الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2014

المصالحة خيار استراتيجيّ أم أزمة مالية؟

الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2014 par هاني جودة

بعد سبعة أعوام من الانقسام الذي أهان كرامة الإنسان الفلسطيني، وبعد مؤتمرات عربية ونداءات محلية، وقّعت حركتا فتح وحماس اتفاق مصالحة قيل إنه خيار استراتيجي ووحيد لتوحيد الطاقات والجهود ضدّ الاحتلال وممارساته في أرضنا المحتلة. اتفاق اعتمد في الأساس على اتفاقية القاهرة 2012 مع بعض ملاحظات من الجانبين انتهت بقدوم اللجنة الخماسية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى غزة وتوقيعها اتفاق مصالحة مع القيادات المؤثرة في حركة حماس في الداخل والخارج.

الناظر في أسباب الانقسام الفلسطيني يجد له أبعاداً لم تطرح على الطاولة في أي مناقشة أو حوار بين طرفي الصراع الفلسطيني، وبعضها طرح ولم تتغيّر أي نقطة فيه شكلاً ومضموناً، فمن أهمّ مسبّبات الانقسام تضارب الإيديولوجيات، بينما لا يتعدى الاتفاق بعض الثوابت. فحركة حماس هي جزء أساسي من حركة «الإخوان المسلمين»، وتربطها بهذه الحركة أهداف ورؤية عالمية إسلامية متشابكة ومتحدة في الأفكار والمبادئ التي تنتمي أساساً إلى مدرسة واحدة هي مدرسة «الإخوان المسلمين»، ومع وجود إيديولوجيا خارجية تتحد حماس والنسيج الوطني الفلسطيني في أهداف أبرزها الثوابت الفلسطينية جمعاء، وإيجاد حالة من النضال الدائم على نحو مسلح ضدّ الاحتلال.

في المقابل، حركة فتح شعبية وولادتها فلسطينية المنشأ ولا ترتبط إيديولوجياً بأي تيار عربي، وتتحد في الأهداف مع باقي فصائل العمل الوطني في الأرض المحتلة.

ربما جعلت الهزة الشديدة التي تعرّضت لها جماعة «الإخوان» في مصر «إخوان» تونس يفكرون أكثر حكمة عندما وجه مرشد حزب النهضة التونسية رائد الغنوشي انتقادات إلى سلوك الرئيس المصري السابق محمد مرسي وجماعة «الإخوان» في مصر.

مجموع هذه التحوّلات جعل حركة حماس تلقي على الواقع العربي نظرة جديدة، على قاعدة المصالح الفلسطينية. ومن مسبّبات الانقسام طبيعية التربية الحزبية التي ترفض الغير على قاعدة «مسلم كافر»، «حق باطل». وإن تخلصنا موقتاً من عقدة الإيديولوجيا فإننا لم نتخلّص حتى الآن من قاعدة «الحق والباطل» التي تؤثر سلباً على الدوام في سلوك الأفراد الحزبيين، بخاصة الجماعات الإسلامية.

أكبر ما نفرت منه حركة حماس وفصائل العمل الوطني هو التنسيق الأمني الذي يجب أن يراعي المصالح الفلسطينية ـ الفلسطينية أولاً وأخيراً، لكن لا يمكن أن يكون ذلك سبباً وشماعة في اختلاف الرؤى ووجهات النظر بقدر ما يختلف حوله تعريفاً بهذا المصطلح من قبل الجمهور الفلسطيني والمثقفين، لكني أجزم أنّ هذا التنسيق لا يمثل غاية لأحد، وبالتالي لا يمكننا أن نضعه عائقاً أساسياً في استراتجيتنا الداخلية.

المصالحة تحمل الخير في طريق واحد، إذا كان هناك برنامج وطني عام وموحد تتفق عليه أساساً حركتا فتح وحماس، جنباً إلى جنب مع باقي فصائل ومؤسسات الشعب الفلسطيني. هذا البرنامج يصنع من المواقف العامة ثابتاً مجمعاً عليه ولا يدعنا نغوص في تفسيرات الإيديولوجيات الخارجية مهما كانت، ويكون برنامجنا الوطني جزءاً من الدستور الفلسطيني ويعرض على استفتاء وطني عام يحدّد معالم نضالنا وشكله وطبيعته ضدّ الاحتلال، ويجرّم عقيدة التخوين والتضليل.

إذا لم تكن المواقف الوطنية الكبيرة صادقة تصدأ بالمال، بل تتبدل وتصبح شبحاً جديداً يرتدي بزة جديدة للانقسام، فإنك ترى النوايا مجرّدة إذا أوقفتها أمام المال، وبات معروفاً أنّ الأزمة المالية الحادة التي عانتها حكومة غزة وحجم رد فعل الجمهور الفلسطيني من جراء الأوضاع الاقتصادية الأكثر من سيئة دفعها إلى القبول باتفاقية القاهرة وتوقيع اتفاق مصالحة مع وفد منظمة التحرير، غير أن ثنايا اتفاق القاهرة في ما يتعلق بأوضاع موظفي حكومة غزة السابقة أرجأتها إلى لجان متخصصة لتقويم أوضاع الأفراد كافة والبالغ عددهم 24 ألفاً، وتشكيل لجنة عربية لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، إذ نشطت حركة الترقيات على نحو كبير قبيل توقيع اتفاق المصالحة، وهذه الترقيات يجب أن تتمّ وفق معايير وأسس سليمة ومهنية. وللعلم حتى التفاهمات والملاحظات التي بُنيت على اتفاق القاهرة، ووافقت عليها فتح وحماس لم تتطرق إلى رواتب حكومة غزة المستقيلة، بل يسجل موقف رسمي واحد في هذا المضمار هو تصريح قيادة «م. ت. ف» حول استمرار دفع رواتب حكومة غزة السابقة من قبل حركة حماس، ولمدة ستة أشهر، حتى تنهي اللجنة التقويمية أعمالها، لذا تفجّرت الأزمة مجدّداً عندما ارتطمت المصالحة براتب أول شهر، وهذا يمسّ المواطن الفلسطيني في قوته في محاولة غير مسؤولة تجرّد النَفَس الوحدوي الذي عاشته الحالة الفلسطينية لأيام قصيرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 57 / 2182104

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2182104 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40