السبت 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019

القضية الفلسطينية والحرب الإلكترونية

د . سناء أبو شرار*
السبت 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019

لم يعد الصراع الفلسطيني ضد العدو الصهيوني يقتصر على أرض الواقع أو في الصحف والمجلات، بل هناك حرب أخرى تختلف عن الحرب الخاصة بالمعلومات العسكرية واللوجستية التي تدور بين الدول أو أطراف النزاع، هي حرب ناعمة صامتة ولكن يمكنها أن تكون خطيرة ومُدمرة؛ وهي حقيقة واقعية عبر الانترنت سواء بواسطة الفيس بوك أو التويتر واليوتيوب، الانستجرام أو الواتس آب؛ فهناك ما يُسمى بالقوات السيبرانية أو القوات الإلكترونية التي ترصد ما يكتبه الفلسطينيون والعرب والمسلمون في أي مكان على الأرض؛ وهناك من يتابع الصور والكلمات وردود الأفعال سواء للمشاهير منهم أو للأشخاص المغمورين. وهناك أعداد كبيرة بأسماء مزيفة عربية وغربية تتواصل مع أعداد كبيرة من العرب والمسلمين وهم في الحقيقية يعملون لمصلحة الكيان الصهيوني ونحن كعرب أو مسلمون نتعامل بسذاجة وبساطة ونعتقد أنه من دواعي الفخر أن يكون لدى كل منا أعداد كبيرة من الأصدقاء على الفيس بوك أو الانستغرام وأن نشعر بالإطراء والمباهاة حين يشاهد عدد كبير من الناس اليوتيوب الذي نتحدث به عن أي موضوع سواء هام أو تافه.

وأنه من الشجاعة أن نرد على الكلمات التي تُكتب على فيس بوك تابع لجيش الاحتلال الصهيوني وأن نشتمهم أو أن نتجادل معهم، ولا ندري بأن هذا الرد بحد ذاته هو اعتراف بوجودهم وأنهم عبر هذا الرد يدرسون نفسية كل من يكتب ولو كلمة رداً عليهم، وأن هذا الفيس بوك أحد وسائل اختراق المجتمع الفلسطيني، فمن الصعب على الصهيوني أن يجلس لتناول القهوة مع الفلسطيني ولكنه وبسهوله يتحدث معه، يجادله، يناقشه، يكشف عن أجزاء من تفكيره ونفسيته دون مقابل ولا يدرك أن مجرد الرد يُعتبر نجاح كبير لهم.
أصبحت هذه المنصات الاجتماعية بجزء كبير منها ظاهرة نرجسية لمن يتعطش للشهرة السريعة ولفت النظر بأي ثمنٍ سواء رخيص أو باهظ؛ ولا نلتفت أو ننتبه أنه هناك من يرصد الكلمات والصور، هناك من يحلل النفسيات ويستشف المعلومات من قبل شخصيات سطحية لا تنظر لأبعد من شهرة براقة أو لفت نظر عابر.
ولكن ما الثمن لهذا التهافت نحو الشهرة، نحو الإعجاب، نحو الحديث مع الغرباء نحو الرغبة بالحصول على أكبر عدد من الأصدقاء؟ ما هو الثمن الذي تدفعه القضية الفلسطينية مقابل هذا الاستهتار النفسي وهذا الابتذال الدعائي؟
مقابل هذا الجيش من الإلكتروني الذي يرصده العدو الصهيوني، هناك من يستجيب لهذا الجيش ويخدمه دون أن يدرك ذلك، هناك من يمده بالمعلومات ولو بعفوية غبية ورغبه مريضة بنيل الأعجاب، هناك من ينساق إلى أكثر من مجرد كلمة إعجاب ليدخل بدائرة التجسس والتخابر عبر الفيس بوك وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهناك من لا يقاوم جمال الحسناوات فيقع في فخ الحسناء المجهولة أو الشاب الوسيم.
فأين الحصانة الذاتية؟ وكيف للمؤسسات الفلسطينية أن تخلق هذه الحصانة أو تجعلها أسلوب حياة مثلما المقاومة أسلوب حياة؟ فما عجز عنه العدو الصهيوني على أرض الواقع يستطيع تحقيقه عبر العالم الإلكتروني بسبب الضعف النفسي لدى شريحة واسعة من مجتمعاتنا العربية التي تعشق كلمات الإطراء وتعشق الجمال وتعشق الخيال الجامح بأن كل ما يمر عبر الشاشة هو حتماً بريء ولا يمكن أن يكون خطير.
جيش العدو الإلكتروني لا يكتفي بالتواصل المشبوه عبر الشبكات الإلكترونية بل يبث الأخبار الكاذبة، الصور المُحرفة، الرسائل السامة المبطنة، يُتقن فن التلاعب بالأدمغة والمشاعر بالمصطلحات والقيم، فتتحول الخيانة إلى تطبيع، والمقاومة إلى إرهاب، والحق بالوطن معاداة للسامية، وهو يقسم المجتمعات، يدعم المعارضين، يؤجج للفتنة، يشجع على الرذيلة. يقوم ببث كل ما يمكن أن يهدم أي قيمة وطنية أو أخلاقية أو كل ما يسبب شرخ في المجتمعات العربية المسلمة وبلسانٍ عربي فصيح ويجند من يقوم بهذه المهمة ممن نعتقد أنهم منا ولنا.
لطالما كانت الثقافة أساس نهضة المجتمعات، ولكنها في الوقت الراهن درع وقاية للمجتمعات، وللدفاع عن النفس في الحرب الإلكترونية، فشبابنا الذين يعتقدون أنهم يمكن أن يعيشوا حياة طبيعية دون ثقافة ودون قراءة أو وعي فكري ونفسي سوف يكونوا فريسة سهلة لهذا الحرب الإلكترونية الطاحنة، وحكوماتنا لابد أن تُدخل ضمن المناهج المدرسية وسائل الحماية من هذه الحرب الخفية المُدمرة؛ وعائلاتنا لابد أن تعود لتجتمع من جديد وتناقش أمورها الحياتية وأن لا تتواصل مع أي شخص غير معروف الهوية والخلفية، إن لم تتولى الحكومات هذه المهمة فلابد أن تتولاها العائلات بالحذر والحيطة، وأن يتولاها الأفراد بحماية أنفسهم من الصور البراقة ومن الكلمات الجميلة ومن الرسائل السامة التي تزرع الفرقة والخيانة والدمار الأخلاقي والعقائدي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2184542

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2184542 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40