلا عمل حقيقي، وأن نتعلم من تجارب اليهود في هذه البلدان، وأن نفكر بجدية في الانخراط الفلسطيني ليس كأفراد، كما هو حاصل حاليا بل كجماعات وجاليات، في مجتمعاتنا الجديدة وأحزابها، لقد أصبح الانخراط ضرورة ملحة إذا كان الغرض فعلا خدمة القضية الفلسطينية، وليس فقط التقاط الصور التذكارية وإحياء المناسبات العامة، وبالمناسبة فإن عدد الفلسطينيين في الغرب، ولن نتحدث عن المسلمين، أضعاف أعداد الجاليات اليهودية في أوروبا، وليس خطأ أن نتعلم من دروسها وتجاربها والأهم أن نتعلم منها فن «الزن».

كاتب فلسطيني *



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2184603

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184603 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40