السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2019

مصر: الحراك الشبابي وشبهة الفاشية في تكويناته التاريخية

محمد عبد الحكم دياب
السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2019

نحن نعيش حقبة مضطربة على مستوى العالم كله؛ تجعل ملاحقة الأحداث أمرا يكاد يكون مستحيلا.. خاصة إذا ما كانت أحداثا مترابطة ومتشابكة؛ تؤثر وتتأثر ببعضها البعض، فثورة الاتصالات وسرعة الانتقال وتداول المعلومات؛ اختزلت المسافات، فضاق العالم وتحول إلى قرية صغيرة تعيش تغيراته وتحولاته لحظة بلحظة.. مهما بعدت المسافات، وضمن تناول الحراك الشبابي في مصر، وأشرنا إلى دور اليسار وحجمه وتأثيره في هذا الحراك الذي تتسع رقعته يوما بعد يوم.
وهناك حراك قديم نسبيا، وقد أثار جدلا كبيرا وما زالت المعلومات حوله قليلة، والدراسات التي تناولته محدودة، ويرجع السبب في جانب منه لظروف عانى منها العالم بين الحربين العظمى 1914ـ 1918 والعالمية الثانية 1939 ـ 1945، وما زالت مؤثرة حتى وقتنا الحالي، وكانت إنعكاسا لظهور الفاشية والنازية والعسكرة في أوروبا. وقد جذبت شبابا وزعماء عملوا على استنساخها، واعتبرها باحثون ومؤرخون في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين أنها انقلاب مضاد هز علاقات وأوزانا كثيرة من العالم، وكان لـ «القارة العربية» نصيب كبير منها، واعتقد أن بذرتها وُضِعت في الشام ومصر، ولعب الوجود الاستعماري دور القابلة التي تولت ولادته ورعايته. والشباب دوما في مقدمة العاملين للخلاص من الاحتلال، وإنهاء ضغوطه العسكرية والسياسية والاقتصادية والنفسية على الوطن والمواطنين، وسيطرت عليه حالة رفض وكراهية شديدة للاستيطان والاحتلال والاستعمار؛ لما صنع من واقع؛ رسخ الجهل والتخلف والتجزئة. وهذا أضعف كل مقومات المناعة الوطنية والسياسية، فتتطاحن الناس فيما بينهم، وأحدث ذلك فراغا شاملا بين الشباب، وأبعد أولي الأمر عنه وفشلوا في فهمه أو التعامل معه وربطه بهم. ولم يكن ذلك وليد الساعة، فمع المماطلة في مفاوضات الجلاء لأكثر من سبعين عاما، وطفح الكيل، ونفد الصبر، وعم اليأس وبدأت معه بوادر حراك معاكس ذي طبيعة فاشية ونازية وعسكرية. وأشار كثير من مدونات وتسجيلات المؤرخين بأصابع الاتهام لـ «جماعة الإخوان المسلمين»، وتأسيسها سنة 1928 بقيادة حسن البنا، و«حركة مصر الفتاة» عام 1933 بزعامة أحمد حسين. وقد نالت جماعة الإخوان حقها من الدراسة والبحث لكن «حركة مصر الفتاة» لم تتح لها الإمكانية نفسها، وقد ظهرت في معية تيارات فكرية انتشرت في أوروبا، وكان صوتها مسموعا في ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا، ووصلت للحكم في تلك البلاد، وسارت النسخة المصرية على خطى الأصل الأوربي؛ استعارت طرائقه وأساليبه مع قدر محدود من التمصير والتعريب.
وضع مؤسس «مصر الفتاة» أحمد حسين لنفسه هدفا محددا، وهو العمل على استعادة مجد مصر، كما خططت الفاشية الإيطالية لاستعادة مجد روما، والتقليد غير الأصل، وجاءت شهادة المؤرخ الراحل عبد العظيم رمضان حين تناول «حركة مصر الفتاة» جاءت مجروحة، فصاغ وجهة نظره وقت أن كان ملتزما بالماركسية وتلميذا للمؤرخ الراحل محمد أنيس، وكل ذلك قبل اعتناق «الساداتية»؛ المرادف الوطني والعربي للصهيونية؛ اعتبر «حركة مصر الفتاة» معادية للخط الوطني، ولم تتغير وجهة نظره رغم ما لحقها من تطورات وتغييرات.

وضع مؤسس «مصر الفتاة» أحمد حسين لنفسه هدفا محددا وهو العمل على استعادة مجد مصر كما خططت الفاشية الإيطالية لاستعادة مجد روما

هذا بينما تناول المؤرخ على شلبي الشقين النظري والتطبيقي، لـ«حركة مصر الفتاة» ففي الشق الأول تعرض للقوانين النظامية المختلفة وتعديلاتها، والتعليمات والتوجيهات الصادرة لأعضائها، ودرجات العضوية، ونوعية اللجان، وشؤون الميليشيات شبه العسكرية، وتراتُبِها، ومصادر تمويلها. وعرض في الشق التطبيقي للممارسة، ومدى التزامها بما جاء في الشق النظري. وأشار إلى أن «حركة مصر الفتاة» حددت من البداية ما تريد، وهو تنظيم الصفوف لتصل لغايتها بأسرع وقت؛ ولخصت ذلك باستبدال الفوضى بالنظام، وجَمْع الشباب على قلب رجل واحد، وتربيته على النظام والطاعة، وعلى مثل أعلى يقتدي به، ويؤمن بحقه إيمانه بقوته وقدرته على العمل، وإلزامه بالتقشف، وبُغض اللهو والميوعة والتهتك، وعبادة الله، والفناء في سبيل الوطن والالتفاف حول العرش الملكي.
وقسم هيكلها التنظيمي وفق ما يلي:
الأنصار: ودورهم مناصرة مبادئ الجمعية وإنجاحها، وتنفيذ مبادئها والدعاية لها، وملء استمارة العضوية، والتأكد من وضعها في سجلات الجمعية، ويمنح النصير بطاقة عضوية، ويدفع اشتراكا شهريا، ويختار المجاهدون من بين الأنصار.
المجاهدون: هم الشباب المنفذ لمبادئ «الجمعية»، والمندمج في فرقها النظامية، ومهمتهم تنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات. وإخضاعهم لنظام شبه عسكري؛ أساسه إطاعة الرؤساء وتنفيذ الأوامر بلا مناقشة أو تردد، ويتصرف كجندي في أعماله بروح عسكرية، روح النظام والشجاعة والخضوع للقوانين وإطاعة الرؤساء، وتنفيذ الأوامر الصادرة من الرئيس الأعلى، وإلا تعرض للمحاكمة، وعليه أن يكون حائزا لزي الجمعية الموحد، ويُحَرم عليه شرب الخمر، أو ارتياد دور اللهو ويحافظ على جسده قويا سليما، وألا يلبس أو يأكل إلا كل ما هو مصري، ولا يتعامل إلا مع المحلات المصرية؛ وأخيرا عليه أن يدفع اشتراكا شهريا، وأن يكون مشتركا في جريدة الجمعية، وللرئيس أن يعفي بعض المجاهدين من هذا الالتزام كله أو بعضه. والمجاهدون ينضوون تحت لواء تشكيلات عسكرية لها كوادرها وتنظيماتها.
التشكيلات شبه العسكرية: تتكون من المجاهدين وكل اثني عشر مجاهدا يكونون قسما، يعين الرئيس من بينهم مجاهدا أول يكون رئيسا للقسم ومجاهدا ثانيا يكون وكيلا. ومن كل أربعة أقسام تتكون كتيبة يعين لها الرئيس مجاهدا أول يرأسها واثنين من المجاهدين كوكيلين، وكل أربعة كتائب تُكَون فرقة يعين لها الرئيس مجاهدا أول رئيسا لها؛ يعاونه أربعة مجاهدين ثواني وكلاء، وكل أربعة فرق تكون لواء يعين له الرئيس مجاهدا وثمانية مجاهدين ثواني وكلاء، ويُكَوِّن كل أربعة ألوية فيلقا يعين الرئيس له مجاهدا أول وسبعة عشر مجاهدا ثانيا.
ولهذه التشكيلات أزياء خاصة وشارات تميزها سواء في زى المجاهد، وزي الكادر وفي شاراته، ورتبه المعلقة على الذراع الأيسر، ولهذه التشكيلات مجلس أعلى؛ يُسمى مجلس أركان حرب الجهاد؛ يشرف عليه وينظم ما يتعلق بشؤونه؛ يصدر الأوامر ويرسم الخطط، ويعين المجاهدين، ويتكون هذا المجلس من رؤساء الألوية والفيالق، وله مستشار؛ يحق له حضور الجلسات، والإدلاء بآرائه، وله حق التصويت.
وهناك تفاصيل أخرى عن اكتساب الأنصار درجة المجاهد في حفل لهذا الغرض. ويتم تنصيب المجاهد في حفل عام يحدد رئيس الجمعية موعده، ويُعلن عنه في جريدة الجمعية قبل الموعد بثلاثة أيام.
ويتكون مجلس الجهاد من خمسين عضوا ممن شاركوا في تأسيس «الجمعية» وشُعَبِها في الأقاليم وفي أحياء القاهرة، وعضويته حق لكل رئيس شعبة معترف بها رسميا، وسكرتيرها إذا لم يكن لها رئيس، ومع ذلك يجوز لمجلس الجهاد أن يضم إليه أعضاء جددا بشرط موافقة الرئيس عليهم، وتعقد اجتماعاته الجمعة الأولى من الشهر، إلا إذا طلب الرئيس غير ذلك. والجلسات سرية وقاصرة على الأعضاء، وفي حالة الضرورة الملحة لا يجوز لغير الأعضاء حضورها إلا بتصريح خاص من المجلس بموافقة ثلاثة أرباع أعضائه، وحضور الجلسات يكون بالزي الرسمي للجمعية.
وقبل مباشرة عضو مجلس الجهاد لعمله عليه تأدية القَسَم التالي: «أقسم بالله وبالوطن والملك أن أقف نفسي وجهدي ومالي في سبيل تنفيذ مبادئ الجمعية وبرنامجها، وأن لا أتأخر عن أي تضحية يتطلبها مني الجهاد، وأن أؤدي أعمالي بإخلاص ووفاء في حدود قانون الجمعية، وأقسم أن أحافظ على سرية المداولات وألا أذيع حرفا واحدا منها بدون إذن الرئيس».
وكذلك فإن على عضو المجلس أن يقدم 10٪ من دخله الشهري للجمعية وأن يقوم بتأدية ذلك بما يوحيه إليه شرفه وضميره. وتعمدت عرض هذه المعلومات ليلم القارئ بها، ويتعرف على بنيان جمعيات من هذا النوع، وأهم مافيها أنها غير ديمقراطية، وكل شيء فيها مرهون بإرادة الرئيس ورضاه وإلا يُقدم من يخالفه للمحاكمة!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 3620 / 2184659

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2184659 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40