السبت 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019

أبو العطا شهيد الاغتيالات 430 فليكن آخرهم

علي الصالح
السبت 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019

تساؤل طالما يطرح نفسه في كل مرة نسمع فيها عن اغتيال شخصية قيادية فلسطينية بارزة، عسكرية كانت أم سياسية، والسؤال هو لماذا وكيف تنجح دولة الاحتلال دوما، أو لنقل في أغلب الأحيان في عمليات اغتيال قادة كبار، ونقول أغلب الأحيان لأن أجهزة المخابرات الإسرائيلية بفروعها المختلفة وطائراتها، فشلت غير مرة في عمليات اغتيالها والمثال الحي على ذلك هو محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، الذي حاولت اغتياله آخر مرة في حرب صيف 2014 ونجا بأعجوبة، رغم أنه معاق بسبب إصابات تسببت بها محاولات اغتيال سابقة.
آخر ضحايا الاغتيالات الإسرائيلية بهاء أبو العطا عضو قيادة سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الذي أشعل اغتياله جولة جديدة من المواجهات العسكرية في قطاع غزة، استمرت نحو 48 ساعة، وراح ضحيتها34 شهيدا، من بينهم زوجة أبو العطا وأسرة من8 أفراد، أبيدت عن بكرة أبيها، رحمهم الله جميعا، وجرح أكثر من مئة، إلى جانب الخسائر المادية والدمار، وإن كان ذلك يهون أمام الشهداء والجرحى.
انتهت هذه الجولة من القتال، كما في كل مرة بوقف لإطلاق النار، بوساطة مصرية وادعاء كل طرف النصر، وتلقين الطرف الآخر درسا لا ينساه. ومن النجاحات التي تزعم إسرائيل أنها حققتها في هذه الجولة، إبقاء حركة حماس على الحياد، عن طريق عدم قصف أي مواقع لها، والتركيز على مواقع الجهاد ومنشآتها، في محاولة بائسة لدق الأسافين بين الفصيلين الرئيسيين في قطاع غزة. نعم كتائب القسام الجناح العسكري لحماس لم تطلق صاروخا واحدًا، ولا ندري إن كان ذلك ناجما عن تفاهم بين الطرفين، وإلا فإن العدو نجح حقا في شرخ العلاقة بين «رفاق الدم»، وهذا ما لا نتمناه.
تساؤلات كثيرة تطرح نفسها أولها، كيف يمكن أن يعود القادة المستهدفون مطمئنين إلى منازلهم، وهي تحت المراقبة الدائمة على مدار الساعة، وهم يدركون ذلك جيدا؟ وكيف يعرضون حياة أفراد عوائلهم للخطر؟ وكيف تعيش عوائلهم في عناوين ثابتة وأماكن مكشوفة ومعروفة للقاصي والداني، أليست هناك أساليب أخرى للتمويه، ولما لا تخضع منازلهم وأسرهم للحماية والمراقبة24 ساعة في اليوم؟ وكيف يأمن هؤلاء القادة للاحتلال وأجهزته الأمنية، حتى إن كان هناك نوع من الهدوء والتهدئة وتوقف عمليات الاغتيال إلى حين؟
وحسب المعلومات فإن القرار الإسرائيلي بتصفية الشهيد أبو العطا، اتخذ قبل نحو عامين، وجرت المصادقة عليه قبل أسبوع من التنفيذ. ولم يحم أبو العطا جنوحه للتهدئة، وذلك بمشاركته في لقاءات في القاهرة في النصف الثاني من أكتوبر الماضي، أي قبل نحو شهر من اغتياله، في وفد من الجهاد الإسلامي ضم قيادات عسكرية وسياسية من القطاع والخارج، برئاسة الأمين العام للجهاد زياد نخالة، لبحث مستقبل التهدئة بين إسرائيل والقطاع.
وتكشف التحقيقات التي أجراها الجهاز الأمني للجهاد، عن طائرة مسيرة صغيرة من طراز «كواد كابتر»، حلقت ثلاث مرات فوق منزل أبو العطا القائم في حي الشجاعية شرق مدينة، غزة المتاخم للحدود الشرقية. وأن هذه الطائرة صورت المنزل بدقة، في وقت لم يكن بداخله أبو العطا، بعد يوم واحد من إطلاق الصواريخ من غزة الجمعة التي سبقت اغتياله، ثم عادت يومي الأحد والاثنين للتحليق مرتين في ساعات الليل. وحلقت طائرة من الطراز نفسه فوق منزل أبو العطا قبل اغتياله بدقائق، واقتربت من «الشرفة» المطلة على غرفة منزله، واخترقتها واستطاعت التقاط صورته. وتبين أن تلك الطائرة، كانت تحمل قنابل يدوية، وانفجرت داخل الغرفة بعد دخولها، وتوثيق الكاميرات المثبتة عليها، وجود أبوالعطا في الداخل، وبعد أقل من دقيقة من تفجير الطائرة، أطلقت طائرة حربية صاروخين بشكل مباشر على الغرفة، ما أدى إلى تدميرها بالكامل. وحسب المصادر، فإن أبوالعطا دخل منزله قبل نصف ساعة من اغتياله، وكانت طائرات الاستطلاع ترصد المنزل على مدار الساعة، الذي لا يتردد عليه كثيرا بسبب الملاحقة من قبل إسرائيل. وباغتيال الشهيد ابو عطا يبلغ عدد القادة من عسكريين وسياسيين الذين اغتالتهم إسرائيل في الداخل والخارج منذ عام2000 وحتى الآن نحو 430، وبحسبة صغيرة فإن معدل شهداء الاغتيالات في السنة يصل إلى نحو اثنين وعشرين، أي بمعدل أقل بقليل من شهيدين في الشهر الواحد، وهذه نسبة عالية جدا، بل صادمة.

لا نضاهي دولة الاحتلال في التقدم التكنولوجي وفي عالم التجسس، ولكن علينا أن نضاعف من حسنا الأمني وأن نتوخى الحذر

ومن بين تلك الكوكبة من الشهداء الكبار، نذكر على سبيل المثال الدكتور ثابت ثابت من حركة فتح (31 ديسمبر/كانون الأول 2000) وأبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية (27 أغسطس/آب 2001) واستشهد إثر إطلاق صاروخين على مكتبه في رام الله.
وصلاح شحادة القائد العام لكتائب القسام (22 يوليو/تموز 2002) الذي اغتيل مع أفراد عائلته بإسقاط قنبلة زنة طن على منزله، والشيخ أحمد ياسين (22 مارس/آذار 2004) الذي اغتيل بصاروخ أطلقته مروحية إسرائيلية، عقب خروجه من صلاة الفجر. والدكتور عبد العزيز الرنتيسي خليفة الشيخ ياسين (17 إبريل/نيسان 2004).
والشيء بالشيء يذكر فإنني لن أنسى المكالمة الهاتفية مع الدكتور الرنتيسي قبل استشهاده بأيام، وقلت يا ابو محمد يجب أنت وغيرك أن تكونوا أكثر حذرا، فأنتم مطاردون على مدار الساعة فجاء رده المتوقع الأعمار بيد الله، وبعد هذه المكالمة بأيام جاء خبر استشهاده. ونزار الريان (1 يناير/كانون الثاني 2009) أحد أبرز قيادات حماس، الذي لم يغادر منزله خلال الحرب الاولى، فاستشهد بقصف منزله هو وبقية أفراد أسرته.
وأحمد الجعبري القائد العام للقسام (14 نوفمبر/تشرين الثاني 2012)، الذي فاوض في صفقة تبادل الأسرى في عام 2011. ولن ننسى الشهداء الذين اغتيلوا في القرن الماضي في الخارج، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، أبو يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان وغسان كنفاني وأبو حسن سلامة (في بيروت) وخليل الوزير (أبو جهاد) في داره في تونس.
ولا تعتمد أجهزة أمن الاحتلال على طائرات التجسس في جمع المعلومات فحسب، وهذا يقودنا إلى دور الوحدة 8200 التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في تعقب تحركات كل الفلسطينيين، وحتى العرب، وجمع أدق التفاصيل عن حياتهم عبر الهواتف الذكية والهواتف الأرضية. وتعتمد هذه الوحدة في عملها على ثلاثة أوجه من العمل الاستخباراتي وهي: الرصد، والتنصت، والتصوير والتشويش. وهذه الوحدة قادرة على رصد الرسائل ذات القيمة الاستخباراتية، من خلال معالجة ملايين الاتصالات ومليارات الكلمات. وتدخل هذه الوحدة بيوت الفلسطينيين للتجسس عليهم، ما دفع العشرات من الضابط والجنود لرفض الخدمة العسكرية لأسباب أخلاقية، ولعدم قانونية التجسس لأهداف غير مرتبطة بالدفاع عن النفس. وكشف بعض هؤلاء الجنود عن طرق المخابرات في تجنيد العملاء من الفلسطينيين، من خلال استغلال نقاط ضعفهم، سواءً الإنسانية أو الجنسية، أو المالية بعد متابعة مكالماتهم الهاتفية وأجهزة كمبيوتراتهم. وأخيرا قد يقول قائل، إننا لا يمكن أن نضاهي دولة الاحتلال في التقدم التكنولوجي وفي عالم التجسس، وهذا صحيح، ولكن في المقابل يجب أن نضاعف من حسنا الأمني وأن نتوخى الحذر ونبقي العيون مفتوحة دائما.
وأختتم بالقول، إن الكثير من الفلسطينيين يفتقرون للحس الأمني وهذه ثقافة مغروسة في دواخلنا، انطلاقا من ثقافة أن الأعمار بيد الله ولا نشكك في ذلك، لكن في الوقت نفسه يقول الله تعالى «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ». فحتى في مكالماتهم الهاتفية لا يتوخون الحذر، رغم معرفتهم بأنهم تحت رقابة أجهزة مخابرات الاحتلال، ونتيجة لذلك فإن أعدادا كبيرة من المقاومين والقيادات كانوا مكشوفين لهذه الأجهزة، بسبب التواصل عبر شبكات الهواتف الخلوية وحتى الأرضية، وبسبب الإهمال لا الجهل، فقد الفلسطينيون ولا يزالون العديد من خيرة قادتهم ومناضليهم بين اغتيال واعتقال. لا بد من وضع حد للإهمال ليس فقط لحماية النفس فحسب، بل الأحبة وفلذات الأكباد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2184570

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2184570 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40