الجمعة 5 نيسان (أبريل) 2019

فلسطين: القضية التي لم يسمع العرب قصتها بعد

الجمعة 5 نيسان (أبريل) 2019

على مدى عقود ردد الكثير من القادة الإسرائيليين خطابا سياسيا ينطوي على رغبة كاذبة بتحقيق السلام والتجاور الدولتي، في منطقة تُعتبر فيها إسرائيل الكيان الوظيفي للغرب، والحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، وهي تدعي دائما أنها مهددة من أعداء تقليديين يرغبون في إفنائها، وبالتالي تُضفي شرعية على سياستها العنصرية والعدوانية، من منظور الدفاع المشروع عن المصالح الوطنية والجيوسياسية «للدولة»، التي لا تعترف بالحدود.
وفي الأثناء عمل الإسرائيليون بقوة لكي لا يدرك العالم أننا إزاء معركة تحرر وطني لشعب يواجه استعمارا عسكريا مباشرا، وجعلوا الأمر يُتداول على أنه «العنف الفلسطيني» إزاء دولة إسرائيل وهو المتواتر في أعمدة الصحف العالمية، خاصة كبرى الصحف الأمريكية التي تخضع بشكل من الأشكال لضغط اللوبيات الصهيونية، ما يجعلها تُوفر كما هائلا من الجهد الدعائي لصالح تل أبيب، وهي في ذلك لا تدخر عطاء تمويليا، كما تحظى بتغطية سياسية ودبلوماسية من الكونغرس الأمريكي، وأغلب المؤسسات الدولية الخاضعة للقوى الكبرى.

قطع اللوبي اليهودي أشواطا داخل الأوساط الأمريكية السياسية منها والإعلامية، لتحصين إسرائيل ضد الانتقادات

فلا مجال في مثل هذا الواقع الدعائي للحديث عن إمكانية حماية «مسيرات العودة» من قبل الأمم المتحدة، أو غيرها حين تصبح إسرائيل فوق القانون الدولي عابثة بالقرارات، ولا تعير اهتماما لحقوق الإنسان، لأن العالم أجمع لا يعطي قيمة للدم الفلسطيني الذي يسفك بشكل متواصل.
وتُعد اجتماعات «الإيباك» ومؤتمراته السنوية عناوين كبرى للضغط السياسي المستمر، والمُجسد عبر شراء الذمم ومنع النقاش حول إسرائيل وجرائمها، وكل ذلك لإطالة أمد الأزمة، والتفنن في إدارتها، والبحث عن تصفيتها نهائيا بعد تكريس الاعتقاد بأن مسألة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مستحيلة، أو بعيدة التحقق. وعندما يمتلك اللوبي الإسرائيلي نفوذا استثنائيا داخل المؤسسات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية، ويسهل عليه توظيف النظام السياسي الأمريكي بما يخدم تل أبيب بالدرجة الأولى، ليس مستغربا حينئذ أن تُقدم الأراضي العربية لإسرائيل وكأنها ملكية خاصة يتم توريثها. وإن كانت تصرفات ترامب الارتجالية فاقت ما أقدم عليه رؤساء أمريكا السابقون فللجنون أحكامه التهريجية، ويبدو أن رغبة هذا الشخص في صناعة الرأي العام، وجعل العالم يتداول قراراته، قد فاقت كل التقديرات، رغم أن هناك من يراها وعودا انتخابية سابقة لا يرغب بأن يُخيب ظن اللوبي اليهودي الأمريكي الذي دعمه في الوصول إلى البيت الأبيض، بعد المعركة الانتخابية مع الديمقراطيين وهو محل مراهنة واسترضاء دائمين، وبالتالي على الرئيس الأمريكي أن يفسر عمليا العلاقة الحميمة بين إسرائيل والولايات المتحدة ودرجة الموالاة لهذا الكيان من قبل الإدارة الأمريكية المتعاقبة.
ويؤثر اللوبي الإسرائيلي في الحكومة الأمريكية، كما يوظف وسائل الإعلام ومراكز البحوث والأوساط الأكاديمية ويحرص على ضمان الانحياز التحريري في جل الصحف الأمريكية. وقد قطع اللوبي اليهودي أشواطا ذات شأن داخل الأوساط الأمريكية السياسية منها والإعلامية، على طريق تحصين إسرائيل ضد الانتقادات. وتعمل جماعات الضغط الموالية لإسرائيل، التي يتمركز تأثيرها الانتخابي عبر الدعم المالي والدعائي في ولايات مهمة مثل، كاليفورنيا، فلوريدا، نيويورك، واشنطن، ايلينوي وبنسلفانيا، على منع تعيين من لديه موقف انتقادي من إسرائيل في السياسة الخارجية، الأمر الذي أدى إلى غياب تام لأي شكل من أشكال انتقاد السياسة الإسرائيلية في مؤسسة الخارجية الأمريكية، ومجموعة «جون بولتون» التي تحيط بالرئيس ترامب، عنوان آخر لعدائية المحافظين الجدد تجاه القضايا العربية، ولا سلام يمكن أن يأتي من هؤلاء غير ضمان أمن الكيان الصهيوني ودعمه بشكل مطلق، على حساب حقوق الفلسطينيين التي لا يكترث لها المتشددون داخل هذه الإدارة.
ولن تكون قضية القدس أو الجولان السوري سوى مسار ضمن مخطط أعمالها التخريبية لدول الطوق، التي تُحيط بالكيان الإسرائيلي، وحرص واشنطن وتل أبيب على بقاء أنظمة عميلة تتناغم والرغبة الصهيونية في القضاء على أعدائها، من حاصل استنتاجات أمريكية إسرائيلية مشتركة تدفع صوب تغيير خريطة الشرق الأوسط تحت عناوين «الشرق الأوسط الجديد» أو «صفقة القرن»، وتعبيرات الهيمنة تُتيح لأمريكا السيطرة المباشرة على أكبر احتياطات النفط في المنطقة، وتُكسِب إسرائيل مقومات السيطرة والقوة بشكل مؤكد. فهل فعل العرب شيئا يمكن أن يماثل ما تفعله جماعات المصالح التي تُشكل اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة؟ قطعا لا، فَهُم يكتفون بالتنديد الذي يُشجع على التمادي في هضم الحقوق العربية، وفشلهم هذا يخُون فلسطين ويُضعف حظوظ إقامة الدولة واسترجاع الحقوق المسلوبة .

- لطفي العبيدي / كاتب تونسي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2184561

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2184561 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40