الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2014

اتفاقية كامب ديفيد وإمكانية الإلغاء

الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2014 par عوني فرسخ

سبق أن قلت في مقال سابق إن الشعب المصري الذي فجر انتفاضتين خلال عامين أسقط فيهما نظامين مدعومين من الإمبريالية الأمريكية وأداتها الصهيونية، مؤهل بما يمتلكه من قدرات شعبية واستعداد عظيم للعطاء، إبداع الحل الذي يستعيد به كامل سيادته على أرض سيناء وحرية إرادته واستقلال قراره، إن أحسنت قواه الوطنية قراءة الواقع بموضوعية، خاصة تراجع الدور القطبي الأمريكي وافتقاد “إسرائيل” قوة ردعها، ما يوفر فرصة تاريخية لإنهاء اتفاقية كامب ديفيد من طرف واحد، فتلقيت أكثر من رد يتساءل فيها أصحابه، وهل تملك مصر في واقعها الراهن المأزوم على أكثر من صعيد، واحتدام صراع نظامها الجديد مع الإخوان المسلمين في القاهرة ومعظم المدن الرئيسية، المغامرة بإلغاء اتفاقية مدعومة من الإدارة الأمريكية والسائرين في ركابها، وهل هي مغامرة محسوبة ومأمونة النتائج أم إنها دعوة غير واقعية لمغامرة غير محسوبة؟
وفي الإجابة عن التساؤل المطروح أذكر بداية بما أبدعته مصر في الزمن القريب، وقدرة الشعب عظيم الصبر والعطاء والتضحيات على الاستجابة للتحديات، ومواجهة المستجدات في ساحته بما يفاجئ الأصدقاء قبل الأعداء، وفي النصف الثاني من القرن الماضي تجربتان رائدتان غنيتان بالعبر لمن شاء أن يعتبر .
ففي العام 1936 وقّع مصطفى النحاس، زعيم حزب الوفد، “معاهدة 1936” مع بريطانيا، ما بدا وكأن الغاية منها وضع إمكانات مصر في خدمة المجهود الحربي البريطاني ونذر الحرب مع النازية والفاشية تلوح في أفق أوروبا، وذلك في وقت كانت الدعاية النازية واضحة التأثير في أوساط النخب السياسية والجمهور المصري، فيما كانت مصر تواجه خطر النظام الفاشي الايطالي على حدودها مع ليبيا . وذلك عدا عن العداء الوطني المصري لبريطانيا المحتلة أرض مصر والمتحكمة بقرارها السياسي، وبالتالي قوبلت المعاهدة برفض واسع في مصر والمشرق العربي، وفي العام ،1951 وقد تعاظمت فعالية حركات التحرر الوطني الآسيوية والإفريقية ضد دول الاستعمار القديم، أقدم النحاس على إلغاء المعاهدة من طرف واحد فاستقبل قراره الشجاع بتأييد شعبي وطني وقومي، وبادر مئات الشباب بتنفيذ عمليات فدائية جريئة ضد القوات البريطانية، ما أسهم في تشكيل حاضنة شعبية للقرار الوطني كابحة لأي مغامرة بريطانية، وكي لا تتعاظم التداعيات العربية للقرار المصري الشجاع سارعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا إلى طرح “مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط” فبادرت مصر وسورية لرفضه في الحال، وانتفض الشارع السياسي العربي مستجيباً للتحدي، وتسارع نمو الحركة القومية العربية التي توَجت بثورة 23 يوليو/تموز 1952 بمصر .
وفي العام 1954 وقًع جمال عبدالناصر “اتفاقية الجلاء” التي وضعت أساس تصفية الاحتلال البريطاني لمصر منذ سبعين عاماً، وبرغم ذلك استقبل الاتفاق برفض القوى المعادية لسيطرة عبدالناصر ورفاقه على الحكم مستغلة في ذلك المشاعر الوطنية المصرية المعادية لبريطانيا، ولم يستعد عبدالناصر صورته الوطنية واعتباره القومي العربي إلا بعد تأميمه شركة قناة السويس، وصموده في قيادة شعب مصر في مواجهة العدوان الثلاثي سنة ،1956 وفي مواجهة التفاف الجماهير العربية من حول القاهرة، التي غدت مركز قيادة الحركة القومية العربية الصاعدة، حاول الرئيس الأمريكي ايزنهاور استثمار معارضته للعدوان الثلاثي، بطرح مشروعه لملء الفراغ في الشرق الأوسط، ولكنه جوبه برد عبدالناصر الحاسم بأن الحركة القومية العربية قد ملأت الفراغ الناتج عن تصفية الوجود الاستعماري البريطاني والفرنسي في المنطقة، ولم يلبث شعب العراق أن فجر ثورة 14 يوليو/تموز 1958 مسقطاً حلف بغداد ونظام نوري السعيد، كما أُسقطت ثورة شعب لبنان نظام كميل شمعون لقبوله بمشروع آيزنهاور .
وفيما صنعه عظيما مصر خالدا الذكر النحاس وعبدالناصر، بداية ونهاية، البرهان التاريخي على أن ما قد يكون مقبولاً في ظروف غير ملائمة، يغدو مرفوضاً في مرحلة بداية استعادة الفعالية الوطنية واليقظة القومية، وأن ليس في التاريخ الإنساني، خاصة السياسي منه، ما هو ثابت وعصي على التجاوز والتغيير، وهذا ما يصدق تماماً على معاهدة كامب ديفيد، التي كان السادات قد تفرد بتوقيعها، من دون أن يكون لشعب مصر وقواه الوطنية، ونخبه الفكرية والسياسة أدنى مشاركة في مناقشة ما تضمنته من قيود مسّت في الصميم سيادة مصر على ترابها الوطني، وحرية قرار نظامها السياسي .
ثم إن اتفاقية كامب ديفيد ليست معيبة فقط بما تضمنته من مساس غاية في الخطورة على سيادة مصر الوطنية واستقلالية قرارها الرسمي، وإنما أيضاً بما اعترى التزام نظامي السادات ومبارك بها من خلل فادح في التطبيق العملي، إذ بينما كان النظام بمصر حريصاً على الانضباط التام في تنفيذ ما نصت عليه رغم إجحافه بحقوق مصر المشروعة، تحت ضغط الإدارات والأجهزة الأمريكية راعية تنفيذ الاتفاقية، وفي المقابل استغلت “إسرائيل” الهوان الرسمي المصري، والانفتاح غير المحدود على الصهاينة، قادة وتجمعاً استيطانياً في تغلغل أجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” الواسع والعميق في الأواسط المصرية على مختلف المستويات، وربط من استطاعت ربطه بالكيان مصدر الخطر الاول على تخوم مصر الشمالية، لدرجة تباهى أكثر من مسؤول “إسرائيلي” بأنه بات لهم وجودهم المؤثر في شرايين حياة مصر لزمن ممتد، فضلاً عن إسهام “إسرائيل” الخطر في إقامة سد النهضة الإثيوبي، ما يشكل خطراً غير مسبوق على أمن مصر المائي، فيما برز مؤخراً دور الموساد في إدارة اعتداءات الجماعات التكفيرية على أمن مصر الوطني في سيناء، الممنوع جيش مصر من الوجود الفاعل في سبعة أثمان مساحتها، كما نصت على ذلك اتفاقية كامب ديفيد .
وليس القول باغتنام الفرصة التاريخية المتاحة راهناً لإلغاء معاهدة كامب ديفيد العودة للحرب مع “إسرائيل”، لأن “إسرائيل” لم تعد تملك ذراع العدوان الممتدة، ومصر غير مهيأة للحرب لسنوات مقبلة، وإنما الغاية من الدعوة لإلغاء المعاهدة إنما هي تحرر مصر من ترسانة القيود التي مسّت، سيادتها الكاملة على سيناء، واستقلالية قرارها الرسمي من الهيمنة الأمريكية، فضلاً عن أهمية قرار إلغاء المعاهدة في سحب البساط من تحت أقدام الإخوان المسلمين، ومجمل الجماعات التكفيرية، التي ارتدت عما كانت تدعو له من رفض “الاتفاقية” وحشد القوى للتصدي للعدوان الصهيوني، وكل ما تحتاجه مصر اليوم قرار شجاع بإنهاء المعاهدة من طرف واحد، كما كان قد فعل خالدا الذكر مصطفى النحاس، والقائد القومي الراحل جمال عبدالناصر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165341

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165341 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010