السبت 31 آب (أغسطس) 2019

«حزب الله»: إيراني أم لبناني؟

بقلم: عبدالحليم قنديل *
السبت 31 آب (أغسطس) 2019

حتى ساعة كتابة هذه السطور، قبل يومين من النشر، لم يكن حزب الله قد نفذ بعد تهديده، ورد بعملية عسكرية نوعية على عدوان الطائرات المسيرة الإسرائيلية على مركزه في الضاحية الجنوبية لبيروت، لكن الظن الراجح، أن حزب الله سيرد بالتأكيد، وبعملية مؤلمة لكيان الاغتصاب الإسرائيلي، لا تفرط في حق، وإن لم تستعجل حربا شاملة جديدة بالضرورة، تماما كما وعد حسن نصر الله زعيم حزب الله، وهو الرجل الذي إن قال فعل.
وقد نتفهم دواعي السخط والغضب ضد «حزب الله»، في أوساط شعبية عربية، في المشرق العربي عموما، وبالذات في دوائر العرب السنة المقهورين في عراق ما بعد صدام حسين، وأكثر في سوريا ذات الغالبية السنية، ولسبب مفهوم، هو كون «حزب الله» الشيعي مواليا لإيران الخمينية، وارتكابه لخطأ تراجيدي فادح، هو الاندفاع بالمشاركة في حرب طائفية كافرة، جرت وتجري في سوريا، والسقوط في الوحل الطائفي، ومصادرة آمال الشعب السوري في الحرية، وتشريد الملايين من غالبية السوريين، رغم أن الشعب السوري كان السند الأهم لحزب الله في حروبه ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، وكانت سوريا هي الملجأ والملاذ الأكرم لشيعة حزب الله، وبدون توقف عند تحيزات طائفية، لم تكن أبدا من شيم الشعب العربي في سوريا، الذي كان مهدا حاضنا لدعوات القومية والوحدة العربية، قبل أن تخطف شعاراتها طائفية علوية متحكمة، أرادت أن يبقى الشعب السوري في سجنها للأبد، وقفزت على استحقاقات ثورته الشعبية السلمية قصيرة العمر، بتفجير عنف دموي وحشي، ساعدتها فيه جماعات تكفير سني معادية للثورة السلمية، وفدت إلى سوريا من شتى أنحاء الدنيا، وبتمويل سخي من دول وعواصم البتروـ دولار، ووفرت لجماعة بشار الأسد فرصتها في تزوير معنى الثورة، وإحلال الاقتتال الطائفي محلها، وهو ما وفر لحزب الله بدوره سببا معلنا، برر به خطأ الدخول على خط الحرب السورية، وبدعوى مواجهة جماعات الإرهاب التكفيري، قبل أن ينتقل خطرها من سوريا إلى لبنان الموزع طائفيا.
وكنا نتمنى، ألا يتورط حزب الله في الحرب الكافرة بسوريا، لكنه فعلها، وبدواع لا تنكر، بينها الولاء لإيران، التي دخلت بكثافة في الحرب لصالح جماعة بشار، قبل أن تتدخل روسيا على نحو مباشر، وترجح الكفة لصالحها، وتحفظ الوجود الصوري لنظام بشار، وهو ما أتاح ظروفا جديدة لحزب الله، يتخفف بها قليلا من وزر المشاركة في حرب طائفية، ويلجأ لعملية إعادة انتشار، عادت بها بعض قواته إلى الداخل اللبناني، وإن لم تنمح بعد آثار الخطيئة الطائفية، ولا عادت شعبية حزب الله إلى سابق عهدها في المشرق العربي بالذات، ربما بانتظار وقائع حربية جديدة على جبهة الصدام مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، يستعيد بها حزب الله بعضا من بريقه المتواري، فالقاعدة الذهبية تظل كما هي فيما نظن، وهي أن حركات المقاومة ضد إسرائيل، تزيد شعبيتها باطراد، كلما ابتعدت عن الصراعات الداخلية في الأقطار العربية، والعكس بالعكس تماما.
ومع التسليم بكون إيران هي الداعم الوحيد لحزب الله، وهذه ليست خطيئة طهران، بل خطيئة النظم العربية الكسيحة، التي أخلت الساحة لتمدد النفوذ الإيراني، وتخلت عن مبدأ مواجهة إسرائيل، ومالت إلى التصالح مع كيان الاحتلال، بل والتحالف معه، وتحويل دفة العداوة لحركات المقاومة، وأظهرها حزب الله، الذي تنفرد إيران بدعمه، لكنها لم تخلقه من عدم، فحزب الله ظاهرة لبنانية عربية بامتياز، كان قدرها أن تنشأ في لبنان الموزع طائفيا، وأن تستند في وجودها الاجتماعي إلى الطائفة الشيعية، وهي أكبر الطوائف عددا وثقلا في لبنان، وربما تصل نسبتها إلى نحو أربعين في المئة من إجمالي السكان، وقد ظل شيعة لبنان طويلا في وضع الطائفة المحرومة، وهو ما تغير الآن على نحو جوهري، فقد أضافوا لثقلهم السكاني، وضعا اقتصاديا وسياسيا مؤثرا باطراد، وتحولوا إلى خزان بشري هائل، لحركة «أمل» فيه وجود محسوس، لكن الوزن الكاسح يظل لحزب الله، خصوصا مع نجاحه في مناطحة إسرائيل حربيا، وإجبارها على الانسحاب الذليل من الجنوب اللبناني في عام 2000، وخوض حرب طويلة ضدها بعدها بست سنوات، كرست صورة حزب الله الفريدة، كأكبر خطر وجودي يتهدد إسرائيل من جهة الشمال، يملك ترسانة صاروخية متطورة، قد تصل في تقديرات إسرائيلية إلى 150 ألف صاروخ.

كون إيران الداعم الوحيد لحزب الله، ليست خطيئة طهران، بل خطيئة النظم العربية الكسيحة، التي أخلت الساحة لتمدد النفوذ الإيراني

ورغم لجوء حزب الله أحيانا، إلى التلويح بسلاحه، وتهديد اللبنانيين الآخرين بفوائض قوته، وعلى نحو ما جرى قبل سنوات، بالانتشار الاستعراضي في كل بيروت والجبل، وهو ما حقق هدفه الإنذاري الرادع وقتها، بعد أن تعالت أصوات، تطالب بتجريد حزب الله من سلاحه وشبكة اتصالاته، إلى غيرها من تفاعلات الساحة اللبنانية، بعد اغتيال رفيق الحريري، وخروج سوريا من لبنان، لكن حزب الله للإنصاف، ابتعد في غالب الظروف، عن التلويح باستخدام قوته داخليا، وفضل اللجوء إلى الإطار السياسي، وطور بدأب تحالفات عابرة للطوائف، شملت أقساما ملحوظة من الدروز والسنة والمسيحيين الأرثوذكس، وقسما غالبا من المسيحيين الموارنة، إضافة لاحتكاره تمثيل الشيعة سياسيا مع حركة «أمل»، وهو ما أعان حزب الله على خوض معارك بغير دم، رغم انكشاف الساحة اللبنانية المريع، وتعرضها لتأثيرات إقليمية ودولية غربية غالبا، أرادت قنص رأس حزب الله خدمة لإسرائيل، وبضغوط زادت وتيرتها بضراوة، مع إعلان الإدارة الأمريكية حربا مفتوحة ضد حزب الله، وبسلاسل عقوبات متوالية، أرادت تجفيف منابع قوة حزب الله، وبدون نجاح يذكر حتى ساعة تاريخه.
المعنى ببساطة، أن حزب الله ليس محض امتداد إيراني، بل هو أيضا، ظاهرة عمقت جذورها في الواقع اللبناني، ولو كان الدعم الخارجي وحده، يخلق ظواهر سياسية، تناهز أو تقارب قوة حزب الله، لاستطاعت أمريكا أو فرنسا خلق أعداء لحزب الله، في مثل قوته أو تزيد، ولاستطاعت عشرات مليارات الدولارات الخليجية، خلق منافسين يزيدون في قوتهم على قوة حزب الله بعشرات الأضعاف، لكن ذلك لم يحدث، ولن يحدث أبدا في المدى المنظور، فالقصة أكبر من مجرد الدعم بالمال أو بالسلاح، وقوة حزب الله لها روافع أيديولوجية واجتماعية ووطنية لبنانية صلبة، تزيد في أثرها كثيرا عن مجرد الدعم الإيراني، وقد لا نجازف كثيرا، إذا قلنا إن حزب الله بوسعه أن يبقى ويؤثر بشدة، حتى مع افتراض انقطاع الدعم الإيراني، فقد صار حزب الله ضرورة لبنانية عامة، وليس فقط ضرورة شيعية خاصة، بدأت بواكير ظهور حزب الله مع تراجع وتيرة الحرب الأهلية اللبنانية، ولم يكن طرفا فيها بالطبيعة، وزاد استقرار لبنان داخليا مع تنامي قوة حزب الله، وربما بفضل هذه القوة المتزايدة بالأساس، صار انزلاق لبنان إلى حرب أهلية أخرى مستبعدا بشدة، رغم أن الظروف الإقليمية المستجدة فجرت حروبا أهلية في دول أكبر كالعراق وسوريا، ذهبت إلى حد التحطيم الداخلي شبه الكامل، وهو ما نجا منه لبنان المتخم طائفيا، وسعي أطراف دولية وإقليمية إلى تفجيره، وهو ما لم يحدث، ولن يحدث بحمد الله في المدى المنظور، ولأسباب منظورة، أظهرها القوة الفائقة التي صار عليها حزب الله، فهو الحاجز المنيع ضد فكرة الذهاب إلى حرب أهلية جديدة، خصوصا مع السلوك العاقل الموزون لقيادة حزب الله، والحد من تصرفات الاستفزاز الحربي المباشر، واللجوء إلى خط الردع الضمني، فوجود قوة حزب الله، حتى مع عدم التلويح باستخدامها «عمال على بطال» على حد التعبير الشعبى المصري، وجود هذه القوة الهائلة في ذاته، هو الذي يمنع الآخرين وهم كثر، من مجرد التفكير في الانزلاق لاحتراب داخلي، معروفة نتيجته سلفا، حتى قبل إطلاق الرصاصة الأولى، فقوة حزب الله، تلعب دور الجيش الضامن لاستقرار لبنان الداخلي، خصوصا مع ما هو معلوم، من تواضع قوة الجيش اللبناني الرسمي، رغم تحديثات وطنية ملموسة جرت على عقيدته في العقود الأخيرة، جعلته في منأى نسبي عن مخاطر الطائفية المفرطة الحاكمة رسميا في لبنان.
وبالجملة، فقد غير حزب الله من وضع لبنان جوهريا، فقد كان يقال إن قوة لبنان في ضعفه، بينما صنع حزب الله معادلة جديدة، وجعل قوة لبنان من قوته، وهو ما يفسر دواعي الالتفاف اللبناني السياسي حول حزب الله هذه المرة، وقرار «مجلس الدفاع الأعلى» بتأكيد «حق اللبنانيين في الدفاع عن النفس وبكل الوسائل»، وهو تفويض لبناني رسمي غير مسبوق بهذا الاتساع والتعميم، يعطي حزب الله قبل غيره حق الرد على عدوان إسرائيل، وباسم لبنان، لا باسم إيران.

* كاتب عربي مصري



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 83 / 2184625

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2184625 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40