الأربعاء 18 كانون الأول (ديسمبر) 2013

آثار السيطرة الإسرائيلية على المياه الفلسطينية

نبيل السهلي
الأربعاء 18 كانون الأول (ديسمبر) 2013

استصدرت السلطات الإسرائيلية عشرات القرارات الجائرة بعد عام 1967، بغية التمدد المائي في عمق الضفة الغربية، ومن أهم تلك القرارات، القرار العسكري الإسرائيلي الصادر في السابع من يونيو/ حزيران من العام المذكور والذي يقضي بالسيطرة على جميع مصادر المياه الموجودة في الأراضي التي تم احتلالها في العام المذكور، واعتبار تلك المصادر ملكاً لإسرائيل وللمؤسسات ذات الصلة، كما تم استصدار أوامر لاحقة من قبل السلطات الإسرائيلية تمً من خلالها التحكم بجميع مصادر المياه الفلسطينية بشكل فعلي، وكانت البداية بمنع تراخيص خاصة بحفر آبار جديدة من قبل الفلسطينيين أو إصلاح القديم منها، وقد أدى ذلك إلى السيطرة على نسبة كبيرة من حجم الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين في الضفة الغربية.
وتبعاً لذلك باتت قضية نقص المياه في الأراضي الفلسطينية مع زحف الجدار في عمق تلك الأراضي تنذر بأزمة حقيقية وخطر كبير على مستقبل حياة الفلسطينيين ونشاطهم الزراعي، الأمر الذي سيؤدي إلى تهميش دور القطاع الزراعي الفلسطيني وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم ظاهرة الفقر المدقع التي يعاني منها في الأساس نحو 60 بالمئة من المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية.
وفي الوقت الذي غابت فيه أية خطة مواجهة حقيقية فلسطينية وعربية للحد من سرقة إسرائيل لمزيد من المياه العربية، تكثف اللجان الإسرائيلية المسؤولة عن المياه نشاطها لمعركتها القادمة مع الفلسطينيين، حيث يندرج النشاط المذكور ضمن سياسة إستراتيجية لا تنفصل عن السياسة الاستيطانية الإسرائيلية الهادفة إلى بسط السيطرة على أكبر مساحة من الأرض وعلى كافة مصادر المياه وأقل عدد من السكان الفلسطينيين.
وتذهب إسرائيل إلى أبعد من ذلك حيث ترى بحفر الفلسطينيين لثلاثمئة حفرة مياه في الخزان الجوفي في الضفة خلال السنوات القليلة الماضية، أنه يمس بمشاريع ري إسرائيلية قريبة من هذه الحفر، بحيث ترتفع نسبة الملوحة إلى حد يؤدي إلى تراجع أداء قطاع الزراعة الإسرائيلي، وبالتالي انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام، الأمر الذي تسعى السلطات الإسرائيلية جاهدة لعدم حدوثه.
وعلى الرغم من ندرة المياه في فلسطين بشكل عام مقارنة بالنمو السكاني المرتفع فإن أزمة المياه بين الفلسطينيين أخذت منحى خطيرا بعد عام 1967، واتسعت الأزمة المائية لتشمل عدداً من الدول العربية، خاصة بعد سيطرة إسرائيل على مياه نهر الأردن والحاصباني وغيره، وفي سوريا بانياس وجبل الشيخ، كما سيطرت على جميع الأحواض المائية في فلسطين.
استطاعت السلطات الإسرائيلية عبر مخططات وسياسات دءوبة من السيطرة على 81 بالمئة من حجم مصادر المياه الفلسطينية خلال الفترة (1967-2013)، حيث تشير الدراسات إلى أن حجم الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين في المنطقتين نحو (750) مليون متر مكعب سنوياً. وعلى الرغم من وجود اتفاقية حول تحويل إسرائيل لثمانين مليون متر مكعب من المياه في السنة للفلسطينيين، لكن السلطات الإسرائيلية تنصلت منها.
وفي حين يحتاج فلسطينيو الضفة إلى 150 مليون متر مكعب سنويا من المياه، فلا يتوفر لهم سوى 50 بالمئة منها. ومع الارتفاع المستمر لمجموع سكان الضفة والقطاع الذي وصل إلى أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون فلسطيني في عام 2013، سيزداد الطلب على المياه، لكن من الواضح أن المشكلة المائية ستكون بوتائر عالية في قطاع غزة، نظراً للكثافة السكانية والمساحة الضيقة التي لا تزيد عن 364 كليومتراً مربعاً، ويحتاج سكانها إلى مئة وعشرين مليون متر مكعب سنويا في وقت لا يتجمع لهم من مياه الأمطار سوى خمسة وأربعين مليون متر مكعب.
وأدت الأوضاع التي خلفتها سياسات الاحتلال الإسرائيلي إلى حدوث مشكلة صحية بسبب تلوث مصادر المياه نتيجة للسحب الزائد للمياه الذي يؤدي إلى دخول المياه العادمة إلى المياه المستعملة. وستستمر إسرائيل في مخططاتها من أجل السيطرة على مزيد من مياه المنطقة العربية، حيث تشير الدراسات إلى أن إسرائيل تستهلك حالياً أكثر من 90 بالمئة من المياه المتجددة سنوياً لأغراض الاستهلاك المختلفة المنزلية والزراعية والصناعية.
وفي ضوء احتمال اجتذاب أعداد محتملة من المهاجرين اليهود في السنوات القادمة وزيادة الطلب على المياه، من المحتمل أن ترتفع نسبة العجز المائي الإسرائيلي لتصل إلى مليار متر مكعب سنوياً، وبالتالي ستبحث إسرائيل عن خيارات للسيطرة على مصادر مائية عربية لتلبية حاجاتها المائية.
ويلحظ المتابع بأن سياسات إسرائيل المائية إزاء الفلسطينيين في الضفة والقطاع وارتفاع معدلات الخصوبة بين النساء الفلسطينيات التي تتعدى ستة مواليد للمرأة طيلة حياتها الإنجابية، جعلت شبح العطش والجوع يلوح في الأفق بين الفلسطينيين، في وقت أدارت فيه إسرائيل ظهرها لكافة القرارات والاتفاقيات الدولية وفي المقدمة منها اتفاقية جنيف لعام 1949، ونتيجة لذلك بات المستوطن الإسرائيلي في الضفة الغربية يستهلك ستة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني هناك.
وتبقى الإشارة إلى أنه بدون سيطرة الفلسطينيين على مصادرهم الطبيعية وفي المقدمة منها شريان الحياة المياه، لا يمكن الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة بالمعنى الحقيقي، ولا عن سلام أيضا بينهم وبين الإسرائيليين، وذلك على الرغم من الحديث المتكرر عن تسويات محتملة. ولهذا يجب إعطاء بعد عربي وقانوني لقضية السيطرة الإسرائيلية على المياه الفلسطينية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 178 / 2692433

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2692433 مشتركو الموقف شكرا

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010