السبت 3 آب (أغسطس) 2019

ترامب: إهانات وابتزازات وعدم إفصاح عن النوايا!

بقلم: محمد عبد الحكم دياب
السبت 3 آب (أغسطس) 2019

مواصلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إهانة وابتزاز ملوك ورؤساء وشيوخ عرب شيء معيب حقاً تجاوز كل الحدود، فهم ليسوا «خفراء» معيّنين من قِبَلِه لحراسة النفط الذي يخرج من باطن أراضيهم، فهو ليس وصياً عليهم، ولا يملك حق الاستيلاء على ثروات بلادهم الناتجة عن عوائد «الذهب الأسود» والتصرف فيها. وقد تدنى بنفسه إلى مرتبة القرصان في التعامل مع ملوك ورؤساء وأمراء عرب في شبه الجزيرة العربية والخليج، والقرصنة لا تخوله حق الاستيلاء على ثروات بلادهم وحقوق أجيالهم المتتابعة.. وإذا كان النفط أساس تراكم هذه الثروة فهو لا يُستخرج من أراض أخرى، وذلك لا يعطيه حق فرض «جزية» من غير صاحب حق أو سلطان عليهم، وهم سبب جنون ترامب، فهم من احتفوا به، وهم سعداء؛ يقبلون بإهاناته وابتزازه دون سؤال أو امتعاض مما يفعل بثروة عامة تملكها أجيال حالية وأخرى لم تر النور بعد، وليس من حق أحد انتزاعها منهم.
إنه منطق المرَابي الجشع الذي فاق خيال شكسبير في رسم شخصية المرابي في مسرحيته الخالدة «تاجر البندقية».. فمرابي شكسبير أقرض التاجر مالاً كان في حوزته، وبشاعته وجشعه ظهرا في شرط التسديد المدون في عقد القرض.. وكان اقتطاع رطل لحم من جسد التاجر إذا ما عجز عن سداد الدين في موعده، أما ترامب فلا يملك مالاً يُقْرضه.. ويعمل على الاستيلاء على ثروات وأموال ليست في حوزته.. لمجرد أنه مسكون بهاجس التعصب العنصري والهوس الصهيوني.. ويستعرض قوته الغاشمة على أكثر المسؤولين العرب ضعفاً وهشاشة، ويتفنن في الحصول على أموالهم.. ويكافئ الدولة الصهيونية باستكمال الاستيلاء على فلسطين المغتصبة 1948، والأراضي المحتلة بعد حرب 1967، وانتزاع الضفة والقدس من الأردن، وكذلك قطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية، بجانب احتلال مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.
وترامب ليس لديه مال يعطيه لأي من أولئك الملوك والحكام العرب، وما لديه هو تكريس لضعفهم وزيادة تخلفهم، وتشجيع استبدادهم، وعدم الممانعة في استعباد شعوبهم، فيكونوا الأضعف والأعجز عن توفير إمكانية الدفاع عن النفس والحقوق والوجود والكرامة.. وهذه أسباب قبول دفع «الجزية»؛ برضى، واستبشار، وسعادة.. ومن يدفع «جزيته» يقف أمام الشاشات المرئية يستعرض ما ضخ من أموال ودورها في خدمة الاقتصاد الأمريكي؛ كم تضيف من إمكانيات عمل لتشغيل العاطلين الأمريكيين؟ وكم تحقق من رواج وانتعاش للاقتصاد الأمريكي؟ وكم تحسِّن من حال الاقتصاد الأمريكي وتضعه على طريق التعافي؟ وكم تضيف إلى دخل الفرد الأمريكي…؟

الضغط السعودي والإماراتي لم يُجْد نفعاً، ولم ينجح في دفع ترامب نحو حرب بالوكالة عنهما.. ويبدو أن ذلك وضع الدولتين في مأزق وأجهض خططهما

ولما وجد ترامب أن الحصول على المال العربي سهل زاد في إهانة دافعيه، وضاعف من تلبية مطالب الدولة الصهيونية غير المشروعة، وتمادى في التحرش بإيران، وفي تدمير سوريا، وتخريب اليمن، وإشعال فتن الاقتتال الأهلي في لبنان والعراق.. وذلك النهج العدواني معتمد منذ ما قبل وعد بلفور 1917، وكان أساس قضم أرض فلسطين حتى أوشكت على التلاشي، وامتد القضم إلى الأحياء العربية وإلى المدن والبلدات القديمة في القدس وحولها، وهدمها وتشريد أهلها وطرد أصحابها.
ويصف ترامب الأموال التي ينتزعها انتزاعاً بأنها ثمن لحماية عروش ملوك، ومقاعد رؤساء، ومجالس شيوخ عرب، وينذرهم بالسقوط خلال أسبوعين بدون حمايته، ولم تهتز شعرة في لحية ملك أو صلعة شيخ، ولم يُبْد أي منهم اعتراضاً على تلك الإهانات.. وكانت المفاجأة في تغير اللهجة، وإعلان ترامب بأعلى الصوت «إنه لا يحمي أحداً».. ويبدو أنه اطمأن إلى استمرار تدفق الأموال، بضمان العيون الزرقاء والشعور الصفراء والوجوه الحمراء..
وأكد حديث سفير واشنطن الأسبق في الخليج «باتريك ثيروس» ذلك (24
هل معنى ذلك أن الضغط السعودي والإماراتي لم يُجْد نفعاً، ولم ينجح في دفع ترامب نحو حرب بالوكالة عنهما.. ويبدو أن ذلك وضع الدولتين في مأزق وأجهض خططهما. وعليه، أوقفت الإمارات ضغطها على ترامب؛ هنا يشير «باتريك ثيروس» إلى شعور إماراتي بضرر بالغ من حرب تندلع في المنطقة. ولذا، تم سحب قوات الإمارات من اليمن، وتقلص وجودها على أرضه، وهدأت لهجة المواجهة السعودية الخليجية الشاملة ضد إيران!!. وإسراع الإمارات إلى التهدئة يعني تراجعها خطوات تبعدها نسبياً عن السعودية.. ويبدو أن اتجاه الرياض صوب التهدئة صعب بسبب تشدد ولي العهد محمد بن سلمان، ويبقى السؤال عن معنى استمرار محمد بن سلمان في تحمل علاقته ذات التكلفة العالية بترامب. ومن المتوقع مضاعفتها والاعتماد عليها في التصدي للتوترات الداخلية، ودور ترامب المعتمد في تتويج بن سلمان ملكاً قادماً للسعودية..
ألا يمكن أن يكون كل ذلك تعمية وخدعة تغطي حرب تريدها تل أبيب، وعليها أن تأمر فتلبي الإدارة في واشنطن، وقد تحولت إلى «مستوطنة» تجمع ترامب وفريقه؟ وليس في مقدوره رفض طلب لنتنياهو مهما كان ثمنه!!. ومع ملاحظة أن الوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة لم ينكمش، فضلاً عن انتشار عشرات القواعد العسكرية والصاروخية والاستراتيجية الأمريكية، العلنية والسرية، بمشاركة جيش الدفاع الصهيوني، وهل مثل هذا الوضع معبر عن حقيقة النوايا، أم هو مجرد خداع استعداد لحرب مشتعلة بالفعل، ولكن أغلب الملوك والرؤساء العرب يتجاهلونها.. ومن الممكن تطورها واتساع رقعتها بغتة، رغم تحفظ واشنطن على خوض حرب بالوكالة..
ليس هذا ما يناسب طموح ترامب.. حيث يرى أن الحرب حربه، ولن يكون فيها وكيل عن أحد، وما تفسير جمع هذه الأموال الطائلة التي ليس لها من تفسير سوى احتمال وجود مخطط سري قد ينكشف في لحظة التنفيذ؟!!. وعلى المراقب ألا ينسى أن ترامب أصدر العام الماضي قراراً (في 25 يوليو/ تموز 2017) أوقف بمقتضاه برنامج دعم المعارضة السورية، مدعياً بأنه «ضخم وخطير وغير فعال».
وتوقف العمل ببرنامج إدارة أوباما قبل أربع سنوات، وكانت الموافقة قد تمت عليه سنة 2013؛ عندما كانت مختلف الجماعات المسلحة تسعى للحصول على دعم دولي في مواجهة الحكم السوري. وتراجَع دعم ذلك البرنامج في 2016 بعد خسارة المعارضة السورية لمناطق سيطرت عليها في حلب أمام هجوم شامل شنته القوات الحكومية السورية والجماعات المتحالفة معها، ألا يعني ذلك أن هناك احتمال مخطط آخر، وعلى أساسه تجري عملية إعادة انتشار القوات المنتشرة في «القارة العربية» مثل الجراد من كل الملل والنحل.
كل هذا الحديث الطويل ومصر الرسمية بدت غائبة، وكأنها غير معنية بما يجرى.. وما مدى صحة هذا؟.. أم أن وراء الأكمة ما وراءها، وذلك مبحث آخر!!.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 2207 / 2184624

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2184624 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40