السبت 14 حزيران (يونيو) 2014

أيُُّهّا المُخرّب، قِفْ وفَكِّر

السبت 14 حزيران (يونيو) 2014 par زهير أندراوس

من نافلة القول إنّ الإعلام في زمن العولمة يلعب دوراً هاماً جداً في صناعة الرأي العام، وما من شك بأنّه في عهد الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) تحوّل العالم إلى قرية صغيرة. ولكن على الرغم من هذه الطفرة الإعلاميّة، فإنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة- رأس حربة الإمبرياليّة العالمّية- وعلى خلفية فشل سياساتها في الشرق الأوسط تحديداً، تحّولت إلى شرطي العالم، وبات الكونغرس الأمريكيّ يسّن القوانين التي تهدف إلى ترويض وتدجين الإعلام العربيّ،مثل مشروع القرار الذي يتوعّد الفضائيات العربيّة ومؤسسات الأقمار الاصطناعيّة التي تبثها، التي تعتبرها واشنطن معادية لها بإنزال أشد العقوبات بها لأنّها تدعم المقاومة. السؤال منذ متى يُسمح لدولة بسن قوانين تُلزم دولاً أخرى؟ وهل مقاومة الاحتلال غير الشرعي، والتي نصت عليها الشرعية الدوليّة باتت إرهاباً إسلامياً وعربياً؟ ولكن باعتقادنا هناك تقاطع مصالح، إنْ لم يكن أكثر، بين الأنظمة العربيّة المرتمية في أحضان واشنطن وبين الإدارة الأمريكية في هذه القضية، وفضائية (الجزيرة) القطريّة و(العربيّة) السعوديّة، هما أكبر مثال على ذلك.

دولة الاحتلال تواصل التصرّف في مواجهتها مع العرب على الصعيد الإعلاميّ وكأنّ شيئاً لم يكن: هل تحتل الدولة العبرية الأراضي العربية؟ الجواب لا. هكذا قرر مدير صوت إسرائيل بالعربيّة، وهو بالمناسبة يهوديّ، فمنذ تأسيس الراديو “العربيّ” كان المدير العام دائماً من اليهود، وما زال هذا الوضع قائماً حتى اليوم، وجاء ذلك في وثيقة داخلية عممها على العاملين في هذه الإذاعة التحريضيّة. اليهود عندما يُقتلون في عملية مسلحّة، أكد المدير العام في فرمانه، فإنّهم ضحايا، أما الفلسطينيون فهم قتلى، الجنديّ الإسرائيليّ الذي يقتل ويبطش بالفلسطينيين واللبنانيين هو من “جيش الدفاع الإسرائيليّ”، الجيش الـ“أكثر أخلاقيّة في العالم”، كما يتشدق صنّاع القرار من المستويين الأمنيّ والسياسيّ في تل أبيب، أما الفلسطينيّ الذي يُدافع عن أرضه وعرضه، ويُقاوم الاحتلال بشتى الوسائل المتاحة له، والتي نصت عليها الشرعية الدولية، فإنّه إرهابيّ ولعين.

وللتذكير فإنّه في العام 1968 قامت حكومة إسرائيل بتعيين لجنة مهمتها فحص إمكانية إقامة راديو وتلفزيون بالعربيّة لاستغلالهما في حرب الدعاية الصهيونيّة ضدّ العالم العربيّ بشكلٍ عامٍ، وضدّ سكان يهودا والسامرة وقطاع غزة (المناطق المحتلّة عام 67)، وبطبيعة الحال فلسطينيي الداخل، وذلك في إطار المخطط الصهيونيّ الخبيث الرامي إلى ترويضهم وتدجينهم وتحويلهم إلى ما يُسمى وفق الأجندة الصهيونيّة بالـ“عرب الجيدين”. وقد ضمّت اللجنة مندوبين عن الشاباك، وبعد مداولات مستفيضة، لم تَخلُ من نصب المكائد وتحديد الإستراتيجيّة، رفعت توصياتها إلى الحكومة الإسرائيليّة مشددةً على ضرورة إقامة الراديو، والتلفزيون ليكونا ذراعاً مطيعاً تستغله الحكومة من أجل خلق البلبلة في العالم العربيّ، وإثارة الفتن بين أبناء الشعب الفلسطينيّ في المناطق المحتلة عام 67 وأيضًا في مناطق الـ48. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، قامت دار الإذاعة الإسرائيليّة خلال اجتياح لبنان في العام 1982 بمهمة أمنيّة من الدرجة الأولى، المذيعون أُجبروا على ترديد النداء إلى المقاتلين الفلسطينيين ومطالبتهم بالاستسلام: “أيها المخرّب، قِفْ وفَكّر. ارفع العلم الأبيض واستسلم، هذا النداء الذي كررته الإذاعة الـ”عربيّة" لم يُجدِ نفعاً، فقد واصل الفدائيون الفلسطينيون الدفاع عن أنفسهم، وفي محاولاتهم البطوليّة لصد العدوان الإسرائيليّ البربريّ، على الرغم من عدم التكافؤ في القوة، وما زالت عملية التحريض المنهجية مستمّرة.

مضافاً إلى ذلك، نرى لزاماً على أنفسنا أنْ نوضح لكلّ مَنْ في رأسه عينان بأنّ العنصرية الإسرائيليّة سبقت نفسها في جميع مناحي الحياة، ففي البرامج الأجنبيّة التي يقوم ببثها التلفزيون الرسميّ الإسرائيليّ، الممّول من دافعي الضرائب ومن الحكومة، وبطبيعة الحال القنوات التلفزيونية التجاريّة، تُتَرجم البرامج إلى اللغتين العبريّة والروسيّة، هذا على الرغم من أنّ اللغة العربيّة، وفق القانون الإسرائيليّ، هي لغة رسميّة، ومع أنّ حوالي 20% من سكان الدولة العبريّة هم من العرب الفلسطينيين. أي أنّ الحرب الإعلامية بيننا وبين الصهاينة لا تقتصر فقط على الإعلام الغربي، بل على الإعلام العبريّ المستعرب، والذي لا يقل خطورةً عن الإعلام الغربيّ، الذي تبنّى وما زال متبنياً الرواية الإسرائيليّة الكاذبة، وهو نفس الإعلام الذي أشبعنا دروساً في الديمقراطيّة ومحاضرات عن الرأي والرأي الأخر، وهنا نرى أنّ تل أبيب وواشنطن تعملان بتنسيقٍ تامٍ، وبمساعدة الوكلاء العرب، من أجل تكميم الأفواه العربيّة والإسلاميّة التي ما زالت تقول نعم للمقاومة.

من خلال متابعتنا ومواكبتنا للإعلام العبريّ نصل إلى نتيجةٍ مؤلمةٍ للغاية: الصحافة العبريّة هي ديمقراطيّة لليهود ويهوديّة للعرب، وتقوم بالتكشير عن أنيابها في زمن حروب إسرائيل، بحيث يتحّول الصحافيّ إلى جنديّ يُخفي المعلومات وينشر الأخبار التي تصب في صالح ما يُسمى بالإجماع القوميّ الصهيونيّ، ويتحّول الرقيب العسكريّ، الذي يعمل بأوامر من الشاباك، إلى رئيس رؤساء التحرير، حيث يُسرّب المعلومات التي تحلو له وتخدم أجندته، والصحافة العبرية “المتمردة” تتحوّل بين ليلة وضحاها إلى صحافة بلاط أوْ صحافة متطوعة. وفي هذا السياق نصل إلى النتيجة بأنّ هناك تقاطع مصالح واضحًا بين الإعلام العبريّ وبين السياسة الإسرائيليّة الرسميّة، القائمة على العنصريّة وعلى نفي الأخر. من هنا فإنّ عملية غسيل الدماغ التي يقوم بها الإعلام العبريّ ضد الفلسطينيين يتماشى مع سياسة الحكومة، التي تَعّد العدّة لتحضير التربة الخصبة لتمرير المزيد من القوانين العنصرية ضدّ فلسطيني مناطق الـ48، وهذا أخطر ما يكون، لأنّه في ظل انعدام الرأي الأخر، فإنّ الرأي السائد هو رأي الحكومة العنصريّة، وهذا الأمر على المدى البعيد والقريب على حدٍ سواء، سيتأجج في ظلّ عدم وجود إستراتيجيّة عربيّة لمقاومة هذا التحريض السافر، وبالتالي فهناك حاجة ماسّة إلى بلورة إستراتيجيّة عربيّة لدرء هذا الخطر المحدّق والبحث عن وسائل علميّة وعمليّة لمحاربة هذه الظاهرة، التي حوّلت الجلاد إلى ضحية، وحوّلت الضحية إلى جلاد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165326

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165326 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010