الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2014

هل يتوب الإرهابي بعد أن يصل إلى الحكم؟

الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2014 par رغيد الصلح

في أعقاب تشكيل الحكومة الائتلافية الفلسطينية أصدر رئيس الحكومة “الإسرائيلية” أمراً بوقف تسليم عائدات الضرائب الفلسطينية إلى السلطة، فضلاً عن ذلك أعلنت حكومة نتنياهو مقاطعتها للسلطة الفلسطينية، وطالبت الدول الكبرى باتخاذ الموقف نفسه . الحكومة الأمريكية لم تغير موقفها تجاه حماس، ولكنها في الوقت نفسه لم تتجاوب مع الموقف “الإسرائيلي”، وإنما أعلنت أنها سوف تراقب وتقيم أداء وسياسة الحكومة الائتلافية وتحدد موقفها تجاهها في ضوء السياسات التي تتبعها هذه الحكومة .
امتناع الحكومة “الإسرائيلية” عن تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية إلى السلطة سوف تكون له مضاعفات اجتماعية واقتصادية وسياسية سلبية على الفلسطينيين، إذ إن هذه العائدات تشكل ثلثي دخل الحكومة الفلسطينية . أما الموقف الأمريكي فإنه يمنح الفلسطينيين فسحة من الوقت وفرصة لكي يوطدوا أوضاع الحكومة الجديدة والصيغة الائتلافية بين حماس وفتح . ولكنه في الوقت نفسه يبقي التهديد الأمريكي مسلطاً على الفلسطينيين . فإذا لجأت حكومة الحمد الله إلى ممارسة الضغط على “الإسرائيليين” للانسحاب من الأراضي المحتلة أو لوقف الاستيطان، فإنها قد تجد نفسها في مجابهة مع واشنطن التي ستجد نفسها مضطرة عندئذ للانضمام إلى “إسرائيل”، وإلا فسوف يكون حسابها عسيراً مع اللوبي الصهيوني ومع الكونغرس الأمريكي .
الذرائع “الإسرائيلية” وغير “الإسرائيلية” لاتخاذ هذه المواقف معروفة: حماس منظمة إرهابية، و“إسرائيل” لا تتعامل مع “الإرهابيين” . ويطرح هذا الموقف من الإرهاب الفلسطيني المفترض السؤال عما إذا كانت حكومة نتنياهو مؤهلة، هي نفسها، للاضطلاع بدور الحكم في مسألة الإرهاب والجماعات الإرهابية . فالأحزاب “الإسرائيلية” الممثلة في الحكومة “الإسرائيلية” تنتمي إلى تراث إرهابي عريق . أما حزب ليكود، الذي يقود الحكومة “الإسرائيلية” فإنه خيمة كبيرة تضم خبرات عز نظيرها في تقنية الإرهاب وأساليبه ونظرياته وعناصره البشرية ومنظماته الفتاكة .
تأسس حزب ليكود على يد عدد من الوجوه الساطعة في سماء الإرهاب “الإسرائيلي”، أبرزها مناحيم بيغن، وكذلك أرييل شارون وإسحاق شامير . هؤلاء لم يكونوا إرهابيين عاديين، بل لعبوا أدواراً رئيسية في تأسيس منظمات إرهابية، مثل الايرغون وشتيرن . هذه المنظمات لم تستخدم الأساليب الإرهابية المتداولة في الشرق، بل عملت كوكيل حصري لها في هذه المنطقة، وكرائد في استخدامها بين شعوبها وفي تحديثها وفي تعريف المنطقة بآخر منتجات الإرهاب الأوروبي . الخوض في موضوع العنف لم يكن حكراً على منظري وقادة الايرغون وشتيرن، ولكن هؤلاء حولوا العنف وحولوا الإرهاب إلى مادة رئيسية لاهتماماتهم ولتعاليمهم، ومصدر لإلهام أتباعهم . فكر الإرهاب شغل موقعاً مهماً في كتاباتهم .
بين “جيل العمالقة الذين أسسوا الدولة”الإسرائيلية“”، كما وصفه بنيامين نتنياهو كان إسحاق شامير الذي استمر فترة طويلة رئيساً للحكومة “الإسرائيلية” إرهابياً خالصاً . اختلف عن بن غوريون أنه لم يمتلك الثقافة السياسية، وعن مناحيم بيغن أنه لم يمتلك الكاريزما، وعن أرييل شارون أنه لم يدرك فن المناورة الذي جعله ينتقل من اليسار العمالي إلى اليمين الليكودي، واختلف عن إبراهام شتيرن، أنه مارس الإرهاب ضد الفلسطينيين وغير الفلسطينيين بيده وبإشرافه . ولكن أهم صفة ميزته عن هؤلاء وعن الذين انتقلوا إلى مقاعد الحكم أنه كان صريحاً .
هذه الصراحة رافقت شامير عندما حمل القلم دفاعاً عن الإرهاب والإرهابيين فكتب قائلاً: “لا الأخلاق اليهودية ولا التقاليد اليهودية تمنع استخدام الإرهاب كوسيلة من وسائل الحرب . . . نحن بعيدون جداً عن أي تردد معنوي عندما نمارس النضال القومي” . . . “إن هذا الإرهاب هو، أولاً وقبل كل شيء، جزء من الحرب السياسية التي تتلاءم بأفضل لغة ممكنة مع الأحوال القائمة” . في دفاعه عن الإرهاب، استخدم شامير أيضاً لغة الرومانسيين السوداء حينما قال إنه على من وقعت عليه مسؤولية قتل شخص لا يعرفه، عليه أن يكون متيقناً من أمر واحد فقط، ألا هو أنه “بهذا العمل سوف يغير التاريخ” .
من يقرأ هذه الكلمات، يظن أن شامير كان فريداً من نوعه في نظرته إلى العنف، خاصة إذا ما تذكر القارئ دور شامير الشخصي في قتل الكونت برنادوت مندوب الأمم المتحدة، واللورد موين وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط . ومن يعود إلى أعمال أرييل شارون في غزة وجنوبي لبنان وصبرا وشاتيلا قد يستنتج أن شارون كان مجرد آلية لسفك الدماء . ألم يطلق عليه أقرانه في المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” لقب “الجزار”، حتى ولو من قبيل المداعبة؟ ومن يقرأ كلمات غولدا مائير في مذكراتها تقول إنه لا يوجد فلسطينيون في عالمنا هذا، سوف يراها شخصاً استثنائياً في قسوته وجوره . ولكن الأفضل أن نوفر مثل هذه التوصيفات للمدارس الفكرية التي تخرج فيها هؤلاء، وللداروينية الاجتماعية التي انبثقت منها تلك المدارس .
هذه الأمثلة والمتابعات قد تقودنا إلى قبول النظرية التي تقول إن الإرهابي لا يتوب، وإن الناشط السياسي الذي يمارس الإرهاب قبل الوصول إلى السلطة سوف يستمر في ممارسته بعد وصوله إليها، كما تقول هذه النظرية إن إمساك الإرهابي السابق بأدوات الدولة وقدراتها سوف يضع في يده إمكانات إضافية تجعله أكثر بطشاً وعنفاً من قبل . هناك نظريات أخرى نقيضة تقول إن مسؤوليات الحكم تروض النزوع إلى العنف . من الصعب التعميم على هذا الصعيد، ومن الأفضل البحث عن المزيد من الأدلة التي ترجح هذا الرأي أو ذاك . في هذا السياق، فإن الكتاب الذي وضعه أخيراً الصحفي والمؤرخ العسكري البريطاني باتريك بيشوب، بعنوان “الحساب: الموت والمكيدة في أرض الميعاد” يرجح أن يكون الرأي الأول هو الأصح .
في كتابه هذا الذي يتمحور حول تاريخ عصابة شتيرن، يروي بيشوب قصصاً كثيرة تدل على أن تراث المنظمات الإرهابية لا يزال مستمراً في عقول وأفئدة الزعماء الذين يحكمون “إسرائيل” اليوم . فنتنياهو أطلق على ابنه اسم يائير، تعبيراً عن إعجابه بزعيم عصابة شتيرن الذي كان يستخدم هذا الاسم كاسم سري وحربي . وحذا العديد من قادة ليكود وناشطيه في حزب نتنياهو، بحيث أصبح اسم يائير موضة بين الجيل الجديد من أبناء زعماء ليكود . كذلك انتشرت أيضاً موضة إطلاق أسماء رموز وقادة العمليات الإرهابية على الشوارع في المدن “الإسرائيلية” وعلى المدارس الرسمية . ومن شتيرن يقتبس زعماء ليكود نظرية “إسرائيل” كدولة يهودية وليس دولة ديمقراطية، وبالاستناد إلى نظرياته أيضاً تروج فكرة تسفير العرب و“إسرائيل الكبرى” التي تتسع لفلسطين وشرق الأردن والجولان .
إن أحفاد شتيرن والايرغون، المخلصين لنظريات الآباء المؤسسين في العنف والإرهاب والمجازر، يمارسون درجة عالية من الابتذال السياسي عندما يتصورون أنهم يستطيعون إسدال ستار من النسيان على سجل الإرهاب “الإسرائيلي” من خلال الحديث عن “الإرهاب الفلسطيني” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165777

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165777 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010