المواجهات العسكرية مثلما جرى في الأنبار، والتفجيرات الانتحارية في الطرقات ودور العبادة والأفراح والمآتم وفي المدارس والأسواق والاغتيالات، كانت هذه بعض من عناوين الدوامة الدموية التي تلف العراق قبل أن يصطدم العراقيون، وفي ذروة مزاعم السلطة إحراز انتصارات على جماعات الإرهاب، باحتلال الجماعات المسلحة مدينة الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية في تعداد السكان بعد بغداد ومحافظة الأنبار بكاملها وفي عملية درامية إذا قدر كشف مجرياتها سيحتاج الوصول لمعرفتها جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً .
المشهد كان صادماً، المهاجمون يندفعون إلى المدينة كما لو أنهم وافدون إليها للاحتفال، في المقابل كانت القوات العسكرية المكونة من أربع فرق وبآلاف المنتسبين يلوذون بالفرار، وبين هذا وذاك كان الآلاف من أبناء المدينة يهجرون بيوتهم خوفاً من المهاجمين وقهراً من خديعة حياتهم التي تبددت مع هذا الانهيار .
كيف حدث هذا؟
اللافت أن ردود الفعل على المفاجأة كانت سريعة، فالمعارضون للمالكي قالوا إنه كان في انتظار اللحظة التي تمنحه إعلان حالة الطوارئ في البلاد لإبقاء حكومته التي انتهت شرعيتها قائمة على هذا المستجد، وهم يشيرون إلى أن إعلان المالكي التعبئة العامة يندرج في هذا السياق الالتفافي تحت مظلة الحرب على الإرهاب .
مهتمون في الشأن العراقي يفسرون ما حدث في الموصل على أنه ناجم عن أسباب عدة في الأبرز أن الحرب الأهلية بحوافزها المذهبية والقبلية والعشائرية والتنافرات والتناحرات السياسية والتدخلات الخارجية أضعفت الهوية الوطنية، وإن الجيش لم يعد لديه عقيدة وواقع تحت تأثير الإحباط وأن قياداته في الأغلب في غير مستوى الكفاءة والمسؤولية .
والسؤال الآن: ما الذي أسقط العراق إلى هذه الوضعية؟
في التداولات الإعلامية والسياسية ثمة استسهال للحقائق بالهروب من الأسباب إلى النتائج التي باتت تمثل حالة عراقية في مسلسل القتل المفتوح للجماعات المسلحة المتماثلة والمتنافرة، بما فيها جماعة القاعدة ومشتقاتها .
هنا يمكن القول إن الحالة العراقية ابنة شرعية لسببين، الأول السياسة الأمريكية وتركة الاحتلال الثقيلة في هذا البلد والثاني العراقيون أنفسهم .
في السبب الأول، عمد الأمريكيون إلى تصفية الدولة وتركيع المجتمع، وفي شأن هذه الأخيرة جرى إحياء النزعات الطائفية والمذهبية والقبلية والعشائرية وادخال التيارات الوطنية في متاهة الصراعات السياسية، واللعب على كل الأطراف بخديعة الاستفراد في العلاقة والوعود الإغرائية قادت آنذاك مباشرة إلى إضعاف الاصطفاف الوطني وأدت إلى هذا التشرذم الذي يحتاج إلى معجزة لكي تقوم له قائمة .
لمجرد الاستدلال على هذه الحقيقة يمكن الإشارة إلى تساؤلات النائبة الجمهورية دانا روهابشير التي قالت منذ أيام قليلة من أيام العراق الدموية: “لماذا نشعر بأننا مضطرون للانغماس في معركة بين أناس يقتلون بعضهم بعضاً”؟ وأضافت: “آلاف الأشخاص يموتون في هذا الجنون ، لماذا تفكر الولايات المتحدة، أنها ملزمة بأن تكون جزءاً من هذا الوضع الجنوني؟ لماذا لا نتركهم يقتلون بعضهم بعضاً . . لقد قدمنا لهم ما يكفي” .
في هذه الخلاصة كانت دانا روهابشير صادقة ومحقة، إذ إن الولايات المتحدة قدمت للعراقيين كل ما يحتاجونه، ليس لبناء مستقبلهم بل لدمار بلدهم وقتل بعضهم بعضاً، ومن ذلك لعبة خلط الأوراق بين الجماعات الوطنية المقاومة للاحتلال وتلك الجماعات الإرهابية التي فتح أمامها أبواب العراق لحسابات أمريكية .
السبب الثاني هم السياسيون العراقيون في صراعاتهم المحمومة، فالاقتتال الأهلي انعكاس لهذه الصراعات وعلى مصالح ذاتية ضيقة بما توفره من أوضاع، وليس مجرد فرص للإرهاب بجرائمه التي تحصد أرواح العراقيين الأبرياء من النسوة والأطفال والشيوخ والشباب في مذابح وحشية وبربرية .
ودونما تهويل أو مبالغة، يمكن القول إن الساسة العراقيين في تناطحهم الأعمى على العراق وافتراقهم بتنافر ودونما البحث عن طريق الوفاق الوطني إنما يندفعون لشفاعة الغزو والاحتلال، ذلكم أن ما يجري في العراق لا يرتبط ولو بقدر بسيط بالاستقرار .
وفي ضوء التداعيات التي شهدتها الموصل وغيرها من المدن العراقية، وهي مفتوحة على مصير العراق، أليس هذا الإنذار كافياً لاستشعار الساسة العراقيين مسؤولياتهم تجاه إجماع وطني ينقذ العراق قبل فوات الأوان؟
الأحد 15 حزيران (يونيو) 2014
إنقاذ العراق . . كيف؟
الأحد 15 حزيران (يونيو) 2014
par
هاشم عبد العزيز
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
11 /
2166009
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
22 من الزوار الآن
2166009 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 20