السبت 18 أيار (مايو) 2019

دراما رمضان: مرحبا بالسيسي رئيساً للدعوة السلفية!

سليم عزوز
السبت 18 أيار (مايو) 2019

الحمد لله الذي عافاني مما أبتلى به كثيراً من خلقه! فعندما أشاهد خيبة أمل مشاهدي دراما رمضان هذا العام، من الانتاج المصري، يستقر في وجداني أنني فعلت الصواب تماماً، عندما قررت اعتزالها جميعاً، فلا أشاهد سوى مسلسل واحد، هو «سفر الأحلام» على تلفزيون «ماسبيرو زمان»، وهو مسلسل له معي ذكريات خاصة، فحين عرضه للمرة الأولى في أغسطس/آب 1986، كانت تراودني أحلام العمل في الصحافة وقد التحقت بقطارها في يونيو/حزيران 1987، ولا تنسى أن أحد أبطاله مؤلف مسرحي في بداية مشواره، وكله عند العرب صابون!
المسلسل عرضه التلفزيون المصري، أيام أن كان التلفزيون يعرض مسلسلاً واحداً، وأيام أن كانت عدد القنوات التلفزيونية هما قناتيان فقط، وكان عرض المسلسلات المصرية من اختصاص القناة الأولى، ويبدو أن عبد الفتاح السيسي متأثر بهذه المرحلة، فيريد أن يعود إليها، فيكره الضجيج، ولو ببرامج تهتف باسمه، ولهذا فقد أوقف كثيراً من برامج «التوك شو»، وفي عهده، عرفنا لوناً جديداً من الاستثمار التلفزيوني، وهو شراء قناة تلفزيونية ليس بهدف ترشيد أدائها، وتحويل مسارها، ولكن بهدف إغلاقها، وإذ اشترى رجاله قناة «الناس»، فقد فوجئنا مؤخراً باغلاقها وتشريد العاملين فيها! وفي الحقيقة أن هذا الدافع للتملك، لم نعرفه فقط في عهد عبد الفتاح السيسي، ولكننا عرفناه في حكم العسكر بشكل عام، فمحمد الأمين، الذي سقط على المشهد الإعلامي بـ «البارشوت»، بعد ثورة يناير/كانون الثاني، وبدون سابق إنذار أو معرفة بشخصه الكريم، اشترى باقة من القنوات يملكها رجل أعمال معروف، وكان لافتاً أن الأمين يملك قنوات «سي بي سي»، وجريدة «الوطن»، فما حاجته لقنوات أخرى، يدفع دم قلبه ثمناً لها، قبل أن نعلم أنه شراء لصالح المجلس العسكري الحاكم، لأن واحدة من هذه القنوات يقدم «معتز مطر» عليها برنامجاً يومياً وقد بدأ في الهجوم على المجلس العسكري، وكان المثير أن صاحبهم اشترى حزمة القنوات هذه ليغلقها!
وكما كُتب على تتر مسلسل «سفر الأحلام» فإنه أول عمل تلفزيوني للمخرج السينمائي سمير سيف، والمسلسل لوحيد حامد، قبل أن يتحول إلى سياسي يرسل رسائل مباشرة، تحمل توجيهاً أمنياً، وتقريباً لا يوجد عمل درامي لوحيد حامد في رمضان هذا العام، كما لا يوجد لعادل إمام أيضاً، وتقريباً لا يوجد حضوراً لأي فنان كبير، وربما كانت هذه سياسة يتبناها الحكم الجديد، الذي يعتقد أنه قادر، وقد سيطر على الدراما، أن يخلق جيلاً جديداً، يبتعد به عن الأجور المبالغ فيها لكبار الفنانين، على مظنة من العسكر أنهم قادرون على صناعة الكباري، والمزارع، والدراما، والفن، وعلى أساس أن العملية ليست كيمياء، وهم يسري عليهم قول المتني:
ذو العلم يشقى في النعيم بعلمه/ وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم!

«بنسيون» سفر الأحلام

تدور قصة «سفر الأحلام» حول محمود مرسي، الذي يعمل في السكة الحديد، وعندما يحال للمعاش ويجد حياته فارغة، فإنه يحول شقته إلى «بنسيون»، تسكن فيه الريفية «أثار الحكيم» الفقيرة ويتيمة الأبوين، والتي جاءت للقاهرة بحثاً عن حظ أوفر، كما يسكن فيها أيضاً المؤلف المسرحي المبتدىء صلاح السعدني، الذي جاء من قريته لمدينة الأضواء بحثاً عن من يتبنى مسرحياته ويقدمه للجمهور، فتتبناه في البداية نجوى فؤاد. قبل أن تلحق بهم ناهد رشدي وابنها بحثاً عن زوجها «عادل» أو عبد العزيز مخيون، الذي لم يتحمل الزمن الجديد، فأصابه ما يشبه اللوثة العقلية، فيخرج بملابس نومه محذراً من يحتشدون للفوز بعقد عمل أمام شركة سياحية، من بيع أنفسهم، ثم سرعان ما يكتشفوا أنهم تعرضوا لعملية نصب.
ويعمل في «البنسيون» «خميس» أو الفنان نجاح الموجي، والذي تديره «فيفي يوسف» أو مدام «ماريكا» وتقوم بدور خواجاية في مصر!
هذا العمل من زمن كان الاتجاه العام للدولة فيه الذي تتبناه الدراما، هو تحقير السفر، سواء للخارج، أو للداخل من الريف للقاهرة، حيث أضواء المدنية، التي أبهرت القروي الساذج فانحرف، كما في عمل آخر!
ما يميز الدراما القديمة هي الحبكة الدرامية، وفي كل مرة تنتهي الحلقة على واقعة ليست مكتملة، أو عقدة يُنتظر حلها في الحلقة المقبلة، أو حدث عارض يحرض المشاهد على انتظار اليوم التالي، وهو أمر تفتقده الدراما الجديدة، التي تبدو كما لو كانت حلقاتها كلها حلقة واحدة ممتدة، والتقسيم تم بحسب الوقت المحدد لكل حلقة، فحيث انتهى الوقت يتم الوقف، دون مفاجأة، أو محاولة لربط المشاهد بما هو آت من حلقات!
وعندما أقرأ على مواقع التواصل الاجتماعي، من ينتقدون دراما هذا العام، فإنني أسعد لأنني لم أتورط مثلهم، وأنا عندي عيب، هو أنني لو شاهدت مسلسلاً تافهاً فلم تمنعني تفاهته للتوقف عن المشاهدة، بل سأستمر معه لآخر حلقة، ولو بدأت في قراءة رواية، وشعرت أنها «مقلب»، فلن أتركها مهما طال الزمن، حتى تصبح جثة هامدة، وكأني أعاقب نفسي بتعذيبها على هذا «التورط»!

جمال عبد الناصر وخليفته

لقد قالوا إن الأجهزة الأمنية هي من احتكرت دراما رمضان هذا العام، فذهبت بعيداً، فـ»الحداية لا تلقي كتاكيت»، وقديماً كانت دولة العسكر تعطي الخبز لخبازه، والفن لأهله، وتعطي توجيهاتها، ثم تترك أهل الذكر يتصرفون في صنعتهم، لكننا أمام لون جديد من حكم العسكر، يتفق مع المرحلة، ففي النهاية كان لدينا العسكري، الذي لم ينس نصيبه من الثقافة، لكن الوضع اختلف الآن، وقد تمكن جمال عبد الناصر من غواية الكتاب الكبار من حديثه معهم عن كتاباتهم التي قرأها، ومؤلفاتهم التي أثرت فيه. ومن طه حسين، إلى خالد محمد خالد، أما خليفة عبد الناصر، فشعاره: ماذا يصنع التعليم في وطن ضائع؟! وهو يرى أن العسكر هم أصحاب العلم الحقيقي، ومن دونهم أدعياء لا أكثر.
وإذ دخل العسكر فهيمنوا على الدراما، فكان طبيعياً ألا يوجد عمل واحد عليه القيمة، وذلك من خلال متابعتي لصفحات كتاب ونقاد، عندما أقرأ لهم وهم يتجرعون السم بمتابعتهم لدراما هذا العام، أحمد الله على الهروب الكبير إلى «سفر الأحلام»، وإلى «ماسبيرو زمان»، التي هي الانجاز الوحيد لأنس الفقي، آخر وزير إعلام في عهد مبارك! لا يوجد مسلسل واحد، قرأت أنه جذب أحداً، أو أثار اهتمام المشاهدين، وبعض الإشادة على ندرتها على أداء ممثل، أو بالمقارنة بين عمل وعمل، وعلى قاعدة «الأعور في سوق العميان سلطان»، لكن حتى هذه الإشادة تبدو ردة فعل، فهناك من يهاجم فنان فينبري آخرون للدفاع عنه. وقد قرأت لمن يأخذ على ممثل عدم إجادته للهجة الصعيدية، فانبرى له من يدافعون عن هذا الممثل!
الناقدة المرموقة ماجدة خير الله، والتي تبدو معتكفة أمام الشاشة الصغيرة بحكم اهتماماتها، تتحفنا كل يوم بانطباعتها، وهي انطباعات سلبية، ومما ذكرته أن بلوفر عمرو دياب الخاص بأغنيته «تملي معاك»، أصبح مادة للتندر في مسلسلين.
فهل كان هذا توادر خواطر بين المؤلفين، أم أن المشكلة ترجع إلى توجيه «المنتج العسكري»، فقررها لمؤلف هذا العمل، ونسي أنه كلفه بها، فألحت عليه الفكرة إلحاحاً فكلف بها مؤلف المسلسل الآخر، وقد نظر الى نفسه باعتباره عبقرية زمانه، وفلتة عصره.. ومبدع المرحلة.. أليس بجنرال؟!

أخلاق القرية

دشن العسكر هذه المرحلة في تاريخ الدراما، تحت عنوان: «الانتقال من الفوضى إلى النظام، ومن الإسفاف والقبح إلى الرقي والمهنية»، ومع ذلك فإن لجنة الدراما في المجلس الأعلى للإعلام، تبنت مبدأ «أخلاق القرية»، الذي كان السادات يردده كثيراً، لكن في مجال السياسة، ولترشيد أداء المعارضة، فأخلاق القرية تحتم ألا يتطاول الصغير على الكبير، أو عضو في الأسرة على رب الأسرة، وارتفع بذاته هو ليكون «رب العائلة المصرية»! بيد أن لأخلاق القرية أبعاداً أخرى تستدعي التدخل باسمها في الهيمنة على الفن والابداع، حفاظاً على أخلاق المجتمع، وإن كنا لم نسمع عن فن وابداع في دراما هذا العام. وقد ذكر زميلنا علاء الجمل، أن القصة والحوار والسيناريو في منتهى السخافة! ما علينا، فلجنة الدراما، تقيد المقيد، وهو أمر يوحي بأن من يدير المرحلة هو الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، لما فعل أكثر من هذا، وهو أمر لم يكن بامكان الرئيس محمد مرسي أن يقدم عليه، إذ لخرجت البنت وأمها في مظاهرات عارمة دفاعاً عن هوية مصر، لكن الجميع في حالة استسلام كامل والرقابة والتضيق وتدمير الدراما يقوم بها حكم العسكر، ولعل الشيخ برهامي وباعتباره من مؤيدي المرحلة يعبث في لحيته الآن وهو يقول إن الله ينصر هذا الدين بالرجل العسكري! الخطاب الديني ضد أن يُعرف رمضان بالدراما، كما كان ضد أن يُعرف بالفوازير، وقد سقطت الأخيرة باعتزال الفنانة نيللي ووفاة صلاح جاهين، وقد هاجم الشيخ كشك فوازيرها، فسئل في التحقيقات عقب اعتقاله، لماذا تهاجم الفنانة نيللي؟! الآن لا فوازير ولا مسلسلات، فمرحبا بالسيسي في الموقع الشاغر، وهو رئاسة الدعوة السلفية!

أرض – جو

برنامج «اللغة العالية» للمبدع بلا حدود، عارف حجاوي، شيخ مشايخ الإعلام العربي، هو عمل رائع فازت به قناة «الحوار». لا ننسى الديكور والإخراج في البرنامج. أتمنى أن يستمر البرنامج بعد شهر رمضان، ولو أسبوعياً.
وها هو شهر رمضان أوشك أن يغادر، دون أن نرى وجوداً لبرنامج الراقصة «سما المصري» الديني. ومنذ ثلاث سنوات وكلما اقترب الشهر الفضيل، تُنشر أخبار بكثافة عن برنامج ديني للراقصة يصيح على أثره البعض: وا اسلاماه، ويأتي رمضان وينتهي من دون البرنامج، ومع ذلك لا يتعلم الناس الدرس مع الدعاية الجديدة، وقبل شهر رمضان قالت الراقصة إنها ستقدم ابتهالات دينية كل يوم، دون ذكر اسم القناة، ولا شيء. إنها محاولة للاثارة والتذكير بأنها لا تزال على قيد الحياة، وهناك من يساعدها في ما تريد بالصراخ: وا اسلاماه.

*صحافي من مصر



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 65 / 2184606

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2184606 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40