الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) 2019

صبرا وشاتيلا ....

الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) 2019

- لن ننسى “صبرا وشاتيلا”

ظاهر صالح (فلسطين)

"قومي يا اختي الساكنة بالكوخ العتيق/ شُوفي الجُثث المبعثرة، شوفي الجُثث المُوزعة في الطريق/ شُوفي الأطفال مسبْحِين بدمهم، عمْ يرضعوا من صدر جثة أُمْهم/ غنيلهُم يا اختي حب الوطن، ماتوا لأجل حب الوطن، وعاشوا أغراب بحب الوطن
غنيلهُم حب الوطن ما أجملوا/ عمْ يسمعوا، غنيلهُم حب الوطن ما أجملوا".
منذ كنّا تلاميذ في الابتدائي سمعنا عن شاعر الثورة الفلسطينية، وشاعر المخيمات، والذاكرة الحية للتراث الغنائي الفلسطيني الراحل، إبراهيم صالح، المعروف بأبي عرب، وتعرّفنا من خلال أغانيه الشعبية والثورية على النكبة، والمخيم، والمقاومة، وبكينا حب الوطن على وقع أناشيده الوطنية، لمشابهة مفرداتها بالواقع، ووصفه تفاصيل معاناة الشعب الفلسطيني، في بلاد اللجوء، والويلات، التي تجرَّع مرارتها. ومن تلك المشابهات، وصف مشهدي لمجزرة صبرا وشاتيلا التي نسج وأنشد كلماتها بدمع العين، وحسرة القلوب الملتاعة، لتحيي في الوجدان الفلسطيني ذكراها السابعة والثلاثين، وتذكير العالم بإجرام ودموية مرتكبيها من خلال المشاهد الفظيعة المكتظة بصور مأساوية وموجعة وفاضحة، تأبى النسيان، نلخصها في أسطر قليلة، لإعادة التذكير والتعريف المقتضب والسريع لمن لم يسمع بتفاصيل المجزرة الدامية.
بدأت المجزرة بعد خروج فدائيي الثورة الفلسطينية من بيروت في عملية انتقامية وتصفية لسكان المخيم العزل وأهاليه، تحت ذريعة البحث عن 1500 مسلح فلسطيني، على الرغم من علم الجميع باستحالة ذلك، بعد مغادرة الفدائيين الفلسطينيين لبيروت وخلو المخيمات من قطعة سلاح واحدة.
أحكم جيش الاحتلال الإسرائيلي الطوق على المخيم، وأغلق مداخله ومخارجه بعيداً عن وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، وتم إلقاء القنابل المضيئة طوال ليلتي المجزرة لمساعدة مليشيات القوات والكتائب اللبنانية تحت قيادة إيلي حبيقة، وجيش لبنان الجنوبي بقيادة سعد حداد.
ومع بزوغ فجر يوم 16 من شهر سبتمبر/ أيلول، حلقت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي على ارتفاعات منخفضة في سماء بيروت الغربية وإعلان الجيش الإسرائيلي السيطرة عليها، ووجود وزير الحرب آنذاك، المجرم شارون وتمركزه في أحد الأبنية المطلة على مخيمي صبرا وشاتيلا، وإشرافه المباشر على العملية، ومع غروب يوم 16 وتسهيل دخول مئات من العناصر المسلحة عبر الأزقة الجنوبية الغربية للمخيمين، والتقدم والانتشار في جميع شوارع المخيم والسيطرة عليه بالكامل وارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية والتنكيل بجثث الضحايا من كبار السن والأطفال دون الثالثة والرابعة من العمر، وبقر بطون النساء الحوامل واستخدام السلاح الأبيض والسواطير والبلطات في ذلك، وواصلوا لثلاثة أيام بلياليها قتل واغتصاب وتقطيع أوصال الأبرياء العزّل من أطفال ونساء وعجائز وكهول ورمي جثثهم في العراء، كما اقتادوا ممرضين وأطباء من مستشفى عكا إلى وجهات أخرى حيث تمت تصفيتهم.
بعد تنفيذ المجزرة، سمحت القوات الإسرائيلية بدخول الأطباء ووسائل الإعلام التي صُدمت بهول ما حصل، واستفاق العالم على مجزرة من أبشع المجازر في تاريخ البشرية ليجد جثثاً مذبوحة بلا رؤوس ورؤوساً بلا أعين ورؤوسا أخرى محطمة. وليجد قرابة 3000 جثة ما بين طفل وامرأة وشيخ ورجل من أبناء الشعب الفلسطيني والمئات من أبناء الشعب اللبناني، وجنسيات أخرى.
صُدم العالم بما جرى، فحاولت الحكومة الإسرائيلية التماشي مع الضغوط، وشكلت لجنة تحقيق، وجهت الاتهام الشكلي إلى شارون بالمسؤولية عن المجزرة، وتجاهل إمكانية حدوثها، ورفض الأخير الاتهامات، واستقال من منصبه وزيرا للدفاع، لكنه عاد بعد سنوات لتسلم منصب رئيس الوزراء. واكتفى مناحيم بيغن أمام الضغوط بعبارة بغيضة، تكشف عنصريته، كانت أبلغ رسالة لكل من يخرج علينا من حين لآخر برأي عجيب عن عدالة إسرائيل، وديمقراطيتها، واستحقاق العرب لما يجري لهم بسببها!، حين قال: “أناس غير يهود قتلوا أناساً غير يهود، ما شأننا نحن”؟
جاءت مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا، لتدق مسماراً آخر في نعش الأمم المتحدة ودعاة الديمقراطية في العالم، الذين اكتفوا بالتنديد ولا يزالون، فعلى الرغم من هول المجزرة، لم تتحرك الأمم المتحدة قيد أنملة لمحاسبة المسؤولين عن هذه المجزرة الجماعية التي تسبب فيها السفاح شارون، مع مجموعة من مساعديه العسكريين.
هولوكوست “صبرا وشاتيلا”، تعاد كل مرة في صور وأشكال مختلفة، لكن موقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، يبقى يراوح مكانه في تعامله مع كيان فوق القانون، يرتكب المجازر ولا يحاسب، يقتل، يذبح، وينكل بشعب منذ أكثر من 70 سنة، لكن تبقى مواقف الناطقين باسم الشرعية الدولية، لا تتجاوز عتبة التنديد، والشجب.
لا يستحضر الفلسطينيون والمجتمعات العربية والإسلامية المجازر التي تعرّضوا لها على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأعوانه في مناسباتها السنوية فقط، وربما يندر حدوث ذلك، لفرط تكرار ما تعرض له الشعب الفلسطيني من تشريد ومعاناة، على مرأى العالم أجمع، ولسان حالهم يقول، المجزرة بالمجزرة تُذكَر، ومع كل جريمة تُرتكب بحق الفلسطينيين، تحضر “صبرا وشاتيلا” بصفتها المجزرة الكبرى التي تسكن الذاكرة، لاعتبارها حدثًاً مأساوياً فارقاً، نفذته عناصر ما كان يسمى بجيش لبنان الجنوبي وأخرى من حزب الكتائب، بمساعدة قوات الاحتلال الإسرائيلي، في 16 سبتمبر/ أيلول عام 1982، خلال اجتياح لبنان في العام نفسه.
مجزرة صبرا وشاتيلا، محفورة في التاريخ والذاكرة الفلسطينية، تستعصي على النسيان، ولن تسقط بتقادم الزمن، وستظل حية مثل الجمر طي الرماد في وجدان الشعب الفلسطيني، وستظل دمعاً بالعيون وحسرات في القلوب.

- “صبرا وشاتيلا”.. هذه الروايات

معن البياري

بقايا جرحٍ طويلٍ غير منتظم الحوافّ على النصف المرئيّ من وجهها، هي أثرٌ من المذبحة في مخيم شاتيلا في الحورية، كما يسمّي شابٌ فلسطيني بطلة رواية الفلسطيني، أكرم مسلّم، “بنت من شاتيلا” (الدار الأهلية، عمّان، 2019)، لمّا تعرف عليها في مقامها في هامبورغ. والفلسطيني مجد، بطل رواية اللبنانية، جنى فواز الحسن، “طابق 99” (منشورات ضفاف، بيروت، 2014) ثمّة أيضا ندبةٌ في جسده باقيةٌ من أثر المذبحة. وفي نيويورك، حيث يقيم، يتعرّف إلى اللبنانية هيلدا، من أسرة كتائبية إقطاعية، ويحبّها. وإلى هاتين الشخصيتين الروائيتين، الناجيتين من الذبح في المجزرة المعلومة، واللتين جعلتهما الروايتان في المغتربين، الألماني والأميركي، يقيم يوسف سعد الدين في استوكهولم، وكان قد نجا أيضا، في رواية الفلسطيني، سعيد الشيخ، “تغريبة حارس المخيم” (دار ألوان عربية، استوكهولم، 2016)، لمّا كان حارسا في شاتيلا. والشاهد الناجي من المقتلة، زياد، شخصية رواية الفلسطينية، رائدة الشلالفة، “بعد بيروت” (دار فضاءات، عمّان، 2016) جاءت به الرواية إلى عمّان. أما الطبيب أمين، زوج رقيّة وابن عمّها، وهذه شخصية مركزية في رواية المصرية، رضوى عاشور، “الطنطورة” (دار الشروق، القاهرة، 2010)، فقد قتلوه في المذبحة التي أقام أحد أولاده مشروعا في بلجيكا لجمع شهادات ناجين منها من أهالي مخيمي صبرا وشاتيلا.
هذه نتفٌ من بعض رواياتٍ عربيةٍ، حديثة الصدور، اعتنت بجائحة المخيّمين التي اكتمل، الأسبوع الحالي، 37 عاما، على ارتكابها الذي تعاون فيه متعصبّون في اليمين اللبناني الكتائبي العنصري مع محتلين إسرائيليين. لم يلحق بأيٍّ من الفاعلين، وممن خطّطوا ودبّروا، أي عقاب. ولعلها من النوافل المسترسلة أن ينكتب هنا إن الأدب العربي من تعبيرات الذاكرة الجمعية العربية التي تحمي من النسيان الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمصريين والجزائريين (وخمسة عمال بنغاليين أيضا) الذين قضوا، بالبلطات والفؤوس والمسدّسات والسكاكين، في فظاعةٍ من أشنع ما مرّ في تاريخ البشرية. وإذا كان في الوسع أن يقال إن روايةً عربيةً أدبيةً عالية القيمة لم تنْكتب بعد عن الواقعة السوداء، فإن موضوعة “صبرا وشاتيلا” ما زالت تشدّ روائيين شبّاناً، جدداً، إلى إنجاز نصوصٍ تصل خيوطا حاضرةً في مشاهد فلسطينية وعربية، فردانية وعامة، بالمذبحة وضحاياها وشناعتها. وأحدث عملٍ أدبي استحقّ انتباها نقديا وإضاءاتٍ جادّةً عليها في الصحافة الثقافية العربية، أخيرا، رواية “بنت من شاتيلا”، والتي يُقدَّر كاتبُها، أكرم مسلّم، على التنويه في “الإهداء” بإعجابه بكتاب بيان نويهض الحوت “صبرا وشاتيلا – أيلول 1982” (مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003)، المذهل، بحسب مسلّم محقّا.
لا يُغفل تثمين هذه المقالة (أو كاتبِها؟) التفاتَ روائيين عرب جددٍ إلى “صبرا وشاتيلا” هنا عن الفعلة السيئة التي ارتكبها العراقي، علي بدر، عندما افتعل، في روايته “الكافرة” (دار المتوسط، ميلانو، 2015)، حضورا للمجزرة، في أن والد أحد الشخصيات شارك في عمليات القتل، ونادمٌ في مقامه في بلجيكا، قَتل شقيقي شابّة نجت، إبّان كانت طفلة، ووالديها، غير أن ابنه يتزوجها. وقد تخيّلت قريحة الكاتب هنا ما لا يمكن تخيّله، مجرما في “صبرا وشاتيلا” يغشاه ندم. المذبحة التي “تخيّل” اللبناني، إلياس خوري، في روايته “باب الشمس” (دار الآداب، بيروت، 1998) أحد القتلة، واسمه الرئيس جوزيف، يقول إنه عثر على ثلاثة أطفال، وكان يُريد أن يجرّب المدى الذي تستطيعه طلقة مسدس الماغنوم، وانزلق أحد الأطفال أرضا، فتقدّم من الطفلين، وألصقهما ببعضهما، ووضع فوهة المسدس قرب رأس الأول، وأطلق النار، واخترقت رصاصةٌ رأسي الطفلين، فماتا فورا..
.. ألحّت “صبرا وشاتيلا” على المصري، بهاء طاهر، وقتَ صارت، وكان يعمل في جنيف. ظلّت في باله سنوات، ثم كتب روايته “الحب في المنفى” متأخّرا، وصدرت في 1995. قال إنه لم يشاهد المذبحة طبعا، قرأ عنها وشاهد الصور التي شوهدت، غير أنه اهتدى إلى صديقٍ له كان في المخيمين المغدورين، حدّثه في الهاتف عما رأى وعرف، ثم كتب طاهر روايته الرائقة، وقال إنه، طوال فترة الكتابة، كان يشعر بالألم نفسِه الذي شعر به لمّا شاهد صور المذبحة أول مرة..
تُرى، كم هي مقادير الألم الذي يلزم أن تُشيعه الروايةُ المشتهاةُ التي لم تنكتب بعد عن “صبرا وشاتيلا”؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 3947 / 2184545

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2184545 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40