السبت 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019

الصراع الإنتخابي في “إسرائيل”: بين فساد الخبير وحظوظ الهاوي

ميس القناوي*
السبت 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019

فشِلَ نتنياهو في تشكيل حكومته حينما كلّفه رئيس الكيان الصهيوني “ريڤلين” بذلك، فقد انتهت مُهلته القانونية دون أنْ يتمكن من إقناع ليبرمان بالدخول في إتلاف مع كتلة الليكود والكتلة اليمينة، مما جعل نتنياهو يُعيد التكليف مرةً أخرى لرئيس دولة الاحتلال، والذي قام بدوره بتكليف بني غانتس رئيس تحالف “أزرق-أبيض” أو “كحول-لڤان”. وخلال الإحدى والعشرين يومًا للمهلة الممنوحة لَهُ؛ سلك نتنياهو خيارين متوازيين؛ الأول محاولته الجادة إقناع بيني غانتس بالتحالف معه عبر تشكيل حكومة “وحدة وطنية” موسّعة تشمل الليكود والكتلة اليمينية، بالإضافة إلى كتلة تحالف أزرق-أبيض، وكان المُعرقل الأساسي لتشكيل هذه الحكومة هو طموح “غانتس” بحصوله على مقعد رئاسة الوزراء في كامل مدتها، دون مقاسمتها مع نتنياهو، بالإضافة إلى عدم رغبته بالدخول في تحالف مع الكتلة اليمينية، ويسبق ذلك كله رغبة غانتس في جر نتنياهو من أُذنيه نحو محاكم الفساد.
‏أما المستوى الثاني، والذي كان يعمل عليه نتنياهو، بالإضافة إلى رغبته الحميمية بالشراكة مع غانتس لتشكيل حكومة وحدة وطنية مُوسّعة؛ محاولته التخذيل عن غانتس، بحيث يفشل في تشكيل حكومته دون الكتلة التي بتزعمها نتنياهو. وعليه فإنّ نتنياهو لم يستطع إقناع غانتس بالتحالف معه، لكنه نجح وفي المقابل في إفشال غانتس لتشكيل حكومته، مما حدا بهِ إلى إرجاع التكليف بعد إنتهاء المدة القانونية إلى رئيس الاحتلال.
‏وفق القوانين “الإسرائيلية” فإنّ فشل المُرشحيْن البارزيْن في تشكيل حكومتهما، يجعل اختصاص تعيين مُكلف جديد لتشكيل الحكومة يعود إلى الكنيست الإسرائيلي؛ بحيث يمنحها الرئيس مدة أقصاها واحد وعشرون يومًا للقيام بذلك. فإنْ فشلت وهذا ما نُرجّحه، سيصار إلى انتخابات كنيست ثالثة في غضون ثلاثة أشهر.
‏في هذه الأثناء تم توجيه اتهامات المدعي العام لنتنياهو في ملفات الفساد، والتي كان أبرزها؛ الخيانة والرشوة وتلقي الأموال غير المشروعة، والتي شكّلت انتكاسة حقيقية لشعبية نتنياهو، وزعزعت استقرار منصبه كمتزعّمًا خالدًا لحزب الليكود اليميني حيث الطامحين بخلافته كُثر. وفي آخر استطلاعات رأي ليديعوت أحرنوت العبرية؛ فإنّ 56% من المُستطلعة آراؤهم يؤيدون استقالة نتنياهو. والحالة هذه؛ فإنّ نتنياهو متمسكٌ برئاسة الوزراء حتى الرمق الأخير، ويُسعفه في ذلك أنّ القانون الإسرائيلي يُعطيه الحق في البقاء على منصبه، حتى صدور حكم نهائي بات بإدانته، إلا أنّه يُمنح للمحكمة العليا الإسرائيلية حق إقالتهـ وهذا ما يتخوف منه نتنياهو فعلاً.
‏نرى أنّ الكنيست سيفشل في تشكيل الحكومة؛ على الرغم من أنّ القانونيين الدستوريين الإسرائيليين قد أفتوا بجواز تولية الكنيست لشخصيتين لتشكيل حكومة يتناوب عليها رئيسين للوزراء؛ فإذا ما اقتنع الكنيست الإسرائيلي بذلك فإنّ حظوظ تشكيل حكومة بهذا الشكل قد تحظى برضى أعضاءه، مما يُسهل ولادة هذه الحكومة. إلا أنّ هنالك شخصيتين سوف تعمدان على إفشال هذا المقترح إذا ما تم تبنيه، وهما؛ نتنياهو والذي سوف يُحاول جاهدًا الهروب إلى الأمام بإطالة أزمة ملفات فساده عبر الذهاب إلى انتخابات ثالثة، وخاصةً بعد الهدية الكبرى التي منحتها الإدارة الأمريكية له، عبر وزير خارجيتها “مايك بومبيو”؛ بشرعنة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي تشكّل ما مساحته 40% من إجمالي الضفة الغربية، بالإضافة إلى نية نتنياهو ضم غور الأردن وجنوب البحر الميت إلى “إسرائيل” بشكل “قانوني” ورسمي، مما يجعله يظن أنّ ذلك سيشكّل لهُ رافعة قوية أمام الجمهور الإسرائيلي اليميني المتطرف.
‏وأما الشخصية الثانية التي سوف تَعمد إلى إفشال مشروع الكنيست بإيجاد حكومة هو بني غانتس؛ حيث يرى أنّ مَن يُسميه مناصريه بملك إسرائيل “نتنياهو” تتهاوى أسهمه في الشارع الإسرائيلي بفعل فساده وفساد زوجته، وأنّ هدايا الولايات المتحدة الأمريكية لَهُ لنْ تنقذه، فهدايا ترامب لنتنياهو بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وضم الجولان السوري المحتل؛ لم يمنع “غانتس” من التفوّق على “نتنياهو” في الإنتخابات الثانية، وتقدّمت كتلته على كتلة الليكود بمقعدين، وهذا يُشجّع غانتس لتحمّس لإجراء جولة ثالثة تُطيح بخصمه، وتمكّنه من الحصول على مقاعد وافرة، تُهيئ له الأريحية الكاملة لتشكيل حكومة الإنتخابات الثالثة “السادسة والثلاثون”.
‏من جانبنا نرى أنّ الإنتخابات الثالثة في شباط 2020 قادمة لا محالة، لكن هذه المرة نحن أمام مجتمع إسرائيلي مُترهّل، ومُنقسم على ذاته انقساما حادًا، وصراع أفقي بين أقصى اليمين ويمين الوسط، وفي ظل غياب شخصيات إسرائيلية وازنة كؤلائك الذين شكّلوا الرعيل الأول لقيام كيان الإحتلال، وفي سباقٍ محموم بين نتنياهو الذي تتآكل شعبيته على وقع فساده، وبين صعودٍ حذر لغانتس بركوبه موجة إخفاقات نتنياهو وخاصةً ازدياد وتيرة سخونة جميع الساحات شمالًا وجنوبًا، وازدياد التهديدات “للأمن القومي الإسرائيلي”.

باحثة سياسية فلسطينية*



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7210 / 2184594

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184594 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40