الخميس 12 حزيران (يونيو) 2014

تكامل الأهداف في التحالف الروسي - الصيني

الخميس 12 حزيران (يونيو) 2014 par د. محمد السعيد ادريس

أمور كثيرة تحفز كلاً من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ على أهمية وضرورة المضي قدماً في مسار فرض عليهما يقضي بحتمية التحالف الاستراتيجي بين بلديهما، فالبلدان يواجهان تحديات غربية أمريكية - أوروبية غير مسبوقة تفرض عليهما التنسيق والتكامل لبناء تحالف قوي يضع نهاية للحلم الامبراطوري الأمريكي الذي لم يتهاون لحظة في فرض عدوانية النظام العالمي أحادي القطبية الذي لم يؤسس فقط على قاعدة التفوق في امتلاك كل أنواع القوة، بل وأيضاً تعمد النيل من قدرات القوى الأخرى المرشحة لمنافسته والتخطيط للحيلولة دون تمكينها فرص المنافسة على الزعامة الدولية .
والبلدان أمامهما أيضاً فرص غير مسبوقة للنجاح منها أن الطرف الأمريكي المناوئ يواجه بحتمية أفول عصر جبروته واستقوائه نتيجة لعوامل بنيوية داخلية في هيكلية إدارة نظامه الاقتصادي والسياسي ومنظومة القيم السياسية التي تمثل الخلفية العقائدية في إدارة النظام، كما أنهما يحظيان أيضاً بفرص لم تتح لهما، وربما لغيرهما أيضاً، من تكامل القدرات والأهداف .
هذا التقييم، حتماً، لم يغب عن تفكير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو في طريقه إلى شنغهاي للقاء الزعيم الصيني بينغ في لقاء القمة الدوري السنوي بينهما، لكن الذي لم يغب أيضاً إدراكه أن التحالف بينهما ليس مجرد اجتهاد اختياري ضمن خيارات أخرى أو بدائل أخرى بل إنه حتمية مفروضة بحكم ضخامة التحديات التي تواجه روسيا مع الغرب الأمريكي - الأوروبي في أوكرانيا وسوريا، وضخامة التحديات التي تواجه الصين مع الأمريكيين وحفائهم (اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين) في بحر الصين الشمالي وبحر الصين الجنوبي .
فعقب عودة بوتين من هذه القمة (20-21 مايو/أيار 2014) بيومين فقط عبّر بوضوح شديد عن إدراكه لمدى العدوانية الأمريكية نحو روسيا ما يؤكد أن هذا المعنى كان يسيطر عليه خلال القمة التي جمعته مع الزعيم الصيني، وإن ما تم التوصل إليه من نجاحات هائلة في هذه القمة كان محصلة مباشرة لجدية المسعى الروسي - الصيني لمواجهة الأخطار والتهديدات .
فقد تحدث بوتين عقب عودته من قمة شنغهاي أمام منتدى اقتصادي في سان بطرسبورغ شمال غربي روسيا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دعما الانقلاب في أوكرانيا، الذي تلته الفوضى ونشوب حرب أهلية شاملة في البلاد، مؤكداً أنه كان من الممكن أن تشهد منطقة القرم جرائم أكثر دموية من مأساة أوديسّا في حال عدم قيام روسيا بضم شبه الجزيرة وكشف أن المشكلات الحادة المتعلقة بأوكرانيا والقرم مرتبطة بعدم وجود ثقة، مؤكداً أن إعادة الثقة أمر مهم، ولم يفت بوتين أن يؤكد أن فكرة النظام الأحادي القطبية لم تتحقق، مشيراً إلى أن “ذلك أمر بديهي حتى لهؤلاء الذين يحاولون العمل وفقاً للنظام المعتاد على الهيمنة وإملاء قواعدهم في السياسة والتجارة والمال وفرض صفاتهم الثقافية” .
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لم يكن أقل وضوحاً وصراحة في تفنيده للسياسات الغربية الخاطئة أمام مؤتمر موسكو الثالث للأمن الدولي، عندما قال: إن الغرب “وضع أوكرانيا بين خيارين، معنا أو ضدنا، بدلاً من تطوير مشروعات التكامل الطبيعية في أوروبا وأوراسيا”، كما أكد لافروف في تزامن مع خطاب الرئيس بوتين أن الغرب “فضل سياساته الرامية إلى احتواء روسيا، على الفرصة التاريخية لإقامة أوروبا كبرى”، لكن حديث رئيس الأركان العامة الروسية فاليري جيراسيموف أمام هذا المؤتمر كان أكثر صراحة ومكاشفة عندما قال إن الولايات المتحدة وحلفاءها “يقفون وراء الجزء الأكبر من النزاعات المسلحة الإقليمية”، وإن واشنطن “لا تستطيع قبول ظهور مراكز قوى عالمية جديدة”، موضحاً أنها في سبيل تحقيق ذلك لا تتورع عن استخدام كل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة، فهي تلجأ إلى استخدام العقوبات، ودعم القوى الداخلية الموالية للغرب لزعزعة استقرار الدول، “لكن القوة العسكرية تصبح حجة حاسمة”، في هذا السبيل .
الإدراك الصيني لخطورة السياسات الأمريكية ليس أقل من الإدراك الروسي الأمر الذي تكشف بوضوح شديد عندما بادرت الصين إلى إعلان يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 عن إقامة منطقة دفاع جوي جديدة فوق بحر الصين الشرقي، حيث أبدت الولايات المتحدة قلقها الشديد من هذه الخطوة واعتبرتها “إخلالاً بتوازن القوى” في المنطقة، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن طائراتها العسكرية ستواصل عملها فوق هذه المنطقة متحدية القرار الصيني، في حين أن الصينيين، حسب ما ورد في الكتاب السنوي الأبيض لوزارة الدفاع الصينية الذي نشر في إبريل/نيسان ،2013 ترى أن إقامة الصين منطقة دفاع جوي حول بحر الصين الشرقي هدفها مواجهة الانعطافة العسكرية الأمريكية تجاه آسيا، في ظل إدارة الرئيس أوباما التي تتسبب في إحداث “التوتر الإقليمي”، وكانت مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس قد أكدت أن الولايات المتحدة سترسل 60 في المئة من قواتها البحرية إلى منطقة المحيط الهادي من أجل مواجهة تنامي القوة العسكرية والاقتصادية للصين، وإنها ستوفر أيضاً أسلحة أكثر تطوراً لقواتها المسلحة في هذه المنطقة .
وإذا كان للتحالف الروسي - الصيني دوافع فله أيضاً حوافز مع وجود فرصة غير مسبوقة للتكامل وبالذات في مجال تصدير الطاقة بالنسبة لروسيا واستيراد هذه الطاقة بالنسبة للصين، وهذا ما استطاعت قمة شنغهاي الروسية - الصينية تحقيق أبرز اختراقاتها ونجاحاتها .
فالخلافات الروسية - الغربية المتصاعدة حول أوكرانيا وملفات أخرى عالمية وإقليمية مهمة والتهديدات الأمريكية - الأوروبية بفرض عقوبات اقتصادية قاسية ضد روسيا بسبب السياسة الروسية الداعمة للانفصال في أوكرانيا أعطت لروسيا فرصة مؤاتية لاستخدام الغاز الروسي كأداة عقابية ضد أوروبا وضد أوكرانيا بالتبعية، وفي الوقت الذي كانت روسيا تفكر بالحد من صادراتها من الغاز لأوروبا كان عليها أن تبحث عن بديل للسوق الأوروبية للغاز الروسي وللنفط الروسي أيضاً، وهنا كان البديل الصيني جاهزاً، فإذا كانت روسيا تعتمد في اقتصاداتها على تصدير النفط والغاز فإن الصين تعتمد في تقدمها الاقتصادي على استراد مأمون للنفط والغاز .
وجاءت قمة شنغهاي لتعلن ترسيخ التحالف الاستراتيجي الروسي - الصيني على قاعدة ضخمة من التكامل في مجال الطاقة إضافة إلى خطوات متقدمة في مجال التعاون الصناعي والتنسيق الأمني والعسكري، حيث وقعت شركة “غاز بروم” الروسية مع شركة النفط الوطنية الصينية (سي إن بي سي) لتزويد الصين ب38 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً لمدة 30 عاماً بقيمة 400 مليار دولار، كما تم التوقيع أيضاً على مشروعات تصنف في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين منها مشروع بناء طائرة مدنية ضخمة روسية - صينية للمسافات الطويلة يمكنها أن تتجاوز حصة شركتي “بوينغ”، و“إيرباص”، إضافة إلى التنسيق في معالجة القضايا الإقليمية خاصة سوريا وأوكرانيا في خطوات تؤكد في مجملها الأسس المتينة لهذه الشراكة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165427

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165427 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010