الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2014

خطاب لتقرير الواقع

الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2014 par محمد الصياد

بالتأكيد لم يعجب أحد، لا صقور الحزب الجمهوري ولا الواجهات الإعلامية للطبقة السياسية الأمريكية الحاكمة، “نيويورك تايمز”، “واشنطن بوست”، “واشنطن تايمز”، “وول ستريت جورنال”، “لوس أنجلوس تايمز”، ومحطات التلفزة الرئيسية، على رأسها طبعاً مجموعة “فوكس” الإخبارية اليمينية المتطرفة . جميع هؤلاء اتحدوا في توجيه انتقاداتهم لخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ألقاه الأربعاء 28 مايو/أيار الماضي في أكاديمية “ويست بوينت العسكرية”، وتركز حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة . فما الذي قاله الرئيس أوباما في هذا الخطاب؟
طوال الأشهر القليلة الماضية ظل خصوم أوباما يتذمرون مما يعتبرونه مواصلة روسيا والصين تحقيق أهدافهما بنجاح على حساب الولايات المتحدة بسبب تردد الرئيس وإمساكه عصا السياسة الخارجية الأمريكية من النصف بين الانعزالية والمشاركة الفاعلة في الشؤون الدولية .
أشار منتقدوه الدائمون ومنتقدو خطابه الأخير، إلى أنه أخرج بلادهم من العراق ويعمل على إخراجهم من أفغانستان، لكنه في الوقت عينه زج بهم في حرب إطاحة نظام القذافي في ليبيا وهي العملية التي تحولت إلى كارثة، بحسب تعبيرهم . كما أنه يتدحرج للتورط في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، ما اعتبروه تناقضاً لدى الرئيس بين القول والفعل . في هذا السياق كتب باتريك بوكنان في 30 مايو/ أيار الماضي مقالاً في موقع “أنتي وور” يرد فيه بقوة على أوساط اليمين الأمريكي المتطرف التي لا تكل ولا تمل من انتقاد أوباما ومطالبته بالعودة إلى سياسة البوارج الحربية وتوظيف الترسانة العسكرية الأمريكية في خدمة وتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية . يقول بوكنان: “تصوروا لو أن أغلبية أصوات الأمريكيين ذهبت لجون ماكين (صوت العسكرتاريا الأمريكية المميز)، لو كان حدث ذلك - يقول بوكنان -”لكنا علقنا في الحرب الروسية الجورجية على أوسيتا الجنوبية، ولكان أمَرَ بقصف المواقع النووية الإيرانية، ولكانت قواتنا مازالت في العراق، ولكان قَصَفَ سوريا، ولكان أرسل السلاح إلى كييف ودفعها للحرب ضد روسيا لاستعادة القرم، ولكان انخرط في مقاتلة الميليشيات الموالية لروسيا في إقليم الدونباس، ولكان ضغط باتجاه ضم أوكرانيا وجورجيا إلى حلف الناتو . . باختصار لكنا علقنا في مشكلات مع روسيا بالغة الخطورة" .
مشكلة ذوي النزعات الحربية، أو حزب الحرب، كما يطلق عليهم في الإعلام الأمريكي الموازي، أن تصويت أغلبية الأمريكيين للرئيس أوباما لمرتين متتاليتين (2008 و2012)، يعني أن الأمريكيين سئموا مغامراتهم الحربية الخارجية، فكان أن اهتدوا إلى أسلوب إخافة الأمريكيين من مغبة سياسة الانعزال، عبر حملة إعلامية منسقة ومكثفة . بيد أنهم وجدوا أن من الصعب تسويق الفكرة التي ربما لا تنطبق في عالم اليوم سوى على كوريا الشمالية .
في يوم ما اقترنت ما سُميت بسياسة “الانعزال” بالرئيس الأمريكي الراحل جورج واشنطن وأُلصقت هذه الصفة (أو التهمة إن شئتم) بعهده الرئاسي، فقط لأنه اختار أن تنكب البلاد على الاشتغال على نفسها وحل مشكلاتها التنموية عوضاً عن تضييع الوقت والمال في دس الأنف في كل صغيرة وكبيرة في الشؤون الدولية . ويحاول حزب الحرب اليوم المقارنة كتشبيه بين أوباما وجورج واشنطن .
جورج واشنطن هو أول رئيس للولايات المتحدة حكم خلال الفترة من 1789 إلى ،1797 وكان شغل منصب رئيس هيئة أركان الجيش الوطني إبان الثورة الأمريكية (1775 - 1783) . كانت الدولة الأمريكية فتية عندما اندلعت الحرب بين بريطانيا العظمى وحلفائها وبين فرنسا الثائرة في 1793 والتي امتدت حتى عام 1815 . فكان أن اتخذ الرئيس الأمريكي جورج واشنطن قراراً حظي بموافقة جميع أركان الإدارة، وقضى باتخاذ موقف محايد من هذه الحرب .
والحقيقة أن جورج واشنطن كان منذ البدء ضد فكرة التحزب التي رأى فيها معولاً لهدم النظام الجمهوري، وإن مال بشكل صريح إلى أحد أقرب معاونيه وهو ألكسندر هاملتون وزير الخزانة الذي أنشأ أحد الحزبين الحاكمين اليوم في الولايات المتحدة الحزب الديمقراطي، ووقف بحزم ضد معاونه الآخر توماس جيفرسون الذي وقف وراء إنشاء حزب الجمهوريين الفيدراليين (الحزب الجمهوري اليوم)، وطرده من إدارته . وفي قراءة خطاب الوداع لهذا الرئيس القائد، سنجد أن جورج واشنطن منحاز للتركيز على الشؤون الداخلية للبلاد ووحدتها الوطنية وإعلاء قيم الدستور والقانون والتحلي بالأخلاق والمصداقية في العمل الحكومي، واختار الوقوف بحزم ضد التدخلات الأجنبية في بلاده، وبالمقابل عدم تدخل بلاده في شؤون الدول الأخرى وتوريطها في أحلاف عسكرية، لاسيما في أوروبا . عارضاً الصداقة والعلاقات الاقتصادية على دول العالم كافة .
وشتّان ما بين رؤية جورج واشنطن ورؤية باراك أوباما للسياسة الخارجية الأمريكية . فالأول اختار عدم التورط في النزاعات الدولية، لاسيما الصراع البريطاني الفرنسي في القارة الأوروبية آنذاك، وتركيز اهتمامه على الشؤون الداخلية لبلاده، في حين اختار الثاني إعادة تموضع الانتشار البحري والجوي لأكثر من 60% من القوات الأمريكية باتجاه شرق آسيا والمحيط الهادئ للتصدي للصعود الصيني المتنامي، ومباركة توجهات رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي على مواصلة بعث النزعة القومية والعسكرية اليابانية، ومد الجسور - حتى من قبل انتخابه - مع رئيس الوزراء الهندي الجديد زعيم حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف والمغالي في عدائه للصين .
بهذا المعنى، فإن الرئيس أوباما والجناح الحاكم من الطبقة السياسية الأمريكية المتقاسمة لسلطة الحكم، ليسا انعزاليين، كما يحاول الجناح الأكثر غلواً داخل النظام السياسي الأمريكي، ترويجه . ومع ذلك، فإن الجمهوريين عموماً المعروفين بتحالفهم المتين مع المجتمع الصناعي الحربي لا تروق لهم سياسة مسك العصا من النصف “الأوبامية”، هم يريدون إحماء أكثر سخونة لماكينة الصناعات العسكرية وتأمين مظلة عسكرية عالمية راجحة للدولار تعوضه عن أساسياته الاقتصادية المتراجعة .
ثم إن الطبقة السياسية الأمريكية قد وصلت إلى مرحلة لا مناص فيها من التسليم بتأثير العجوزات المالية الضخمة (عجز الموازنة الذي يراوح حول نصف تريليون دولار وتجاوز سقف الدين العام إجمالي الناتج المحلي) في حرية ومرونة السياسة الخارجية . وما يفعله الرئيس أوباما ينطوي على إقرار ضمني بهذا الواقع، وإن لم ينس إعادة تأكيد استمرار قيادة أمريكا للعالم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2178743

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178743 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40