الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) 2019

خلاصات أولية من معركة لم تحسم

يقلم: جواد بولص
الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) 2019

انتهت المعركة الانتخابية الإسرائيلية وظهرت خريطة الأحزاب الفائزة بها، وكذلك قائمة النواب الذين سيمارسون أدوارهم على مسرح السلطة التشريعية، التي ستتولى، بعد إعلان لجنة الانتخابات المركزية عن النتائج النهائية، تنفيذ مهامها الجسيمة، وفي طليعتها تحديد شكل نظام الحكم في الدولة. كذلك فإنها ستحدد علاقات مؤسساتها السيادية مع جميع المواطنين، وبضمنهم نحن المواطنين العرب، لاسيما بعد أن كنا، لسنوات طوال، حطبًا يُحرق على مذابح عنصرية جشعة خُصبت فيروساتها في دهاليز الكنيست، وأطلقت من على منابرها لتبعث نيرانًا قاتلة في الشوارع وفي فضاءات الدولة.
قد تُعد الكتابة، عن معركة لم يركد غبارها بعد، مغامرة عجِلة أو اندفاعًا يستبق العواقب؛ لكنني سأتطرق في هذه المقالة إلى بعض الخلاصات الأولية التي تكشفت معالمها مباشرة بعد صدور النتائج شبه النهائية. وأرى الحديث عنها ممكنًا لأنه لا يرتكز على دقة الأرقام، وعلى مؤشراتها، وأراه ضروريًا لتفنيد مقولات روجها البعض حين أصروا على إقناعنا بأن مهمة التصدي للفاشيين باتت قضية مستحيلة، وبأن محاولاتنا للدفاع عن حقوقنا ونيلها بهذه الأساليب المستهلكة، يشبه جرينا وراء السراب، أو إدماننا على تعاطي الوهم.
حاول الكثيرون تثبيط عزائم الناخبين العرب بحجة أن معسكر نتنياهو عصي على الكسر وأنه يمثل «حالة سياسية ناجزة» لا فائدة من مواجهتها عن طريق «اللعبة البرلمانية» فاقترحوا علينا مقاطعتها من دون أن يعطونا أي بدائل كفاحية عملية لمواجهة مخاطر تلك الحالة السياسية العضال. وبمنأى عما ستفضي إليه نتائج صناديق الاقتراع النهائية، وعلى من سيلقي رئيس الدولة ريفلن مهمة تركيب الحكومة المقبلة، وما سيحصل بعدها، بوسعنا اليوم أن نعلن أن المواطنين العرب ومعهم بعض القوى اليهودية قادرون على إفشال أو على الأقل إعاقة زحف الأحزاب اليمينية الفاشية التي يقودها بنيامين نتنياهو. لقد توقع نتنياهو وحلفاؤه فوزهم الساحق وحصولهم على أكثرية مطلقة تخولهم تركيب حكومة يمينية خالصة، تقف على ساقيها، الديني المتزمت والقومي العنصري ذي النزعات الفاشية الواضحة؛ لكنهم فشلوا بتحقيق ذلك، ويواجهون صعوبات جمة في استعادة سلطتهم المطلقة على سدة الحكم. ويشعر نتنياهو، في الوقت نفسه، بأن احتمالات مقاضاته وحبسه صارت أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى.

المواطنون العرب ومعهم بعض القوى اليهودية قادرون على إفشال أو على الأقل إعاقة زحف الأحزاب اليمينية الفاشية

هذه واحدة من خلاصات ما حدث في السابع عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، وهي حقيقة واضحة، حتى لو أنكرها الذين نادوا إلى مقاطعة الانتخابات؛ فالأحزاب والحركات السياسية العربية، ومعها عدة قوى يهودية، قادرة على صد نتنياهو وعلى عرقلة مخططاته العنصرية الجهنمية؛ ولو آمنوا بذلك منذ لحظة الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات وذوتوا هذه القدرة وعملوا بهديها، لحصلوا على نتائج مغايرة بشكل أفضل، ولتوفرت إمكانيات أكبر للتأثير على مجريات الأحداث وولادة خريطة حزبية سياسية جديدة داخل إسرائيل. لذا فإن جميع الأحزاب مطالبة بإجراء تقييم لمواقفها ونشرها على الملأ؛ فهذا حق للمواطن وحاجة لضمان سلامة العمل في المستقبل.

هل فعلا لا يمكن اختراق الشارع اليهودي؟

لقد ساد في السنوات الأخيرة شعور بأن «الشارع/المجتمع اليهودي» أغلق جميع الأبواب في وجهنا، نحن المواطنين العرب، ويرفض الاستماع إلى مطالبنا والتعاطي مع شكاوينا مهما كانت أساسية ومحقة. هنالك ضرورة لدراسة هذه الفرضية والتحقق من صحتها والوقوف على أسبابها، وفي مقدمتها بلا شك سياسة التحريض الأرعن التي قادها بنيامين نتنياهو نفسه، ومعه أعضاء حزبه والى جانبهم حلفاؤهم من أحزاب وحركات اليمين الفاشي. رغم اتساع ظاهرة استعداء المواطنين اليهود للمواطنين العرب في اسرائيل، شعرنا خلال معركة الانتخابات الأخيرة بوجود بوادر لصدوع في ذلك الجدار الفولاذي؛ فبعد إعادة تشكيل القائمة المشتركة، وانضباط قادتها وسلوكهم بشكل ناضج ومسؤول، وبعد أن نجحوا باستعادة ثقة قطاعات واسعة من الناس بهم وبها، وتحولها إلى عنوان سياسي مقبول لتمثيلهم في الكنيست، شعرنا بحصول تغيير طفيف تجاه شرعية مطالب المواطنين العرب، وتجاه حقوقهم المسلوبة. لقد خلق الالتفاف الجماهيري حول القائمة المشتركة واقعًا سياسيًا جديدًا سرعان ما فرض نفسه، رغم قصر الوقت، على عدة قطاعات وشرائح يهودية صهيونية، حتى اضطرت بعض الشخصيات القيادية والنخبوية والإعلامية أن تتطرق إلى مسألة الوجود العربي داخل الدولة، بمنطلقات إيجابية غير مسبوقة وأن توليه التفاتة، وصلت احيانًا حد «مجاملتنا» ولو بشكل خجول أو مضطرب، كما جاء على لسان النائب جانتس، رئيس حزب كاحول لافان.
قد يستخف البعض بهذه الأصوات ويقلل من أهميتها أو يسخر من صغر أحجامها وتأثيرها؛ لكنني، على عكسهم، أعلق آمالًا عليهم وأطالب القيادات بضرورة التواصل مع جميعهم؛ فمن يرفض التمترس وراء جدار الكراهية العمياء، ومن يصر على الخروج من حظيرة القطيع، ويتوقف عن ممارسة حرفة شيطنة العرب واستعدائهم، هو حليفي وعليّ أن أستميله إلى جانب قضيتي، إذ قد يصبح رفيق دربي. لقد ساهم خطاب رئيس القائمة المشتركة النائب أيمن عودة في استجلاب كثير من المواقف المساندة، وفي صحوة وتغير جهات كانت معادية لنا؛ وهنالك ترقب لما سيفعله وكيف سيطور مواقفه في هذه القضية المهمة، خاصة بعد أن أثبتت قطاعات واسعة من الجماهير العربية وفاءها، إذا وجدت عنوانًا أهلًا له؛ وأثبتت أنها مع قادة أكفاء وخطاب سياسي جريء وسليم، لا تعرف المستحيل ويمكنها اختراق الفولاذ وهدم جدران القمع والحقد والعنصرية.

لنفرح ولكن..

يحق لنا أن نفرح ولو قليلًا فهذا حقنا؛ على أن نتذكر اننا، رغم ما أنجزناه، ما زلنا نواجه في «غرفة الانعاش» المخاطر والأعداء؛ وسواء عاد نتنياهو إلى الحكومة أو لم يعد، سيبقى طريقنا نحو بر الأمان طويلًا وعسيرًا. لقد كانت معركتنا محلية ودارت رحاها حول من سيحكمنا أو يشاركنا أو يطردنا، ولم يكن شأنها صفقة القرن، كما قالوا، ولا همها أي هاجس دخيل أو علم بعيد؛ تصرفنا كمجتمع عاقل وحكيم فنجحنا، رغم جميع المعوقات والعثرات، باستعادة توازننا؛ الذي لن يدوم طويلًا إذا لم تباشر فورًا قيادات القائمة المشتركة وجميع من ساهم في هذه المعركة، في وضع خطة طوارئ تضمن المحافظة على ما اكتسب. علينا أن نتفق على من هم أعداؤنا كي نصل إلى حلفائنا وإلى أصدقائنا، فبدون استخلاص العبر، سنعود إلى بطن العدم؛ وما أشطرنا في ممارسة الخسارة والندم. ستكون مهمتهم صعبة ومعقدة، ولكن بدون أن يتفقوا على قواسم مشتركة تمنع اقتتالهم على كل صغيرة وكبيرة، سيصطدمون قريبًا بعشرات الحواجز والحفر، وسنشاهد مجددًا فصولًا جديدة من سيرة الخيبة والخسارة.
لن تتغير الدولة في تعاملها معنا بضربة نرد واحدة، وقد يكون ما أحرزناه في هذه الانتخابات نصرًا صغيرًا، كان من الممكن أن نجعله كبيرًا لولا نسبة المقاطعين بيننا.
ليس من الحكمة أن ننتظر حتى قدوم معركة الانتخابات المقبلة لنواجه مرة أخرى نداءات المقاطعة؛ فالعمل وفق برنامج مدروس لمواجهتها والتقليل من تأثيرها هو أمر الساعة؛ لأننا نعلم أن لهذه المسألة تداعيات تتعدى قضية المشاركة في الانتخابات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 3836 / 2184557

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2184557 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40